إن الحق فى المفهوم الإسلامى شامل المعنى متكامل الأوجه يشمل سعادة الإنسان فى حياته وآخرته ولا يحده حد لأنه منزل من السماء بتشريع إلهى مؤكد التنفيذ 0 فهو ليس هبة من حاكم 0 ولكنه تكريم سماوى للإنسان سجله القرآن الكريم الدستور الدائم للمؤمنين به ولكل عقلاء الإنسانية فى أى زمان ومكان 0 وعالمية حقوق الإنسان تعنى الإلتزام فى هذا المجال بالمفاهيم التى أقرها المجتمع الدولى0 وتعنى أن حقوق الإنسان كل لا يتجزأ 0 يعنى بمعنى أن تكون الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافة جنبا إلى جنب مع الحقوق السياسية والمدنية وهى لا تقبل الترتب 0 كما أن حقوق الإنسان هى كل لا يتجزأ ولذلك لا ينبغى التفريق بين هذه الحقوق أو الإهتمام ببعضها على حساب البعض الآخر لأن فكرحقوق الإنسان مبني بشكل يجعل كل أنواع الحقوق تستند على بعضها البعض وليس بينها تنافر أو لا يمكن أن ترتب أو تصنف حسب سلم معيارى قيمى0 وهذا طبعا أن النضال من أجلها لايمكن أن يرتبها حسب أولويات0 وإنما يجب أن يعمل من أجل تحقيقها على جبهات متوازية0 كما أن الإعتراف العالمى بضرورة تطبيقا لمبادئى الأساسية لحقوق الإنسان يعتبر حجة مقنعة لدعم فكرة الحماية العالمية لحقوق الإنسان0 وبما أن حقوق الإنسان قد أصبحت عالمية فإن الإجراء ات المتخذة لمكافحة إنتهاكات هذه الحقوق ينبغى أن تكون عالمية أيضا0كما أنه يقصد بعالمية حقوق الإنسان وجود مبادئى دولية لحماية حقوق الإنسان تلزم جميع الدول بتطبيقها0 كما أن حقوق الإنسان لا تختص بفئة أو جماعة دون أخرى ولا تختص بأمة دون أخرى فهى حقوق عامة لجميع البشر وينبغى أن يتمتع بها الجميع وأن يطالبوا بها وأن يدافعوا عنها وهو الذى أقرته الشرائع السماوية ونادت به المواثيق والإعلانات والمعاهدات والإتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن جعل الله عزوجل خليفة فى الأرض معنها أن المشيئة العليا تريد أن تسلم لهذا الكائن الجديد فى الوجود زمام هذه الأرض وتطلق فيها يده وتكل إليه إبراز مشيئة الخالق فى الإبداع والتكوين وكذا التحليل والتركيب والتحوير والتبديل 0 وكشف ما فى هذه الأرض من قوة وطاقات وكنوز وخدمات وتسخير هذا كله بإذن الله فى المهمة الضخمة التى وكلها الله إليه 0 إذن فهناك طبعا وحدة أو تناسق بين النواميس التى تحكم الأرض وتحكم الكون كله 0 والنواميس التى تحكم هذا المخلوق وقواه وطاقاته كى لا يقع التصادم بين هذه النواميس وتلك وكى لا تتحطم طاقة الإنسان على صخرة الكون الضخمة وإذن فهى منزلة عظيمة منزلة هذا الإنسان فى نظام الوجود على هذه الأرض الفسيحة وهو طبعا التكريم الذى شاءه له خالقه الحكيم الكريم هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن الكرامة الإنسانية فى الحقيقة هى قبل كل شئ سياج من الحرمة والعصمة والصيانة والحصانة تصون صاحبها من أن يهون على الناس أو يضيعوا حقا من حقوقه أو ينتهكوا حرمة من حرماته0 ذلك هو جانبها السلبى الخارجى الفاعى 0 أما حقيقتها الإيجابية الإنبعاثية فإنها تاج من الشرف والنبل يتقاضى صاحبه أن ينظر إلى نفسه نظرة إحترام وتكريم نظرة يعرف بها أن مكانته فى هذا العالم مكانة السيد لا المسود0 ووليس معنى هذ سيادة الإنسان على الإنسان فالناس فى نظر الإسلام هو كل إنسان سيد فى نفسه وإنما هى من وجهة سيادة عالمية يسيطر بها على مختلف الأشياء0 ثم هى أيضا من جهة ثانية سيادة ذاتية لكل فرد فيما بينه وبين الناس0 سيادة تسوى رأسه برؤوسهم ومنكبه بمناكبهم 0 ومن هذه السيادة المزدوجة تتألف المرتبة الثانية من الكرامة الإنسانية كرامة الحرية والعزة 0 كما أن الخلافة الإنسانية هى مصدر الإلتزامات الإيجابية والسلبية وهذا يعنى أنها مصدر التعاون على البر والتقوى والخير العام 0 إذا لا تقوم الحياة الإنسانية بغير التكافل الإجتماعى الملزم0 هذا وقد خلق الله عز وجل الإنسان لمهمة عظيمة فى الكون وهيأ له أسباب الحياة على الأرض قبل أن يخلقه وأوجد له من المقومات والضرورات ما يمكنه من أداء المهمة المكلف بها وهى الإستخلاف فى الأرض وعمارة الحياة 0 كما أن التشريع الإسلامى قذ ذهب يحفظ كرامة الذات الإنسانية من حيث كونها ذاتا إنسانية إلى آفاق بعيدة إذ هى تجاوزت حدود العداوة والصداقة وكذا أحوال الحرب والسلم 0 واختلاف الشعوب والأمم لتنتهى إلى حدود الذات الإنسانية مجردة من كل الإعتبارات 0 فأيما ذات إندرجت ضمن الإنسانية0 فإن الشريعة قد جاءت بإيجاب أن تحفظ كرمتها ومنعت كل ما يستنقص منها 0 ولذلك فقد حرمت المثلة بالأعداء وأوجبت إحترام جثث الموتى 0 وقد أطردت الأحكام بذلك إطرادا يورث للناظر فى الشريعة يقينا أن حفظ الكرامة الإنسانية مقصد قطعى من مقاصد الشريعة الإسلامية0 كما أن حياة الإنسان فى هذا الكون لا تستقيم إلا بوجود مقومات أساسية تمكن الإنسان من أداء المهمة التى خلق من أجلها0 وأول هذه المقومات حق الحياة فالنفس الإنسانية فى الإسلام لها حرمة لا تدانيها حرمة ولذلك حرم الله عزوجل الإعتداء عليها وحرم على الإنسان أن يؤذى نفسه أو يعرضها للمهالك 0 كما أن حفظ النفس فريضة فردية وجماعية يلزم لقيامها الحفاظ على الضرورات التى تتوقف عليها الحياة الحقيقية للإنسان0 فالإسلام فى الحقيقة قد حرص على كل ما يحفظ هذه الحياة من الهلاك فأحل للمضطر أن يأكل المتة والدم ولحم الحنزير حفاظا على الحياة0 فالشريعة الإسلامية هى شريعة إلهية جاءت محققة لفكرة العدالة المطلقة فى كل ما تنطوى عليه الأحكام خاصة بحقوق الفرد والجماعة أيا كان ذلك الفرد وهذه الجماعة 0 كما أنها فى الحقيقة قد صورت العدالة على حقيقتها كمصلحة إنسانية عليا ذات صلة وطيدة بالأخلاق0 فالفرد لا يمكن أن يكون خيرا أو شريفا أو صادقا فى مجتمعه مالم يكن عادلا0 فالأسس التى قامت عليها حقوق الإنسان وهى العدل والمساواة بين جميع البشردون تفرقة بسبب اللون أو الجنس أو الدين فكلهم لآدم وآدم من تراب 0 والمساواة قد نصت عليها المادة الأولى من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان يولد جميع الناس أحرارا متساوين فى الكرامة والحقوق وقد وهبوا عقلا وضمير وعليهم أن يعامل بعضهم بعضا بروح الإخاء كما أن متطلبات حقوق الإنسان هى متطلبات العدالة الأساسية0 ولذلك فإن لكل شخص الحق فى التمتع بما له من حقوق وعليه واجب المطالبة بها لكونها حقوقا إنسانية 0 كما أن هذه المتطلبات يجب أن تكون مصونة مؤسسيا0 ولكن بما أن حقوق الإنسان تقوم على أساس المبادئ الأخلاقية الأساسية فإنها طبعا مستقلة عن المعايير المؤسسية0 أما العولمة فى مجال حقوق الإنسان فتعنى تعميم مفهوم حقوق الإنسان فى الثقافة الأميريكية بإعتبارها ثقافة الأمة الصاعدة و الساعية للهيمنة على العالم كله والتى تملك أكثر من غيرها عناصر التأثير فى العالم0 كما أن حقوق الإنسان تتميز عن غيرها بأنها حقوق غير مكتسبة لكونها تثبت بحكم وجوده ولا يمكن التنازل عنها أو التصرف بها وذلك طبعا لعدم إمكانية الفصل بينها وبين الإنسان0 كما أنها لا تفنى أو تنقضى بإعتبارها متأصلة فى جميع البشر من أول إلى آخر حياته0 وهى بهذا طبعا ترتبط بجوهر الإنسان لا بالصفات العارضة له ومن هنا وصفت بالثبات0