" فقط حاول تناسي ما تراه امامك : الشجرة أو المنزل أو الحقل ، وفكر ببساطة ، وكأنه يوجد امامك مربع أزرق صغير ، ومستطيل قرنفلي ، وشريط اصفر ، ثم قم بعد ذلك بالتصوير كما تراها " . كلود مونيه تبقي الطبيعة دوما مصدرا للجمال ، ويجد المبدع في عطاء الطبيعة ذاته مابين الألوان في تعددها ودرجات الإختلاف ، والتدرج في اللون نفسه بخلاف التأثير الضوئي ودرجاته ، وبعض الإنعكاسات حين إلتقاط المشهد نفسه ،مع الخلفية البصرية والفكرية لدي المبدع والمتلقي ، و الحالة الوجدانية لديهما ، ما يجعل الطبيعة مصدرا متجددا للإبداع . وقد أسس فنانونو القرن االتاسع عشر ومنهم كلود مونيه ، واوجست رودان وجماعته مذهبهم الجديد في معرضهم الذي أسس " الإنطباعية " كمذهب فني جديد مخالف لمعاصريهم ، حيث لعب التأثير الضوئي ، والألوان ، دورا جديدا في تجسيد وإبراز " كمون " جمالي يسكن الطبيعة والأشياء ، بل قد لا يحتاج إلي تقنيات جديدة بقدر ما يحتاج إلي رؤي خاصة هي بعض من خبرات المبدع وقدراته الخاصة في إبتكار آليات بسيطة يلتقط بها العنصر الجمالي الكامن امامه و الذي رأه و وصل إليه فيعيد تجسيده لنا محددا و في إطار جديد و خاص …. كما يقول مونيه " … ثم قم بالتصوير كما تراه " . *** ونحن هنا مع الفنانة التايونية / قوه شين بي .. في لوحاتها التي بين يدينا نكاد نلمس ذلك واضحا في إختياراتها للمشهد ، وقدرتها الفنية وإدراكها للعنصر الجمالي الكامن في المشهد ذاته ، ملتقطة علي خلفية بصرية وفكرية زهورا من الطبيعة تنثرها امامنا في تكوينات تكاد تكون مألوفة للعين ، لكنها – وهذا هو إبداعها – في نثرها وتكوينها بدرجة متناهية من التناغم والإتساق حتي تصل بنا إلي الكامن في جماليات الألوان وتدرُجها ، أوتقاربها وتأثير الإنعكسات الضوئية عليها ما بين السطوع والدكانة وبتدرجات حققت فيها معدلا متميزا في القدرة و السلاسة المتناهية بلغت حدا رائعا في إستخدام أدواتها وتقنياتها ، ليبرز أمامنا متحققا ومتجسدا … " كمونا " ، ادركته ، وحددته ، وحصرته ، علي ضوء خلفيتها الثقافية البصرية والفكرية ، عن اللون ، و درجات الضوء ، والتأثيرات المتبادلة بينهما ، فجاء العمل مكتملا ، فالمشهد – في حد ذاته – ليس جديدا وهو من مخزونها ومخزوننا البصري – مبدعين أو متلقين – لكن هي كمبدعة إستدعت مع أدواتها وتقنياتها ، عناصر من اللون والضوء ، لتعيد تركيبه ، وتبرز بعضا من الجماليات ، تعكس قدرتها الإبداعية في التناول للمألوف ، وإعادته إلينا كغير مألوف ، وهذا هو صنيع المبدع ، فالجمال موجودا ومألوفا ، إدراكه وإعادة صياغته هو صنيع الفنان المبدع وحده . وفي عملها الأخير الذي إختارته من الطبيعة ذاتها ، يجسد ما ذهبنا إليه ، من إهتمامها بعنصري اللون ، والإضاءة ، ففيما بين اللونين الأحمر والأزرق ودرجاتهما ، ودلالاتهما اللونية المعروفة إستطاعت تجسيد المعاناة النسوية المألوفة في الكدح النسائي في الحياة العملية ، وإنعكسات ذلك علي المرأة وهو إنحسارحاد في علامات " الأنوثة " حيث يلتهمها الشقاء فيبقي علي المرأة فقط التجاعيد ، والعروق البارزة والجافة ، ويخبو بريق العينين ، بل وتكاد تغوص العينين في محجريهما ، وتتلاشي الإنحناءات ، والإستدارات المألوفة في الجسد الأنثوي . تجسد ذلك من خلال تصويرها للمرأة نفسها في حالة الكدح النسائي ، وحاصرة أسباب ذلك بأيقونتين ايضا مألوفتين متمثلتين فيما تحمله بين يديها وعلي ظهرها ، أي ( الطعام ، والولد ) ، محور حياتها … ومحور حياة الكثير من نساء العالم الثالث . !