عرض الفنان عمر النجدي تجربة جديدة له في قاعة "بيكاسو" بالزمالك، وهي "المهرج.. الضاحك.. الباكي"، والذي قدم خلالها مجموعة كبيرة من اللوحات تمثل رؤية جديدة للفنان لشخصية المهرج. والفنان هنا أراد أن يصور حال المهرج، الذي يعد إنعكاسا لحال العديد من الشخصيات، الذي ترى وجوههم في أغلب الأحيان ضاحكة، أو تضحكك، ولا تستطيع أن تعرف ما بأعماق تلك الشخصيات، فهي كالكتاب المغلق الذي لا يطلع عليه سوى صاحبه، فصورته وهيئته مجرد شكل خارجي لا يعبر بالكاد عن أعماق الشخصية، بل يعطي أنطباعاً خداعاً لدى المشاهد الذي يرى بعينه لا بقلبه. والفنان في تعليقه عن تجربته في هذا المعرض كتب مجموعة من الكلمات التي تشرح وجهة نظره ولكن بأسلوب شعري وأدبي يدل على عمق شخصيته وتجربته، فبدا بتلك الكلمه وكأنه يتحدث مع المهرج في حوار مفتوح جاء به ما يلي: "هل استطيع رسم وجهك؟.. نعم يمكنك ذلك.. لكن لا تستطيع رسم أعماقي كالبحر في ذاتي.. هل سمعت صوت صراخي القديم؟ حين ولدت الولدة الأولى.. صداها فوق الصخور.. وقمم الجبال والوديان.. تناثرت فوق أمواج البحار.. وتلاطمت في ليالي ظلماء موحشة.. شاهدت وجهك الكالح كالثلج المذاب.. ووجنتيك الوردية.. ورموشك الممسوحة.. وعينيك البرغوتية.. قادتني لمكاشفة النفس.. لبدائع الخلق". كما كتب الفنان كلمة أخرى يوضح خلالها العالم النفسي للفنان حينما ينغمس في التجربة الإبداعية، فيتحدث مع الفنان وكأنه شخصاً آخر غيره يطلعه على الحالة الإبداعية عند القيام بإبداع عمل فني، وجاء بالكلمة: "لحظة انفراجة؟ عن حقائق مكنون الإنسان البشري.. عندما تتعلق أهدابه بأدق لحظة.. فيها ينفصل الوعي عن اللاوعي.. من شدة هول الحدث.. ترى ما لا تراه في عالم الواقع.. بل تراه في عالم التنوير الأبدي.. وابراقات ضوئية.. كل ذلك في عالم اللاوعي.. فيه تعيش الحقائق.. وفي لحظة خاطفة.. تعود إلى مخزونك المطبوع.. يمكنك استعادته في أي لحظة وزمن.. يواكب هذا الشئ الرائع الصادق.. نداء آخر خفي.. صوت ضميرك الذي يسمع الكون فضاه وحبيس الامك صداه.. أيها الفنان... تسابق مع نفسك لتستجيب طواعيك.. وحين تتكامل دائرة الوعي مع اللاوعي وبقدر ايمانك الصادق.. بالغيبات الحسية.. التي لم ندركها من قبل.. وعندما تعود لطبيعتك السوية.. ساعتها.. تنبت في أعماقك.. زهرة خضراء.. بها كل الألوان في ثوب تظاهر به.. استعدادا للتحصيل الإبداعي.. ومع انفراجة البدء.. حين توافق الوعي باللاوعي.. هي لحظة انبهار ولحظة تحصيل.. من عالم غير معلوم سابقا..ومعلوم حاليا". أما عن الأعمال المعروضة في المعرض فقد شكلت حالة جميلة لدى المتلقى؛ حيث يرى المهرج في مجموعة من اللوحات برؤية جديدة ذات قدرة تعبرية عالية وحس مرهف، وكان مصاحب للعرض موسيقى تتناسب تماما مع العرض توحي للمتلقي وكأنه في مجال وحيز من الزمن غير حقيقي، وكأنه انتقل إلى عالم آخر، عالم يظهر فيه المهرج بوجهه الضحوك، ولكن عند النظر للوجه الذي يخفيه الرسوم والألوان، وإلى العين تحديدا، تجد تعبيرا قويا بشخصية لا تكاد تعرفها، تعود بك إلى العالم الآخر، العالم الحقيقي، الذي تكون فيه الحياة على طبيعتها، بكل مشاكلها وتفاصيلها المزعجة، فتجد لوهلة أنك أمام المهرج الضاحك الباكي، وذلك هو عنوان المعرض الذي اختاره الفنان بعناية بالغة، ونجح في التعبير عنه من خلال الأعمال المعروضة. والفنان يعرض لوحات عن "البهلوان"، "الرقص على العجلة"، "دردشة بهلوانات"، "ابتسامة مهرج"، "لاعب الطوق"، "المهرج والكلب"، "الرقص على السلم"، "متجهين للسيرك"، و"المهرج والفئران"، "سباق العجل"، "شقلباظ"، "عرض حمام"، و"احتضان"، وغيرها من اللوحات التي تعبر عن المهرج في أشكال مختلفة وهو يمارس ألعابه المتنوعة. استخدم الفنان في عدد كبير من لوحات المعرض اللون الذهبي بكثرة، حيث كان يغلب على تكوين اللوحة، سواء في ظهر في ملابس المهرج او في الخلفية، وقد كان لهذا اللون دلالة كبير ساعدت الفنان على توصيل فكرته للمتلقي، فقد ذادت من إبهار المتلقي بالمهرج، فتلك اللون اللافت للنظر استطاع جذب المشاهد للعمل كما يجذب الطفل في السيرك للمهرج من خلال ألوان ملابسه الصريحة والكثيرة وطلاء وجهه؛ ولذلك كان لاستخدام الفنان إلى اللون الذهبي دلاله ساعدت على تعميق هذا الإنبهار لدى المشاهد. وقد تناول الفنان في هذا المعرض لوحات أخرى لم تكن عن المهرج، مثل عروسة المولد، ويعض اللوحات التجريدية عن العلاقات الاجتماعية في المجتمع المصري، بالإضافة إلى لوحات عن المرأة منها رسم الوشم، وغيرها من الأعمال التي عبرت عن المرأة. والمعرض في مجملة لم تجد فيه غرابة على الرغم من عرض مجموعة كبيرة من اللوحات عن "المهرج"، ومجموعة أخرى من الاعمال كانت في موضوع آخر وبأسلوب آخر للفنان، إلا أننا نجد أن روح العمل الفني واحدة، وأسلوب العرض كان لو دوراً في انتقال المتلقي من مرحلة إلى مرحلة أخرى من أعمال الفنان.