جامعة عين شمس تنشئ وحدة داخلية لمتابعة ودعم جائزة مصر للتميز الحكومي    محافظ أسيوط يتفقد مجمع الصناعات الغذائية ومنتجات الرمان بالبداري (صور)    انخفاض البطاطس.. أسعار الخضروات والفاكهة في سوق العبور 27-6-2025    وزير السياحة يعتمد الضوابط الجديدة لرحلات العمرة موسم 1447 ه    الأمم المتحدة: إسرائيل تصطاد الفلسطينيين عبر المساعدات الإنسانية    ماكرون: ترامب عازم على التوصل لوقف إطلاق نار جديد في غزة    رقم تاريخي يحصده الهلال بعد حجز بطاقة التأهل فى مونديال الأندية    محافظة أسيوط تعلن عن نقاط ثابتة ومواقع الحملة القومية للتبرع بالدم    المراجعات النهائية للغة الإنجليزية الثانوية العامة 2025    أروى جودة تساند ياسر جلال ليصل للقمة في مسلسل للعدالة وجه آخر    طريقة عمل سلطة التونة بمكونات بسيطة    مستشفى الناس تُبهر مؤتمر القلب العالمي في فرانكفورت بتقنيات إنقاذ نادرة للأطفال    الصحة تطلق حملة قومية للتبرع بالدم في جميع محافظات الجمهورية    بينها القضاء على 11 عالما نوويا.. الجيش الإسرائيلي يجمل محصلة هجومه على إيران    "هآرتس" تكشف عن جهة أمرت بإطلاق النار على الفلسطينيين عند نقاط توزيع المساعدات    تحقيقات موسعة حول مصرع 3 وإصابة 10 آخرين في حادث تصادم بالجيزة    مواعيد قطارات «الإسكندرية - القاهرة» اليوم الجمعة 27 يونيو 2025    النشرة المرورية.. سيولة بحركة السيارات بمحاور القاهرة والجيزة    استقرار سعر الجنيه الإسترليني اليوم الجمعة 27-6-2025    وسام أبو علي يقترب من الرحيل عن الأهلي مقابل عرض ضخم    نجم الزمالك السابق: الفريق يحتاج لصفقات قوية.. وعمر جابر قدم موسمًا مميزًا    ميسي لا يُقصى وراموس لا يشيخ.. 15 رقمًا قياسيًا تحققت بعد انتهاء دور المجموعات في كأس العالم للأندية 2025    جلسة علمية حول تخدير جراحة التوليد ضمن "مؤتمر الرعاية المركزة" بطب عين شمس    مرموش ضد بونو مجددًا.. مواجهة مرتقبة في مونديال الأندية    عادل إمام يتصدر تريند "جوجل".. تفاصيل    أوروبا تُصعّد لهجتها.. دعوة لوقف النار في غزة ومراجعة العلاقة مع إسرائيل    "ياحراق اللجان".. شقيق رامي ربيعة يثير الجدل بهذا المنشور بعد خروج العين من المونديال    السيطرة على حريق هائل في مصنع زيوت بالقناطر الخيرية    ضبط المتهم بالتخلص من شقيقه ونجله وإصابة جارهما في قنا    حوار| رئيس اتحاد نقابات عمال الجيزة: الاقتصاد شهد تحسنًا بعد ثورة 30 يونيو    سطو مسلح على منزل براد بيت بلوس أنجلوس أثناء تواجده بالخارج    "لازم واحد يمشي".. رضا عبدالعال يوجّه طلب خاص لإدارة الأهلى بشأن زيزو وتريزيجيه    قمة الاتحاد الأوروبي تفشل في إقرار الحزمة ال18 من العقوبات ضد روسيا    حريق ضخم في منطقة استوديو أذربيجان فيلم السينمائي في باكو    بكام الفراخ البيضاء؟ أسعار الدواجن والبيض في أسواق الشرقية الجمعة 27 يونيو 2025    يكسر رقم أبو تريكة.. سالم الدوسري هداف العرب في تاريخ كأس العالم للأندية (فيديو)    بكام طن الشعير؟ أسعار الأرز اليوم الجمعة 27 يونيو 2025 في أسواق الشرقية    كم فوائد 100 ألف جنيه في البنك شهريًا 2025؟ أعلى عائد شهادات في البنوك اليوم    حنان مطاوع تروي كواليس «Happy Birthday»: صورنا 8 ساعات في النيل وتناولنا أقراص بلهارسيا    مصطفى بكري: 30 يونيو انتفاضة أمة وليس مجرد ثورة شعبية    «البنت حبيبة أبوها».. أحمد زاهر يوجه رسالة مؤثرة لابنته ملك في عيد ميلادها    دعاء أول جمعة فى العام الهجرى الجديد 1447 ه لحياة طيبة ورزق واسع    فضل شهر محرم وحكم الصيام به.. الأزهر يوضح    ملف يلا كورة.. جلسة الخطيب وريبييرو.. فوز مرموش وربيعة.. وتجديد عقد رونالدو    وزير قطاع الأعمال يعقد لقاءات مع مؤسسات تمويل وشركات أمريكية كبرى على هامش قمة الأعمال الأمريكية الأفريقية بأنجولا    بالصور.. نقيب المحامين يفتتح قاعة أفراح نادي المحامين بالفيوم    الورداني: النبي لم يهاجر هروبًا بل خرج لحماية قومه وحفظ السلم المجتمعي    إصابة سيدتين ونفوق 15 رأس ماشية وأغنام في حريق بقنا    هل التهنئة بالعام الهجري الجديد بدعة؟.. الإفتاء توضح    "القومي للمرأة" يهنئ الدكتورة سلافة جويلى بتعيينها مديرًا تنفيذيًا للأكاديمية الوطنية للتدريب    بحضور مي فاروق وزوجها.. مصطفى قمر يتألق في حفلة الهرم بأجمل أغنياته    لجان السيسي تدعي إهداء "الرياض" ل"القاهرة" جزيرة "فرسان" مدى الحياة وحق استغلالها عسكريًا!    الأوقاف تفتتح اليوم الجمعة 9 مساجد في 8 محافظات    صحة دمياط تقدم خدمات طبية ل 1112 مواطنًا بعزبة جابر مركز الزرقا    المفتي: التطرف ليس دينيا فقط.. من يُبدد ويُدلس في الدين باسم التنوير متطرف أيضا    حسام الغمري: الإخوان خططوا للتضحية ب50 ألف في رابعة للبقاء في السلطة    حجاج عبد العظيم وضياء عبد الخالق في عزاء والد تامر عبد المنعم.. صور    وزير السياحة والآثار الفلسطينى: نُعدّ لليوم التالي في غزة رغم استمرار القصف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"كلّ الحقّ ع فرنسا"
نشر في شموس يوم 19 - 11 - 2016

حيّة إلى غازي عاد، وكي لا ننسى المخطوفين، هذا فصل من روايتي "كلّ الحقّ ع فرنسا"
(ملاحظة لغويّة: أسماء العلم في رواياتي لا تخضع لقواعد اللغة بل تكتب كما تلفظ)
(شادي)
"أنا لست رقمًا في سجلاّت المخطوفين، فكيف يكون لي رقم وأنا من دون اسم ووجود؟ أنا لا أحد ولا شيء. مخطوف، أسير، ميت، لا أعرف. ولم يعد يعنيني أن أعرف. أنا الآن رجل مريض، رجل؟ ما هذه المزحة السمجة؟ كنت شابًا حين رموني هنا. هل صرت رجلاً؟ صرت مريضًا؟ نعم. ولكن رجل؟ وماذا بقي من رجولتي بعدما جرّبوا فيّ كلّ أنواع التعذيب. أنا لا أحد، فما دام والداي ليسا هنا ليسألا عنّي فأنا في السجن لا أحد. أشعر أنّ أخوتي وأعمامي توقّفوا عن البحث عنّي منذ زمن، وما عادوا ينتظرون أن يعرفوا شيئًا عن أخباري. أشعر بذلك ولا أعرف كيف أصفه. ربّما المخطوف يصل إلى مرحلة الانخطاف فيرى ما لا يراه الناس ويسمع ما لا يسمعه الآخرون. لولا ذلك لكان ميتًا منذ الصفعة الأولى. منذ الإهانة الأولى. أو ربّما هو ميت إلى حدّ ما، ومجنون إلى حدّ ما، ومخطوف إلى حدّ ما، ومنخطف إلى حدّ كبير. في الأسر مثقّفون تعلّمت منهم الكثير من الكلمات قبل أن ينهزموا بفعل العمر والقرف. ومن سوء حظّي أنّني كنت شابًا ولا أفهم في القرف الوجوديّ. فلم أمت.
كثر من الذين كانوا معي اختفوا. كنّا نقول عن الواحد منهم (خرج ولم يعد) ونضحك من صميم قلوبنا على هذه النكتة لأنّنا نعرف أنّهم هكذا قالوا عنّا حين اختفينا
(خرج ولم يعد. الرجاء ممّن يعرف عنه شيئًا الاتّصال بأقرب مخفر).
ونضحك حتّى تسيل الدموع، ثمّ نبكي وتنزل الدموع. نفتح أفواهنا التي تكسّرت فيها الأسنان واهترأت، ونطلق ضحكات هستيريّة يطمئننا سماعها إلى أنّنا ما زلنا نتذكّر كيف نضحك ولو على أنفسنا، ثمّ نبكي ويسيل مخاطنا ممزوجًا بالدمع فنمسحه بأكمامنا التي تفوح منها رائحة النتن التي لا تفارقنا فنحاول أن نتذكّر رائحة النظافة فنعجز. الأوساخ في كلّ مكان وسجّانونا لا ينظّفون إلاّ ذاكرتنا. على كلّ حال النسيان خلاص لأسير ليس له أحد يعود إليه.
علّمني أحد السجناء قبل أن يخرج ولا يعود أن أحارب الأسر بالذكريات. قلت له:
(ذلك يوجع، النسيان أرحم).
قال لي:
(لا تدعهم يقتلونك ويقتلون الذين تحبّهم).
فأخذت كلّ يوم أستعيد أسماءهم: كمال عقل وجمال، وديع إبن إمّو المطيع، شادية معبودة الجماهير، هكذا كانت أمّي توزّع عليهم الصفات، وهكذا أريد أن أتذكّرهم. أمّي مسيحيّة وأبي فلسطينيّ. وأنا؟ من أنا؟ أنا شادي الذي قالت له أمّه مرّة:
(لا أحبّ أغنية فيروز عن شادي لأنّي أخاف أن تضيع منّي وتحرق قلبي).
ولكنّها هي التي حرقت قلبي وقرّرت أن تموت وتلحق بوالدي الذي أحبّته أكثر منّا كلّنا. بعد ذلك لم نعد عائلة. صرنا أربعة أشخاص معبّأين غضبًا نتشاجر ما أن نلتقي، حتّى سافر كمال ووديع إلى السعوديّة بتدبير من عمّي الذي له علاقات واسعة مع مسؤولين في الدولة. ثمّ لحقت بهم شادية على أن ألحق بها حين يستطيع عمّي أن يشتري لي تأشيرة دخول على جواز سفري المزوّر. ولكنّ كفيله السعوديّ مات قبل أن يحصل ذلك، وعلقت أنا في لبنان، وتزوّجت شادية إلى مصر التي كانت أمّي تحلم بزيارتها، وكانت تحبّ أفلام شادية وعلى اسمها سمّت شقيقتي التوأم التي لا يمكن أن تصدّق أنّني متّ، وإلاّ لكنت ظهرت عليها في المنام كما كانت جدّتي أمّ أحمد تعلّمنا.
أنا لم أمت يا شادية. لا تنسيني وإلاّ متّ فعلاً. لا ترمي أغراضي وثيابي، لا تخفي صوري كي لا تريها وتنزل دموعك. أنا مخطوف يا شادية مثل مئات المخطوفين هنا، المنسيّين إلاّ من قبل أمّ وأب. أنا لا أب لي ولا أمّ يا شادية. لا تنسيني وكوني أبي وأمّي وأخبري أولادك عنّي. هل صار عندك أولاد يا شادية؟ هل عندك صبيّ تقولين له:
( لا تكن مشاغبًا كخالك يا صبيّ!).
بالي مشغول على وديع يا شادية، شاهدته في المنام ولم يكن هو. أنا في السجن ولكنّي لم أعد خائفًا فأيّام التعذيب ولّت منذ أعوام، تعب الجلادون من التعذيب، ولكنّ الخوف عاودني حين شاهدت وديع في الحلم وكان يبكي ويطلب منّي ألاّ أنساكم:
كمال عقل وجمال، وديع إبن أمّه المطيع، شادية معبودة الجماهير.
كمال عقل وجمال، وديع إبن أمّه المطيع، شادية معبودة الجماهير
كمال عقل وجمال، وديع إبن أمّه المطيع، شادية معبودة الجماهير".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.