منذ صغرها.. كان التأمل فى ملكوت الله هوايتها.. وإطلاق خيالها من سجن اللحظة منتهى متعتها.. والورقة والقلم أخلص أصدقائها. نشأت فى أسرة.. احترمت حبها للخلوة.. ورعت موهبتها التى تفتحت وأزهرت رغم دراستها البعىدة عن المجال الإبداعى والأدبى، فهى خرىجة كلىة الهندسة – قسم الكهرباء، وتعمل فى مجال تخصصها المباشر.. مثلما تبدع فى هندسة الأفكار والكلمات. هى.. المهندسة: حنان فتحى التى نبحر معها فى رحلة إبداعها ومحطات هذه الرحلة الخصبة. سألتها: متى اتجهت إلى الشعر والكتابة؟ منذ طفولتى كنت أحرص على الجلوس بجوار شباك الفصل حتى أطلق خيالى وأجعله يحلق فى آفاق بعيدة، وكنت أحرص طوال المرحلتين الإعدادية والثانوية على أن تكون معى أجندة أدون فىها خواطرى، وغالبًا كنت أسجلها فى صور شعرية قصيرة أو فى شكل قصصى. وحتى أثناء دراستى بكلية الهندسة، كنت أصيغ المعلومات الهندسية البحتة والرياضية فى قالب من الشعر الغنائى حتى يسهل لى ولزملائى حفظ هذه المعلومات. وبعد التخرج فى كلية الهندسة وأثناء عملى كمهندسة بالإدارة المدنية بمحطة كهرباء طلخا انتسبت إلى كلية آداب المنصورة – قسم اللغة العربية؛ لأننى أحب اللغة العربية حبًا شديدًا، ولكى أدرس الأدب العربى بجميع فروعه من شعر وقصة وتاريخ، ثم حصلت على دبلوم فى اللغة العربية. وفى عام 1984 نشرت أول قصة قصيرة لى فى مجلة (إبداع) ، واستمرت إصداراتى تنشر فى الصحف والمجلات، وكانت أول مجموعة قصصية بعنوان (الشوق فى المنازل)، وما زلت أعتز بها؛ لأنها باكورة أعمالى الأدبية، ومن بينها قصة (هذا المشبك)، وقد حصلت بها على جائزة فى مسابقة نادى القصة بمصر، ثم توالت القصص القصيرة، ونشرت فى مجلة (المنتدى) العربية ومقرها (دبى). وفى أثناء وجودى فى سلطنة عمان مع زوجى (رحمه الله) نشرت مقالاتى الأدبية فى بعض الصحف، وانضممت إلى أسرة الكاتبات العمانيات بالنادى الثقافى بمسقط. كتاباك (الدخول على الله)، و(روضة النعيم فى معرفة الرحمن الرحيم) مؤشر على تحولك إلى الكتابة الإسلامية.. ما سبب ذلك؟ منذ سنوات كنت على وشك طباعة ونشر مجموعة قصص قصيرة وديوان أشعار، ولكن رأيت رؤيا أننى أسير فى مكان، وأجد أمامى الأبواب مغلقة، ثم سمعت هاتفًا يقول: خبطى على باب الله.. بعدها بدأت فى قراءة كتب التراث الإسلامى، وقراءة تفاسىر القرآن الكريم، واعتكفت فترة على القراءة دون الكتابة، وبعدها أمسكت بقلمى لأكتب (الدخول على الله)، ثم (روضة النعيم فى معرفة الرحمن الرحيم). أيهما أقرب إلى قلبك الكتابة أم الشعر؟ الشعر يسعفنى حين يجتاحنى إحساس خاص ومشاعر وجدانية تؤرقنى، أما القصة فأجد فيها نفسى أكثر! ولكن الكتاب الشامل، وهو ما أكتبه الآن هو الأقرب إلىّ؛ لأننى أكتب على مساحة أشمل ويتخلله الشعر والنثر الأدبى والحكاية الأدبية، فالكتاب وعاء يستوعب كل الطاقات الفكرىة والأسلوبية والوجدانية. ما الأدوات التى تميز المهندسة حنان فتحى ككاتبة؟ أكتب بشكل فطرى بسيط، ولا أغير ما أكتب أو أعيده، الشىء الذى أحرص عليه أن أكون صادقة فى شعورى غاية الصدق، وأهتم جدًا بالتصوير الأدبى والأسلوب البلاغى من طباق وجناس وتشبيه واستعارة… مع انتقاء المفردات الشاعرية الموحية بقدر الإمكان من صميم اللغة العربية، وأبذل مجهودًا فقط فى اختيار العنوان، سواء للقصة أو القصيدة أو الكتاب، أو حتى فصول وأبواب الكتاب.. يهمنى جدًا العنوان، وأحسب أن القارئ من خلال المفردات البسيطة للعنوان يدرك رسالة المؤلف، ويدرك مضمون الكتاب. ما رأيك فى إعادة كتابة كتب التراث بأسلوب حديث؟ لا أوافق على إحداث أى تبديل أو تغيير أو حذف أو اختصار لأى كتاب من كتب التراث، كما أن الطباعة الحديثة تفقد الكتاب القديم رونقه، فما زلت أهوى قراءة الكتب التراثية على حالها القديم بالورق الضعيف الأصفر المهترى ذى الرائحة المميزة، هى هى على حالها تجعلنى أعيش فى المناخ والسياق التاريخى الذى كتبت فيه. فى رأيك ما الذى يميز كاتبًا عن الآخر؟ النية، ثم النية، فاستحضار الكاتب أو الشاعر أو الفنان أو المبدع لنية الخير قبل البدء فى العمل وبعد الانتهاء منه أمر مهم جدًا، بحيث يكون العمل خالصًا لوجه الله، ويكون عملاً هادفًا يسعى للبناء لا الهدم، ويشكل رصيدًا للكاتب وعلمًا ينتفع به بعد موته. مشروعك القادم.. هل هو فى الكتابة الإسلامىة أم الأدبىة؟ أكتب الآن – بفضل الله – سلسلة عبارة عن عدة رسائل من أجل إدخال السرور على قلب الرسول صلى الله عليه وسلم، والتى أبدأها بمواقف إيجابية فى شكل قصة قصيرة أختارها من الحياة يجمعها معنى جميل من المشكاة المحمدية وأبين كيف سار على هذا المعنى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون، ثم فى نهاية الرسالة أكتب إيقاعات آخر السطور فى قالب شعرى منثور. خضت تجربة العمل العام كإعلامية وكاتبة، فضلاً عن عملك الوظيفى كمهندسة.. فكيف تقدمين التجربة النسائية فى العمل العام؟ الحمد لله فقد استيقظت المرأة من غفلتها وأصبحت صاحبة قضية، وودعت التفاهة والسطحية والبلادة.. من عشرين سنة مثلاً لم نكن نسمع أن هناك فتاة تُحفِّظ القرآن فى المساجد، أو تشارك فى عمل تطوعى، أو امرأة تخرج من بيتها بهدف المشاركة فى جمعية رعاية أيتام!! ولم يكن كثير من الرجال يسمحون لزوجاتهم بالصلاة فى المسجد، وكان كثير من الآباء لا يوافقون على أن تشارك بناتهم فى عمل تطوعى والمرأة الملتزمة بالذات تشتاق لفعل الخير، وخاضت بالفعل مجالات كثيرة فى العمل العام سياسية وحزبية وتطوعية وإعلامية، ولكنها تعمل ذلك فى صمت ولا تبتغى إلا وجه الله، وفى رأيى أن زهدها فى نشر أعمالها وتسليط الأضواء على ما تقوم به جهَّل الناس بما تقوم به من أعمال عظيمة، خاصة ونحن فى عصر الإعلام والاتصالات، عصر الناس فيه على دين إعلامهم!! فإن كان إعلامهم هادفًا وبناءً ربى شعوبًا متحضرة متقدمة، وإن كان غير ذلك ربى شعوبًا وأجيالاً مهترئة ضعيفة مقلدة، فلتحرص المرأة المصرية على إبراز عطائها على المستوى الإعلامى لتضرب القدوة والمثل والدليل على امتلاكها كل ما يثرى هذا العطاء على كافة الأصعدة. لديك شغف بالكتابة الإسلامىة.. فهل توضحىن لنا كيفية ترقيق القلب والإقبال على الله، فى ظل طغيان المادة؟ معك حق، فالطموح المادى لا يقف عند حد معين، فمن لا يزال تلميذًا بالمدرسة يريد هاتفًا خاصًا وسيارة خاصة!! وأرى تصورًا أتمنى من الله أن يكون مفيدًا لوقف هذا الشلال الهادر: 1 – تنشئة الأولاد على طلب البركة من الله، فحين يبارك الله فى القليل يكون هذا أعظم من الكثير بدون بركة الله وترديد الدعاء "اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وقنا عذاب النار". 2 – تأمل قصص السيرة.. وأحوال الصحابة وكيفية معيشتهم ومفردات حياتهم وخير ما تُزود به مكتبة كل شاب وفتاة روابط حلقات برنامج ونلقى الأحبة، فقد تناول الأستاذ عمرو خالد الشخصيات الإسلامية بشكل محبب إلى النفس وبسيط، بحيث أصبحت هناك حميمة وتواصل مع الأحبة من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم. 3 – محبة الآخرين، وإدخال السرور عليهم، ولو بأقل الأشياء، وقضاء حوائج من حولنا. 4 – القراءة اليومية، وخاصة كتب الزهاد، والعباد، وعمل ورد يومى لقراءة القرآن الكريم، وبعد إتقان التجويد والترتيل السليم يمكن قراءة جزء من القرآن يوميًا، مع الحرص على قيام الليل ولو ركعتين فقط، فإنها ترقق القلب وتدخل العبد على ربه. 5 – المحافظة على أذكار الصباح والمساء المعروفة، وهى موجودة فى كافة كتب الأدعية والمأثورات، فهى تبعث الهمة والنشاط والرضا عن أفعال الله، ومن ثم القناعة. 6 – الحرص على رضا الأب والأم، وخاصة فى الكبر والسؤال الىومى عن متطلباتهم وقضاؤها، وكذلك صلة الرحم، فإنها تفتح باب الرزق. 7 – الانشغال بالعمل العام ووضع نهضة المسلمين هدفًا أساسًا نصب العين باعتباره أعظم طرىق إلى الجنة. هل ورثت حب الأدب؟ وكيف احتضنت الأسرة موهبتك منذ الطفولة؟ نشأت – بفضل الله – فى أسرة بنيت على الحب والعطاء واحترام الدين، وقد حبانى الله بأم وأب ما زلت حتى الآن أستقى منهما معانى الحنان والرحمة والبذل والتضحية، وكانت أمى تلاحظ أننى ومنذ طفولتى أفضل الجلوس بمفردى أوقاتًا طويلة، فتترفق بى ولا تقتحم خلوتى، أو تؤذى مشاعرى، وكانت تحترم اهتمامى الخاص بالشعر والكتابة، ولكن الأسرة بشكل عام كانت تظن أن الكتابة عندى مجرد هواية لمرحلة معينة، خاصة أن دراستى بكلية عملية هى كلية الهندسة، وهذا لا يوحى للأسرة بتخريج كاتبة. غير أن أخى الدكتور عز العرب ورغم أنه أصغر منى كان يرتاح لما أكتب ويقتنى كل إنتاجى، سواء قصة أو شعرًا أو أغنيات، وكان يقف بجوارى ولا يتوانى فى تقديم المساعدة لى إيمانًا منه بموهبتى فى الكتابة، كما كان يشجعنى دائمًا.. حتى أصبح عندى كم هائل من الإنتاج الأدبى سواء فى القصة أو الشعر. وبعد الزواج ماذا كان موقف الزوج الراحل من موهبتك؟ ارتبط زواجى بسفر جديد وحياة جديدة فى مسقط بسلطنة عمان، وحين لاحظ زوجى أننى أربط كل شىء بالكتابة، وأن الكتابة فى دمى، أحب هو أيضًا الكتابة وارتبط بها.. كان يرانى دائمًا أحمل ورقة وقلمًا فى كل تنقلاتنا ورحلاتنا، فشجعنى على أن أكتب للصحف. وبالفعل كتبت فى الصحف والمجلات العمانية، وكان يتابع كتاباتى، والحقيقة أنه قبل ذلك كان يرفض فكرة الكتابة ويغتاظ كثيرًا حين يرانى منشغلة عنه بالكتابة، كما كان يتضايق من منظر الأوراق الكثيرة والكتب المبعثرة فى كل مكان، وكنت أرضيه فى أسرع وقت وفورًا أرتب المكان بسرعة، وأخفى عنه الكتب المبعثرة حتى لا أجعله يصل لمرحلة أن يأمرنى بالكف عن الكتابة بكل أشكالها.. وبمرور الوقت بدأ يتفهم موقفى وحبى الشديد للكتابة، وكان يعلم فى قرارة نفسه أن خير ما يهديه لى ويستميل به قلبى هو تفاعله مع ما أكتب وإظهار سروره به، لدرجة أنه تبنى قضيتى فى الكتابة وزاد عليها أن أتاح لى فرصة العمل فى الإذاعة والتلفاز العمانيين، وذلل كثيرًا من الصعوبات التى واجهتنى فى هذا المجال الجديد على. وتستطرد بصوت متأثر: تعرض زوجى لحادث أليم وهو فى مهمة عمل بعيدة جدًا عن مسقط، فاحتسبته عند ربى شهيدًا، فما بقى منى جزء من شهيد وكأنى تذوقت معه طعم الشهادة، وطعم أن يخرج الإنسان فى طلب الرزق، ثم يدركه الموت، ويقع أجره على الله، هو شهيد ترك لى ثلاث قطع منه صغيرة.. هم أولادى! ولعل هذه التجربة الوجدانية التى أعيىشها أدخلتنى فى تجربة أكبر وأعمق.. تجربة الحياة بمفردى، وما يجب علىّ أن أقدمه لآخرتى، فأصبحت قبل أن أكتب أى شىء أفكر وأسأل نفسى هل ما أكتب يرضى ربى، وهل عندما أعرضه على سيدى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سيسعده؟ أما أولادى فهم والحمد لله يتفهمون داخلياتى جدًا، وأحيانًا يقدمون لى النصيحة المفيدة وأتشاور معهم فى اختيار عناوىن كتبى.