السيد النائب أبو المعاطى مصطفى، عضو لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب: من ناحية أشكرك للحرص على قيم المجتمع بضرورة وجود ضوابط تحكم العملية الإبداعية وإخضاعها للرقابة الذاتية والرقابة المجتمعية لمنع أي تجاوز فج غير مقبول بالنسبة للمجتمع. لكن من ناحية أخرى أقف متعجبا مندهشا من هذه التصريحات التي تنم عن قراءة واهية لنجيب محفوظ غير متعمقة في تراثه القصصي والإبداعي.. فنجيب محفوظ وجيله، استطاعوا أن يقدموا أعمالهم الأدبية بأسلوب فني راق يتسم بالالتزام باللفظ والحدث على السواء إلا أن نجيب محفوظ بصفة خاصة كان من أكثر الكتاب التزاما سواء في اللغة العربية الرصينة أو الأسلوب الجزل أو في الحبكة الدرامية، حتى المشاهد والأحداث والمواقف التي سردها في أعماله القصصية كانت من نسيج هذه الحبكة، لم يخدش الحياء بلفظ أو كلمة أو مشهد، حتى القاع المصري الذي عبر عنه نجيب محفوظ لم يكن أبدا بشكل خارج أوفظ كما تقول، وإنما بشكل صادق اعتمد على الفنية والحرفية في سرد الأحداث.. فليست هناك كلمة نابية ولا مشهد خادش للحياء ولا وصف فج.. بل اعتمد هذا الجيل على الرمز في التعبير عن مشاهد الإثارة، وإلا ماذا تقول عن أمين يوسف غراب الذي كان أكثر إثارة من نجيب محفوظ ومع ذلك كان مراعيا للضوابط الأخلاقية التي لا تخدش أبدا حياء المجتمع.. كنت أتمنى أن تثور وتغضب وترفع دعاوى قضائية ضد الأعمال التي نشاهدها الآن على شاشات السينما والتليفزيون وتحتوي على مشاهد فجة مثيرة لا تخلو من مشاهد الجنس الفاضح وألفاظ هي بالفعل خادشة للحياء وتحطم قيم المجتمع ولا تكتفي بخدشه.. سواء من حيث الشكل أو المضمون.. وماذا تقول في مشهد يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز، "ولقد همّتْ بهِ وهَمَّ بهَا لوْلاَ أنْ رأى برهانَ ربِّه" بالله عليك لو حاول أي مخرج من مخرجي هذه الأيام تحويل هذه الآية إلى مشهد درامي.. ماذا سيكون.. السرد القرآني أراد أن يبين لنا مدى عفة يوسف الذي كاد أن يستجيب لإغواء زوجة العزيز، لكن الدراما الصادقة هي التي تجعل القارئ أو المشاهد يتخذ الموقف الطبيعي وهو عدم استجابة يوسف للإغواء.. نفس الأمر حدث مع معظم أعمال نجيب محفوظ.. كلنا كنا ضد السيد أحمد عبد الجواد ولم نوافقه على نزواته مع جليلة العالمة أو زبيدة، كلنا كنا ناقمين ونشعر بالتقزز من محجوب عبد الدايم وإحسان شحاتة وهتفنا لعلي طه.. وهذا بالضبط ما تمناه الكاتب منا.. الروايات الأدبية لا تقاس بحجم الخير والشر فيها وإنما بقيمة كل منهما وتأثيره في القارئ.. مع الأسف الشديد قرأت في هذه التصريحات فرقعة برلمانية، هي بالضبط محاولة لطعن نجيب محفوظ ثانية وهو في قبره.. أرجوكم اقرأوا نجيب محفوظ قبل أن تحاكموه..