البرلمان الألماني: تجويع سكان غزة يخالف القانون الدولي    محمد صلاح: كنت قريبًا من الانتقال للسعودية.. وهذه ميزة سلوت    محمد صلاح: فرصتي جيدة لتحقيق الكرة الذهبية.. وكوبر أذكى مدرب دخل مصر    فريق من الجامعة الأمريكية يبدأ تقييم نظم الرعاية الصحية في مصر    إنشاء كليات وجامعات جديدة.. أبرز قرارات مجلس الجامعات الخاصة مايو 2025    مانشستر يونايتد يحسم صفقته الصيفية الأولى    يوفنتوس إلى دوري الأبطال وفينيزيا يودّع الدوري الإيطالي    نماذج امتحانات البلاغة والصرف والنحو لالثانوية العامة الأزهرية 2025 بنظام البوكليت    مصرع 3 عمال في بيارة صرف صحي بالإسماعيلية    مصابان بحروق في حريق مصنع طوب بالبدرشين    ختام مثير للدورة الثامنة والسبعين لمهرجان كان السينمائى    بحضور تامر حسني وكزبرة.. 20 صورة من العرض الخاص لفيلم "ريستارت"    توقعات الأبراج ليوم الإثنين 26 مايو 2025    محمد صلاح: أستطيع اللعب حتى سن ال40 والريال وبرشلونة مش فى الصورة    تكريم نجوم وفريق عمل "لام شمسية" في حفل جوائز كأس إينرجي للدراما    فى ختام التعاملات.. أسعار الذهب فى مصر اليوم    وكيل صحة بالمنوفية يتفقد أعمال التدريب بالمركز الصحي بأشمون    كيف أطاحت نكتة بوزير ياباني من منصبه؟    قادة "آسيان" يعقدون قمتهم ال 46 في ماليزيا غدًا الاثنين    شهباز شريف وأردوغان يؤكدان تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين باكستان وتركيا    حفل كأس إنرجي للدراما يكرم نجوم موسم رمضان 2025    الملك عبد الله الثاني يوجه كلمة للأردنيين بمناسبة ذكرى الاستقلال ويثير تفاعلا    بعد اعتباره فائزًا.. ماذا يحتاج النصر للتأهل لدوري أبطال آسيا للنخبة؟    تنفيذ أضخم مشروع جينوم بالشرق الأوسط وتسليم عينات جينوم الرياضيين    وزير المالية الألماني يبدي تفاؤلا حذرا حيال إمكانية حل النزاع الجمركي مع واشنطن    تامر حسني يصل العرض الخاص لفيلمه الجديد «ريستارت» | صور    أحكام الحج (1).. علي جمعة يوضح ما هو الحج وحكمه وفضل أدائه    ما حكم سيلفي الكعبة المشرفة؟ عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى تجيب    ماذا قال "سفاح المعمورة" أمام جنايات إسكندرية؟    «نقل البرلمان»: توافق على موازنة جهاز تنظيم النقل البري الداخلي والدولي    هاتريك من مقاعد البدلاء.. سورلوث يكتب التاريخ مع أتلتيكو مدريد    قريبًا.. انطلاق برنامج "كلام في العلم" مع دكتور سامح سعد على شاشة القناة الأولى    رئيس نابولي يؤكد اهتمام ناديه بضم دي بروين    هل السجود على العمامة يبطل الصلاة؟.. الإفتاء توضح الأفضل شرعًا    قبل أيام من قدومه.. لماذا سمى عيد الأضحى ب "العيد الكبير"؟    أبوتريكة يحدد الأندية الأحق بالتأهل لدوري أبطال أوروبا عن إنجلترا    وزير الخارجية والهجرة يلتقى مع وزير الخارجية النرويجي    دليلك لاختيار الأضحية في عيد الأضحى 2025 بطريقة صحيحة    المفتي: يوضح حكم التصرف في العربون قبل تسليم المبيع    «الإسماعيلية الأزهرية» تفوز بلقب «الأفضل» في مسابقة تحدي القراءة العربي    خلال المؤتمر الجماهيري الأول لحزب الجبهة الوطنية بالشرقية.. عثمان شعلان: ننطلق برسالة وطنية ومسؤولية حقيقية للمشاركة في بناء الجمهورية الجديدة    "عاشور ": يشهد إطلاق المرحلة التنفيذية لأضخم مشروع جينوم في الشرق الأوسط    إصابه 5 أشخاص في حادث تصادم على الطريق الإقليمي بالمنوفية    5 سنوات على مقتل جورج فلوريد.. نيويورك تايمز: ترامب يرسى نهجا جديدا لخطاب العنصرية    جدول مواعيد الصلاة في محافظات مصر غداً الاثنين 26 مايو 2025    وزارة الداخلية تواصل تسهيل الإجراءات على الراغبين فى الحصول خدمات الإدارة العامة للجوازات والهجرة    النواب يوافق نهائيا على مشروع تعديل قانون مجلس الشيوخ    نائب رئيس الوزراء: زيادة موازنة الصحة ل406 مليارات جنيه من 34 مليار فقط    محافظ المنوفية: تقييم دوري لأداء منظومة النظافة ولن نتهاون مع أي تقصير    الصحة العالمية تشيد بإطلاق مصر الدلائل الإرشادية للتدخلات الطبية البيطرية    محافظ بني سويف يلتقي وفد القومي لحقوق الإنسان    بعد افتتاح الوزير.. كل ما تريد معرفته عن مصنع بسكويت سيتي فودز بسوهاج    انتظام كنترول تصحيح الشهادتين الابتدائية والإعدادية الأزهرية بالشرقية    لخفض البطالة.. كلية الاقتصاد جامعة القاهرة تنظم ملتقى التوظيف 2025    الاحتلال الإسرائيلي يقتحم عدة قرى وبلدات في محافظة رام الله والبيرة    محافظ الشرقية: 566 ألف طن قمح موردة حتى الآن    استعدادًا لعيد الأضحى.. «زراعة البحر الأحمر» تعلن توفير خراف حية بسعر 220 جنيهًا للكيلو قائم    أول رد من «الداخلية» عن اقتحام الشرطة لمنزل بكفر الشيخ ومزاعم تلفيق قضية لأحد أفراد العائلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سؤال في المنهج
نشر في نقطة ضوء يوم 13 - 02 - 2017

من الأسئلة التي نواجهها سؤال المنهج، وهل يختلف المنهج في الدرس النقدي والأدبي عنه في الدرس العلمي التجريبي؟
الاختلاف الجوهري لا يكمن في المباديء العامة التي تحكم التفكير العلمي هنا وهناك، ولكنه اختلاف في المادة المدروسة من حيث طبيعتها اللغوية واشتباكها مع الواقع والتاريخ ومنظومة القيم التي تتحرك صعودا أو هبوطا حسب متغيرات كل فترة تاريخية كبرى، ومن حيث ارتباطها بالمبدع والمتلقي وظروف الإنتاج، ومن حيث دلالتها على نوع أدبي أو كتابي أو اتصالها اللغوي المباشر بالمتلقي كما نرى في النصوص غير الأدبية.
وقد أثمر هذا الاختلاف ثمرته التي نعيشها وهي تقدم العلوم الطبيعية والرياضية واللسانية تقدما مدهشا، واضطربت الخطى في مجال النقد الأدبي نظريا أو تطبيقيا، وحاولت الاتشاح بثياب العلمية. فقد كان النقد البنيوي دعوة للخروج من أسر المناهج التاريخية والاجتماعية والنفسية التي رأت أن الدرس الأدبي – نظرا أو تطبيقا – لا يفارق سياقه التاريخي ولا دلالته الاجتماعية ولا دلالته النفسية على منشئه أو مبدعه.
وانتقلت هذه المناهج حسب تطور الفكر الاجتماعي والفلسفي من دراسة المتلقي وسياقات التلقي إلى دراسة المبدع وشخصيته ومكوناته الاجتماعية وقدراته العقلية والخيالية ورأت أن العمل الأدبي وثيقة دالة على صاحبه، ولما أسرف الدرس النقدي في هذا المجال، اتجه إلى دراسة الواقع الاجتماعي بوصفه المصدر الأول الذي انطلقت منه كل الصياغات الأدبية والفكرية والعقائدية، ومن هذه الصياغات الصياغة الأدبية بوصفها دالة على انحياز فكري وطبقي وقد ركز الدرس النقدي على ما أسماه بالموقف الفكري من الواقع.
كل هذه المناهج ذات الرؤى السياقية جعلت الدرس الأدبي والنقدي يلهث وراء التاريخ أو الفلسفة أو الاجتماع أو علم النفس ويبتعد عن إنتاج قواعد منهجية تؤسس لعلم دراسة الأدب. واتجه الفكر البنيوي إلى النهوض بهذه المهمة، وهي تأسيس قواعد عامة لعلم دراسة الأدب تجعل النص الأدبي بوصفه بنية لغوية خالصة، مادة لهذا الدرس وتنطلق هذه القواعد من تحليل بنية النص وفق شروط معروفة، ولكي تتحقق صفة العلمية استعان النقد البنيوي بوسائل الدرس اللساني والرياضي، فتحول النص إلى عدد من البنيات المغلقة والمعادلات. ولكنها بلا معنى أو تفسير أو دلالة.
وقد خاض النقد العربي كل هذا المخاض متتبعا كل مسارات النقد ومنجزاته، لكنه تحمل وزرا أكبر من وزر منشئي هذه المناهج والنظريات وتبلور هذا الوزر في اضطراب المصطلحات والمفاهيم، وعزل الأفكار المنهجية عن سياقاتها الفكرية والاجتماعية التي أنتجتها، والرغبة في استدعاء التاريخ من أجل رفض كل جديد والاستعلاء عليه، والتعسف في فهم الأشباه والنظائر من الأنواع والأشكال، والحرص على التقليد واستمالة القاريء وإغوائه بما لا يفهم.
ومما لاشك فيه أن كل وافد ليس شرا محضا، فقد أثمر هذا الوافد على يد قلة من الفاهمين من الرواد ثمرات في الدرس التحليلي أو التطبيقي لعيون النصوص الأدبية العربية شعرا كانت أو رواية أو مسرحية أو دراما تلفزيونية أو قصة قصيرة، على امتداد الساحة العربية من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق، وخاصة الدور الذي نهضت به الجامعة المصرية منذ نشأتها في مطلع القرن الماضي 1908 وما قدمته بعدها الجامعات العربية في تونس والجزائر والمغرب وسوريا والعراق والسعودية، وغيرها من الجامعات، كما أثمر هذا التواصل المنهجي إعادة النظر في التاريخ الأدبي العربي واكتشاف أعلام جديدة وأنواع أدبية بالتركيز عليها واستدعائها مثل المقامة والسرد الخيالي، كما مهد الساحة النقدية لتأسيس نقد لنوع أدبي زاحم الأنواع الأخرى وخاصة الشعر، وهو الرواية وكل أنواع السرد.
لكن السؤال الذي ظل قائما هو ماذا بعد المناهج السياقية والنصية بعد أن جذبت الدرس النقدي مرة إلى العلوم الاجتماعية، ومرة أخرى إلى اللسانيات والعلوم الطبيعية؟ ظلت الحاجة قائمة وملحة إلى منهج علمي ينظر إلى الأدب وكل أشكال التعبير من منظورين مهمين هما: اللغة من ناحية، والعلامة من ناحية أخرى. ففي ظل عصر الصورة وخطورة تأثيرها وانتشار فنون الفرجة والزينة وتعدد الأنظمة الدلالية، صار هناك خطر محدق على الأدب من ناحية، وعلى طريقة دراسته من ناحية أخري، ولم يعد مجديا أبدا الوقوف عند بلاغة النص بمعناها التقليدي ولا عند نصوصيته ولا عند كونه وثيقة دالة على صاحبه، ولا عند كونه بنية مغلقة تتضمن عدة بنيات صغرى كما أرادت البنيوية.
هذا المنهج هو المنهج السيميائي الذي يسعى إلى تحويل العلوم الإنسانية (خصوصاً اللغة والأدب والفن) من مجرد تأملات وانطباعات إلى علوم بالمعنى الدقيق للكلمة. ويتم لها ذلك عند التوصل إلى مستوى من التجرد يسهل معه تصنيف مادة الظاهرة ووصفها، من خلال أنساق من العلاقات تكشف عن الأبنية العميقة التي تنطوي عليها. ويمكنها هذا التجرد من استخلاص القوانين التي تتحكم في هذه المادة. ومن آفاقه دراسة علامات الحيوانات، وعلامات الشم، وعلامات الاتصال باللمس، ومفاتيح المذاق، والاتصال البصري، وأنماط الأصوات، والتشخيص الطبي، وأوضاع الجسد، واللغات الصورية والمكتوبة، والإعلان والإشهار، والسينما والقصة المصورة والملصقات، وقراءة اللوحات التشكيلية.
وبدأت صلتنا العلمية بهذا المنهج في وقت مبكر نسبيا عبر كتابين عربيين تزامنا من حيث الظهور الأول ترجمة لكتاب بارت elements de semiology” " بعنوان "مباديء في علم الدلالة" قدمها محمد البكري عام 1986 في المغرب.
وكتاب بارت كتاب موجز مكثف كتبه صاحبه 1964. والثاني: "أنظمة العلامات في اللغة والأدب والثقافة" كتبه مجموعة من كبار المتخصصين منهم شكري عياد وعبدالمنعم تليمة ونصر حامد أبو زيد وسيزا قاسم. والكتاب ضخم به دراسات وترجمات لنصوص السيميائية. وهو مقسم إلى أجزاء الجزء الأول يتضمن ست دراسات لشكري عياد وفريال جبوري وسيزا قاسم وأمينة رشيد وعبدالرحمن أيوب. ونصر أبوزيد. والجزء الثاني بعنوان: أسس السيميوطيقا وهو ترجمة لنصين أحدهما كتبه بيرس والثاني كتبه سوسير. والجزء الثالث بعنوان: السيميوطيقا وفروع المعرفة ويتضمن خمسة مجالات هي مجال اللغة والأدب: الشعر والعلامات في المسرح. والثالث سيميوطيقا السينما والرابع سيميوطيقا الفن والخامس سيميوطيقا الثقافة. ثم ثبت المصطلحات وأهم المراجع وقد صدر هذا الكتاب في طبعتين الأولى 1986 والثانية 2014. ولا تقف السيمائية عند كونها منهجا جامعا لما سبقه من مناهج، بل تنحو نحوا سريعا إلى كونها علما يدرس كل أنظمة الدلالة اللغوية وغيرها من الأنظمة بوصفها بنية دالة على حقل اجتماعي ونفسي.
.....
أستاذ النقد الأدبي والبلاغة قسم اللغة العربية، كلية الآداب والعلوم جامعة قطر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.