"قم للمعلم وفه التبجيلا…كاد المعلم أن يكون رسولا"صدق أمير الشعراء شوقي فالبصمات الأولى فى المسيرة العلمية للإنسان خاصة بعد أن يتذوق ثمارها تظل هى الواضحة على جدار الروح بكل ماتركته من تأثيرات وجدانية ،وكأنها لوحات مضيئة تحمل كل ألوان قوس قزح على حائط الذكريات التى يستعيدها فى لحظات الجلوس على كرسى الاعتراف بالفضل والإعزاز لمن تركوا هذه البصمات بما لها من علامات فارقة فى المسيرة الحياتية المحكوم عليها من فرط جمالها بالخلود ، ولترتد حتمًا وفى إلحاح مستحب بضرورة تسجيل هذا الفضل الذى لابد أن ينسب لأهله وفاءً لهم ، لتتلمذنا على أيديهم وشربنا زلالاً من علومهم الرفيعة ، وإمدادنا بكل مالديهم من خلق العلماء فى مزيج رائع من الأبوة والبنوة والأخوة والصداقة و …… الأستاذية . لذا كان حريًا بي أن أتوقف أمام أستاذنا الذى ندين له بكل الوفاء والاعتراف الصادق بأستاذيته وببصماته المؤثرة فى مسيرتنا العلمية والأكاديمية، وهو العالم الجليل والناقد الأدبى الفذ أ.د.جابر عصفور ، الذى ملآ السمع والبصر على الساحة الثقافية المصرية ، تاركًا تأثيره الإيجابى على تلامذته وطلابه حيثما اعتلى منصات الأستاذية محاضرًا وناشرُا خلاصة عقله وعلمه بجامعات السويد وأمريكا والعديد من جامعات العالم ،.. ولكونه واحد من علمائنا المعاصرين الذين تصدروا المشهد الثقافى فى تكليفات متعاقبة بدءا من أمانة المجلس الاعلي للثقافة مرورا برئاسة المركز القومي للترجمة ووصولا إلى حمل أمانة حقيبة الثقافة لوضع منظومة ثقافية لائقة ، ولم يأت هذا من فراغ ولكنه جاء بفضل نتاجه العقلى فى مجال تخصصه النقد الأدبى وبحوثه العلمية (102بحثا مؤلفا ومترجما)التى أحدثت تأثيراتها الإيجابية فى مسيرة الإنسانية ، فلقد أثرى المكتبة العربية العطشى ؛ بالعديد من المقالات والترجمات و المؤلفات (54مؤلفا)التى خدمت طلاب العلم فى أبحاثهم التى استندوا فيها على العديد من آرائه وتوجيهاته منها على سبيل المثال لاالحصر: ( الصورة الفنية فى التراث النقدى و البلاغى ) و ( مفهوم الشعر دراسة فى نقد طه حسين ) و ( التنوير يواجه الإظلام ) و ( محنة التنوير ) و ( دفاعًا عن المرأة ) و ( هوامش على دفتر التنوير ) ، بالإضافة إلى كتابه المائز ( زمن الرواية ) الذى أحدث ضجة كبيرة بين الأدباء والشعراء ،والذي أثار العديد من المنازلات والمقارعات التى ملأت الساحة الثقافية بالكثير من الحوار الثرى البناء ، وهو الحراك المطلوب دائمًا فى عالم الأدب والأدباء .
ولعلنا باستعراض عناوين إصداراته ومسيرته التي نال عنهاالعديد من الجوائز والتكريمات ، نجد أنه المهموم والباحث الدءوب عن تجليات ( النور والتنوير ) لإيمانه بضرورة إضاءة جنبات المجتمع الذى يجب على العلماء أن يأخذوا بيديه للخروج به إلى آفاق التنوير بلا حدود .
إذن فعالمنا الجليل د/جابر عصفور فى كل هذا النتاج العقلى يثبت بمالايدع مجالاً للشك أنه صاحب رسالة سامية ثابتة مؤمنة بأن الثقافة هى تشكيل وجدان الأمة للارتقاء بالذائقة الفنية والإبداعية ، لأنها هى التى تشكل الخطوط العريضة لسياسة الدولة والتزامها بضرورة احترام الإحساس الجمعى لتمهيد الطريق الى الحرية بكل أشكالها ، ومن ثم الطريق إلى حرية الإنسان الكاملة . أما عنه كإنسان فهو الراقى النبيل بكل سمات وشموخ العلماء وتواضعهم ، فقد عرفناه عن قرب متميزًا بشجاعة المواجهة دون تجريح ، مثالا يحتذي فى معاملاته الإنسانية والعلمية مع طلابه النجباء بكل الروح السمحة ، حادًا كالسيف مع كل من يتدنَّى بالإبداع أو ينحرف به عن مساره كرسالة رفيعة تحمل مشعل التنوير فى الاتجاه الوطنى المعتدل الشريف ، قابضًا على ناصية مادته العلمية بكل قناعاته المعرفية ، واضحًا لايمالىء ولا ينحاز ويضع نصب عينيه دائمًا الاعتزاز بمكانته العلمية كأستاذ أكاديمى ، مؤمنًا بضرورة العمل الدءوب والمتواصل لخلق أجيال جديدة تسير على دربه فى الحفاظ على الأمانة العلمية والأخذ بها منهاجًا ضروريًا للنجاح والتقدم والانتشار .
وقدأعطانا أخيرا الفرصة الذهبية للحديث عنه بتركه المناصب الرسمية والعودة إلى منصة الأستاذية المحببة إلى نفسه وضجيج المدرجات بين طلابه ومريديه ، وهو بهذه العودة الحميدة قد أعفانا من ألسِنة السوء والقيل والقال حين نتناول أحيانًا من فى يدهم عصا السلطة والصولجان من وزراء ومسئولين ! من هذا المنطلق وجب على أصحاب الأقلام الحرة المحايدة أن تعطى لهذا العالم الجليل حقه فى الإشادة والاعتراف بأستاذيته وريادته وها أنا قد وفيت بأستاذي! أستاذ الدراسات اللغوية أكاديمية الفنون