نتائج الحصر العددي لأصوات الناخبين بدائرة مركز الحسينية بالشرقية    أسعار الأسماك اليوم 26 نوفمبر في سوق العبور.. والبلطي يبدأ من 58 جنيها    إعادة انتخابات في الدائرة الثانية بدمياط بين أربعة مرشحين    الأقصر: انقطاع المياه عن عدد من مناطق نجع علوان بالطود صباح اليوم    وزيرة التخطيط والنائب العام يشهدان تسليم 17 مركزا تكنولوجيا متنقلا للنيابة    جيش الاحتلال يعلن إطلاق عملية عسكرية واسعة النطاق في شمال الضفة الغربية (فيديو)    الناتو يحذر من التسرع بخطة السلام الأمريكية ويصف خسائر روسيا بالكبيرة    وزير الخارجية: مصر تنظر للبنان باعتباره ركنا أساسيا بمنظومة الأمن الإقليمى    قنصل مصر فى جنوب أفريقيا يستقبل بعثة الزمالك    بالصور.. بعثة الأهلي تطير إلى المغرب لمواجهة الجيش الملكي    اتحاد السلة يعتمد فوز الأهلي بدوري المرتبط بعد انسحاب الاتحاد ويعاقب الناديين    اللجنة العامة بقليوب والقناطر تعلن الحصر العددى لانتخابات النواب بالقليوبية    كثافات مرورية متحركة، حالة المرور اليوم في القاهرة والجيزة والقليوبية    محافظ جنوب سيناء يفتتح مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي    انطلاق فاعليات الملتقى السنوى السادس لهيئة الرعاية الصحية    مقتل مطلوبين اثنين من حملة الفكر التكفيري في عملية أمنية بالأردن    بعد نجاح "دولة التلاوة".. دعوة لإطلاق جمهورية المؤذنين    31 دولارا للأوقية.. ارتفاع أسعار الذهب في البورصة العالمية    مرتضى منصور قبل الأخير، ننشر الحصر العددي لأصوات الناخبين بميت غمر في الدقهلية    في ذكرى ميلاده.. محطات في حياة طلعت حرب: رجل صنع استقلال مصر الاقتصادي ونهضتها الثقافية    النائب العام يبحث التعاون مع الممثلة الخاصة للاتحاد الأوروبي    مدحت عبدالدايم يكتب: عبدالمنعم إبراهيم كوميديان جاد.. تثيره مخالفة قواعد المرور    خالد النجار يكتب: من نصر لنصر    دار الإفتاء تؤكد حرمة ضرب الزوجة وتحث على الرحمة والمودة    بلاغ يكشف تلاعبًا في التسجيلات بقضية «سيدز الدولية»    دار الإفتاء تكشف.. ما يجوز وما يحرم في ملابس المتوفى    مادورو: سندافع عن فنزويلا ضد أي تهديد والنصر سيكون حليفنا    وعكة صحية تُدخل والدة رضا البحراوى المستشفى    عودة "Stray Kids" إلى البرازيل كأول فرقة كيبوب في مهرجان روك إن ريو 2026    ريهام عبد الحكيم تتألق في «صدى الأهرامات» بأغنية «بتسأل يا حبيبي» لعمار الشريعي    محمود فتح الله: تصريحات حسام حسن الأخيرة تعتبر الأسوأ في تاريخ مدربي منتخب مصر    تقدم مرشح حزب النور ومستقبل وطن.. المؤشرات الأولية للدائرة الأولى بكفر الشيخ    مؤشرات أولية.. الإعادة بين 4 مرشحين بدائرة شبين الكوم في المنوفية    الفيوم تحتضن مهرجان البيئة وجامعة الفيوم تشارك بفاعلية في الحدث    دعاء جوف الليل| اللهم يا شافي القلوب والأبدان أنزل شفاءك على كل مريض    قانون العمل الجديد | زيادة سنوية بنسبة 3%.. تعرف على ضوابطها    خمسة لطفلك | كيف تكتشفين العدوى الفيروسية مبكرًا؟    محمد صبحي يكشف تفاصيل إصابته ب«الوسواس القهري»    دراسة تكشف عن 3 مخاطر من إيقاف أدوية إنقاص الوزن قبل الحمل    القبض على 3 متهمين بسرقة مصوغات ذهبية من شقة في الطالبية    بروسيا دورتمنود يمطر شباك فياريال برباعية نظيفة    ترتيب دوري أبطال أوروبا.. تشيلسي يقترب من المربع الذهبي وبرشلونة ال15    مصرع وإصابة 4 أشخاص في حادث تصادم سيارتين بحدائق أكتوبر    ب8 سيارات إطفاء.. السيطرة على حريق مصنع تدوير القطن والأقمشة بالقليوبية| صور    لجنة السيدة زينب تعلن محاضر فرز اللجان الفرعية للمرشحين بانتخابات النواب    محمد صبحي عن مرضه: التشخيص كشف عن وجود فيروس في المخ    بالأرقام.. مؤشرات اللجنة الفرعية رقم 44 بدائرة المطرية محافظة القاهرة    مصرع طفل 15 سنة في تصادم دراجة وسيارة نقل خلال حفل زفاف غرب الأقصر    جامعة المنيا: اعتماد استراتيجية الابتكار والأمن السيبراني    رئيس البرازيل السابق جايير بولسونارو يبدأ تنفيذ حكم بالسجن 27 عاما بتهمة التخطيط لانقلاب    بعد تصنيف بعض فروع الإخوان كمنظمات إرهابية.. الفقي: ترامب يبعث برسالة غير مباشرة لحماس    الفقي: نجاح البرلمان لن يتحقق إلا بوجود معارضة قوية ورجل الأعمال لا يصلح للسياسة    بمشاركة مرموش.. السيتي يخسر على ملعبه أمام ليفركوزن في دوري الأبطال    اتحاد الكرة يعلن حكام مباريات الخميس والسبت فى دور ال32 بكأس مصر    إطلاق مشروع الطريق الأخضر لعالم أكثر أمانًا بقنا بتعاون بين الإنجيلية والبيئة و"GIZ"    الصحة: ضعف المناعة أمام الفيروسات الموسمية وراء زيادة حدة الأعراض    قمة آسيوية نارية.. الهلال يلتقي الشرطة العراقي والبث المباشر هنا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 25-11-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأليغوريا في رواية ستريتش .. الفضاء النفسي للرواية
نشر في شموس يوم 12 - 01 - 2017

ستة أشهر هي الفترة التي يشعر "قيصر" بأنها كافية لإنهاء زواجه من روزالين، وستة أشهر هي الفترة التي يحددها قيصر لنفسه كي ينتهي من التحضير لإذاعة برنامج جاد عن الشواذ في سوريا .. هل كانت صدفة من الكاتب أم أن الكاتب انتبه للاوعي لدى قيصر؟ ..
الأليغوريا في الأدب بمعنى الكشف عن دلالة تعمَّد الكاتب دسها في طيَّات نصه، دون أن يستشعر القاريء أي إقحام غير مبرر في سياق الحكي، تعود الكلمة إلى أصل لاتيني بمعنى الكلام الآخر.
الكلام الآخر بمعنى أن الراوي يمنحنا فضاءً بديلاً، مظهرًا آخر يتمثل في دلالة أخلاقية أو نفسية أو دينية أو سياسية لكل ما قدَّمه لنا، فالكلام الأول هو المسرح والإطار الذي يُنشيء فيه الكاتب حيوات شخوصه، يعالج بسلاسة فكرة الزمن والمكان، أما النص أو الحوار الذي سيدور فيما بعد فما هو إلا مفتتح لفضاء آخر ومظهر آخر من الحكي، بكل ما يحمله من دلالات ..
هنا سأحاول أن أسلط الضوء على الدلالة النفسية التي برع نضال كرم في التعبير عنها، وذلك بالبدء بتساؤل يُعد مدخلاً .. إلى أي مدى يمكن أن نعترف ببطولة قيصر داخل السرد الروائي لستريتش؟
بمعنى هل كان حضور قيصر مجرد نافذة يطل من خلالها البطل الحقيقي "يم" أم علينا أن نعترف أن قيصر هو الحكاية الأم، وما "يم" إلا انعكاسًا لقيصر؟
يظهر الغموض الأول في حكاية قيصر في المبرر الذي يحاول أن يُخضع من خلاله عقولنا لتقبل فكرة انفصاله عن روزالين .. الكذب.
ومَن منا لا يكذب؟
ورغم فداحة فكرة الانفصال وقِصر مدة ارتباطه مجرد ستة أشهر إلا أن قيصر يرى أن الكذب كان الدافع الأصيل في نفوره من روزالين .. جاءت كلمات قيصر غاضبة عنيفة ورغم رقة اللغة التي تعانقنا على لسان قيصر طيلة السرد إلا أنها فيما يخص روزالين تبدو قاطعة ومشينة لأبعد حد ..
يقول قيصر في وصفه لحياته مع روزالين:
"أي غشٍ وقعت في جُبِّه المظلم بعدما بان الفراغ العقلي كشمس ممتلئة بعتمٍ مفضوح، بدا الحوار مع روزالين أشبه بصياح الديك، خواءٌ فكريٌ أملس، وصمتٌ أخرق يجعل من عينيها مغارتين يطفح منهما رماد الغباء."
إنه يمقت روزالين إذا ما تحدثت أو صمتت، فالحديث جدب والصمت حريق ورماد غباء!
في النهاية يجد قيصر مبررًا أخلاقيًا لرفض روزالين، يحاول أن يُبعد عن نفسه شبهة نفوره من روزالين لسببٍ خفي، إنها تكذب!
يقول لنا في سياق اعترافه القصدي:
"الكذب استعمر مكان روزالين في الصورة فاستحال سوادًا، سكن في بؤرة أتت على تفاصيلها، فأحلتها مِزَقًا بين يديّ."
هنا يواجه قيصر واقعًا مرفوضًا لإسباب غامضة، واقع زواجه من امرأة، هنا يحاول أن يجدد لنا مبررات مُربِكة، فمرة نجده ينتقد صوتها المرتفع كالديك في حوارها معه ومرة نجده ينتقد صمتها ومرة نجدة يطعن في الحوار ذاته .. إنه كذب.
هذه هي المرحلة الأولى التي يمر بها قيصر، مرحلة التوهُّم، إنه يحاول أن يُقيم علاقة منطقية بين رفضه الفطري أو الصادر من الأعماق؛ ربما من الطفولة وبين نفوره من روزالين.
في هذه المرحلة يصف لنا قيصر حالة مزيفة من الأحاسيس، يمنطق تخليه عن روزالين، التي برع نضال كرم في إخفاء صوتها من البداية، فالرواية لا تحمل مشهدًا واحدًا لهذه الأنثى والزوجة الصفر، التي لا تمتلك روحًا أو مهارة واحدة من مهارات الحب.
المرحلة الثانية التي يتهيأ لها قيصر هي "الميلاد" .. بحث قيصر عن ميلاد ثانٍ والتفت الناقد باسم سليمان لدلالة اسم "قيصر" هنا، الميلاد المشوَّه.
يقول باسم سليمان: (فالمدلول لاسم قيصر يأخذنا للشخص الذي وُلد بغير الطريق الطبيعي.)
الميلاد الثاني قدّم له نضال كرم بشاعرية عميقة فانفتح على كل الأطر، شخوصه وأمكنته وقيصر ..
نجد حديث عن ميلاد البشرية والإقحام السردي الجميل عن اللغة الأولى والنوتة الموسيقية الأولى، وعن فكرة إحياء التراث والحديث عن سوريا، هنا ارتبط ميلاد قيصر الجديد بميلاد الأمكنة، بهذا يُشكِّل لنا نضال كرم اللاوعي عند بطله، فنجد ظهور أصدقاء جدد في حياة قيصر؛ يم وهبة الله وأدونيس.
يأتي ظهور يم طبيعيًا ولا نكتشف هذه الحاجة الخفية لدى قيصر لدخوله لعالم الشواذ إلا مع تطور الأحداث والعلاقة العميقة التي تنشأ بين قيصر ويم، ورغم الارتباك والصراع الداخلي الذي يعانيه قيصر في تعاطيه مع يم إلا أن اللاوعي يتكشف لدى قيصر في مراحل متأخرة حين يجد نفسه يقف مدافعًا عن يم في الحدث الذي وصفه لنا د.مدحت عيسى بأنه الفورة المفاجئة التي أدت إلى تشظي الأحداث وتسارعها حين يفتضح أمر يم والتمهيد للحدث الأعظم "موت يم".
لا يعترف لنا قيصر بما يجذبه لهذا العالم ويترك لنا فراغًا منطقيًا، وهي النقطة التي مازال يُقاوم فيها البوح بدوافعه الأصيلة وبطولته المطلقة في هذا السرد العبقري لنضال، وكما برر لنا رفضه لروزالين بدعوى زائفة، يحاول إقناعنا بهدوء أن عمله كمقدم برامج بالإذاعة يحتم عليه اقتفاء الأثر والتمادي في دخول عالم يدَّعي أنه يعرفه للمرة الأولى.
يتم استبدال الأدوار بمهارة ويحيلنا نضال لشخصية جديدة "يم" ويسترسل يم في البوح وكأنه يقف على حافة اللاوعي لدى قيصر، وكأنه فطن للصراع الداخلي لديه، يحكي له عن عالمه وعالم الشواذ، يصطحبه لإحدى حفلاتهم، يرتد قيصر دون أن يدري لماضيه.
في محاضرة ألقاها لنا د.على عسكر أشار لهذه المرحلة بدقة مرحلة بزوغ اللاوعي، هذه هي المرحلة الثالثة التي يجد قيصر نفسه فيها.
أعد "يم" ببراعة مسرحًا لخطابة صادمة للاوعي عند قيصر، هذه الردة للدوافع الأولى عند قيصر لا تظهر في صورة حلم وإنما في إثارة عبقرية أجاد نضال رصدها في مشاهدة قيصر لعرض مسرحي، تنهمر الموسيقى وتنتشل روح قيصر وتعيده حيث البراءة الأولى والحكاية الأولى..
يقول نضال واصفًا قيصر في ردته الهادئة للبدايات:
"ضبطُ الإيقاع المتواصل كان كفيلاً بنقله من خشبة المسرح هذه إلى بيته في ذلك الحي المضطرب على أطراف المدينة التي هوجمت من قبل رجال مدججين بالسلاح في ليل حالك ترك لفجر اليوم التالي الأحمر القاني هذيةً للجدران، شهادة حية لزفرات عانقت النجيع لتترك بُقعًا في الروح لم يستطع الزمن إزالتها، طائر اللقلق يحوم بحزنٍ فوق رأسه"
"جحظت عينا الحقيقة في ومضةٍ رقَّت لها عيون الحاضرين فصاغت من البكاء وشاحًا"
"انتفاضة روح والظل مغشيٌّ عليه والجسد بااااارد"
"نبأ عن ولادة جديدة بارتعاش صوت لوليد انزلق للتوّ"
هنا نعود بالنص لمعنى القبلات والدم في حياة قيصر، بدأ فرويد حكايته بالقبلات وأنهاها بميولنا للحياة وميولنا للموت، القبلات والدم.
في مشهدين يمكننا تفسير هذا الوجع الذي أدى إلى اختفاء قيصر بعد مشاهدته العرض.
المشهد الأول ردته القديمة لطفولته، حيث القبلات التي حفرت أبجدية الألم في صفحته البيضاء:
"لم يكن مقبولاً أن أنصت لبكائي، لابد من عمل أؤديه لأشبع الأفواه المفتوحة، اشتغلت في فرن، وتلوَّث جسدي بطحينٍ وقبلات لم يتبعها صراخ"
المشهد الثاني الذي جسَّد الرغبة الغير مفهومة عند قيصر للتعرف أكثر على يم، مشهد دخوله الأول لبيت يم:
"ولجنا الشقة ونحن نضحك على رهاننا بهذا الشأن، أحسست بالدفء والشاعرية في أركان البيت، نظافة ملفتة، لمسات فنية واضحة في تنفيذ الديكور وتوزيع الأثاث واختياره، صور جمعت يم مع مشاهير كُثُر، وزَّعها بأناقة على جدارين متقابلين، لوحات فنية مستغرقة بالذكورة البوهيمية، توسطتها لوحة لأنثى عارية منتصبة وعند قدمها خنجر ملوَّث، استوقفتني لوحة أبقى على بياض قماشتها، أثارت فضولي، التفتُّ لأرى يم متجهًا نحوي، ابتسم وقد فاجئني حين قال: "هذا أنا .. لا تستغرب".
هنا تنساب لغة قيصر في رقة وحساسية عميقة، إنه يرى يم انعكاسًا لبراءة فقدها في طفولته أو ربما انتزعت منه انتزاعًا فجاءت قبلاتها بلا صراخ.
هنا يحاول نضال أن يفتت لنا صراعات قيصر، يموت يم ويقف قيصر عند ناصية روحه..
ماذا حدث؟
هل حقًا كان يهرب من كذب روزالين؟
العالم كله يكذب يا صديقي، هكذا ترسو روح قيصر وقد استحالت لوحةً بيضاء كتلك التي جسدت صورة يم في المعرفة الأولى، واللقاء الأقرب للروح، لقاء اللاوعي.
بموت يم يدخل قيصر مرحلته الأخيرة، لقد أزاح المرآة بعيدًا، ما عاد في حاجة إليها،
العالم كله يم، العالم كله قتيل أقنعته المزيفة..
في رسالة طويلة من أدونيس وفي اعتراف أكاديمي لقيصر في نهاية الرواية تتم صياغة الشفاء بمهارة، فيبدو قيصر مستسلمًا للمنطق مدركًا لولادته التي جاءت عصيَّة.
هنا نرفع القبعة لنضال الذي كان دقيقًا في اختياره لمدة زمانية واحدة منذ البداية ليلفت انتباهنا لأن ثَمَّ ما يخفيه القيصر، وأن "إعرف نفسك" هي في الحقيقة أصعب ما قيل لنا في الفلسفة ..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.