هل يكفى أن يحظى الروَّاد فى بلادنا بالتكريم الشعبى وتقدير الجماهير لكل جهودهم الريادية فى كافة المجالات دونما أي إلتفات من الدولة ؟وهم من صنعوا لحظات السعادة والفرح لنا ؛ وكتبوا صفحات الفخار بالعرق والدم ما يعد الآن مرجعًا وثائقيًا يسير على نهجه كل من يطمح إلى الخلود بين سطور سجلات الوطن ، فهؤلاء الرواد قضوا حياتهم دون أن يحصلوا على التكريم الرسمى الذى ينتظره كل مبدع حقيقى ليشعر بلمسة الوفاء الصادقة تجاه شخصه وإبداعه وبأن جهوده لم تذهب سدى ، ليدرك أنه لم يعش عمره يحرث في البحر. أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم ؛ لما نراه هذه الأيام من اعتلاء منصات التتويج والتكريم لكثير ممن لم يتركوا بصمة واضحة متفردة فى المجالات التى كُرموا من أجلها ، ونجد بكل الأسف أن أحضان صفحات الجرائد القومية واللاقومية تُفتح لهم على مصراعيها بالمانشيتات العريضة وبكل ألوان الطيف الإعلامى ، ونجد فى الوقت نفسه تجاهلا عظيمًا وإنحسارًا لعمالقة الرواد عن الأضواء فى كافة الفنون والعلوم والآداب والموسيقا وغيرها؛ ربما فى غفلة منهم وعدم تداركهم أن هذا النسيان يؤدى بالضرورة إلي تصدير الإحباطات لكل من أسهم وشارك بعقله وفنه ليسمو بعطائه المائز ناشدًا الولوج إلى صفحات التاريخ ، متناسين أن هذا التكريم سيكون بمثابة منح شهادة ميلاد جديدة واعترافًا صريحًا بتلك الجهود الحثيثة طوال مشوارهم ، وحافزًا للأجيال الجديدة من المبدعين على الخلق والإبداع والابتكار والسير على نهج أساتذتهم الذين منحتهم الدولة كل التكريم والتقدير واعتلاء منصات التتويج ، وبهذا تتلاشى الفجوة التى قد تحدث بين تواصل الأجيال التى لابد أن تحافظ على جذوة الإبداع فى توهج مستمر . وكم كانت سعادتنا فى الأمس القريب عندما شاهدنا ما أثلج صدرونا ، عندما تحققت المبادرات الطيبة من أكاديمية الفنون وبعض الجامعات والمراكز العلمية والبحثية بقيامها بتكريم بعض رموز الفن والسياسة والعلم فى مصر والعالم العربى وذلك بمنحهم شهادة الدكتوراه الفخرية فى احتفاليات مهيبة تليق بمنجزاتهم ، تكريمًا وتقديرًا لما قدموه من إنتاج سياسي أو علمي أوفكري أو وجداني راقٍ له صفة الخلود والتأثير الايجابي على المجتمع. ولن أذهب بكم بعيدًا ؛ ولن تعصف بى رياح الخجل من الحديث عن رائد من رواد الفن المصري والموسيقا العربية لم يأخذ حقه في تقديري فى التكريم الرسمى من الدولة ؛وهو الذى أعطى جُل إبداعه وفنه الذى تخصص فيه على مدى سنوات عمره ؛ لكل ما يحمل على عاتقه الإحساس الوطنى الصادق ، فخرجت إلى النور موسيقاه التى علمت أجيالاً كيف يكون الإبداع الحقيقى الذى يحمل أصالة المصرى المخلص لتراث وطنه وجذوره الضاربة فى أعماق التاريخ ، هذا الموسيقار المعروف في الأوساط الفنية والأكاديمية الذى أعتز وأفخر بأننى ابنته التى تعلمت على يديه كل قيم الحق والخير والجمال والإبداع ، ذلك هو والدى أ/ سيف الدولة حمدان أستاذ البيانو والغناء المسرحي العربي بأكاديمية الفنون سابقًاوالملحن والموزع الموسيقي .. ومعه غالبية معاصريه من أبناء جيله الذين لم يحظوا أيضًا بشرف التكريم الرسمى على أى مستوى ، برغم جهدهم الدءوب طوال حياتهم فى منح كل جديد من عصارة ابتكاراتهم الفنية والمواكبة لكل الأحداث الوطنية منذ عقد الخمسينيات من القرن الماضى ، ولا زالوا حتى يومنا برغم زحف السنين يقدمون عصارة فكرهم بمنتهى القوة والعزيمة لهذا الوطن وبمنتهى الالتزام والإيثار ، ويمنعهم الاعتزاز بالنفس من المطالبة المستحقة بالتكريم والتقدير أسوة بمن يرونهم ممن هم فى عُمر تلامذتهم الذين يعتلون منصات التكريم والتتويج دونما استحقاق .والأدهي والأمرأنهم يديرون ظهورهم لأساتذتهم ممن علموهم! وأنا متأكدة تمام التأكد أنه لن تلقى فى وجهى تهمة الانحياز والتعصب ،لأن دافعي بجانب حبي لأبي أني وجدت من أفرد كتابًا كاملًا للحديث عن والده وأعماله ؛فلاضير أن أخصص بعضًا من سطوري بالمثل وهوكتاب"من أجل أبي" لنجل فنان الشعب سيد درويش،وكلنا نذكر مطالبات الفنان أحمد السقا وانشاده القصائد الشعرية ليحث الجهات المعنية ليحظي والده بالتكريم المستحق كرائد من رواد فن العرائس في مصر الفنان "صلاح السقا والأمثلة كثيرة في هذا المضمار ، إذن ، فلاضير أن أخصص بعضًا من سطوري بالمثل ! ولأننى أتحدث عن شخصية عامة بوصفه أستاذًا أكاديميًا ومؤلفًأ وموزعًا موسيقيًا؛ له الباع الطويل وسط الشخصيات العامة التى لها إسهاماتها الإيجابية ، فأرشيف الإذاعة والتليفزيون يزخر بأعماله إلى جانب مؤلفاته الأكاديمية في مجال التراث الغنائي المسرحي العربي . فوجدت أنه لا غرو أن نكتب عنه وعن الرواد اليوم بكل الفخر والإعزاز ليروا فى حياتهم تلك اللفتة الواجبة من الدولة والجهات الرسمية التى تحمل لواء الفنون والآداب ، وليعيشوا لحظات الفرح التى تشبه فرح الفلاح فى حقول القمح لحظة الحصاد ؛وهو يمسك بأعواد السنابل الخضراء ويعرف تمام المعرفة أنها ستكون فى لحظة ما "رغيفًا" فى كل يد ٍ شريفة تحب الوطن . ترى .. هل سنعيش مع هؤلاء الرواد أجمل لحظات الفرح التى ننتظرها ؟ أستاذ الدراسات اللغوية أكاديمية الفنون