بقلم الناقد ياسر جاد تعتبر أعمال الفنان سامح إسماعيل واحدة من الأعمال التى توقفت أمامها طويلا. وأرجأت القراءة لها مرارا . رغم ما أفرزته مرات وقوفى وقراءتى لأعماله من إنطباعات محفزة لسطر الكثير عن تلك الأعمال . والتى لا يناسبها فى وصفها سوى متن يناسب حالتها . وأرانى وإن إجتهدت بقدر طاقتى قد لا أكون آلة تؤدى بنفس تلك الدرجة من التناغم الحاصل فى تلك لأعمال .. والتى أراها من وجهة نظرى تحمل تلك الدرجة من الإختلاف والتميز . بل وتتجاوز ذلك إلى نوع من التفرد والخصوصية . وكثير ما ضقت بتسمية أعماله ونوعها بمصطلح ( الكاليجراف ) رغم المعالجة التشكيلية التى قام بها سامح إسماعيل لأعماله . وكيفية توظيفه لها للخروج بمنتجه خارج حدود هذا التصنيف . والثورة التى قام بها على المسمى . والتمرد الذى أتت به حروفه الجامحة والتى كسرت كل القواعد الخاصة بفن الكاليجراف وقوالبه التى صال فيها وجال العديد من فنانى المداد المبدعين . لقد أتت كلماته وحروفه منتجة لتلك الطاقة الدافعة للحروف بأن تنشط وتزدهر داخل المشهد وأمام خلفياته . لتقوم ببث روح الحياة فى جوانبه لتعمل كافة عناصر المشهد معا . ولا أدرى كيف أوصلتنى لوحاته إلى تلك المنطقة من إطلاق العنان إلى خيالى لأصل إلى شعورى بتلك الموسيقى التى اكاد أجزم بسماعى لها . وذلك النغم الناتج عن عزف منفرد لآلة . لا تخرج عن نوعين من آلات الموسيقى .أحدهما إما أنه وتر رخيم يحمل شجن حكاء يغنينى عن وجود الراوى والشارح .وإما آلة نفخ رصينة لا تعرف المزايدة تجبرنى على إجترار ما أهوى من ذكرى . وأضاف لى سامح إسماعيل تلك الوضعية التى مكنتنى من ركوب المشهد بشكل عام . فوجدت عينى تقطع مشهده ذهابا وإيابا . وكأنى أراه من منظور عين طائر يستكشف حدود ما أسفله من مشهد ومنطقة نفوذ ... لقد أتى مداده باب التشكيل بوضعية تحمل درجة من الجاهزية والفتوة عجز غيره من فنانى (الكاليجراف ) من الإتيان بمثل مذاقها .. فقد تعامل مع مسطحه من منظور جاء بمغايرة جديدة . وفضل اختزال متنه على خلفيته . وإتبع أسلوب خير الكلام ما قلا ودل . فلم يفرد لمتن مداده مساحات فى مشهده وكأنه أراد لمتنه أن ينعم برغد العيش على خلفيته . وأن يصول ويجول أمام خلفيته التى كانت بمثابة منطقة النفوذ والتى حقق فيها أمنيته فى أن يكون مصورا جيدا . لنوع من التجريد الذى يتخذ من الألوان عناصر تكوينه . ومفردات جسده .وجعلنى لا أخرج عن مفهومين فى إستقبال مشهده المصدر نحوى ..أولهما ان يكون متنه صادرا من خلفيته . ونابعا منها . ومعبرا عنها . ومتحدثا وواصفا لحالها .. وثانيهما ان يكون متنه قادما من خارج مشهده . يستكشف ماهيته . وتضاريس لونه . ومناسيب عمقه . ويحدد أبعاده . ويرصد حاله . ليحط رحاله داخله . ويستوطن حدوده .. وفى كلا الحالتين وجدت متنه نشطا . لا يعرف تلك الحالة من الثبات أو الخمول . يحمل تلك الحالة من الإنشطار الداخلى المنتج لطاقة الحركة وتغير الأبعاد . وقد لعبت خلفيات مشهده دورا فاعلا ومكملا دراميا للمشهد بشكل عام . رغم قدرة متنه على صناعة الدراما الحسية الخاصة به منفردا والتى ظهرت فى كثير من أعماله والتى اكتفى بعمق الظلال الناتجة عن حركة المتن والتى أوجدت تلك السماكة والدسامة لمشهده رغم بساطته وخلو أرضية سطحة من أى درجات لونية . وكذلك جائت ترابيات مشهده الضبابية فى بعض أعماله مضيفة تلك الحالة من الغموض المستحب لدى أهل الشرق . والجاذب للثقافة الغربية بشكل عام والمكون لمفهوم الشرقية لديهم . والذى أدخل مشهده واحدة من الحكايات التى تلاعب بها القصاصين فى بلاد الشرق . لقد نجح سامح إسماعيل فى صناعة تلك الحالة الحاصلة فى مشهده و التى مزج فيها نوعان من الثقافات البصرية . الشرقية بما تحمله من أصالة يشوبها الغموض والغيبية . وتأصيل للحرف كوسيلة إيضاح وتوثيق لا غنى عنها .والثقافة البصرية الغربية وحداثتها وما تتشدق به من تجريد وإختزال . كما نجح فى انتقاء درجاته اللونية التى إستخدمها فى خلفياته بدرجة كبيرة ..وعكست وعيه بما يناسب متنه وما يتفق ويخدم صورته النهائية المصدرة لى كمتلقى . وجائت درجات البنيات المائية كالسيبيا فى بعض أعماله ناجحة بشكل كبير وممثلة لألوان المداد فى المتون القديمة . ولم تخلو متونه من درجات المداد الكلاسيكية والتى تتأرجح بين الأبيض ولأسود . ولعبت الظلال فيها دور المحرك . ودلت فى كثير من الأعمال على وجود تلك الطاقة الناتجة عن حروفيته وهيامها فى فراغ مسطحه عطشى لا يروى السكون عطشها . . ولم يغفل سامح إسماعيل فى كثير من أعماله أن يفرد مساحات عريضة لعرض وجهة نظرة ورغبته فى الخروج بحروفيته خارج قوالب ( الكاليجراف ) والتى تقتصر على جماليات الخط وأساليب تزينه وحلول بداياته ونهاياته وما يقترن بها فى بعض الحالات من استعراض للزخارف الهندسية والنباتية ..لقد نجح فى الخروج بحروفيته خارج تلك النمطية والتى تمرد عليها قبل ذلك فى ممارسته لفن الجرافيك .ولا أدعى أنه رفضه .اإا أننى أعتقد أنه لم يشفى غليل طموحه فى إحداث حالات بعينها على مسطحه يتمتع فيها بقدر من الحرية المطلقة فى معالجة مسطحة دون ان أن تلهيه إجراءات التقنية . التى تحد العديد من فنانى الجرافيك . إلا أننى أجد فى تجربته التى عاصرتها وشاهدتها فى عرضه الذى أقامه فى عام 2012 وكان تحت عنوان ( أن تكون هناك ) مرحلتان أحدثتا لدى تلك الإنتباهة لأعماله .وذلك التوقع بصعود فنه وتطور تجربته وخروجها إلى براح لا يعرف مداه أحد وحتى سامح إسماعيل نفسه . الأولى هى تلك التجربة التى خرج فيها من نمطية اللوحة وحدودها إلى براح العمل المركب فى حيز بعينه .عاينه وعرف ابعاده وقاس حدوده وإستغل عناصره ..وهو ذلك العمل الذى نفذه بقاعة إيزيس بمركز محمود مختار وواكب عرضه ( أن تكون هناك ) وكان تجهيزا فى الفراغ . إستغل فيه واجهة القاعة الزجاجية وأثخن تلك الألواح الزجاجية بحروفيته بعض أن عطاها بطبقة لون بيضاء . وترك الضوء ينساب من خلال حروف متنه إلى داخل القاعة لتمارس حروف متونه عادتها فى الحركة والنشاط . ولعب ضوء الشمس الطبيعى دورا رئيسا فى عمل سامح إسماعيل فصار مصدر الضوء المتحرك والخادم والدافع لطاقة حروفه لإحداث تلك الحالة من عدم الثبات . وهو أحد أعمال التجهيز فى الفراغ التى أعجبنى فيها تناوله وسيطرته على مفردات العمل وعزفه المتناغم مع حركة جرم الشمس . أما التجربة الثانية التى نالت إعجابى وإحترامى هى تلك التى أطلق لخياله العنان وسافر بخياله إلى المستقبل لحقبة من الزمن . إفترض فيها شكل إنتاجه . ولون إبداع مشهده ما بعد عام 2022 وهى من التجارب التى توقفت كثير عند فكرتها أكثر مما توقفت عند منتجها . لما تحمله الفكرة من فرضية مثلت لدى الغربة والمغايرة . فالكثير من المبدعين يستندون فى ابداعهم على إسقاطات الماضى بما تحمله من أصالة وعناصر محفزة ومناطق تشجع على استثارة المعالجة لدى العديدين ..ولكن ان تقفز الفكرة إلى الأمام هذا ما كان جديدا بالنسبة لى .أما عن معالجته لمستقبل انتاجه فقد جاء نموذجا لونيا لا يبتعد عن شخصية أعماله وألوانه المفضلة . وجائت ألوانه حاملة نفس الدرجة من النشاط والطاقة الممتدة فى كافة أعماله وحروف متنه .. لقد إستطاع سامح إسماعيل أن يثبت أنه ذلك المبدع الشاب سليل ذلك الزخم الحضارى والفكرى والثقافى والعقائدى . فأبى أن تكون متونه جامدة ومقولبة وحبيسة أطر مستهلكة ..وكذالك أثبت مداده أنه ليس مجرد مداد يتصف بالسيولة والنعومة ينتظر قلما أو ريشة ينساب من خلالها على سطح أو رق ليسكن ويجف .إنما واكب تلك الطاقة التى ينتجها عقله وإبداعه و طموح فكره . لقد أبى مداده الثبات بعد جفافه وعطشه . فأنطلق يهيم فى فضاء مسطحه ..بل وتعداه إلى خارجه محدثا ذلك التفرد والخصوصية ..ولا أجد وصفا لطرح سامح إسماعيل سوى ......( هيام المداد ) .....