خشبة معلَّقةٍ من الفَراغِ

على خشبةٍ معلَّقةٍ من الفَراغِ، فوق الفَراغ، ها هُم ما زالوا يلعَبُون بالغُبار؛
هَبْوَةٌ. ثورٌ جائعٌ يخرجُ من الصُّدورِ ويجُرُّ عربَةً من ذَهَبٍ. عجائزُ يُخفون همومَهم في التَّجاعيدِ الّتي استقرَّت في وجوهِهم. صبايا من رخامٍ ينقطُ من شعورِهنَّ ماءُ الكَوْثَرِ. عصافيرُ تُعشِّشُ في الأشجارِ والرُّكامِ. أَلسِنَةٌ تلعقُ أحزانَها ونَخْبَ الانتصارات العابِرة. نبيذٌ في لونِ دمِ الفِداءِ ودمٌ في لونِ النَّبيذِ والنِّسيان.
وخلفَ الكواليس كواليسُ لا تنتهي.
ممالِكُ تخرجُ من هُناك، وتقامُ، هُنا، على الخَشَبَةِ. حدودٌ تُرْسَمُ بأحذيةِ الجنرالات وبِبَوْلِ الأُسودِ الَّتي ترجئُ انكساراتِها. جبالٌ تخرجُ من باطنِ الأرضِ. صحراءُ تطيرُ في شكلِ ثوبٍ من الرّمْل. مطرٌ كالحٌ يسقطُ من باطنِ السَّماءِ. محيطاتٌ تنكسِرُ على الشَّواطئِ الأسيرةِ. جيوشٌ تروحُ كاملةً، جيوشٌ تؤوبُ خائبةً. كومةُ حَريرٍ، أسمالٌ رثَّةٌ، زغاريدُ، تاريخٌ مكدَّسٌ في الزَّوايا، رَمَادٌ، غدٌ مملوءٌ بالوُعودِ والجِنان والمَشانِق، مارشاتٌ، ونشيدٌ جنائزيٌّ يتبخَّرُ من حناجرِ الكَوْرَس…
وهُنا، فوقَ الخَشَبةِ المُصدَّعَةِ، يرقصُونَ منذُ البِداية ويقهقهون كلَّما اغرَوْرَقَتْ عيونُهم؛
ها هيَ نجمةٌ تضيءُ كُرسِيَّا منذورًا للأبطالِ وللتَّسَوُّسِ، ثمَّ تضيعُ في النَّهار الطَّافحِ بالعَمَى. شمسٌ لا مبالِيَةٌ تُسفِّعُ الوُجوهَ وتختبئُ في اللَّيْلِ في جَذْعِ الأَبنوسِ الكونيَّ. أرتالٌ تروحُ وراءَ الكواليس، أرتالٌ تخبطُ أقدامَها على الخَشَبِ المُتْعَبِ. ظلالٌ تختبئ تحتَ النِّعالِ، ظلالٌ تقومُ تحتَ الجُفون وتمشي خلفَ الظِّلال. جمهرةُ من الجماهير المُتجمهِرة، بحرٌ من قَطْرٍ غفيرٍ، أسرابُ فراشٍ تحترقُ على المَصابيحِ المدلّاةِ من أقدامِها، صُرَرٌ هوائيَّةٌ متنقَلةٌ في الهواء، بنوكٌ تحطُّ على الأبوابِ، تصفيقٌ بلا سبَبٍ، لطمٌ على أقفاصِ القُلوبِ، حضاراتٌ تُبعثِرُ فساتينَها خِرَقًا، ووردٌ يحترفُ الصَّمْت.
وهُنا، رموشٌ تنهمرُ على الخشَبةِ. كُحْلٌ قُزَحيٌّ في الرَّاحاتِ والمَرايا، مَبْخَرَةٌ، وروزنامةٌ تسيرُ إلى سلَّة المُهمَلات.
لكنَّ كاتبَ السّيناريو المجهولُ غائبٌ.
ويغيبُ المخرِجُ المجهولُ، أيضًا.
ويغيبُ الجمهورُ.
والمقاعدُ.
والمُدرَّجُ.
ضَوْءُ اليَراعةِ يُنيرُ الخشبّةَ والطَّريقَ اللَّولبيَّ حتّى التقاء الأَلِفِ بالياء.
والخشَبَةُ، الواقفةُ هُنا من قبْلِ البِدايةِ، تظلُّ ماضيةً إلى ما لا نهايةَ، فوقَ أَرضٍ مُشقَّقَةِ، تَحْتَ عباءَةٍ في وُسْعِ السَّماء، وعلامةِ استِفْهامٍ منسيَّةٍ،
وشَفَتَيْنِ فاغِرتَيْن.