إن القيم الأخلاقية ينبغى أن تكون هى المرجعية فى التعامل بين أفراد المجتمع0 وأن تشكل الإطار العام الذي يضبط حركته0 كما أن وجود القانون هوضرورة لمعالجة الجزيئات وضمان أداء الحقوق لأصحابها0 ومايميز القيم الأخلاقية عن القوانين هو شمول الأخلاق واستعلاؤها على القوانين0 والدليل على ذلك هو أن هناك حقوقا للإنسان لايمكن تشريعها بقوانين وهى حقوق أوجبها الشرع0 ومع ذلك تظل الحاجة للقانون قائمة0 بل قد تزداد فى ظل تعقيدات الحياة المعاصرة0 وذلك لضبط حركة المجتمع0 فأفراد المجتمع ليسو كلهم سواء فى الإلتزام بالأخلاق ويوجد من بينهم من يحتاج إلى قوة القانون لكى يؤدى ما عليه من حقوق وواجبات تجاه الآخرين قد تضيع لو تركت للأخلاق وحدها0وهذا طبعا ما جعل حقوق الإنسان فى الإسلام تقوم على أسس راسخة0 فحقوق الإنسان هى تكريم إلهى ومنحة ربانية0والشريعة الإسلامية هى مصدر هذه الحقوق 0 وهو ما يضمن أداءها ويحميها من التعدى أو الألغاء0 كما أن حقوق الإنسان تقوم على الإستخلاف فالإنسان مستخلف فى الأرض لعبادة الله عز وجل ولعمارة الحياة وقيامها على العدل والمساواة بين الناس0 وأيضا قيامها على التكامل والتلازم بين الحقوق والواجبات حتى لا تطغى إحداهما على الآخرى0 كما أن حقوق الإنسان قد صارت شأنا عالميا0 وأن عالمية حقوق الإنسان تعنى وجود مبادئ دولية لحماية حقوق الإنسان تلزم جميع الدول بتطبيقها وهذه المبادئ تؤكد على ضرورة تمتع جميع البشر بهذه الحقوق دون تفرقة لأى سبب من الأسباب وتؤكد على ترابطها وعدم الفصل بينها0 هذا وقد أرسى الإسلام أسس وقواعد حقوق الإنسان وفصلها تفصيلا ولم يترك جانبا منها إلا وبينه0 كما أنه لم تشهد هذه الحقوق تطبيقا عمليا على أرض الواقع كما شهدته فى ظل الحضارة الإسلامية 0 وكل ذلك قبل أن توجد الديموقراطية بمفهومها الحديث والتى يعولون عليها فى إقرار حقوق الإنسان وتطبيقها0 لذا ليس من المنطق أن يلجأ المسلمون اليوم لنظم وضعية وبين أيديهم المنهج الإلهى والمعين الذى لا ينضب0 مع أنه فى الحقيقة يمكن أن تؤخذ أدوات الديموقراطية كآلية تنظيمية ووسيلة لتطبيق نظام الشورى وليس كمرجعية ومذهب إجتماعى وفلسفة لنظام حكم 0 وحتى وإن كانت هناك عند فجر التاريخ محاولات لوضع تصورات أو مبادئ عامة تحفظ حقوق الإنسان وتمنع إنتهاكه 0 إلا أن هذه المبادئ فى الحقيقة قد إختلفت بإخلاف العصور واختلاف الشعوب والأمم0 حيث كا نت أول مرحلة أطلق عليها مصطلح مرحلة الأعراف وهى طبعا مرحلة قد سبقت تدوين العادات والتقاليد وكان فيها طبعا حق للأقوى0 ثم جاءت بعد هذه المرحلة مرحلة أخرى سميت بمرحلة القوانين المكتوبة وهى طبعا المرحلة التى دونت فيها الأعراف والعادات فى أحكام إلزامية 0 ومن القوانين التى كانت قد بدأت تظهر القانون البابلى فى القرن الثالث والعشرون قبل الميلاد والذى أقر حقوق الإنسان وكانت مقدمته تنص على أن الهدف من الشريعة توطيد العدالة وإزالة العداوة والبغضاء والظلم وتوفير الحرية فى البلاد0 وهذه الأهداف طبعا تعد وعاء حقوق الإنسان وعمودها الفقرى وكذا الضمان الحقيقى لتطبيقها هذا طبعا مع التأكيد هذه القوانين على حماية العبيد ومنع الإساءة إليهم وأوجب طبعا إنصافهم ومنع تعذيب الإنسان وضمان حقوق الطفولة 0 كما هناك قانون شريعة حمورابى فى القرن الثامن عشر قبل الميلادى ويعتبر أقدم شريعة مدونة وهو عبارة ن تدوين للعادات الشائعة فى عصره وقد تطرق هذا القانون إلى مسائل العقوبات ويبنيها على قاعدة القصاص0 ثم بعد ذلك جاءت طبعا القوانين اليونانية وكذا الرومانية فى مراحل مختلفة وكذا تعاليم المدرسة الرواقية التى تم تأسيسها فى معبد أثينا عام 335 قبل الميلاد كما كانت فى اليونان شريعة الإغريق فى القرن السادس عشر وكذا القرن السابع قبل الميلاد0 أما فى روما فكان قانون الألواح الإثنى عشر فى أوائل عصر الجمهورية بعد ثورة عامة قام الشعب فى منتصف القرن الخامس قبل الميلاد0 ثم بعد هذا كله جاءت مرحلة جديدة هى مرحلة الشرائع السماوية وفيها قد ظهرت كتب وتعاليم وسنن واجتهادات قد إنطوت على قيم روحية و أخلاقية ودعت إلى حرية العقيدة0 ثم جاءت المرحلة الأخيرة وهى مرحلة الدساتير وفيها قد حققت مسيرة الحقوق مكاسب كرى وصدرت خلالها أولى وثيقة سميت بالوثيقة العظمى فى عام 1215 على إثر ثورة شعبية وألحق بهذه الوثيقة وثائق أخرى كعريضة الحق عام 1628 0 ثم صدرت بعد ذلك وثيقة المثول أمام القضاء فى إبريطانيا عام 16790 ثم جاء بعدها إعلان حقوق الإنسان فى إنجلترا1689 ثم قانون التسوية فى عام 01701 أما فى الولاياتالمتحدة الأميريكية فقد صدر إعلان إستقلال الولاياتالمتحدة وكذا وثيقة حقوق المواطن الأميريكى فى عام 1776 وهو يعتبر من أهم البيانات لحقوق الإنسان فى العالم الغربى حيث تضمن المساواة بين الناس وتمتعهم بحقى الحياة والحرية 0 أما فى الجمهورية الفرنسية فعلى إثر الثورة الفرنسية فى عام 1789 صدر إعلان حقوق الإنسان والمواطن وقد ألحق بدستور سنة 1791 م0 أما بالنسبة للدولة العثمانية فإنه فى القرن التاسع عشر قد أقرت ما سمى بعهد الإصلاحات والتنظيمات فأصدرت الوثيقة الدستورية الأولى عام 1839 م 0 ثم تلتها الوثيقة الثانية عام 1856 م وقد تضمنت الوثيقتان إعلان بعض حقوق الإنسان0 أما الثورة الروسية فإنها قد قامت على المطالبة بإلغاء الطبقات الإقطاعية وإعلان المساواة وسائر حقوق الشعب0 حيث قد جاء فى دستور الإتحاد السوفياتى الصادر فى عام 1936 تكريس حقوق الإنسان الأساسية حيث أقر المساواة بين المواطنين وكذا حق التعليم المجانى وحريات الفكر والتعبير والإجتماع والتظاهر وتأسيس الجمعيات والنقابات وغيرها0 ومع هذا يمكن القول بأن جوهر أزمة حقوق الإنسان يمكن فى عدم تحديد سبب وجود الإنسان فى الحياة ورسالته فى هذا الكون وما ينتظره فى الآخرة0 كما أن إغفال هذه الجوانب جميعا والتركيز فقط على على الحقوق جعل جميع النظم الوضعية تفشل فى وضع الأسس والمبادئ الصحيحة لحقوق الإنسان والدفاع عنها0 بل والإنحراف بها عن الفطرة التى فطر الله الناس عليها0 طبعا ونتيجة لذلك توالت الأ زمات وظهرت العديد من الإشكاليات 0 كما تعددت المفاهيم والرؤى وتعارضت فى الكثير من الأحيان0 كما أن منظومة حقوق الإنسان القائمة اليوم تعانى من وجود فجوة عميقة بين النظرية والتطبيق على كل الأصعدة0 فعلى الرغم من صدور العديد من المواثيق والعهود التى تتمحور حول حقوق الإنسان 0 إلا أنها لم تجد طريقها نحو التطبيق والقوى الكبرى فى العالم هى التى تنتهك حقوق الإنسان فى أماكن كثيرة من العالم وخاصة فى العالمين العربى والإسلامى0 فحقوق الإنسان فى دول العالم الثالث ومنهم طبعا الدول العربية والإسلامية تعانى من إزدواجية المعايير فالإنسان فى هذه الدول محروم من أبسط مقومات الحياة ولا يجد من يدافع عن حقوقه 0 هذا فى وقت يمكن القول فيه بأن حقوق الإنسان أصبحت تعنى بالضرورة حقوق الإنسان الغربى وليس حقوق الإنسام فى مكان آخر من العالم 0 كما أن هنك إنتهاك واضح ومنظم لحقوق الإنسان والعنصرية لازالت موجودة وهناك من يدافع عنها0 كما أن التمييز على أى أساس كان هو مدخل فى الحقيقة لجميع الشرور والآثام فى المجتمع لأنه مدعاة للحقد والكراهية ومنبت للضغينة ولذلك حرص الإسلام على سلامة المجتمع من هذه الآفة المدمرة التى تهلك الحرث والنسل وتقف عائقا أمام تحقيق أي نهضة أو تقدم 00 كما أن مشكلة مؤسسات المجتمع المدنى فى الدول العربية والإسلامية تكمن فى معاداة الأنظمة لها ووضع العراقيل أمامها والحد من نشاطها وتأثيرها فى المجتمع 0 وتفعيل دور هذه المؤسسات فى المجتمعات العربية والإسلامية هو سبيل البشرية للإلتقاء والتكامل وتحقيق المصلحة للجميع0