المصرية للاتصالات تحقق 5.2 مليار جنيه صافي ربح بالربع الأول من 2025    عاجل- مدبولي يفتتح توسعات مصنع "هيات إيجيبت" بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس    البترول: 3 اكتشافات جديدة للزيت والغاز بالصحراء الغربية وخليج السويس    توريد 282 ألف طن من القمح لشون وصوامع المنيا    إيلون ماسك يحضر مباحثات ترامب وولي العهد السعودي في قصر اليمامة    حصيلة ضحايا الحرب على غزة تتجاوز 52 ألفا و900 شهيد    انطلاق اجتماع المجلس الاقتصادى والاجتماعى على المستوى الوزارى تحضيرا للقمة العربية التنموية    لاعب شباب غانا: لم يحالفنا الحظ أمام مصر    وكيل تعليم الغربية يشدد على الرصد في الشيت الورقي والإلكتروني يوميا    «الداخلية»: ضبط قائد سيارة ربع نقل بعد ظهوره في فيديو يسير برعونة معرضًا حياته للخطر    سوداني ينهي حياة إريتري ذبحًا في الطالبية    شاهد الاستعدادات النهائية لحفل افتتاح مهرجان كان السينمائي الدورة ال 78 (صور)    عاجل- نجاح فريق طبي مصري في إنقاذ سائحين من روسيا والسعودية بعمليات قلب دقيقة بمستشفى العجوزة    جدول مواعيد امتحانات الترم الثاني 2025 في محافظة أسيوط جميع الصفوف    عاجل- وكالات أنباء "ممنوعة" من مرافقة ترامب بجولة الشرق الأوسط    ماسك ووزيرى التجارة والخزانة الأمريكيين يشاركون بمنتدى استثمار بالسعودية    الاتحاد الأوروبي: لن نستأنف واردات الطاقة من روسيا حتى لو تحقق السلام في أوكرانيا    وزير الخارجية يبحث مع نظيره التركى التطورات الكارثية الإنسانية بغزة    غدا آخر موعد للتقديم.. وظائف شاغرة في جامعة أسيوط    المصرى لا يعرف الهزيمة فى 5 مواجهات أمام فاركو قبل صدام اليوم    رئيس الاتحاد البرازيلي: تلقيت تعليقات من اللاعبين بشأن أنشيلوتي    المانجو ب 50 جنيهًا.. أسعار الخضروات والفاكهة اليوم الثلاثاء 13 مايو 2025    المشاط: نتطلع إلى إتاحة المزيد من الأدوات التمويلية للقطاع الخاص المحلي والأجنبي في مصر    فاروق يبحث مع معهد سيام باري تعزيز التعاون في مجال البحث العلمي الزراعي    مصرع شخصين وإصابة 6 آخرين في انقلاب سيارة جنوب البحر الأحمر    مقتل 3 عناصر جنائية وضبط آخرين فى مواجهات أمنية    بزعم قدرته على العلاج الروحاني.. «الداخلية»: ضبط متهم لقيامه بالنصب على المواطنين في الإسكندرية    الأكاديمية الطبية العسكرية تفتح باب التسجيل ببرامج الدراسات العليا.. اعرف الشروط والتخصصات    شريف ليلة.. أبرز مشاركات الفنان الراحل السينمائية والدرامية    مصر تسترد 25 قطعة أثرية من الولايات المتحدة الأمريكية    بعد إقرار قانون الفتوى.. دار الإفتاء تطلق برنامجًا تدريبيًا للصحفيين لتعزيز التغطية المهنية للقضايا الدينية والإفتائية    "الأعلى للآثار": عازمون على استعادة أى آثار خرجت بطريقة غير مشروعة    قريبًا.. كريم محمود عبد العزيز يروج لمسلسله الجديد "مملكة الحرير"    وزير التعليم يتفقد مدارس الحوامدية: تقديم كافة سبل الدعم للمعلمين والطلاب    صحة المنوفية تتابع سير العمل بمستشفى بركة السبع المركزي    وزير الري يتابع موقف الأنشطة التدريبية الإقليمية بالمركز الإفريقي للمياه والتكيف المناخي (PACWA)    تشكيل الأهلي المتوقع لمواجهة سيراميكا في الدوري    داعية إسلامي: احموا أولادكم من التحرش بالأخذ بالأسباب والطمأنينة في التوكل على الله    هل يحق للزوجة طلب زوجها "الناشز" في بيت الطاعة؟.. محامية توضح الحالات والشروط    مدير عمل بني سويف يسلم عقود توظيف لشباب في مجال الزراعة بالأردن    ارتفاع أسعار الحديد والأسمنت اليوم الثلاثاء بالأسواق (موقع رسمي)    صبحي خليل يكشف أسباب تألقه في أدوار الشر وممثله المفضل ورسالة محمد رمضان له    إرشادات دقيقة لأداء مناسك الحج والعمرة كما فعلها الرسول صلى الله عليه وسلم    وزارة الصحة تحذر: تغيرات في سلوك الطفل قد تشير إلى اضطرابات نفسية    حكم تسوية الصف في الصلاة للجالس على الكرسي.. دار الإفتاء توضح    عيد ظهور العذراء مريم في فاتيما.. ذكرى روحية خالدة    كان يتلقى علاجه.. استشهاد الصحفي حسن إصليح في قصف الاحتلال لمستشفى ناصر ب خان يونس    بيان هام من محامية بوسي شلبي بشأن اتهامات خوض الأعراض: إنذار قانوني    حبس عصابة «حمادة وتوتو» بالسيدة زينب    غيابات مؤثرة بصفوف الأهلي أمام سيراميكا كليوباترا في الدوري المصري    مستشفى سوهاج العام يوفر أحدث المناظير لعلاج حصوات المسالك البولية للأطفال    الأهلي يحصل على توقيع موهبة جديدة 5 سنوات.. إعلامي يكشف التفاصيل    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 13-5-2025 في محافظة قنا    اليوم| محاكمة 73 متهمًا في قضية خلية اللجان النوعية بالتجمع    يلا كورة يكشف.. التفاصيل المالية في عقد ريفيرو مع الأهلي    منتخب مصر للباراسيكل يكتسح بطولة إفريقيا لمضمار الدراجات ويحصد 29 ميدالية.    جامعة القاهرة تحتفل بيوم المرأة العالمي في الرياضيات وتطلق شبكة المرأة العربية- (صور)    طفل ينهي حياته داخل منزله بالإسماعيلية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البناء الجملي المتواصل عند كريم عبد الله
نشر في شموس يوم 24 - 01 - 2017

قصيدة النثر هي شعر بشكل نثر ، اي ان الشكل شكل نثر و منه ينبثق الشعر . وهذا الفهم هو جوهر قضية قصيدة النثر ، و ليس ما يعتقد من تحرر الشعر من الوزن و القافية ، ان طموح كاتب قصيدة النثر هو أن يكتب شعرا ً لكن بشكل نثر وهنا تظهر القدرة الابداعية و تتجلى التجربة .
لقد ساد مفهوم خاطئ انّ قصيدة النثر تحتاج الى تعبيرية بصرية من خلال التشطير او التوزيع او الفراغات ، حتى انّي يوما ارسلت قصيدة افقية بشكل مقطوعة نثرية الى مجلة فعمدوا الى تشطيرها و جعلها بشكل عمود ، وهذا ناتج من الوعي المكتسب الطاغي بانّ الشعر لا بدّ ان يختلف عن النثر بالشكل ، و بعد التخلي عن الوزن و القافية لم يبق الا التوزيع البصري على الورقة و الايقاعية البصرية ، لكن كاتب قصيدة النثر ، الساعي نحو النثروشعرية ، اي الشعر الكامل في النثر الكامل ، يجاهد و يكافح في أن يعطي صورة حقيقية لقصيدة النثر ، و انّها تكتب بشكل نثر و باسلوب النثر و بتقنيات النثر ، لكن منها ينبثق الشعر .
و هذا التوجه عالمي ايضا فانهم لا يطلقون اسم قصيدة نثر على كل شعر نثري ، بل هي مختصة بالمقطوعة النثرية ذات البناء الجملي المتواصل .
انّ البناء الجملي المتواصل هو ركن النثروشعرية ، و لا يمكن انتاج قصيدة نثر من دون بناء جملي متواصل يتكلم به المؤلف كما يتكلم في النثر ، من دون سكتات و لا ايقاعات و لا فراغات و لا تشطير و لا تسطير . و كريم عبد الله شاعر مبدع في النثروشعرية و متقن للبناء الجملي المتواصل و قصيدته (التاريخُ عاهرةٌ …/ شواهدُ القبورِ الكثيرةِ تفضحها )المنشورة في مجلة تجديد الادبية من تجليات هذا الاسلوب . انّ ما يطوّر الأدب ليس الموضوعات لانّها عامة و ملك الجميع ، و انّما يطوّر الأدب هو الاسلوب ، لانّه فردي و خاص و ملكا لصاحبه . و من المفيد ايراد النص اولا .
التاريخُ عاهرةٌ …/ شواهدُ القبورِ الكثيرةِ تفضحها
ويغادرُ شرقنا شاخصة في شمسهِ مباضع وبقايا أطفال منقّعة بلعابِ ذئبٍ حملَ جلجلة الزقورات يفركُ تواريخها يستنشقُ أريجَ جنانهِ المسكونةِ بالأرثِ المحروق على صليبٍ رطبٍ يحدّقُ بعينٍ مفقوءة هاماتهُ معصوبة يوشّحها ليلٌ رؤوسه كطلعِ الشياطين تلاحقهُ تنهالُ تقتاتُ حكمتهُ خرافة تتلعثمُ ما بينَ نيلٍ يبحثُ عنْ حلمٍ ملائمٍ وفرات تعرّجَ كثيراً في خرائطِ رغوتها متاهاتٌ أخرى , المفاسدُ جزيرةٌ تلفُّ ذيلها مِنَ المحيطِ المتغامض بأقصى النعاس المفعم بالفرائضِ الواجبةِ وخليج قانط تتمددُ على ناطحاتهِ حيتانٌ تسفّهُ مياههُ المتواريةِ خجلاً بينما يسقطُ الزمن عميقاً في مستوطنةِ النسيان , التاريخُ عاهرةٌ تفترشهُ على سريرِ غوايتها تحتجزُ قناديلهُ تجلو نشوةً تركها الغرباء طريّةً في سيرتها الذاتية يسرحُ في ارجائها ليلٌ أقفرهُ كثرةَ الحكامِ يُبطؤونهُ ألاّ ينقضي متنكبينَ شماعةً يعلّقونَ كثرة الشبهات الغابرة ونَول هزيل يحيكُ صباحاً مرقعاً تلعبُ المخارز في ملامحهِ أنّى تشاءُ على مهلٍ فتنكشفُ عورتهُ البلهاءَ كرائحةُ الفتنةِ تتأرجحُ شواهدُ القبور الكثيرةِ تفشحها , المحترفونَ بالجريمةِ لصوص اليومِ العانس يرشقونَ الأيامَ نكايةً بالمغدورينَ وراءَ الماضي يحتملونَ هذرهم يتناوشونَ فوقَ القانون الأخرق بينما في روحِ الحقيقيةِ زفراتٌ متهدلة وهتافات متكررة تتقافزُ متأخرة في كلَّ حينٍ .
العنوان (التاريخُ عاهرةٌ …/ شواهدُ القبورِ الكثيرةِ تفضحها ) و هو مقطوعة متواصلة البناء ، وهذه فردية اذ عادة ما يكون العنوان مختزلا بكلمة او كلمتين ، لكن كريم عبد الله عادة ما تكون عناوينه جمل متواصل البناء .
تمّ يأتي مقطع واحد ببناء متواصل بطول ثلاثة اسطر
(ويغادرُ شرقنا شاخصة في شمسهِ مباضع وبقايا أطفال منقّعة بلعابِ ذئبٍ حملَ جلجلة الزقورات يفركُ تواريخها يستنشقُ أريجَ جنانهِ المسكونةِ بالأرثِ المحروق على صليبٍ رطبٍ يحدّقُ بعينٍ مفقوءة هاماتهُ معصوبة يوشّحها ليلٌ رؤوسه كطلعِ الشياطين تلاحقهُ تنهالُ تقتاتُ حكمتهُ خرافة تتلعثمُ ما بينَ نيلٍ يبحثُ عنْ حلمٍ ملائمٍ وفرات تعرّجَ كثيراً في خرائطِ رغوتها متاهاتٌ أخرى )
انّ هذا المقطع لا يمكن ان يقرأ الا بشكل المقطوعة النثرية ، و الكلمات محركة ، و لا توقف . لكن القدرة الايحائية و الرمزية و الهمس الشعري و الاشارة الشعرية و مداعبة الفكر و الوعي العميق و التجذر في النفس كلها تخلق حالة الشعر ، و الشعر الكامل من وسط هذه المقطوعة النثرية .
تمّ يأتي مقطع نثري بطول سطرين بلا توقف
(المفاسدُ جزيرةٌ تلفُّ ذيلها مِنَ المحيطِ المتغامض بأقصى النعاس المفعم بالفرائضِ الواجبةِ وخليج قانط تتمددُ على ناطحاتهِ حيتانٌ تسفّهُ مياههُ المتواريةِ خجلاً بينما يسقطُ الزمن عميقاً في مستوطنةِ النسيان )
وهنا ايضا مقطع نثري طويل بشكل استثائي بل وغير عادي ، في بناء جملي متواصل يحقق النثروشعرية ، حيث ينبثق الشعر من قلب النثر .
ثمّ المقطع الاطول باربعة اسطر متواصلة البناء .
(التاريخُ عاهرةٌ تفترشهُ على سريرِ غوايتها تحتجزُ قناديلهُ تجلو نشوةً تركها الغرباء طريّةً في سيرتها الذاتية يسرحُ في ارجائها ليلٌ أقفرهُ كثرةَ الحكامِ يُبطؤونهُ ألاّ ينقضي متنكبينَ شماعةً يعلّقونَ كثرة الشبهات الغابرة ونَول هزيل يحيكُ صباحاً مرقعاً تلعبُ المخارز في ملامحهِ أنّى تشاءُ على مهلٍ فتنكشفُ عورتهُ البلهاءَ كرائحةُ الفتنةِ تتأرجحُ شواهدُ القبور الكثيرةِ تفشحها )
انّ هذه القدرة على تحقيق الشعر من هكذا نثر ظاهرة نادرة و ريادية ، تمثل شكل ناضجا و نموذجية للنثروشعرية ، و كتابة الشعر النثري ، و قصيدة النثر و تحقق غاياتها و اهدافها الاسلوبية .
تمّ يختتم كريم عبد الله قصيدته بمقطع رابع طويل ايضا .
(المحترفونَ بالجريمةِ لصوص اليومِ العانس يرشقونَ الأيامَ نكايةً بالمغدورينَ وراءَ الماضي يحتملونَ هذرهم يتناوشونَ فوقَ القانون الأخرق بينما في روحِ الحقيقيةِ زفراتٌ متهدلة وهتافات متكررة تتقافزُ متأخرة في كلَّ حينٍ . )
لقد ركزنا هنا على اسلوب البناء الجملي المتواصل ، مع انّ النص ثري و متعدد الدهات الابداعية ، لكن اسلوبنا الثيمي في تناول الظاهرة الأدبية و دون التشظي و المسح الكلي للنصوص هو الطريقة المثلي التي تخدم المقالة النص و الادب عموما . و لا ريب ان تلك الوحدات الكتابية التي اشرنا اليها هي اكبر من الجمل و هي جمل متادخلة ، الا انها متداخلة بطريقة متوحدة ، فهي تقع بين الفقرة و الجملة و هذا وضع كتابي متفرد . انّ تحقيق نص بحجم صفحة و اكثر باربع مقاطع ذات بناء تركيبي متواصل بلا توقف ، هو تجل واضح و ظاهر للبناء الجملي المتواصل ، بل انّ الشكل النثري هنا يتحلى باقوى صوره ، و منه ينبثق الشعر . انّ هذا الشكل من الكتابة يحقق قصيدة نثر متطورة و بنفس جديد .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.