وكيل تعليمية قنا يفتح تحقيقا في وقائع جولة اليوم الميدانية    الشباب المصرى يعيد هيكلة البرنامج الوطنى لتعزيز القدرات الاقتصادية لصُنّاع القرار    محافظ الغربية يشن حملة مفاجئة على السلاسل التجارية والسوبر ماركت بطنطا    اتحاد شباب مصر فى الخارج يستقبل الرئيس السيسي ببروكسل بتمثال ذهبى    ترامب ل زيلينسكي: لا أسلحة أمريكية قريبا    حسين لبيب يدلى بصوته فى عمومية الزمالك    مديرية تموين القاهرة تشن حملة مكبرة وتحرر 78 محضرا متنوعا    أمن المنوفية يكثف جهوده لسرعة ضبط عاطل قتل طليقته بسبب خلافات    حسين فهمى من مهرجان الجونة: الفن قادر على شفاء جروح الإنسانية    رمضان عبد المعز: جزاء الإحسان مكفول من الله سبحانه وتعالى    «ماذا لو قالها مسؤول عربي؟».. ردود فعل كبيرة على إساءات البيت الأبيض «أمك من فعلت»    مصر تفوز بجائزة أفضل وجهة تراثية في فئة الوجهات المتميزة    محمد صبحي: عهد الإسماعيلي في وجود يحيي الكومي كان "يستف" الأوراق    «زنزانة انفرادية وحكم ب 5 سنوات».. الرئيس الفرنسي الأسبق خلف القضبان فكيف سيقضي أيامه؟    الصين تدعو الحكومة اليابانية إلى الوفاء بالالتزامات بشأن التاريخ وتايوان    تفاصيل برنامج عمل الرئيس السيسي في القمة المصرية الأوروبية غدا    الصين تكمل بناء أول مركز بيانات تحت المياه يعمل بطاقة الرياح فى العالم    منتخب مصر يواجه نيجيريا فى ديسمبر ومفاضلة بين مالى والكاميرون استعدادا لأمم أفريقيا    «الأرقام بعيدة».. شوبير يكشف موقف ثنائي الأهلي من التجديد    وزير المالية: نتطلع إلى وضع رؤية مشتركة لقيادة التحول الاقتصادي نحو تنمية أكثر عدالة وشمولًا واستدامة    جامعة الإسكندرية توافق على تعديل مسمى قسمين بمعهدي الصحة العامة والبحوث الطبية    طقس السعودية اليوم.. أمطار رعدية ورياح مثيرة للغبار على هذه المناطق    بعد فتح الباب للجمعيات الأهلية.. هؤلاء لن يسمح لهم التقدم لأداء مناسك الحج 2026 (تفاصيل)    إصابة 6 أشخاص فى حادث تصادم سيارتين بمدينة أسوان الجديدة    «شوف جدول مرحلتك».. جدول امتحانات شهر أكتوبر 2025 لصفوف النقل في محافظة الإسكندرية    انتشال جثتي عنصرين إجراميين من نهر النيل بعد تبادل إطلاق نار مع الشرطة بالغربية    «العمل»: 285 وظيفة شاغرة بشركة بالسويس (تفاصيل)    فرصة عمل شاغرة بجامعة أسيوط (الشروط وآخر موعد للتقديم)    مكتبة الإسكندرية تهنئ الكاتب الكبير محمد سلماوي لاختياره «شخصية العام» بمعرض الشارقة الدولي للكتاب    حقيقة تقديم تذاكر قطارات مجانية تزامنًا مع افتتاح المتحف المصري الكبير.. مصدر يوضح    وزير الثقافة يلتقي محافظ السويس لبحث سبل دعم الأنشطة الإبداعية    برج العقرب يزداد بصيرة.. أبراج تتمتع بالسلام بداية من الغد    محمد ثروت ومروة ناجى بقيادة علاء عبد السلام فى مهرجان الموسيقى العربية    بعد سرقتها من متحف اللوفر.. تعرف على قلادة الزمرد التاريخية| تفاصيل    وزارة التعليم الفلسطينية: استشهاد أكثر من 20 ألف طالب منذ 7 أكتوبر 2023    ليست مجرد مشاعر عابرة.. "الإفتاء" توضح موقف الإسلام من محبة أهل البيت    استشاري: ماء الفلتر افضل من المياه المعدنية للأطفال    ظهور حالات فى مدرسة بالمنوفية.. علامات الجديرى المائى وطرق العلاج    الدفاع الروسية: استهداف منشآت البنية التحتية للطاقة الأوكرانية    رئيس البرلمان العربي يطالب بتشكيل مجموعة عمل لدعم جهود تثبيت التهدئة بغزة    الجالية المصرية ببروكسل تستقبل الرئيس السيسي بالأعلام والهتافات    غدًا.. بدء عرض فيلم «السادة الأفاضل» بسينما الشعب في 7 محافظات    الحكومة تنفي وجود قرار رسمي بزيادة الأجور    وكيل تعليم الفيوم يشهد فعاليات تنصيب البرلمان المدرسي وتكريم الطالبات المتميزات على منصة "Quero"    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 21-10-2025 في محافظة الأقصر    دار الإفتاء توضح حكم تصدق الزوجة من مال زوجها دون إذنه    "الابتكار في إعادة تدوير البلاستيك".. ورشة ببيت ثقافة إطسا| صور    ذكرى إغراق المدمرة إيلات| القوات البحرية تحتفل بعيدها الثامن والخمسين.. شاهد    المستشفيات التعليمية تستضيف فريقًا إيطاليًا لجراحات قلب الأطفال بمعهد القلب    وزير الصحة يبحث مع السفير الفرنسي تنفيذ خطة لتقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة    عضو الجمعية المصرية للحساسية: ضعف المناعة والتدخين أبرز محفزات ارتكاريا البرد    851 مليار جنيه إجمالي التمويل الممنوح من الجهات الخاضعة للرقابة المالية خلال 9 أشهر    مؤمن سليمان: قيمة لاعب اتحاد جدة تساوي 10 أضعاف ميزانيتنا بالكامل    بالصور.. بدء التسجيل في الجمعية العمومية لنادي الزمالك    ميدو: كنا نسبق الكرة المغربية.. والعدل في الدوري سبب التفوق    الدماطي: ياسين منصور الأنسب لرئاسة الأهلي بعد الخطيب.. وبيراميدز منافسنا الحقيقي    اصطدام قطار برصيف محطة مصر.. ولجنة للتحقيق في الحادث    ما حكم الاحتفال بالموالد مثل مولد سيدنا الحسين والسيدة زينب؟ وما حكم أفعال بعض الناس خلال الموالد من الذبح والنذور وغيرها من الطقوس ومظاهر الاحتفال؟ وما حكم تشبيه بعض الأفعال الخاصة فى الاحتفالية بمناسك الحج؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"كلّ الحقّ ع فرنسا"
نشر في شموس يوم 19 - 11 - 2016

حيّة إلى غازي عاد، وكي لا ننسى المخطوفين، هذا فصل من روايتي "كلّ الحقّ ع فرنسا"
(ملاحظة لغويّة: أسماء العلم في رواياتي لا تخضع لقواعد اللغة بل تكتب كما تلفظ)
(شادي)
"أنا لست رقمًا في سجلاّت المخطوفين، فكيف يكون لي رقم وأنا من دون اسم ووجود؟ أنا لا أحد ولا شيء. مخطوف، أسير، ميت، لا أعرف. ولم يعد يعنيني أن أعرف. أنا الآن رجل مريض، رجل؟ ما هذه المزحة السمجة؟ كنت شابًا حين رموني هنا. هل صرت رجلاً؟ صرت مريضًا؟ نعم. ولكن رجل؟ وماذا بقي من رجولتي بعدما جرّبوا فيّ كلّ أنواع التعذيب. أنا لا أحد، فما دام والداي ليسا هنا ليسألا عنّي فأنا في السجن لا أحد. أشعر أنّ أخوتي وأعمامي توقّفوا عن البحث عنّي منذ زمن، وما عادوا ينتظرون أن يعرفوا شيئًا عن أخباري. أشعر بذلك ولا أعرف كيف أصفه. ربّما المخطوف يصل إلى مرحلة الانخطاف فيرى ما لا يراه الناس ويسمع ما لا يسمعه الآخرون. لولا ذلك لكان ميتًا منذ الصفعة الأولى. منذ الإهانة الأولى. أو ربّما هو ميت إلى حدّ ما، ومجنون إلى حدّ ما، ومخطوف إلى حدّ ما، ومنخطف إلى حدّ كبير. في الأسر مثقّفون تعلّمت منهم الكثير من الكلمات قبل أن ينهزموا بفعل العمر والقرف. ومن سوء حظّي أنّني كنت شابًا ولا أفهم في القرف الوجوديّ. فلم أمت.
كثر من الذين كانوا معي اختفوا. كنّا نقول عن الواحد منهم (خرج ولم يعد) ونضحك من صميم قلوبنا على هذه النكتة لأنّنا نعرف أنّهم هكذا قالوا عنّا حين اختفينا
(خرج ولم يعد. الرجاء ممّن يعرف عنه شيئًا الاتّصال بأقرب مخفر).
ونضحك حتّى تسيل الدموع، ثمّ نبكي وتنزل الدموع. نفتح أفواهنا التي تكسّرت فيها الأسنان واهترأت، ونطلق ضحكات هستيريّة يطمئننا سماعها إلى أنّنا ما زلنا نتذكّر كيف نضحك ولو على أنفسنا، ثمّ نبكي ويسيل مخاطنا ممزوجًا بالدمع فنمسحه بأكمامنا التي تفوح منها رائحة النتن التي لا تفارقنا فنحاول أن نتذكّر رائحة النظافة فنعجز. الأوساخ في كلّ مكان وسجّانونا لا ينظّفون إلاّ ذاكرتنا. على كلّ حال النسيان خلاص لأسير ليس له أحد يعود إليه.
علّمني أحد السجناء قبل أن يخرج ولا يعود أن أحارب الأسر بالذكريات. قلت له:
(ذلك يوجع، النسيان أرحم).
قال لي:
(لا تدعهم يقتلونك ويقتلون الذين تحبّهم).
فأخذت كلّ يوم أستعيد أسماءهم: كمال عقل وجمال، وديع إبن إمّو المطيع، شادية معبودة الجماهير، هكذا كانت أمّي توزّع عليهم الصفات، وهكذا أريد أن أتذكّرهم. أمّي مسيحيّة وأبي فلسطينيّ. وأنا؟ من أنا؟ أنا شادي الذي قالت له أمّه مرّة:
(لا أحبّ أغنية فيروز عن شادي لأنّي أخاف أن تضيع منّي وتحرق قلبي).
ولكنّها هي التي حرقت قلبي وقرّرت أن تموت وتلحق بوالدي الذي أحبّته أكثر منّا كلّنا. بعد ذلك لم نعد عائلة. صرنا أربعة أشخاص معبّأين غضبًا نتشاجر ما أن نلتقي، حتّى سافر كمال ووديع إلى السعوديّة بتدبير من عمّي الذي له علاقات واسعة مع مسؤولين في الدولة. ثمّ لحقت بهم شادية على أن ألحق بها حين يستطيع عمّي أن يشتري لي تأشيرة دخول على جواز سفري المزوّر. ولكنّ كفيله السعوديّ مات قبل أن يحصل ذلك، وعلقت أنا في لبنان، وتزوّجت شادية إلى مصر التي كانت أمّي تحلم بزيارتها، وكانت تحبّ أفلام شادية وعلى اسمها سمّت شقيقتي التوأم التي لا يمكن أن تصدّق أنّني متّ، وإلاّ لكنت ظهرت عليها في المنام كما كانت جدّتي أمّ أحمد تعلّمنا.
أنا لم أمت يا شادية. لا تنسيني وإلاّ متّ فعلاً. لا ترمي أغراضي وثيابي، لا تخفي صوري كي لا تريها وتنزل دموعك. أنا مخطوف يا شادية مثل مئات المخطوفين هنا، المنسيّين إلاّ من قبل أمّ وأب. أنا لا أب لي ولا أمّ يا شادية. لا تنسيني وكوني أبي وأمّي وأخبري أولادك عنّي. هل صار عندك أولاد يا شادية؟ هل عندك صبيّ تقولين له:
( لا تكن مشاغبًا كخالك يا صبيّ!).
بالي مشغول على وديع يا شادية، شاهدته في المنام ولم يكن هو. أنا في السجن ولكنّي لم أعد خائفًا فأيّام التعذيب ولّت منذ أعوام، تعب الجلادون من التعذيب، ولكنّ الخوف عاودني حين شاهدت وديع في الحلم وكان يبكي ويطلب منّي ألاّ أنساكم:
كمال عقل وجمال، وديع إبن أمّه المطيع، شادية معبودة الجماهير.
كمال عقل وجمال، وديع إبن أمّه المطيع، شادية معبودة الجماهير
كمال عقل وجمال، وديع إبن أمّه المطيع، شادية معبودة الجماهير".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.