بحضور وزير الأوقاف.. «النواب» يناقش تضمين الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في الخطاب الديني اليوم    «مصادرة الآلة وإلغاء مادة الضبط».. إحالة 12 طالبًا ب«آداب وأعمال الإسكندرية» للتأديب بسبب الغش (صور)    تراجع طفيف لسعر الذهب اليوم الأحد في مصر ببداية التعاملات    أسعار الخضراوات والفاكهة اليوم الأحد 19 مايو 2024.. الطماطم ب 5.5 جنيه    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الأحد    اليوم.. البنك المركزي يطرح أذون خزانة بقيمة 55 مليار جنيه    الرئيس خلال كلمته بالقمة العربية.. السيسي: ثقة جميع شعوب العالم فى عدالة النظام الدولى تتعرض لاختبار.. لا مثيل له    تحديات وأزمات غير مسبوقة القمة العربية ومصير الشر ق الأوسط    القاهرة الإخبارية: مجلس الحرب الإسرائيلي يجتمع لبحث عملية رفح الفلسطينية    كوريا الجنوبية تستضيف وفدا أمريكيا لبحث تقاسم تكاليف نشر القوات الأمريكية    الدفاع الروسية تعلن اعتراض 60 طائرة مسيرة في مقاطعة بيلغورود وإقليم كراسنودا    حصلت على أكثر من 500 ميدالية دولية ومحلية شيماء سامى: تكريمى من السيدة انتصار السيسي نقطة انطلاق للبطولات الرياضية    بعثة الأهلي تصل مطار القاهرة بعد التعادل مع الترجي التونسي    تداول امتحان مادة العلوم للشهادة الإعدادية بالقليوبية    انتداب المعمل الجنائي لفحص أسباب حريق 10 أكشاك فاكهة بشبرا الخيمة    النشرة المرورية.. خريطة الكثافات والطرق البديلة بالقاهرة والجيزة    كشف تفاصيل صادمة في جريمة "طفل شبرا الخيمة": تورطه في تكليف سيدة بقتل ابنها وتنفيذ جرائم أخرى    القناة الدولية الأهم التى تحمل القضية المصرية والعربية: أحمد الطاهرى: «القاهرة الإخبارية» صاحبة الرؤية الموضوعية فى ظل ما أفسده الإعلام العالمى    بالصور.. متحف شرم الشيخ ينظم معرضا للصور وعروض للأطفال    إقبال الأطفال على النشاط الصيفي بمساجد الإسكندرية لحفظ القرآن (صور)    «البحوث الإسلامية» يوضح أعمال المتمتع بالعمرة إلى الحج.. «لبيك اللهم لبيك»    حديث أفضل الأعمال الصلاة على وقتها.. الإفتاء توضح المعنى المقصود منه    «الصحة» توجه عدة نصائح مهمة للمواطنين بشأن الموجة الحارة    دراسة طبية تكشف عن وجود مجموعة فرعية جديدة من متحورات كورونا    الفنان سامح يسري يحتفل بزفاف ابنته ليلى | صور    حظك اليوم وتوقعات برجك 19 مايو 2024.. مفاجأة للجوزاء ونصائح مهمة للسرطان    حقيقة فيديو حركات إستعراضية بموكب زفاف بطريق إسماعيلية الصحراوى    ماس كهربائي وراء حريق أكشاك الخضار بشبرا الخيمة    جانتس يطالب نتنياهو بالالتزام برؤية متفق عليها للصراع في غزة    ترامب: فنزويلا ستصبح أكثر أمانًا من الولايات المتحدة قريبا    برنامج واحد من الناس يواجه أحمد ماهر بابنه لأول مرة على قناة الحياة غداً الإثنين    إصابات مباشرة.. حزب الله ينشر تفاصيل عملياته ضد القوات الإسرائيلية عند الحدود اللبنانية    تعرف على سعر الدولار اليوم في البنوك    ظاهرة عالمية فنية اسمها ..عادل إمام    بأسعار مخفضة.. طرح سلع غذائية جديدة على البطاقات التموينية    8 مصادر لتمويل الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات وفقًا للقانون (تعرف عليهم)    خبير اقتصادي: صفقة رأس الحكمة غيرت مسار الاقتصاد المصري    القومي للبحوث يوجه 9 نصائح للحماية من الموجة الحارة.. تجنب التدخين    الحكم الشرعي لتوريث شقق الإيجار القديم.. دار الإفتاء حسمت الأمر    "التنظيم والإدارة" يكشف عدد المتقدمين لمسابقة وظائف معلم مساعد مادة    مدرب نهضة بركان: نستطيع التسجيل في القاهرة مثلما فعل الزمالك بالمغرب    بن حمودة: أشجع الأهلي دائما إلا ضد الترجي.. والشحات الأفضل في النادي    رضا حجازي: التعليم قضية أمن قومي وخط الدفاع الأول عن الوطن    تعزيزات عسكرية مصرية تزامنا مع اجتياح الاحتلال لمدينة رفح    باسم سمرة يكشف عن صور من كواليس شخصيته في فيلم «اللعب مع العيال»    عماد النحاس: وسام أبو علي قدم مجهود متميز.. ولم نشعر بغياب علي معلول    باقي كام يوم على الإجازة؟.. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024    "التصنيع الدوائي" تكشف سبب أزمة اختفاء الأدوية في مصر    وظائف خالية ب وزارة المالية (المستندات والشروط)    إجراء من «كاف» ضد اثنين من لاعبي الأهلي عقب مباراة الترجي    نقيب الصحفيين: قرار الأوقاف بمنع تصوير الجنازات يعتدي على الدستور والقانون    اليوم السابع يحتفى بفيلم رفعت عينى للسما وصناعه المشارك فى مهرجان كان    رقصة على ضفاف النيل تنتهي بجثة طالب في المياه بالجيزة    مدافع الترجي: حظوظنا قائمة في التتويج بدوري أبطال أفريقيا أمام الأهلي    دييجو إلياس يتوج ببطولة العالم للاسكواش بعد الفوز على مصطفى عسل    بذور للأكل للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    الأزهر يوضح أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة    هل يعني قرار محكمة النقض براءة «أبوتريكة» من دعم الإرهاب؟ (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



( قراءة لمادونا عسكر في مقال للقس بول ربان)
نشر في شموس يوم 05 - 10 - 2014

p style=\"text-align: justify;\"أيّها المسيحيّ، اعرف قوّتك p style=\"text-align: justify;\"(وتكونون مبغضين من الجميع من أجل اسمي. ولكن الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص.) (متى 22:10). p style=\"text-align: justify;\"
إنّه كلام الرّبّ الّذي سبق وأنبأنا به، وهذا الكلام حاضر اليوم بقوّة كما كان حاضراً مذ نشأت الكنيسة الأولى. وكلّنا يعلم كم عانى آباؤنا وكم تحمّلوا بفرح المسيح كلّ رذل واضطّهاد في سبيل أن يشهدوا للحقيقة والحبّ.
لو طالعنا خبرات آبائنا القدّيسين بتأنٍّ لما وجدنا في ما دوّنوا أو ما دُوِّن عنهم تلك الأسئلة الكثيرة الّتي يطرحها المسيحيّ اليوم على نفسه وعلى الآخرين وحتّى على الله. لماذا يحصل ما يحصل للمسيحيّين؟ وماذا فعلنا حتّى يضّطهدوننا؟ ولماذا يغفل الرّبّ عن إعانتنا ومساعدتنا؟ ولماذا يهملنا ولا يخلّصنا ممّا نحن فيه؟ والسّؤال الّذي يشغل بال المسيحيين اليوم والّذي يتداول بكثرة ثمّ يأتي الإعلام ليغذّيه ويستفزّ غرائز النّقمة والانتقام والحقد: لماذا لا يدافع المسيحيّ عن نفسه ويسمح للآخر أن ينزعه من أرضه ويتعدّى على حقوقه وممتلكاته...؟ ولعلّ مقال حضرة القسّ \"بول ربان\" يجيب على هذا السّؤال بشكل عمليّ وبسيط، فيقسم مقاله إلى عدّة أقسام يستعرض من خلالها جواز الدّفاع عن النّفس وكيفيّة استخدام هذا الحقّ، فيشير بدءاً إلى أهمّية المسيحيّ كأيّ إنسان في هذا العالم، وأهمّية كرامته الإنسانيّة ووجوب احترامه كأي فرد من الوطن أو المجتمع. كما يشدّد حضرة القسّ على أهمّيّة الحياة وقيمتها في عينيّ الرّبّ إذ يشرح في القسم الأوّل من النّصّ عن جواز الدّفاع عن النّفس فيقول: p style=\"text-align: justify;\"
( إنَّ المسيحي إنسانٌ مثل كل الناس الآخرين. وكلُ إنسان نالَ حياتَه عطية ً من الله. فحياة الإنسان ملكٌ لله ونسمةٌ من نفختِه الحية (تك2: 7). فهي ليست حتى ملك الوالدين، فكم بالحري لغيرهم حتى يتصَّرفوا بها كما يشاؤون.) p style=\"text-align: justify;\"
ويتابع ليؤكّد أن حقوق الإنسان تخضع لقوانين اجتماعيّة وليس أساسها الدّين، بمعنى آخر، لا يجوز أن يخضع فرد لتشريع دين معيّن لمجرّد أنّ هذا التّشريع يعتبر مقدّساً عند فئة معيّنة. الإنسان يخضع للقوانين الّتي احتاجها المجتمع فشرّعها ومن خلالها حدّد الحقوق والواجبات لكلّ فرد بمعزل عن دينه أو عقيدته. p style=\"text-align: justify;\"
ويقول حضرة القسّ: (ليسَ الدينُ أساساً لحقوق الإنسان حتى تقاسُ به تطلعات الأفراد. طبيعةُ الإنسان هي نفسها لدى كل القوميات وكل الشعوب وكل الأديان وكل الثقافات والحضارات. أما الدّين فيختلف لأنه من اختيار الإنسان. وعلى طبيعة الإنسان تقومُ حقوقه فلا تختلف عند أية أمة كانت، مهما كثرت الأمم واختلفت ألوانها وأوصافها. أما الدين فهو عامل سلوكي ينَّظم الآداب والتعامل الإجتماعي بين الناس. فحقوق الإنسان المسيحي هي إذاً حقوق كل إنسان من أى لون كان أو لغة أو حضارة أو بلد. ما يحُّق لغيرِه يحُّق له. وما لا يحُّقُ لغيره لا يحق له أيضاً. وما يُحرَم على الواحد يُحرم على الثاني أيضاً. فلا تمييز في الحقوق بين فئة وأخرى. والدفاعُ عن النفس من حَّق كل إنسان. والحياة والموت بيد الله (تث32: 39)). p style=\"text-align: justify;\"
ما يعني أنّ أيّ إنسان أيّاً كانت عقيدته الدّينيّة، يستعين بالشّريعة ويستخرج منها القوانين الملائمة له ويفرضها على الآخرين المختلفين عنه بالإيمان، يمكن اعتباره متعدٍّ على الكرامة الإنسانيّة والحرّيّة الإنسانيّة، لأنّه بذلك يستخدم الشّريعة في سبيل تحقيق سلطة خاصّة وليس في سبيل تحقيق احترام حقوق الإنسان. ومتى تحدّثنا عن تعدٍّ على الإنسان وجب علينا التّطرّق لمبدأ الدّفاع عن النّفس، فكلّ اعتداء تقابله مقاومة، وهذا حقّ طبيعيّ للجميع، بل حقّ مقدّس على الإنسان أن يناضل من أجل اكتسابه. فلا يحقّ لأيّ كان، مهما بلغ من سلطة ونفوذ أن يتعدّى على حقوق الإنسان ويعبث بها. p style=\"text-align: justify;\"
1- الدّفاع عن النّفس:
يشدّد حضرة القس \" بول ربان\" على الدّفاع عن النّفس واحترام الحياة الإنسانيّة ويعيدنا إلى آيات كتابيّة تبيّن لنا هذا الحقّ مشيراً إلى أنّ الله الّذي خلقنا وأشركنا معه في ملكه نبّه بشدّة إلى أهمّيّة احترام الحياة والحفاظ عليها. ( بما أنَّه لا يحُّقُ لأحد أنْ يتعَّرضَ للحياة ويعبثَ بها، كذلك يحُّقُ لكل أحد، بل يجبُ عليه، أن يُدافعَ عن الحياة. فاللهُ الذي خلقَنا وأشركنا في حياتِه طالبَنا أيضاً أن نحترمَها ونحميَها فقال:" لا تقتُلْ " ( وصايا الله العشرة ،خر20: 13). وعليه رفضَ يسوع لليهود قتلَ حتى الزانية الخاطئة (يو8: 7). لأنَّ الله رفضَ قتلَ الخطأة، وأعطاهم فرصة التوبة ليُصلحوا سلوكهم ويحيوا ويخلصوا للأبد (حز18: 23). وعليه أعلن يسوع أنه جاءَ ليُصلحَ أنظمة البشر فيُفيض لهم الحياة بكثرة (يو10:10). ولهذا أيضاً أرشدَ الناس إلى عدم دينونة الآخرين ومحاسبتهم وعقابهم، بل محاولة إصلاح الأخوة الخاطئين لعلهم يحسّون بإثمهم ويتراجعون عن شرّهم. وعند عدم تجاوبهم ترك الأمر لعدالة الله وحكمِه (تث32: 35 ؛ رم12: 19-20)، وعدم نصب الذات حاكماً يتصَّرفُ كما يحلو له (خر2: 14). وإذا كان الدفاع عن الحياة واجباً، فعلى كل فرد أن يحميَ حياتَه ويُدافعَ عنها لأنَّ حياتَه أمانة الله له، ولا يحُّق لأحد أن يسلبها منه. فلما قتلَ قايينُ هابيل، رغم تحذير الله له، اعترضَ عليه الله وقال :" دمُ أخيك يصرخُ إليَّ من الأرض" (تك4: 10). ولا يحق حتى للفرد نفسه أن يعبثَ بحياتِه الخاصة فينتحر. يجبُ الدفاعُ عن الحياة دوماً.)
الله الخالق والواهب الحياة هو الحقّ، وهو الإله الحيّ، وبالتّالي لا يمكن للحقّ أن يقبل بالباطل أو أن يتساهل معه، أو أن يناقض نفسه فيسمح للإنسان أن يسلب أخيه الإنسان حياته. ولمّا كان الله واهب الحياة فلا بدّ أنّ للحياة الإنسانية في عينيه قيمة كبيرة ومقدّسة وبالتّالي كرامة الإنسانيّة من كرامته وقيمتها من قيمته. إنّ الله العليّ والقدير ومن شدّة حبّه واحترامه للقيمة الإنسانيّة شاء أن يصير إنساناً وأن يتألّم ثمّ يسلّم نفسه طوعاً للموت من أجل غاية واحدة، ألا وهي خلاص الإنسان كي يبقى قيمة مقدّسة.
2- دفاع أم تعدٍّ:
يمضي حضرة القسّ إلى شرح معنى الدّفاع عن النّفس مستنداً إلى الفكر المسيحيّ المبني على حضارة المحبّة وحضارة القيم، بعيداً عن المنطق الغرائزي للإنسان. فالمسيحيّ يحمل في ذاته حضارة المسيح، المحبّة الحاضرة في العالم لتقود الإنسان إلى كمال إنسانيّته وتساعده على الحفاظ على صورة الله فيه. فيقول القس \" بول روبان\": ( ولكننا كيفَ نفهمُ الدفاع عن النفس؟ لمَّا قبضَ اليهودُ على يسوع إعترضَ عليهم. ولمَّا إتّهموه زورًا بعدم احترام رئيس الكهنة ولطموه رَّدَ يسوع ، دفاعًا عن نفسِه، :" إن كنتُ أسأتُ في الكلام ، فقُل لي أينَ الإساءة. وإن كنتُ أحسنتُ في الكلام فلماذا تضربني "؟ (يو18: 23). بينما يسوع نفسه، وقبلَ ساعاتٍ قليلة فقط، عندما استعملَ بطرُسُ السلاحَ، دفاعاً عن نفسه وعن معَّلمِهِ، محاولاً قتل من هجمَ عليه ليقتله، فقطعَ فقط أُذن المُسَّلح ملخُس، عوض رأسِه، رَّدَهُ ومنعه عن القتل قائلاً :" من يَأخُذُ بالسيف فبالسيفِ يُؤْخَذْ "(يو26: 52). وأضاف : " أفلا أشربُ الكأسَ التي جعلها لي أبي"؟ ( يو18: 11). وتلك الكأس كانت أن يشهدَ للحق ولا يلتويَ مع الباطل ( يو 20:18).)
سنحاول تقسيم ما أورده حضرة القسّ إلى قسمين: الأوّل كيفيّة دفاع يسوع عن نفسه، والثّاني كيفيّة دفاع بطرس عن نفسه وعن معلّمه.
- كيفيّة دفاع يسوع عن نفسه:
كان بإمكان يسوع أن يهرب لحظة أحسّ بأنّه سيتمّ القبض عليه وتسليمه للمحاكمة، وهذا حقّ. فيسوع لم يفعل شيئاً يقوده إلى المحاكمة. كما أنّه كان بإمكانه أن يستخدم قوّته الإلهيّة وينهي بلحظة واحدة كلّ هذه المهزلة اليهوديّة. ونذكر جيّداً قوله لبيلاطس البنطي: \" لَيسَت مَملَكَتي مِن هذا العالَم. لَو كانَت مَملَكَتي مِن هذا العالَم لَدافعَ عَنِّي حَرَسي ِكي لا أُسلَمَ إِلى اليَهود. ولكِنَّ مَملَكَتي لَيسَت مِن ههُنا\". وهنا نطرح سؤالاً مهمّاً على أنفسنا: هل مملكتنا نحن المؤمنون بيسوع المسيح من هذا العالم؟ إذا كانت من هذا العالم فحريّ بنا ألّا ندّعي أنّ معلّمنا هو المسيح وإلّا نكون منافقين أمام أنفسنا. فالمسيح واضح في ما قاله بل إنّه سبق وقال لنا أنّنا لسنا من هذا العالم، بمعنى أنّه لا يمكننا أن نسمح للسلوك الّذي يناقض سلوك المسيح أن يسلبنا قوّتنا الّتي هي المسيح وفقط المسيح. ولكن يسوع يتابع قوله لبيلاطس فيقول: \" وأَنا ما وُلِدتُ وأَتَيتُ العالَم إِلاَّ لأَشهَدَ لِلحَقّ. فكُلُّ مَن كانَ مِنَ الحَقّ يُصْغي إِلى صَوتي\". وبالتّالي كلّ مسيحيّ على هذه الأرض ولد ليشهد للحقّ على مثال السّيّد. والشّهادة للحقّ غير ممكنة بالسّلاح، هذا ما نفهمه من كلام الرّبّ. الشّهادة للحقّ تكون بسماع صوت الرّبّ ونقله الى العالم بأسره حتّى يؤمن أنّ المسيح وحده هو الخلاص ويرتفع عن مستوى الشّريعة لينطلق في رحاب المحبّة والسلام. p style=\"text-align: justify;\"
يسوع لم يقاوم بالمعنى الّذي نفهمه نحن، ولكنّه قاوم بمنطق المحبّة، فأتت ردوده هادئة ومختصرة ومؤثّرة إلى حدّ. قد لا يذكر الإنجيل المقدّس هذا التّأثّر ولكن لو عدنا لقراءة النّص الإنجيلي في يوحنا 18، سنرى أنّ كلام يسوع لم يمرّ مرور الكرام ولا بدّ أنّه حرّك شيئاً ما في بيلاطس: \" ما هو الحق؟. ولما قال هذا خرج أيضاً إلى اليهود وقال لهم: « أنا لست أجد فيه علة واحدة.\" لقد قال بيلاطس الحقيقة، وعرف أنّ يسوع غير متّهم بشيء وأنّ ما فعله اليهود ليس إلّا مغالاة وتكبّر واعتداء على المسيح. ولكنّ بيلاطس خاف على منصبه فاختار الباطل بدل أن يستمرّ في الشّهادة للحقّ. ما يعني أنّ المقاومة الّتي أرادها يسوع أرقى بكثير من المقاومة الغريزيّة والانفعاليّة. إنّه يسعى إلى تحريك النّفس الإنسانيّة ومساعدتها على المثول أمام ذاتها حتّى تتصالح معها وتعود عن خطيئتها وتتوب ثمّ ترتمي بين يديّ الرّبّ.
- دفاع بطرس عن نفسه وعن معلّمه:
إن تصرّف بطرس طبيعيّ جدّاً وينمّ عن ردّة فعل طبيعيّة ولكنّ الرّبّ يمنعه من هذا الفعل ويبرّر هذا المنع بأن كلّ من يأخذ بالسّيف، بالسّيف يؤخذ. أراد الرّبّ أن يقول أنّ ردّات الفعل تؤدّي إلى ردّات فعل مشابهة والإنسان الّذي على صورة الله ومثاله لا يتصرّف بردّات فعل بل بحكمة واتّزان. ولا ننسى أنّ يسوع نفسه دافع عن التّلاميذ إذ قال للجند: \" فإن كنتم تطلبونني فدعوا هؤلاء يذهبون\". ( يو 11:18). إنّ يسوع المسيح يعلّمنا ألّا نتصرّف بحسب ردّات فعلنا، لأنّها تصرّف لا يعتمد على العقل وإنّما على الغريزة فيأتي التّصرّف عبثيّاً وقد يسبّب ضرراً كبيراً للإنسان نفسه. كلّ شيء ممكن بالحكمة والوداعة والصّبر والإيمان، وأمّا السّلوك بالمثل واستخدام نفس الأسلوب الّذي يعتمده المتعدّي، فينحدر بالإنسان ويضعفه، فالقوّة لا تكمن بالشّرّ وإنّما بالحكمة والمحبّة.
ونحن اليوم نميل إلى التّصرّف كما بطرس، منقادين بخوفنا واضطرابنا، ولا بدّ أنّ الرّبّ يردّد لنا ما قاله لبطرس: من يأخذ بالسّيف فبالسّيف يؤخذ. لكنّ بطرس أدرك في ما بعد خطورة السّلوك بردّات فعل وبخوف واضّطراب، كما أدرك أنّ الإيمان بيسوع المسيح هو السّلاح الوحيد الّذي يدافع عنه في أيّ وقت وفي كلّ الشّدائد، وسنراه لاحقاً مصلوباً كما السّيّد لأنّه أراد أن يشهد للحبّ والحقّ. قد يتحوّل الدّفاع عن النّفس، خاصّة إذا استغلّته اللّعبة السّياسيّة، إلى تعدّ على الآخر، ولا شيء يضمن أن يبقى ضمن إطار الدّفاع عن النّفس. ولقد شهدنا نزاعات كثيرة تحوّل فيها المدافع عن نفسه إلى مستشرس يعتدي على أبرياء.
3- الدفاع بالشهادةِ للحق والحب:
يخلص حضرة القسّ إلى أنّ الدّفاع عن النّفس بالمفهوم المسيحي هو دفاع شامل وليس دفاعاً عن الذّات أمام هجمة الموت وحسب، فيقول: ( هكذا لا يعني الدفاعُ عن النفس بالإساءَة إلى الآخر. الدفاعُ عن النفس يعني محاولة إنقاذ الذات من المأزق أو الخطر المُحدق به، ولا يعني بالضرورة إلحاق الخطر، نتيجة ذلك، بالآخر. الدفاعُ عن النفس يكون بالدفاع أولاً عن القيم وعن الحقيقة. والدفاع عن الحقيقة لا يتم بفرضها بالسلاح، بل بالثّبات فيها والصمود رغم كل الأعاصير التي تهَّددُها وتحاول محوَها بتمجيد الضلال وتبجيله. ومن أهم الحقائق وأنقاها: \"المحبة\". المحبة لا تفعلُ السوءَ، لا تحسد، لا تتكبر، لا تسعى الى منفعتها... المحبة تعذرُ كلَّ شيء، وتُصَّدقُ كلَّ شيء، وترجو كلَّ شيء وتصبرُ على كلّ شيء (1كور13: 4-7). لكن أولى الحقائق وقمَّتها هي: الحياة، لأنّها جزءٌ من الله. وكما سبق فنوَّهنا لقد قال الله " لا تقتُلْ ". وعلينا أن نحميَ الحياة لا أن نُهلِكَها. وعلينا أن نتحذّرَ من كل ما يؤَّدي الى محاربة الحياة. وعن الفتنة قبل غيرها. وعلينا تجَّنبَ كلِ سلاح يؤذي. لقد علمنا الرب أن نستعملَ قلبنا وعقلنا قبل أطرافنا. أن نتعامل بالكلام والحوار قبل القرون أو الحوافر. وأن نغفر قبل أن ننتقمَ. وأن نقاومَ الشر، وندافعَ عن أنفسنا، بالصبر والثقة بالله، ونتغَّلب عليه بالحب: " لا تدَع الشَّرَ يقهَرْكَ. بل كن بالخير للشر قاهراً. ( رومية 21:12. ) p style=\"text-align: justify;\"
الدّفاع عن النّفس هو الدّفاع عن كلّ ما يسيء إلى القيمة الإنسانيّة الّتي هي على صورة الله كمثاله. إذا كان المسيحيّون اليوم بصدد البحث عن وسيلة للدّفاع عن أنفسهم مستخدمين السّلاح، فهل هذا يعني أنّهم فقدوا ثقتهم بيسوع المسيح؟ وهل هم بصدد الشّهادة للمسيح أم الدّفاع عن النّفس وإبعاد الشّرّ عنهم بما يماثله.؟ إنّ الكنيسة تُضطهد منذ نشأتها والاضّطهاد لا يشمل الاضّطهاد الجسدي وحسب، وإنّما الفكري والمعنوي ولعلّ الثّاني هو الأخطر. أليست ممارسات البدع المضلّلة اضطهاداً؟ ألم تغزو الفكر المسيحي محاولة شرذمته وتفكيكه؟.
\" لا تدَع الشَّرَ يقهَرْكَ. بل كن بالخير للشّر قاهراً.\" ( رومية 21:12. ). إنّه منطق من ليسوا من هذا العالم، منطق المؤمنين بيسوع المسيح الّذين يريدون كما سيّدهم أن يهتدي الجميع إلى محبة الله ويخلصو. إن كنّا حقّاً نؤمن بيسوع المسيح ومستعدّين لترك كلّ شيء واتّباعه، علينا أن نسلك طريقه، ونتحلّى بحكمة المسيح ونحبّ بقلب المسيح، ونغلب الشّرّ بقيامة المسيح. وكلّ ما يناقض ذلك يعتبر ردّات فعل غرائزية تحرّك الإنسان ليدافع عن نفسه خوفاً من الموت الّذي قهره المسيح.
4- ربَّنا نجّنا، لقد هلكنا:
( كان الرسلُ يبحرون يوماً ما على بحر طبرية. هاجَ البحرُ وارتفعت الأمواجُ وغمرت السفينة. كان يسوع نائماً!. وأصابَ الهلعُ التلاميذ. الموت غرقًاً ملأ عيونهم. فنادوا يسوع إلى نجدتهم. فماذا كان جوابُه لهم؟ \" ما بالكم خائفين، يا قليلي الإيمان.\" ( متى8: 26). فكروا بعقلهم، وتصرفوا بغريزتهم ولم يعملوا حساب وجود الله بينهم. وكرروا الفعل عند القبض على يسوع فكان ردُّ فعلهم الغريزي والبشري " السيفُ بالسيفِ يُقهر"، أو كما قال يوليوس قيصر:" إن أرَدتَ السلامَ فاستعِد للحرب "!. خوفًا من الموت أُخَّطط لموت عدوي. ويسوع قال: \" لا تخافوا الذين يقتلون الجسد، ولا يستطيعون قتل النفس. بل خافوا الذي يقدرُ أن يُهلكَ كليهما معاً في جهَّنم \"(متى10: 28). إحساسنا البشري الغريزي أن نسلك دربَ الحواس قبل درب نور العقل، وأن نقتنع بفكرنا قبل أن نلتجئَ إلى فكر الله ونسترشدَ به. ويتجه فكرنا الى العنف والترهيب والقصاص قبل أن نُطلقَ المجال لإيماننا وحبنا أن يفعلا، رغم أنَّ الكتابَ قال بأنْ لا قيمةَ للتصَّرف حسب الحواس: \" بل القيمةُ للإيمان الفاعل بالمحبة \" ( غل 6:5). ). p style=\"text-align: justify;\"
مهمّ جدّاً ما أورده حضرة القسّ في قوله: ( خوفًا من الموت أُخَّطط لموت عدوي)، ولا بدّ من التّأمّل بعمق هذه العبارة. فونحن نسعى للدّفاع عن أنفسنا نسعى لقتل عدوّنا، ما يخالف السّلوك المسيحيّ ويناقض الإيمان بيسوع المسيح. p style=\"text-align: justify;\"
لم يقل لنا السّيّد عبثاً: \" لا تخافوا\"، وليس للاطمئنان وحسب وإنّما لأنّه يعلم مدى تأثير الخوف على النّفس الإنسانية. إنّ الخوف يعيق كلّ تقدّم عقليّ وكلّ نموّ روحي، ويعرقل مسيرة الإنسان، ويقيّده بسلاسل الاضطراب والارتباك. ومتى تعطّل المنطق العقلي استباح كلّ شيء، ومتى تلوّثت الرّوح تاهت عن النّور. بالمقابل، إنّ الخوف عامل إيجابيّ إذا ما كان بهدف التّقدّم نحو الأفضل، فيخاف الإنسان على الآخر وليس منه. \" لا تخافوا\"، يشدّد الرّبّ، وهي دعوة للثّقة به تحت أيّ ظرف، لأنّه أمين ولأنّه حاضر أبداً في حياتنا. إنّ الخوف الّذي اعترى التّلاميذ دلّ على قلّة إيمانهم بحضور الرّبّ، لذا قال لهم يسوع: \" ما بالكم خائفين يا قليلي الإيمان\". وفي كلّ مرة نخاف ونسعى لاستخدام قوانا الذّاتية غير المجدية غالباً، علينا أن نعيد النّظر بإيماننا بيسوع المسيح. كذلك عند القبض على يسوع، يذكر الإنجيل أن كلّهم هربوا، وتخلّوا عن معلّمهم. الخوف دفعهم إلى ردّة الفعل هذه، ونحن أيضاً يأخذنا الخوف بعيداً عن يسوع وعن الثّقة به. وكلّما ابتعدنا عنه ازداد خوفنا وكلّما اقتربنا منه واتّحدنا به ترسّخ فينا سلامه وفرحه.
5- أكنزوا لكم كنوزا في السماء:
في هذا القسم يلخّص حضرة القسّ مسيرة المسيحيّ الإيمانية الّتي تعتمد على المسيح وتستنير به فيقول: \" الكنز الذي يقتنيه المسيحي ليس بما له من مال أو سلاح أو سلطان. كنزه بأفعاله التي تشهد على إيمانه وسلوكه اللّذين ينبعان من محبتِه. فالإيمان نورُه والمحبة سلاحه والحَّق دربُه الذي لا يتركه مهما اشتدت عليه أعاصير الشر. وحياته لا تقاس بطول سنيها، ومجدُه لا يقاس بما يخلفه وراءَه. بل يقومُ كلاهما على مدى تصوير حضور الله في سيرته. ودفاعُ الإنسان عن النفس لن يقيسه الله بمحاولة القضاء على الشر والأشرار، بل بصمود الإنسان في محبةِ الله والقريب، لأنَّ هذه هي وصيته الأولى والأخيرة ، والتي تختصرُ الشريعةَ كلها والأنبياء ( متى 40،35:22). p style=\"text-align: justify;\"
الإيمان المسيحيّ هو علاقة حميمة مع المسيح عمادها الثّقة والطّاعة والانفتاح على قلب الرّبّ. إنّها علاقة حرّة تقود إلى الحرّيّة الحقّة، فحينما يتخلّى المسيحي عن كل شيء ليتبع المسيح ينال حريّته، ويعلم أنّ كلّ شيء فانٍ ويزول وأمّا كلمة الرّبّ فحيّة إلى الأبد. من آمن بالمسيح والتزم به، فهم أنّ الحبّ هو القوّة الحقيقيّة الّتي تقهر كلّ ظلم وقهر واضطهاد بل تغلب الموت وتقهره. وفي وسط المحن والشّدائد، على المسيحي أن يتشبّث أكثر بالحبّ الإلهي ويسعى لنشره واستخدامه سلاحاً ضدّ كلّ شرّ. وفي هذا الوقت العصيب الّذي نمرّ به، نحن بأمسّ الحاجة لنشر ثقافة المحبّة وتعزيز التّضامن والأخوّة. p style=\"text-align: justify;\"
زمن المحن والاضّطهاد هو زمن الكرازة بإنجيل الرّبّ دفاعاً عن النّفس بل عن كلّ مظلوم ومستضعف. لو عدنا إلى كلام الرّبّ في ( متى 15،9:24) وقرأنا بتأنٍّ سنفهم مقصد الرّبّ وكيفيّة التّصرّف أيّام المحن والشّدائد، وسنعرف أهميّة دورنا في إحلال السّلام والمساهمة في خلاص كل إنسان. p style=\"text-align: justify;\"حينئذ يسلمونكم إلى ضيق ويقتلونكم، وتكونون مبغضين من جميع الأمم لأجل اسمي. وحينئذ يعثر كثيرون ويسلمون بعضهم بعضا ويبغضون بعضهم بعضا.ويقوم أنبياء كذبة كثيرون ويضلون كثيرين. ولكثرة الإثم تبرد محبة الكثيرين.ولكن الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص. ويُكرز ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الأمم. ثم يأتي المنتهى. ونرى الرّب ينبؤنا بالصّعوبات الجمّة الّتي سنواجهها ثمّ يعطف على كلّ ذلك ( ويكرز ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الأمم). ففي قلب الأزمات ورغم صعوبة الاضّطهاد على المسيحيّ أن يتحمّل مسؤوليّته ويكرز بكلمة الرّبّ الحيّة ويترجم إيمانه بيسوع المسيح، إذ لا يكفي أن نتغنّى بالإيمان وإنّما وجب ترجمته أعمالاً يراها النّاس فيمجّدوا أبانا الّذي في السّماوات. p style=\"text-align: justify;\"
اليوم، الآن، زمن الإنجيل. زمن نشر المحبّة في وجه هذا الوحش الخارج من بحيرة النّار ليضّطهد ويقتل كلّ إنسان يحمل في ذاته الخير والحب والجمال. إنّه زمن الضّعفاء الّذين يتقوون بيسوع المسيح فيغلبون العالم، وزمن الامتحان الّذي إن اجتزناه بصبر وصلاة ارتفعنا إلى المجد. \" اجعل عينيك تنظران دائماً إلى فوق، إلى من بيده كلّ مقاليد الحياة. ثق أنّ الغد دائماً سيكون أفضل من اليوم، لأنه في يد الله\" ( المغبوط أغسطينس).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.