(9) بجمالها الفائق كلّ جمال، تقول لنا السّيّدة، أنّ من يحمل المسيح لا بدّ أن ينضح جمالاً وبهاءً. ونحن إذ نرتكز على جمالنا الخارجيّ ونجتهد في إظهاره بشتّى الوسائل، قد نتوه دون أن نعلم عن جمالنا الحقيقيّ الّذي يظهر صورة الله فينا. لا ضير أبداً في تحسين المظهر الخارجي، إلّا أنّ الاهتمام بالجانب الفكري والنّفسي والرّوحي يعكس جمالنا الأوّل المخلوق على صورة الرّب ومثاله. لقد اهتمّت السّيّدة بهذه الجوانب بدليل حضورها الصّامت في حياة المسيح. فالصّمت لغة المحبّين المريدين اللّقاء دوماً مع الرّبّ. ألا يزداد بهاء القدّيسين والقدّيسات كلّما ارتحلوا عن العالم في لقاء دائم مع يسوع المسيح؟ ونقول أنّ السّيّدة اهتمّت بالجانب الفكري والنّفسي والرّوحي، لأنّها كانت تعي أن مرافقة السّيّد من البداية يحتاج إلى الرّعاية الأفضل، وأنّ المسيرة معه حياة لا تنتهي. لقد نقّت السّيّدة فكرها وروحها بالصّمت المقدّس، واستحالت لغة نحاكي بها الرّبّ، وجمالاً نرنو إليه ونتمثّل به كي يزداد جمالنا. من يرافق " مريم"، يحمل معها المسيح، ومن حمل المسيح انطلق في رحلة بحث عن الجمال الإنساني، حتّى يفيض جمال السّيّد على إنسانيّة العالم أجمع. (10) " كيف أقدر بالألوان العادية أن أرسم صورة هذه العجيبة الجميلة؟ مكرّمة جداً وممجّدة هي صورة جمالها. عاشت حكيمة ومملوءة حباً لله. لم تتدنّس قط بشهوة رديئة، بل سارت في استقامة منذ طفولتها في الطّريق الحقّ بغير خطأ أو تعثّر. ( القدّيس يعقوب السّروجي). مسيرة حياة السّيّدة مثال لكلّ بشريّ. وهي تؤكّد لنا أنّه يمكن لكلّ واحد منّا، أن يحيا منذ البدء وحتّى انتقاله من هذا العالم بصفاء ونقاء واستقامة. باحتضانها للسّيّد، شخص الحبّ، استطاعت أن تبعد عنها كلّ دنس وكلّ سقطة. فاحتضان السّيّد والارتباط به ليس بالأمر الخياليّ، وليست شخصيّات الكتاب المقدّس من كوكب آخر. إلّا أنّهم عرفوا التّتلمذ للمسيح بإخلاص وحبّ كبير. وأمّا السّيّدة، فارتبطت بالمسيح كأمّ ومربية ومرافقة وتلميذة، فاستحالت حياتها للمسيح وبالمسيح. لا يمكن أن نحيا في النّور ولا نشعّ على الكون. ولا يمكن أن نسلك طريق الحقيقة ولا نبشّر بالحبّ والسّلام. يقول المغبوط أغسطينس: " لا نكرّم العذراء من أجل ذاتها وإنّما لانتسابها لله". أي نكرّم من منحت كلّ ذاتها للحبّ الإلهيّ، وحملته في أحشائها، بل عاشت حياتها كلّها في دائرة هذا الحبّ، تسبح فيه وتدعونا للارتواء منه.