بقلم الناقد ياسر جاد تأتى أعمال الفنانة / عقيلة رياض كواحدة من أعمال التصوير المميزة . من حيث تلك السمات البارزة الخاصة بها . والتى تجعل أعمالها تنتمى إلى مدرسة السهل الممتنع . لما تحمله من أضداد الصفات . فإبداعها وصنعتها جائت يالأمس القريب . وأتى وقعها داخل المتلقى ليدفعه نحو قراءة ما كان عليه الماضى سواء كان سحيقا أو قريب . تلك الأضداد التى تصب جميعها فى صالح العمل . ومفهوم فاعله ومبدعه .فقد نجحت عقيلة رياض بأن تصنع لنا جوا يحاكى تلك الأجواء التى تمر بخواطرنا عند صدامنا بحكايات الذكريات . ولم تجد صعوبة فى صناعة تلك الأجواء بمفردات حديثة . فعند متابعة أعمالها ومشاهد تصويرها . لم أجد صعوبة فى إدراك أن غالبية أعمالها فى زمن الماضى والذكرى . والتى تأرجحت عندها بين ذكريات أصالة التراث البعيد . وبين تاريخ الماضى القريب . وحرصت على أن تتناول فى كلاهما ممارسات وإجتماعيات شخوص الواقع ومفرداته . وربما قد نما إلى فهمى وأنا اتجول فيما طالته عينى من أعمال عقيلة رياض إلى إنتمائها إلى نادى محبى الزمن الجميل . فهى تحمل للماضى عرفانا بجميل ما . صنع داخلها عالما حالما ذو دفئ هى أكثر الناس قربا له وإحساسا به . وأمنيات ربما إفتقدت الوسيلة إلى تحقيقها . وربما تكون قد فقدت الأمل فى تكرارها . وإنعكس ذلك من خلال تغلب تلك الموضوعات التى تناولت المرأة على كثير من أعمالها . والتى غلفتها بتلك الرائحة العبقة .تلك الرائحة التى حملت لنا كثيرا من مفهومها وذاكرتها البصرية . والتى كونتها من خلال تصفح آثار التاريخ البعيد . إما بالزيارة والمشاهدة الفاحصة .وإما بما تكون لديها من معاصرة للطفولة والصبا والشباب .عن بعض تلك الممارسات الدافئة والحالمة والمرحة . كاللوحات التى مثلت العازفات . وكذلك التى مثلت الراقصات . ولوحات الفتيات الممارسات للرقص للترويح عن أنفسهن . وإنطباعها عن هيئة الرجل والمرأة فى التاريخ البعيد وجائت ألوانها وصبغاتها لتؤكد وتحاكى ذلك . وقد جمعت عقيلة رياض فى مشهدها خليطا من العناصر التى مزجتها معا فى تمكن . لتخرج لنا ذلك المشهد المميز والذى يرقى ويضاهى ما تركه لنا السلف وما سجلوه ووثقوه بأساليب عصرهم ومواده وتقنياته . والذى ابتدأته بتلك الملامس التى حاكت فيها الأسطح العتيقة . وجدران الكهوف . والسطوح المطموسة جزئيا . تلك المشاهد التى أستقينا منها خيالنا الدقيق . ووصفنا المقترب بدرجة كبيرة ومتلامسة فى بعض الأحيان عن شكل الحياة ومذاقها . وقد أحدثت ملامسها بحرفية صنعة . أوجدت فى أسطح لوحاتها ذلك العمق فى تضاريسه . وذلك البعد فى تاريخه . ووازنت بين مفهومها عن الأصالة . وبين تلك الحساسية فى طمس ما تريد من مشاهد أعمالها وبين ما تريد تركه كأثر سمحت له عوامل التعرية بالبقاء . لقد أتت أعمالها بشكل عام والتى مثلت مفهومها وفكرها . متأثرة تأثيرا كاملا بمصريتها الشديدة . ومعلنة إنتمائها لحضارة لهث العالم بأسره لينهل من مجرد الإستمتاع والمشاهدة لها . وعلى الرغم من تأثرها الشديد بتلك المناظر المسجلة على أطلالها . وخاصة البدائية منها والتى تناولت عصورها الأولى بعفويتها وصدقها وبساطة مشهدها الذى لا يعرف الزيف ..جائت حلول عقيلة رياض غاية فى عمق التناول وإعادة الصياغة . التى اتسمت بمغايرة التناول دون الاخلال بنفس درجة الصدق والعفوية . ومشبعة بمهارة وصنعة نشعر معها بإقترابها من محاكة الأصول إن لم تكن تحاكيها فى بعض الأعمال ولا اقصد هنا محاكاة النقل .بل أقصد محاكاة المذاق والحس والرائحة . وقد ظهر ذلك فى لوحات المحاربين الأوائل واللوحة التى تمثل ما يشبه المحارب أو الصياد والتى إن افترضنا إمتداد مساحتها لتخيلنا فرار أحد الأعداء من أمامه أو هروب إحدى الفرائس من رمحه .. إلا أن أفضل ما صورت فى تلك المرحلة من وجهة نظرى هى لوحة الأحصنة الثلاثة . والتى نجحت الفنانة عقيلة رياض فى صياغتها وإبداع جوها العام بصورة جعلتنى أعيد مرارا وتكرار النظر إليها وتفحص تفاصيلها التى غورتها فى جو من الغبار وهياج الأتربة .لقد أشعرتنى فيها بسنابك الأحصنة الثلاثة وضربات حوافرها وجموح بريتها .فقد صنعت فى مشهدها حالة من الحركة لتلك المخلوقات الجامحة والتى تودى فعل التصدير لذلك الإحساس بالعنفوان والقوة والجموح . ونجحت فى تغيب أبطال المشهد الممثلين فى تلك الأحصنة الثلاثة فى عاصفة الغبار التىأحدثتها حوافر قطيعهم . إلا أنها لم تستطع أن تخفى رغبتها فى إظهار التعبيرية التى مارست دراستها من خلال المشهد الجانبى والذى يمثل إثنان من الوجوه النسائية والتى ركزت تعبيرية وجهيهما عند التعامل مع عيونهما التى أتت عاكسة لهدوء نفس كلا من هاتان السيدتان . كما جائت مجموعة اللوحات المطموسة . والتى تناولت فيها بعض الوجوه غير المكتملة والتى أجبرت عين للمتلقى على إستكمال تخيل الوجوه وتفاصيلها . بل وتحديد مركزها الإجتماعى من خلال خياله . وجائت مجموعة لوحات العازفات وقارعات الدفوف من أجمل ما أبدعت عقيلة رياض فهى لم تصنع فى كل لوحة مجرد مشهد لعازفة لآلة وترية أو آلة إيقاع مصنوعة من رق جلود حيوانات . بل أضفت على العازفة حالة النشوة والإستمتاع بما تمارس من فعل العزف وإصدار النغم . فالموسيقى الصادرة عن الوتر والإيقاع تأتى دئما بتلك الرومانسية والرخامة التى تطرب داخل النفس . وتصنع السكينة والإسترخاء . ولم تغفل أن تظهر جمال العازفة لتكمل طرب الآذان بإستمتاع العين بالوجه الحسن ذو الدلال . أما لوحاتها والتى أعطتنى إنطباع مشاهدتى لمجموعة من الفتيات فى ستينيات القرن الماضى . وهو ما نطلق عليه مجازا للتميز ( زمن الفن الجميل ) . فقد أظهرت من خلالها تلك الأناقة التى كانت تميز فتيات معظم الطبقات الإجتماعية فى مصر فى تلك الفترة . والتى إتسمت بالرقى والهندام رغم ما فى أزيائها من بساطة وعدم تكلف . وقد نجحت عقيلة رياض فى أن تضيف ألوانها إلى مشاهدها بعيار دقيق . وأدركت متى تبخل باللون . ومتى تفرط فيه . وجاء إحساسها بالمشهد من موازير نسب اللون فى أعمالها . وإن غلب على مشاهدها ذلك المزيج الناتج عن خلط ألوان ثلاث هى الأصفر والأحمر والبنى . وما لثلاثتهم من تدريجات تعبر عن دفئ أحاسيسها أثناء صناعة مشاهدها . وان كانت أزياء نساء مشاهدها وإكسسواراتهم قد أتاحت لها فرصة ممارسة التلوين خارج ذلك المزيج وحدوده لتعكس غرام نسائها وإستمتاعهم بأناقتهم من خلال بقية الألوان . لقد برعت الفنانة عقيلة رياض فى إجترار ما تشاء من مشاهد ووثائق بصرية . حاكت بها ما يجيش فى أحاسيسها . وخلجات نفسها . وعبرت عن أمنياتها . ولم تغفل أن تسمعنى صدى موسيقى عازفاتها . بل ولم تجعل مشهدها جامدا . فأضفت عليه رائحة الزمن وعبقه وسنواته . فأطلقت رائحة عطور نسائها وصلصلات ما تقلدوه من عقود وقلادات واقراط وأساور . فأثرت مشهدها وأستحضرته أمام متلقيه . دون ان تغفل تزكى أنفه برائحة سنوات الماضى الجميل . فكانت أعمالها التى اتسمت ببساطة التفاصيل وعمق الإحساس نوعا من ... ( إجترار عبق المشهد ) .