الشاعرة فاطمة الزهراء فلا، لها مشوار طويل فى نسج الشعر وتلوينه حسب ما تريد، فهى تقرضه بعين الأنثى التى تخرج من مناقشة عذاباتها، خاصة فى البيئة الشرقية والعربية، إلى الرحاب الأوسع في فضاء الوطن. وطنية فريدة حتى النخاع، لا تريد لوطنها أن يسرق أو يغتصب، أو حتى يسحب من تحته البساط تحت إدعاءات كاذبة، من أناس لا يعرفون معنى الأرض والتراب والوطن . فالزهراء تمتلىء قصائدها بمفردات الواقع والأنثى .. الوطن والوطنية.. فهى كما قال كافكا: إن كل كاتب يبدع ريادته. ولأنها لأكثر من دورة شرفت برئاسة اتحاد كتاب مصر فرع الدقهلية ودمياط، وكتبت فى مجالات مختلفة، تارة عن المرأة كمبدعة، وتارة عن الأكلات الشهية المختارة، فإنها مع ذلك، وقبل ذلك، شاعرة وأديبة وناثرة جديرة بالاحترام. لها باع طويل في إدارة الموائد المستديرة بالمؤتمرات ولها حضور بارز في الندوات، وبألقها المتميز وكاريزماتها الفائقة، تجد نفسك مشدوداً إليها، ومنجذباً لحديثها السلس العذب. في حديثي معها أحالتني إلى مقولة ليوتار عن ما بعد الحداثة، "إن ما بعد الحداثة تقوم على التشكيك فى الأفكار والغايات الإنسانية الكبرى لمسيرة التاريخ"، وهو في ذلك يقترب من فيليب ستيفك الذي يعتبر الفن "قوة مضادة فى صراع مع بلادة وسخافة العصر". سألتها عن المولد والنشأة وتكوين موهبتها الشعرية؟ فأجابت: الطفولة كانت جميلة، فالوالد أستاذ أزهري وقارئ للقرآن الكريم، منحني ثقة كبيرة حين كان يعطيني المصحف الشريف لأسمع له ما يحفظه، فبدأت أذني تتفتح علي معان غاية في الروعة والدقة والجمال. من هنا عشقت اللغة العربية. كانت طفولتي ذاخرة بحب سماع الغناء، غناء الصيادين حين العودة من البحر محملين الخير، والجنية التي كانت تهبهم هذا الخير وتغني لهم وتقول: آه يا ابو علي يا صياد.. اصطاد واديني يا صياد.. واملأ مناديلي يا صياد، وأغنية: طرحت الشبكة يا صياد.. طلعت لي ملكة يا صياد.. وفي ايدها الكنكة.. يا صياد. وهكذا تأثرت في صباي بالبيئة والطبيعة.. حيث ألوان الطبيعة الخلابة، والمياه الزرقاء، والسمك الأخضر، والجنية بذيلها اللامع وقد عشقت البحر وعشقت الصيادين. وهكذا تأثرت بنزار قباني وقصائده التى غناها عبد الحليم حافظ، ونجاة الصغيرة، وغيرهما من نجوم غناء العصر. هذه الخلفية، جعلتني أكتب أولي قصائدي في المرحلة الابتدائية، وتفننت في كتابة موضوعات الإنشاء، حتى أطلقوا عليّ في مدرسة المطرية (دقهلية) اسم الدكتورة فاطمة فلا.. وهذا جعل أمي تتهيأ نفسياً لأن أكون طبيبة الأسرة لكني أفاجئ الجميع بدرجات نهائية في اللغة العربية ودرجات قليلة في الرياضيات. التحقت بكلية الحقوق لكني لم أستمر بها، فاتجهت لأدرس بأحد المعاهد الفنية ودرست بمفردي الشعر دراسة مستفيضة. تزوجت في إحدي قري مركز السنبلاوين وعملت أمينة مكتبة بمدرسة الزهايرة الاعدادية فأتاح لي عملي التفرغ للقراءة والكتابة بحرية. أصدرت أول ديوان لي بعنوان: "هل يصدأ القلب؟"، وكتب مقدمته الشاعر أحمد سويلم ثم تبعته بديوان: "وشوشات الظلال"، ثم "المرأة بركان ثائر"، ثم "انتفاضة أنثي"، وانضممت عام 1990 لاتحاد كتاب مصر، ولأصبح أول سيدة في الدقهلية تنضم للاتحاد. استضاف صالوني الأدبي (الزهراء ) عدد كبير من الأدباء والشعراء، ولي أكثر من خمسين كتاباً عن المرأة، إصدار جزيرة الورد. ما مجهوداتك في الارتقاء بوضع المرأة في أقاليم مصر؟ عندما انتقلت إلى الإقامة في قرية زوجي عقب الزواج، لاحظت أن المرأة تعاني من الحرمان في أشياء ضرورية كثيرة أولها التعليم والثقافة، واكتشفت أن الأم الجاهلة تفرز مجتمعا مريضا لا نفع فيه. من هنا جاءت فكرتي في تنظيم هذا الصالون الأدبي بالقرية وظل يعقد شهرياً ويستضيف كبار الشعراء والمبدعين للتحاور المباشر مع الجماهير وفي القلب منهم المرأة. الفكرة نفسها التمستها من الأديبة الكبيرة مي زيادة التي أقامت في منزلها صالونا أدبيا واستضافت فيه عمالقة الأدب المعاصرون لها، أمثال العقاد، والمازني، وطه حسين وغيرهم. بفضل الله أحسست أنني أمتلك القدرة علي صنع حياة ثقافية جديدة، فزوجي ابن عمدة قرية ميت غريطة، وهو قدوة لأهل القرية، وكلمته مسموعة، وشخصيته محترمة، الأمر الذي وفر الإقبال المتزايد على أنشطتي الأدبية والثقافية والتوعوية. كما أنشأت أول مكتبة في المدرسة التي عملت فيها وتوليت أمانتها ومن خلالها زاد اطلاعي. كيف واجهتي تحدي مشاغل الزواج والأمومة؟ عندما بدأت أراسل الصحف والمجلات، قرأ عدد كبير من المحيطين بي، قصائدي، وشجعوني على الاستمرار، وعندما ألفت ديوان "هل يصدأ القلب؟"، كان من توفيق الله أن الذي يكتب مقدمته الشاعر الكبير أحمد سويلم وأن الذي يرسم غلافه الرسام المبدع إسماعيل دياب، مما جعلني أسير في طريق لا رجعة فيه، ألا وهو طريق الشعر والأدب وتثقيف المجتمع. من أبرز من استضافهم صالونك من الأدباء؟ كثيرون، أمثال عبد العال الحمامصي، وشفيق سلومة، وأحمد سويلم، إيمان بكري، وفريد طه، والراحل الورداني ناصف الذي شجعني كثيراً، وكنت أتنقل بهم من قرية لأخري في السنبلاوين ومنها إلى مراكز أخري. ما دور صالون "الزهراء" في اكتشاف المواهب المدفونة في القرى والنجوع؟ أجمل ما في الصالون أنه استطاع أن يجذب إليه وسائل الإعلام، فتنقل أنشطته وفعالياته، وتعرف به من يكن يعرفه، على المستوى المحلي الضيق، وعلى المستوى المحلي الأوسع، وبالتالي استطاعت هذه الوسائل الإعلامية أن تسلط الضوء علي مبدعين كثر، ففي قرية طوخ الأقلام التقيت الشاعر الكبيرعصام زكي، وقدمت فاتن شوقي، ولمع حلمي ابراهيم، ومتولي زيادة، وغيرهم وهم الآن شعراء لهم أعمالهم وبصماتهم الفنية الواضحة. أعلم أن الصالون توقف لمدة ثلاثة أعوام، ما السبب؟ الذي حدث أنني انتقلت للعمل كمسؤول ثقافي في ديوان عام محافظة الجيزة، وبالتالي انتقلت بالصالون إلى نادي الصيد بالدقي وحقق شهرة عريضة، ولكن في عام 1998حدثت مشاكل كبيرة في محافظة الجيزة، انتهت بسجن المحافظ المستشار ماهر الجندي، وحدث أيضاً أنني شعرت بحالة من الخوف علي نفسي وعلى بناتي من جو النجومية التي عشت فيه بعد البرنامج الذي أنتجه لي الراحل مطيع زايد وأخرجته المخرجة الكبيرة فايزة حسين، وكان يحمل اسم "صالون الزهراء"،.. كل ذلك الصخب والضجيج دفعني دفعاً إلى العودة إلى القرية، حيث الهدوء والأصالة والنقاء. ما أقرب قصائدك إلى قلبك وأحبها إليك؟ القصيدة التي أثارت ثورة في القرية وهي قصيدة "هل كلهن امرأة العزيز؟" وكذلك قصيدة "هموم الأنثي". قصيدة أصداف : صدفاتي في البحر تغوص فابقي بلا عقود في جيدي وهديتك...صفيت منها وريدى وضحكاتي الساخرة ودعتها بيوم عيدي ويوم جاء زارع الورد يحمل عناقيدي أغرقت سلة أحلامى ونسيت كل مواعيدي دقات الساعة تدق فيدخلني شعور باليأس محبطة و النور الآتي من الأمس يحاورني و يسألني هل ضاع من الليل القمر؟ هل غابت من دنيانا الشمس؟ هل للعمر..حبيب آخر؟ أيجئ اليوم ومن عمري تسافر ابحث في الأيام عن حب آخر حيث يحملني إليه عبر مطارات ومواني....وبواخر ورسائل أخرى تخجل لازالت من أقدام غريب يتحسس في الظلمة طريقا للأشواق يتوارى أو يتناحر هل اعتاد دنيا الحب الوردية هل أدمنها وإليها كل الهمسات تهاجر أيجئ اليوم فأزهزه كلماتي وأنمقها وأبعثها برسائل حمقى مجنونة بعقلي للريح تسافر؟