وزارة العمل تتواصل مع معهد هندسة الطيران للتفاوض بشأن المطالب العمالية المشروعة    محافظ الأقصر يبحث رفع كفاءة الوحدات الصحية واستكمال المشروعات الطبية مع وفد الصحة    قيادات تعليم السويس تودّع المدير السابق بممر شرفي تكريمًا لجهوده    غدًا.. إعلان النتيجة الرسمية لانتخابات مجلس الشيوخ 2025    تنمية البحيرات يكشف أسباب نفوق الأسماك ببحيرة المنزلة والإجراءات الوقائية    رئيس الوزراء يُغادر مصر للمشاركة في فعاليات الدورة ال 33 للجنة العليا المصرية الأردنية المشتركة    محمد العبار يعتذر عن غضب زوار مراسي بسبب qrكود الشواطئ    "سياحة النواب": طلبنا زيادة ميزانية التنشيط.. وننتظر قانوني الشركات والمرشدين    جوتيريش يندد باغتيال صحفيي الجزيرة بغزة ويدعو لتحقيق مستقل    نزع السلاح.. لبنان إلى أين؟    فارق 11 هدفًا وعلامة سلبية.. الدوري يسجل الانطلاقة الأسوأ في آخر 5 مواسم    موعد مباراة ريال مدريد وتيرول والقنوات الناقلة    "مكان التواجد والانصراف".. الإسماعيلي يعلن تعليمات حضور الجمعية العمومية    الأرصاد تحذر من ارتفاع درجات الحرارة خلال الأيام القادمة - (فيديو)    ضحايا «دهس كورنيش الشاطبي» بالإسكندرية هربوا من حرّ القاهرة فكان القدر بانتظارهم (القصة الكاملة)    الربان ولاء حافظ يسجل رقمًا عالميًا بأطول غطسة لمريض شلل رباعي (صور)    لبلبة تشارك لأول مرة في افتتاح ملتقى "أولادنا"    في ذكرى رحيله.. نور الشريف أيقونة الفن المصري الذي ترك إرثًا خالدًا في السينما والدراما    مستشار المفتى يحذر من الاعتماد على الذكاء الاصطناعى فى الفتوى    صبا مبارك تدعم دينا الشربيني في العرض الخاص لفيلم درويش (صور)    أجمل عبارات تهنئة بالمولد النبوي الشريف للأهل والأصدقاء    هل ما يقوله الميت في المنام صحيح ويؤخذ به؟.. أمين الفتوى يجيب    «بمكون ميجيش في بالك».. أسرار «فيجيتار» المصانع في المطبخ (المكونات والطريقة)    وصفات حلويات المولد النبوي الشريف السهلة بدون فرن    مدير فرع هيئة الرعاية الصحية بالإسماعيلية يتفقد مستشفى القنطرة غرب    مهاجم مانشستر يونايتد الجديد: إبراهيموفيتش قدوتي وأتمنى مقابلته يومًا ما    «الحرارة تتخطى 40 درجة».. تحذيرات من موجة حر شديدة واستثنائية تضرب فرنسا وإسبانيا    في ذكرى وفاة نور الشريف.. صلاح عبد الله يرثيه بقصيدة مؤثرة (فيديو)    جدول مواقيت الصلوات الخمسة غدا الثلاثاء 12 أغسطس في المنيا والمحافظات    الشباب والرياضة و"مكافحة الإدمان" يعلنان الكشف المبكر عن تعاطى المخدرات    القولون العصبي وأورام القولون- 3 أعراض للتفريق بينهما    لافتة إنسانية.. محافظ الفيوم يعلّق العمل الميداني لعمال النظافة خلال ذروة الموجة الحارة    رمضان عبد المعز يفسر قوله تعالى: "وأما بنعمة ربك فحدث"    استمرار فعاليات البرنامج الصيفي للطفل بمديرية أوقاف الفيوم بمشاركة الأئمة والواعظات    رابط المناهج المطورة للصفوف من رياض الأطفال وحتى الصف الثاني الإعدادي    تفسير رؤية الدجاج في المنام.. الدلالات النفسية    إقبال كثيف على شواطئ الإسكندرية مع ارتفاع الحرارة ورفع الرايات التحذيرية    ما حكم تأخير الإنجاب فى أول الزواج بسبب الشغل؟ .. عضو بمركز الأزهر تجيب    روسيا تعزز قاعدتها وتزيد عدد قواتها في القامشلي شمال شرقي سوريا    «يلوم نفسه».. كيف يتعامل برج العذراء عند تعرضه للتجاهل؟    الرئيس الفرنسي: على إسرائيل وقف إطلاق النار في غزة وإنهاء الحرب فورا    اللجنة الفنية في اتحاد الكرة تناقش الإعداد لكأس العرب    السقا: التعادل أمام الأهلي بطعم الفوز.. ولا أعلم سبب اعتذار حسام حسن فهو ليس كمتعب    محمد إيهاب: نسعى لإخراج البطولة العربية للناشئين والناشئات لكرة السلة في أفضل صورة    تأجيل محاكمة المتهمين في قضية خلية العجوزة    فيبا تضع مباراتي مصر ضمن أبرز 10 مواجهات في مجموعات الأفروباسكت    نشرة «المصري اليوم» من الإسكندرية: قرار قضائي عاجل بشأن «ابنة مبارك».. وحبس المتهمين في واقعة ركل «فتاة الكورنيش»    وزير الزراعة و3 محافظين يفتتحون مؤتمرا علميا لاستعراض أحدث تقنيات المكافحة الحيوية للآفات.. استراتيجية لتطوير برامج المكافحة المتكاملة.. وتحفيز القطاع الخاص على الإستثمار في التقنيات الخضراء    أمين الفتوى: الحلال ينير العقل ويبارك الحياة والحرام يفسد المعنى قبل المادة    شعبة الجمارك: تسويق الخدمات الجمركية مفتاح جذب الاستثمار وزيادة الصادرات    جريمة أخلاقية بطلها مدرس.. ماذا حدث في مدرسة الطالبية؟    سحب 950 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكترونى خلال 24 ساعة    الأمم المتحدة: قتل إسرائيل للصحفيين "انتهاك خطير" للقانون الدولي    الصحة: 40 مليون خدمة مجانية في 26 يومًا ضمن «100 يوم صحة»    بعد تعنيفه لمدير مدرسة.. محافظ المنيا: توجيهاتي كانت في الأساس للصالح العام    نائب ترامب: لن نستمر في تحمل العبء المالي الأكبر في دعم أوكرانيا    الذهب يتراجع مع انحسار التوترات الجيوسياسية وترقّب بيانات التضخم الأمريكية    بقوة 6.1 درجة.. مقتل شخص وإصابة 29 آخرين في زلزال غرب تركيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ذكرى رحيل (الإنسان)/ محمود درويش
نشر في الواقع يوم 29 - 08 - 2010

درويشُ اسمٌ من مفرداتِ اللغة، عاش الحلُم مرّتين وفي المرتين لم يتحقق من الحلم غير الاستيقاظ على عجل.
درويش لغةٌ بلا لُغة وعنوان بلا عُنوان، وطنٌ صغير في الديار الهاربة، وصوتٌ شحيحٌ لضوءِ القمرِ، يحتَرقُ بِفكرهِ لكي يوقظ عنفوان الأمم. محمود درويش ريشةٌ أخرى تُلاطفُ خدَّ ذاكَ الأفق وتمنحُ طير هذا الزمنِ المرهون للأحلام يقظتهُ الطويلة .
درويش كان سفينة للشرقِ تحمِلُ فوقها وجع البحار وأغاني يطرب الأشرارُ مِن وَقعِ خُطاها ومرايا تَكسِرُ الإيقاع حتى تولدَ الكلماتُ مِن رحمِ القضية وكأنَّها قضيتُهُ لِوحدهِ .
محمود درويش؛
اسمي
وإن أخطأت اسمي..
بخمسة أحرف أفقية التكوين لي
ميم المتيم والميتم والمتمم ما مضى..
حاء الحديقة والحبيبة حيرتان وحسرتان
ميم المغامر والمعد المستعد لموته..
الموعود منفيا مريض المشتهى
واو الوداع ؛
الوردة الوسطى
ولاء للولادة أينما وجدت
ووعد الوالدين ...
دال الدليل الدرب دمعه..
دارة درست ودوري يدللني ويدميني
وهذا الاسم لي ولأصدقائي أينما كانوا...
ربَّما كانَت الأضدادُ تمنحُهُ الهوية فالحروف العابراتُ كظلِّها من شُرفةٍ لم تعرف من اللغة إلا المُفردات الناعِسة فكما كانت تقودهُ لكتابة الأشعار كانت هي الأخرى تُطلق لأفكاره العنان بحثاً عن هويةٍ مؤقتة وكأنَّهُ عرفَ آنذاكَ بأنهُ سيموتُ منفياً وأضرَم في مُخيلتهِ الخصيبةِ نار التأمل المرهونِ بالأيامِ نضالاً أبدياً .
عرفتُ محمود درويش عندما سجل للمرةِ الأولى اسمهُ في جوازِ سفَري، فسجَّلتُ مِثلهُ "أنا عربي ورقم بطاقتي خمسون ألفاً" ولم يحن وقتُ السفَر إلا وكانَت الأضدادُ تُعرقلُ الترحال وتخلِّي البال في فوضاهُ حتى بدأتُ أبحثُ عن وطنٍ في الوطنِ الأسود والذي بقيتُ أحسبهُ مُعَبَّداً إلى لحظاتي تلك مستأنِسةً بنبضٍ يتباطأ تارةً تلوَ أخرى.
اتَّخذ محمود درويش الحُلم مسكنهُ وحياتهُ فتلاشى الحُلم وبقي الشاعرُ القلم يحنُّ إلى صفحاتِ الأمةِ البيضاء كي يكتُب فوقها ما يشاء فبقي صغيراً ينتظرُ الصدى حين يعودُ مرمياً على ضوضاء الأرصفة ودخان الميادين المطمئنة فكان حنينُهُ رمز التمرّد والتكاثُف في دخان الضوءِ والماء الذي ترسو فيهِ مُعظمُ الكلمات كملحِ الزمن العميقِ الذي تتحدُ فيهِ مُعظَمُ التساؤلات وتختفي مِن خلالهِ جميعُ الأسئلة.
أخذَتنا الغفلةُ بما لدينا وفرحنا لَمَّا نسينا ولكنّ اليقينَ النابتَ كالعُشبِ البريِّ زادَ من صحوتنا قليلاً وأبقانا على أعتاب دُنيا غريبَة الأطوارِ تمنَحُ العاشقينَ محبَّتهَا التي لا تكفي كي تُصبحَ سلاحاً في وجوهِ الجبناء.
درويش؛
أنتَ التعلُمُ والتألُّمُ
أنتَ إيقاعُ الشظايا وانقطاع الأزمِنة
أنتَ انهيارُ الذاتِ في قلبِ المرايا المُعتمة
زهرةُ الأيامِ ضاعَت في حكايات الزمان
والهوى انهار على الريحِ دُخان
فصباحُ الخيرِ للذكرى
وصباحُ الخير أيها الإنسان
ويبقى القلَمُ الهوية فاغراً فاهُ، ملاقياً تضاريسَ اللغة ومُقتحماً صدرها الراقِص مُعلناً صَمتَهُ الأبديّ في انتظارِ صمتٍ يُطرقُ رأسَهُ مِن جديد باحثاً عن "موضة جديدة" للفكر آخذا كيان القُنبُلة في سماء السرِّ العميق.
محمود درويش حينَ تحدّى لم يتحدى عدوَّهُ فحسب بل حمَّلَ نفسهُ الثورَة وانقلاب الأزمنَة وتمادى في التدحرُجِ مِن فوقِ القممِ الشامخة وعاوَد الكرَّةَ مرَّاتٍ عديداتٍ ليصرعَ سيِّد الأزمان، فوحدها الأزمان تحمل الأبطال فوقَ أكتافها وتمضي بهِم إلى أوَّل مقبرَةٍ للفكرِ وتترُكُهُم هُناك.
كشظيةٍ في الأرضِ ودَّعتَ الوطَن الذي لا زِلتَ تَبحثُ عُنهُ وكنتَ واثقاً كلَّ الثقة بأنَّهُ ليسَ موجوداً إلا في خيالِك وبقيتَ تُصوِّرُهُ للناس حتى صار جزءً حقيقياً منا وصار حُلمَكَ هو هويتنا الأخيرة.
في وسطِ الضباب المجهري وقفتَ تُناضل وعرفتَ معنى الضياع في سنواتٍ تُجنِّدُها الدموعُ فجاهدتَ بأوَّل دمعةٍ عرفت عيناكَ وبقيتَ تحفرُ خندق الفكر لتوصل لنا الحِكمةَ العُليا كي نُروِّض أفكارنا ونحلمُ من جديد.
أنا لا أملكُ لغةً أتخطّى فيها حاجِز الصمتِ ولا حتى حاجزَ الموتِ الأخير، تهتزُّ من فوقي المعاني باتجاهِ النصِّ العنيد، تَلفحني قوةَ الخيالِ بنوبةٍ أخرى من الصمتِ لعلَّك كُنتَ تُدرِكُ بأنَّ الصمتَ سِلاحنا الأخير ... وبقيتَ تصرخُ حتى النبضة ألأخرى لديكَ وبقينا بانتظار قصيدةٍ أخرى نقرؤها بتمعنٍ فندركُ بأنَّكَ الآن لستَ هُنا .
محمود درويش؛ يا سيِّد الأبطالِ تعال فالعناقيدُ المدلاةُ تحت داليةٍ ببابِ البيتِ في هذا الجليل لا تُريدُ النُضج إطلاقاً مُنذُ أن تَركتَها، تَفتَحُ الباب عليها كي تُطلَّ الشمسُ تدريجياً فتنساكَ واقفاً تحت العريشَةِ تُحاوِلُ أن تقطفَ لنفسكَ آخرَ وطنٍ نسجتهُ أفكاركَ وترَكتَ حُلمكَ للأبد .
لستُ أدري، أأعزّي الذات لموتِكَ أم أولدَ من صمتِكَ الأخير، هل أرفعُ الذكرى بياناً عالياً في وجهِ هذا الزمنِ المشغولِ بهراء الأيام أم أدَّعي الحُزنَ وأبكي مثلما اعتادت أمَّتي أن تفعل . سأنتفض مِن لعنَةِ الدنيا علينا، سوفَ أبني موطناً في خيالي يُشبهُك ولُغةً تمتدُ من الحرفِ إلى الحرفِ وأمنحُ الأيام صحوتها الجديدة.
يا مرايا الحزنِ فلتتكسري
قِطعاً من الياقوتِ تَرصُفُ أسطري
ودَعي الأزقةَ ترسمُ باسمنا صوراً
فهل تتصورين؟ ..
وتذكري لغةَ التأمل والتفكر
والتذكر والتتابُع والتكاسل
وتذكري أين الجبين
إن الحياة قصيدة أخرى
نحررها ونمضي في الفراغ كأننا
لم نكُن يوماً في سماء العاشقين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.