«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مجازات مؤجَّلة 1
نشر في شموس يوم 03 - 01 - 2017


السامريُّ أنا
السامريُّ أنا وأصرخُ: لا مساسَ، فكلُّ من أحببتهم خانوا يديَّ، وسمَّروا قلبي على خشبِ الصليبِ، وأفردوني في الخريفِ بلا بنفسجةٍ، وأهدوا آخرَ الدمعِ المفخَّخِ بالرصاصِ، إلى أغاني البدوِ، هل سيكونُ وقتٌ كي أعودَ من اشتعالِ الماءِ بالعشبِ المغطَّى في الضحى بنحيبِ لوركا؟ أو لأسحبَ زهرةَ الصُبَّارِ وهيَ تكادُ تغرقُ بينَ أظفارِ الجفافِ؟
وكي أُداوي قلبَ شاعرتي المصابةِ بالكآبةِ والفصامِ الشاعريِّ، وكلِّ أعراضِ القوافي؟
آهِ هل سيكونُ وقتٌ كي أُردِّدَ في الخريفِ لنسوةٍ زوَّجنَ ناياتي لقهرِ الزمهريرِ: اغمضنها بأبي – إذا أوديتُ مغتربَ الهوى – أنتنَّ أجفاني، لأسمعَ سقسقاتِ الطائرِ الدوريٍّ من حولي، وأُبصرَ ما يشعُّ على يدَيْ أنثايَ من ذهبِ القصائدِ، أو سماواتِ القطيفةِ والحمامِ؟
السامريُّ أنا وتلكَ نبوءتي الأولى، أقولُ لقُبلةٍ حجريَّةٍ في السورِ: كوني وردتي أو ماءَ صلصالي، ونارَ غوايتي البيضاءَ في وجعِ الرخامِ، السامريُّ أنا، وتلكَ أوابدي وطريقتي بتتبُّعِ الأشياءِ، أو برثائها الصوفيِّ والرعويِّ في ليلِ المنافي…
***
أرقُ أكتوبر
أكتوبرُ، الأرقُ النظيفُ، النايُ، رائحةُ الحنينِ، الظلُّ منشطراً إلى جسدينِ، ليمونُ التأمُّلِ، حسرةُ العشبِ المُغطَّى بانكسارِ الضوءِ، قوسُ ظهيرةٍ في الشرفةِ الزرقاءِ، صوتُ البرتقالِ، أوائلُ التكوينِ، آخرةُ القرنفلِ والسرابِ، المهدُ والماءُ المعذَّبُ، نزوةٌ عاديَّةٌ أكتوبرُ، النعناعُ والنمشُ الخفيفُ، أظافرُ الحنَّاءِ، مسقطُ دمعتي أكتوبرُ، الزيتونُ حينَ يصبُّ مثلَ أشعَّةٍ عطريَّةٍ في لمسةٍ امرأةٍ وفي العينينِ، معنى أن تصيرَ رؤايَ أوسعَ، والعبارةُ قُبلةً عمياءَ ضيِّقةً، وصلصالاً يعيدُ تشكَّلَ الأشياءِ في امرأةٍ وعاشقها…
***
لا زلتُ أخطئُ في التخاطبِ
لا زلتُ أُخطئُ في التخاطبِ بينَ مفردتينِ، بينَ قصيدةٍ بهشاشةِ الروحيِّ أو ولهِ الفراشاتِ العطاشِ بآخرِ المعنى، وبينَ صديقةٍ بصلابةِ الفولاذِ والحجَرِ الذي يمشي كمن في حلمهِ يطفو، أخطُّ قصيدةً بدمي وأُخطئُ، ثمَّ أنسى ما فعلتُ بجرَّةِ السهَرِ المؤرَّقِ أو بمرآةِ النداءِ النرجسيِّ إلى الوراءِ، تفتَّقتْ عن مقلتيَّ شقائقُ النسيانِ، قلتُ لعابراتِ القلبِ: هل يكفي لهاويةٍ من اللعناتِ خيطٌ واحدٌ ليجرَّها عني بعيداً؟ قلتُ للشجَرِ: انتظرني ريثما يغفو الرثاءُ الموسميُّ على الغصونِ، كأنهُ يبدو حقيقيَّاً أمامي حزنُ هذا الليلِ، لكن لن أُصدِّقَ غيرَ طلعِ الرملِ في ليلِ الذئابِ…
***
قمرٌ من الحنَّاء
كنْ يا نهارُ سفينةً لا تبرحُ المرسى، ويا ليلُ ابتعدْ لأراكَ وحدكَ في عباءاتِ النساءِ، وضوحُكَ الأبديُّ يُغريني لأنزلَ كالفتاةِ من الغموضِ الزئبقيِّ إلى الحديقة، قُلتُ للمنفيِّ: لا تحزنْ فقلبي قُلَّبٌ، وفتحتُ شبَّاكَ القصيدةِ كي تطيرَ أيائلُ المعنى بلا يأسٍ، فكنْ لي يا نهارُ محارةً من كيمياءِ الغيبِ، كنْ حجرَ الدموعِ على الضلوعِ، وشهقةَ الغجريَّةِ السمراءِ حينَ يصبُّ في خصلاتها قمرٌ من الحنَّاءِ، ينبتُ في دمي مطرٌ، ويا ظلُّ انكسرْ فوقَ المياهِ لكيْ أُلملمكَ، انكسرْ لتهبَّ مثلَ الأقحوانةِ، وانكسرْ حتى تُذرِّيكَ الرياحُ تهبُّ من أقصى اشتهائي…
*
مجاز
مجازاً تقولُ: إذا اكتظَّ رأسي بوردٍ شديدِ السوادِ سأُلقيهِ بينَ يديكَ..
مجازاً أقولُ: نسيتُ طعامَ النوارسِ في البيتِ، والماءَ في الغيمةِ الأنثويَّةِ، قمحَ السماءِ نسيتُ، وعصفورتي الذهبيَّةَ، كنتُ على عجَلٍ من حنيني، أُرمِّمُ تنهيدةً بشفاهي لأنجو بنفسيَ أو بقميصي الذي قُدَّ من قُبَلٍ والملطَّخِ بالتوتِ، كنتُ على أملٍ لم يجدْ بقعةً في القصائدِ واحدةً لمواراةِ يأسي، ومن دونِ قصدٍ تركتكِ نائمةً في القطارِ، كأنكِ سيِّدةٌ لستُ أعرفها وابتعدتُ.
*
عينان ساحرتان
عينانِ ساحرتانِ، زيتونيَّتانِ، حزينتانِ، عميقتانِ، تحدِّقانِ بكوكبٍ يهوي إلى عدَمٍ، كنرجستينِ فوقَ بحيرةٍ زرقاءَ مغمضتينِ، طافيتينِ في قلبي، مسمَّرتينِ فوقَ الماءِ والعسَلِ المملَّحِ، قلتُ: أنتِ ملأتِ جرحي بالندى والخلِّ، حينَ نضوتِ أزهارَ الثيابِ المخمليَّةِ عنكِ، هل أغويتني بالشوكِ أو نصفِ الدموعِ على عبيرِ البرتقالةِ عندما فسَّرتِ عاطفتي برائحةِ الغمامِ؟ وهل أخذتِ الطفلَ فيَّ لآخرِ الدنيا وأوَّلِ نزوةٍ بيضاءَ كالفرَحِ المجنَّحِ؟ يا ابنةَ العشبِ الشتائيِّ الظلامُ كأنهُ أعمى يقودُ دمي إلى معناهُ، أو شبحٌ يردِّدُ لي صدى ( عينانِ ساحرتانِ، زيتونيَّتانِ، حزينتانِ، عميقتانِ، تحدِّقانِ بكوكبٍ يهوي إلى عدَمٍ)..
*
نداءُ الملح
في ذلكَ الليلِ الشبيهِ بنشوةٍ مطويَّةٍ فوقَ السريرِ، وبالسواحلِ في بلادِ اللازوردِ، رأيتُ عاشقةً يمرِّرُ شاعرٌ يدَهُ على أوتارها، في حزنِ ريلكة كانَ، أو في شوقهِ الأبديِّ لامرأةٍ تخضِّبُ ظهرَها غيتارةٌ غجريَّةٌ، وينامُ فوقَ وسادها قمرانِ، كادتْ أن تهمَّ بهِ وكادَ يسلُّ منها الظبيةَ، الأفعى، الحمامةَ، والفراشةَ، والسحابةَ، لوعةَ النايِ، احتراقَ الماءِ في جسدِ الكمانِ، القطَّةَ الأحلى، ويطلقُ قلبَهُ في شكلِ قنديلِ البحارِ يطيرُ في أبدٍ، ليتبعَ عطرَها في ذلكَ الليلِ الغريبِ أو الشبيهِ بنشوةٍ مطويَّةٍ فوقَ السريرِ، كقبلةٍ منسيَّةٍ، كقصائدِ اللاندايِ، هل من خصلةٍ ورديَّةٍ، أم من نداءِ الملحِ في دمنا سينبلجُ النهار؟
*
قلبٌ مخرَّمٌ بالسفرجل
من كم خريفٍ شاعرٌ يبكي ويضحكُ في قصيدتهِ كسكِّيرٍ، يثرثرُ كالأراملِ، يستجنُّ كعاشقاتٍ غابَ عشَّاقٌ لهنَّ، فيشعلُ الماءَ الذي ينسابُ في المرآةِ، والليمونَ في امرأةٍ تسيِّجُ نهدَها بالوردِ أو بالعوسجِ البريِّ، لا هو حالمٌ كي يستفيقَ من الحياةِ ولا ترابيٌّ ليكملَ في التفاصيلِ الصغيرةِ دورةَ المعنى، يقولُ: سنلتقي عندَ انتهاءِ قصيدةٍ ما أو نهارٍ، شاعرٌ نزقٌ يربِّي ظلَّهُ عندَ التقاءِ النهرِ بالبركانِ، يصمتُ كلَّما قالتْ لهُ امرأةٌ يحدِّقُ في ابتسامتها المضاءةِ بالنحيبِ: السرُّ في عينيَّ، روحي فيهما طيرٌ يرفرفُ فوقَ أجملِ غابةٍ ليصبَّ فيكَ، كأنكَ الشمسُ الأخيرةُ في دمي، والعابرُ الأبديُّ في جسدي، كأنكَ شاعرٌ من كم خريفٍ يرتقُ القلبَ المخرَّمَ بالسفرجلِ والغناءِ العاطفيِّ سدىً، يقولُ: سنلتقي لو في مطالعِ أغنياتِ البدوِ كالغرباءِ، أو ننحلُّ في بعضٍ كآخرِ ذرَّتينِ من الهواءِ، وكانحلالِ ظلامِ ليلِ الشكِّ في نورِ اليقينْ.
*
كطعمِ الحُبِّ في أيلول
من ذلكَ الصيفِ البعيدِ كأنني ما زلتُ أحملُ صخرتي وحدي، وتطفو القهقهاتُ على خطايَ، أشمُّ رائحةً مشبَّعةً بنارنجٍ وغامضةً، كطعمِ الحُبِّ في أيلولَ، في نُزلٍ على نيلِ العجوزةِ، كانتْ امرأةٌ ترتِّبُ ليلَها الشفهيَّ في الضوضاءِ، توقدُ مزهريتها لقلبي كيْ ينامَ، غريبةٌ هيَ، أو أنا وحدي الغريبُ، ولم تكنْ عرَّافةً لتقولَ لي الأسرارَ، أو عذراءَ شاعرةً لتوقدَ مزهريَّتها ورغبتها على مرأى النجومِ، وآخرِ النسيانِ، أو لتعيدَ ترتيبَ الرهافةِ في الصباحِ على طريقتها، وتذهبَ مثلَ برقٍ شعَّ أو ظلٍّ توارى في السرابِ.
*
شمسُ الأغاني
قولي: (مساءُ الخيرِ) للشجَرِ الذي عرَّتهُ ريحُ الليلِ، للمطَرِ النهاريِّ الخفيفِ، لنزوةٍ يأتي بها نوفمبرُ القاسي / الحنونُ، لنأمةٍ فوقَ البحيرةِ أو على طرفِ الحديقةِ، لانتظارٍ كانتظارِ الشِعرِ ساعةَ لا يجيءُ، ولانكسارٍ لا يُفسَّرُ، للغناءِ الساحرِ المغناجِ، للرقصِ المدوَّرِ، للقرنفلِ في السريرِ وفي الكتابِ، لراقصاتٍ حافياتٍ فوقَ رملِ القلبِ، قولي للأصابعِ في الخضابِ، وللمساءِ، لأصدقائكِ، لي: (مساءُ الخيرِ)، صوتُكِ كانَ فاكهةَ الشتاءِ، الآسَ، خبزَ الحُبِّ، نعناعَ الجليلِ، وكانَ قلبي موجَعاً، ودمي كأوراقِ الخريفِ، ولم يكن ندمي معي وخطايَ كي أنسلَّ منكِ كآدمَ المسكينِ، كانَ الليلُ مكحلةً لعينيكِ، القصائدُ ذكرياتِ يديكِ في الفردوسِ، حنطتكِ التي تكفي شعوبَ الطيرِ يا شمسَ الأغاني.
*
قصيدةٌ لا تنتهي
هذي الحياةُ قصيدةٌ لا تنتهي أو لعبةٌ، وجعٌ إضافيٌّ، ظلامٌ ناصعٌ، أبدٌ، نهارٌ مشمسٌ، قيلولةٌ ما بينَ كابوسينِ، لا أدري ولكني أحسُّ كأنَّ قلباً ثانياً في الجنبِ يوجعني، كأنَّ حبيبتي خانتْ، كأنَّ الاخوةَ الأعداءَ صاروا أصدقائي الخُلَّصَ، القوَّادُ أصبحَ سيَّدَ الدنيا، وكلُّ الحبِّ لا يقوى على مسحِ ابتساماتِ البغايا عن وجوهِ الآخرينَ، وعالمُ الأرقامِ يوجعني، كأنَّ دمي على جمرٍ يسيلُ، العاشقُ العربيُّ والعبثيُّ في عصرِ النجومِ يقولُ: يا ليلى أحبُّكِ في الحياةِ وفي المماتِ، وفي المماتِ وفي الحياةِ، وكم أحبُّكَ يا إلهي، العائدونَ من الجحيمِ يبشِّرونَ بجنَّةِ أرضيَّةٍ، يا سيَّدَ الفردوسِ لا أرقاً أريدُ ولا مرايا كيْ يُقبِّلَ وجهَهُ نرسيسُ فيها، كلَّما مرَّت فتاةٌ قربَ أغنيةٍ، وأمعنَ في تردِّدهِ الجمالُ، وفي تشرُّدهِ دمي، فالظامئُ الأبديُّ لا يكفيهِ ماءٌ في المجرَّةِ، والنهاريُّون كانوا طيِّبينَ معي، ولم أجدْ الحمامةَ في انتظاري عندَ نافذتي، لأغسلَ دمعتي بهديلها الرقراقِ مثلَ أبي فراسٍ في بلادِ الرومِ، لم أجدْ الحفيفَ الأنثويَّ، ولا المزاميرَ الخفيفةَ في انتظاري.
*
حبقٌ مُسهَّد
هيَ كلَّما كبُرَتْ يفيضُ غموضُ نظرتها إلى الأشياءِ، أو تنسى الحنينَ الأوليَّ إلى البنفسجةِ الوحيدةِ، كلَّما نهضتْ تشفُّ كأنها قمرُ الصباحِ وماءُ سرِّ الأقحوانةِ، لا تلوِّحُ للنهاراتِ التي تنأى بعيداً كالقطاراتِ الغريبةِ، أو ترمِّمُ بالقصائدِ لغوَ خسراني، ستهمسُ لي: السرابُ وراءَ قلبي كانَ، فانقشْ فوقَ خاصرتي القصائدَ والنجومَ، أُتركْ لعصفورِ الخريفِ الماءَ يقطرُ من فمِ الصنبورِ، والحبقَ المُسهَّدَ في السريرِ الليلكيِّ، وفتِّشْ امرأةً سوايَ لكي تراني.
*
كم مرَّةً ستحبُّ؟
كم مرَّةً ستحبُّ، أو كم مرَّةً ستعانقُ الصُبَّارِ في أرضٍ تحبُّكَ أنتَ لا ظلَّ السحابةِ؟ قلبُكَ المنسيُّ قنديلٌ يضيءُ الدربَ في ليلِ الدموعِ، وأنتَ توقدُ للبرابرةِ الذينَ تناثروا، وتدلُّ كلبهمُ على قمَرٍ، وآخرَهم على أثرِ الربابةِ، أو على مطرِ الصدى، كم مرَّةً ستحبُّ أو كم مرَّةً ستموتُ؟ عاصفةُ القرنفلِ خلفَ ظهركَ والقطارُ الساحليُّ يفوتُ، في وقتِ الظهيرةِ كنتَ في حيفا وكانَ أمامَكَ البحرُ الخريفيُّ المغطَّى بالغيومِ وبالتنهُّدِ، وهو يرمي ثوبَهُ الأبديَّ قربَ الشمسِ، هل أطلقتَ نورسةً من الأضلاعِ، ثمَّ نسيتَ بابَ العمرِ مفتوحاً على التأويلِ؟ كم من مرَّةٍ سترى بخاطفِ نظرةٍ صُوَرَ الطفولةِ، وهيَ تنأى في مدى عينيكَ مثلَ البارقِ القمريِّ، أو تلويحةِ الأشجارِ فوقَ الضفَّتينِ وأنتَ ترمقها على عجَلٍ، وتوغلُ في السرابيِّ المواربِ، لم تكنْ أعمى لتذكرَ أو لتنسى، لم تكن أعمى ولكن كنتَ وحدكَ كالغريبِ، وكنتَ وحدكَ كانسحابِ يديكَ من جسَدِ الحبيبِ، وكنتَ وحدكَ… في الخريفِ يصيرُ لونُ البحرِ أجملَ، واستداراتُ النجومِ تصيرُ أجملَ، والمسافةُ بينَ ساعاتِ الظهيرةِ والمساءِ تصيرُ أجملُ، فوقَ هذا الكرملِ السحريِّ كنتَ فقدتَ أُمَّكَ، وانكسرتَ على الفراشةِ، واشتعلتْ بدمعةٍ حجريَّةٍ، كم مرَّةً ستقولُ: هاويتي القصيدةُ والحنينُ إلى السرابِ رعافُ روحي؟
*
ريشةُ عنقاء
لن أُصدَّقَ نفسي، سأحفظُ عن ظهرِ قلبٍ طريقَ الرجوعِ الطويلَ الذي نقشتهُ مؤابيَّةٌ في دمي، وٍسأمحو تفاصيلَ رغبةِ بعضِ القصائدِ بالركضِ فوقَ النجومِ، سيجتاحني شغفٌ مرضيٌّ برائحةِ الصخرِ والزعفرانِ التي نبتتْ في فمِ الاستعارةِ كالعشبِ، لا لن أُصدِّقَ نفسي، سأتركُ بعضَ الزهورِ لتأكلها الريحُ، بيتاً من الشِعرُ كي تتوضَّأَ غاويةٌ فيهِ، ماءً قليلاً لتشعلَ فيهِ الكوابيسُ حزناً بلا سببٍ، هل لأنَّ البصيرةَ دلَّتْ يديَّ على عنبٍ في مهبِّ الثعالبِ، تحملني الآنَ ريشةُ عنقاءَ حتى المصبِّ الأخير؟
*
حَدْس
بالحَدْسِ يسكنني المغنِّي العذبُ، أتبعُ نجمةً خضراءَ، ألمسُ بالأصابعِ شوكةً مائيَّةً، وأطيرُ فوقَ بحيرةٍ بالحَدْسِ، أو أعدو وراءَ الريحِ، أنتظرُ الشتاءَ، الصيفَ، رائحةَ الخريفِ، النهرَ في نيسانَ، والمطرَ الحزيرانيَّ، أنظرُ في المياهِ وفي الظهيرةِ، ثمَّ أمحو وجهَ نرسيسَ الشقيِّ، وأستقيلُ من الحقيقةِ والمجازِ إلى الأبدْ.
***


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.