عندما وصلت " تيرالا " لم تكن تعرف ما الذي ينتظرها هناك .. استدعتها " بيني " دون أن توضح لها ما الذي يجري بالضبط أو فيم تريدها في تلك الساعة المتأخرة .. وأتت الفتاة المسكينة دون أن تعلم ما الذي ينتظرها بالضبط .. من رعب ! فبمجرد أن دلفت قدماها داخل شقة " بيني " حتى قامت الأخيرة بتقديم مشروب غريب الطعم لها .. اعتذرت الفتاة عن الشرب مؤكدة أنها لا تشعر بظمأ لكن الفتاتين أمرتاها بتجرع المشروب فورا .. أحاطتا بها فشعرت أن شيئا مريعا علي وشك أن يحدث لها إن هي لم تطعهما .. تناولت رشفة أشعرتها بمدي غرابة الشيء المقدم لها لتشربه .. لكن تحت وطأة نظراتهما القاسية الآمرة تجرعت رشفة أخري كانت كافية جدا لجعلها تسقط علي الأرض مغشي عليها وإلي جوارها سقطت نظارتها فتهشمت احدي عدساتها علي الفور ! لم تفهم الفتاة شيئا مما يدور حولها .. الكارثة الحقيقة أن كل شيء كان يدور ليس حولها بل بها نفسها .. فهي قد اختيرت كذبيحة فداء ل" خاتانا " العجوز التي لا يجب أن تموت ! وبمجرد أن فقدت الفتاة الوعي حتى تلقفتها الكاهنة التي هي الوحيدة التي تعرف ما الذي يجب فعله بالضبط .. جردتها هي و" بيني " من ثيابها ثم مددتاها علي منضدة تقدمات بنية أشترتها " بيني " من متجر يبيع أدوات وأشياء قديمة .. شدتا وثاقها بحبال غليظة وغمستا جسدها في خمر ممزوج بقليل من دماء العجوز المحتضرة .. خضبت " مولينجا " راحتي يديها بالدم ومسحته في وجه " تيرالا " التي استيقظت لتجد نفسها علي هذا الوضع المثير للرعب : " ماذا تفعلان ؟! " سألتهما لكن ما من واحدة منهما اهتمت بالرد عليها .. لم يكن لدي الفتاة سوي صوتها لتدافع به عن نفسها فهي مقيدة عاجزة : " ماذا تفعلان بي ؟! " سألتهما فصفعتها " بيني " علي جانب وجهها بيدها بقوة ارتعدت لها الفتاة المذعورة وصرخت فيها بقوة : " نحن بحاجة إلي ذبيحة .. بحاجة إلي فداء ! " حاولت " تيرالا " أن تصرخ لكن " بيني " مدت يدها فتكلمت فاها ثم أتت " مولي " بقطعة من ثياب الفتاة المنزوعة الملقاة جانبا وحشرتها بالقوة في فمها لتمنعها من الصراخ : " أخرسي .. جاء الوقت الذي تضحون فيه من أجل بقاء جماعتنا ! " تضحية ؟! من تكلم عن التضحية هنا .. إنها مجرد لعبة ! عليكم اللعنة إنها مجرد لعبة لقطع الوقت وقتل الملل ! " لا أريد أنت أموت ! " قالتها بصعوبة وتلك القطعة الصغيرة من الثياب محشورة في فمها تكاد تزهق روحها .. لم يكن كلامها واضحا لكن دموعها سالت بغزارة لتكون أصدق تعبير عما تريد أن تقوله .. بالرغم من ذلك فقد كانت مشاعر الفتاتين قد تحجرت .. لذلك لم تشعر إحداهما بأقل ذرة من الرحمة أو التعاطف أو حتى الرعب وهما تقومان بالطقوس الغريبة بعدها بلحظة ! شدوا " تيرالا " المقيدة بالمنضدة الممددة عليها حتى أدخلوها الغرفة التي ترقد فيها العجوز المحطمة المحتضرة .. كانت " خاتانا " مستلقية كقرمة خشب في سريرها عاجزة عن كل شيء ولا يتحرك منها سوي عيناها .. لكنها أخذت تتابع ما يحدث عندما دخلت عليها ابنتها وكاهنة الجماعة السرية يسوقون فتاة مقيدة باكية منهارة .. فتاة معدة للذبح ! وضعوها بقرب فراش العجوز حتى تراها جيدا .. ألتمعت عينا العجوز الشريرة وتأهبت لشيء آت .. شيء بدا أنها تفهمه جيدا بل وتنتظره بلهفة كذلك ! وضعت " مولينجا " يدها علي رأس الفتاة والأخرى علي صدرها .. أخذت " تيرالا " تتلوي محاولة الإفلات باذلة جهدها لإخراج صوتها المختنق والصراخ لكن كل محاولاتها باءت بالفشل بينما كانت الكاهنة ترتل عبارات غامضة متلاحقة سريعة مقتضبة .. بدأت نبرات الكاهنة يعلو أكثر وأكثر وعباراتها تزداد سرعة وتلاحقا حتى تهدجت أنفاسها وراح صدرها يعلو ويهبط .. وبينما " مولي " ترتل غوامض كلماتها كانت " بيني " تهيأ الفتاة للذبح .. غطت بشرتها بخمر ممزوج بدماء العجوز ثم أخذت تشق جلدها في مواضع مختلفة شقوقا مميزة ذات شكل مثلت الرأس .. تلوت " تيرالا " وكادت تموت ذعرا وتعبا قبل أن تصل السكين إلي رقبتها .. وأخيرا توقفت الكاهنة عن الترتيل ونظرت إلي رفيقتها نظرة معينة .. أخرجت " بيني " من تحت الغطاء الذي تتمدد عليه الفتاة المسكينة سكين هائلة الحجم .. حجم السكين وحدها كان كفيلا بإصابة من يراها بذعر يكفي لإصابته بنوبة قلبية وتكفي لإهلاكه دون أن يمسه نصلها اللامع إلي جلده .. لكن " تيرالا " لم تحظي بتلك المنة فظلت واعية ، لسوء حظها ، ودارية جيدا بما يدور حولها .. نظرت إليها " مولينجا " للحظة متأملة بنزق ثم فجأة .. هوت بسكينها .. هوت بها علي صدر الفتاة العاجزة فشقته .. شقت الصدر ومزقت اللحم ونفذت حتى القلب .. أنغرس حد السكين في صدر " تيرالا " فاتسعت عيناها للحظة .. ثم همدت تماما وأسلمت الروح ! تدفقت الدماء غزيرة من جرحها الغائر المفتوح .. لكن الفتاتين لم ترحماها ! انغرست سكينهما مرة أخري في صدرها وهذه المرة انتزعت القلب .. خرج القلب بأكمله في طرف سكين الذبح الحامية فتأملته " مولينجا " للحظة باستمتاع .. أرادت أن تتذوق قطعة منه وتأكله لكن لا ! إنه ليس لهما هذه المرة .. بل لتلك العجوز الشريرة التي تأبي أن تموت ! اقتربت الكاهنة من العجوز وأخذت تطعهما قلب الفتاة الدافئ قطعة قطعة ! بشراهة تناولت العجوز طعامها الشيطاني وبدا عليها نبض حيوية جديدة تسري في عروقها ! انتظرت " مولينجا " إلي جوار " خاتانا " بينما عكفت " بيني " علي تنظيف كل هذه الفوضى .. بقيت فقط جثة " تيرالا " هي المشكلة التي يجدر بهم أن يفكروا في كيفية التخلص منها ! لم يكن الأمر بالغ الصعوبة .. فجثة " تيرالا " يمكنها ببساطة أن ترقد إلي جوار ما بقي من جثة " كالي " التي لم يكتشف مكانها أبدا ! بعد أنت أنتهيتا قررتا أن الوقت قد حان للتفرق .. كان الفجر يوشك أن يداهمهما ولا ترغب إحداهما في إثارة أية شبهات حولهما .. ذهبت " مولي " بعد أن أفاقت من غشيتها وتسللت الروح القديمة خارجة من جسدها .. بينما بقيت " بيني " لتلاحظ أمها وتسجل ما يطرأ عليها من تغيرات ! وفي الصباح المبكر كانت ثمة حقيقة واحدة قد اتضحت تماما .. أن العجوز قد نجت .. وأن تلك الطريقة الوحشية هي الوسيلة الوحيدة لإبقائها علي قيد الحياة ! وهكذا مضت أيام وكثر أعضاء الجماعة الغريبة .. المنضمين كانوا يعلمون فقط أنها جماعة دينية خرافية تقدس ما يسمي بالروح القديم وتستخدم اللغة الكنعانية في طقوسها وصلواتها السرية .. ووضع نظام صارم للجماعة يضمن ألا يتعرف أي عضوين منهما علي بعضهما أبدا خارج البيت المخصص للقائهما .. وسهل الأمر جدا أن كافة الأعضاء القدامى المؤسسين للجماعة ، عدا " بيني " و" مولي " ، قد اختفين كلهن تباعا ولم يظهر لواحدة منهن أثر بعد ذلك ! لم يكن لهذه الجماعة هدف معين تتجمع حوله لكن بعد ظهور كأس " خاتانا " المقدسة الشافية الحامية ومانحة الخلود .. تغير كل شيء تماما .. ولما كانت العضوات في حاجة إلي أضحيات ينتزعن قلوبها بشكل دائم فقد سُمح أخيرا بإدخال الرجال في خضم تلك الجماعة السرية .. لكن لم يكن النظام هناك يسمح للرجال بالمشاركة في سر الخلود .. بل كانوا مجرد خدام للكأس ويقتصر دورهم علي اقتناص واصطياد وجلب الطرائد للعضوات .. فعلمهم هو الصيد فقط .. وهم لا يزيدون عن كونهم صيادين !