(1) . بإيماءةٍ من سفرٍ قديمٍ، سأسمّي الفكرةَ باسمِها. أراني أنفضُ الغُبارَ عنِ لُفافاتِ البَرْدي، وأضيءُ يَراعةً تائهةً في الصّحراء، وأجيءُ إلى هنا، إلى منزلِ السيّد فرناند دو سوسير(1)، المُعلَّقِ على شلّالٍ سويسريٍّ متفاقعٍ، فأقترضُ منهُ نبوءتَهُ في السيميولوجي، وأنثرُها سيماواتٍ على أرضِنا المُشقَّقةِ، لعلّي أدركُ، بلُغةِ الجَرجاني(2)، نهائيةَ الشّكلِ الملموسِ ولا نهائيّةَ المَعنى. . (2) . في عيدِ الميلادِ، يبتسمُ هيجل(3). فلا تقومُ سنةٌ حتى تموتَ سنة. ولا تطيرُ فراشةٌ حتّى تتمزّقَ شرنقةٌ. الصَّلبُ، أيُّها السّادة، هو الجدليّةُ الأكثرُ صخبًا في غابةِ الزّمنِ المُملَّة. الصَّلْبُ، أيتُها السيّدات، هو حكايةٌ أخرى من حكايات العنقاء. الصَّلبُ، أيُّها الرّاحلون إلى مستقبلٍ مسكونٍ بالماضي، هو انبعاثُ شجَرِ الحكايةِ فيما يقفُ التّاريخُ على رأسِه. . (3) . عنديَ قطٌّ صغيرٌ، في حجمِ راحتي. يقولُ لي كلامًا كثيرًا. منذُ التقيتُ بِه، حين كانَ يبحثُ عن ثديِ أمِّهِ، ألقى عليَّ ألفَ مُواءٍ وعشرةَ أصنافٍ من التّمسيدِ والتصاقِ شعرِهِ الزّاغبِ بساقَيَّ المُتعبَتَيْنِ وثلاثةَ أصواتٍ من الخرخرةِ. لم أفهمْ منهُ سوى أنّهُ يحبُّني مثلما يحبُّ الغذاءَ المُنهمِرَ من شُقوقِ يدي، ويبحثُ في الجِوارِعن مسحَةٍ دافئة. يكادُ يفهمُني في كلِّ شيء. أكادُ لا أفهمُهُ، وما زلتُ أبحثُ لهُ عن اسمٍ في زوايا الذّاكرة. وكنتُ أحسبُني أرى وأسمعُ ما تقولُ الطّبيعة. . (4) . العطرُ زهرٌ محبوسٌ في قارورةٍ. حينَ يُطلَقُ سراحُهُ، ويقفُ على جيدِ امرأةٍ، يقولُ في كلِّ اللُّغات: "شبّبكِ لَبّيكِ". ويلتفتُ الرِّجالُ، فيضطربون بينَ الدّالِّ والمدلولِ والدّلالة. ***** إحالات وإضاءات: ** *بالعربيّة يكثر استخدام مصطلح "السّيميائيّات"، وهو علم العلامات، بمعنى أنَّ لكلّ شيء، بما في ذلك اللّغة، دلالتُه. واخترنا استخدام مصطلح "سيماوات"، لأسبابٍ عديدة، منها صدورُه من أصلٍ عربيٍّ وتشابُهُ جرسِه مع الاسم الأجنبيّ وارتباط معناه بالدّال والمدلول وإيحائه بما هو سماويّ، ممّا يرتبط بالمعنى والفكر. (1) هو العالم السّويسري دو سوسير، المشهور بنظريّته الرّائدة في "اللّسانيّات" والذي تنبّأَ بظهور علم العلامات والدّلائل. وقد أسماه "سيميولوجيا"، فيما أسماه أصحابُ الإنجليزيّة "سيميوطيقا"، واختار النّاطقون بالعربيّة الإسمَيْن المذكورَيْن وغيرهما، فيما ينتشر استخدام "السّيميائيّة". ونعتقد أنَّ مصطلح "سيماوات" هو الأصوب. ف"سيماهم في وجوههم"، كما جاء في القرآن الكريم، باعتبار هذه الكلمة تشمل الدّالّ والمدلول، الشّكل والمعنى المعنويّ ولدواعي ذكرنا بعضها آنفًا. (2) هو عبد القاهر الجَرجاني، نسبةً إلى منطقة جرجان (بلاد فارس)، متكلّمٌ ونحويٌّ شهير، عاش في القرن الخامس الهجري في العصر العبّاسي الأوّل. ولهُ مقولاتٌ مثيرة فيما يتعلّق بالدّال (العلامة) والمدلول (المعنى) واللّغات، ممّا ينسجمُ مع علم العلامات والدّلائل الحديث (سيميولوجيا/سيميوطيقا/سيميائية/سيماوات). (3) هيجل هو الفيلسوف الألماني، مؤسّس مذهب الدّيالكتيك (الجدليّة)، وقد أخذ عنه الفلاسفة اللّاحقون وحتّى اليوم هذا المذهب وطوّروه في اتّجاهات مختلفة، ومنهم كارل ماركس (المادّيّة الدّيالكتيكيّة) وكيركيغارد (مؤسّس الوجوديّة) والفيلسوف الوجودي الفرنسي جان بول سارتر (مثلًا "الوجود والعدم").