الناس درجات، ومن حسب الحسابات في الهنا بات، وآدي الجمل وآدي الجمال، وغيرها من الأمثلة الشعبية الموروثة التي تحاول أن تصبر الإنسان الغلبان على حياته ومعيشته، وتطرح له الأمل في الغد، ذلك الأمل الذي يعيش على أساسه الجد ثم الأب ثم الابن ثم الحفيد، أناس كثيرون بسطاء لا يعرفون معاني الاقتصاد ولا مفاهيم البورصة، كل ما يعرفونه هو الكفاح – أكبر عملية كفاح تتم في التاريخ على أرض مصر من أجل البقاء على قيد الحياة، والظهور بمظهر (المستورون) أمام الناس. لكن يبدو أن هذه الفئة التي يجب أن ننحني لها شكرا واحتراما وتقديرا، ويجب أن نعمل ليل نهار على تحسين أوضاعهم أيضا، هم خارج حسابات الدراما المصرية وبرامج الطبخ، يبدو أنهم لا يكفيهم ما يعانوه من بؤس الواقع وصعوبة الحياة نفسها، ليضاف لها بؤس جديد يتمثل في معاناة صراع طبقي ليس له أي مبرر أن يكون بهذا القدر وبهذا الحجم في وقت تحتاج الدولة والاقتصاد المصري فيه للتعافي. عندما تعرض الدراما المصرية الطبقات الاجتماعية في طبقتين متجاهلة الوسطى، إما طبقة الأغنياء فاحشي الثراء، وتظهرهم بمظهر الترف حتى الاسراف والافساد، أو تعرض للطبقة المطحونة وتظهرهم بمظهر الانحطاط حتى الجريمة، فإن علينا أن نسأل: لماذا؟ لمصلحة من تعملون؟ أين الواقع مما تقولون؟ ما شعور المواطن الغلبان الذي يسكن في عشة وهو يتفرج على هذه القصور والفلل؟ وهل أصبح الاعلام الان مكرسا للأغنياء فقط؟ وعندما تظهر الفقير وأماكن الفقراء على أنها أماكن الجريمة، أين تقديرك ودورك تجاه ملايين الفقراء الذين يجب أن نتوجهم بتاج الاجلال على رؤوسهم لأنهم رغم فقرهم وبؤسهم يحاربون صراع البقاء بعمل شريف، وبصبر عجيب، ينكسر أمامه الزمن ولا ينكسرون. ليسوا كل أغنياء مصر بهذا القدر من الافساد والاسراف الذي يظهر في الدراما الفضائية، ولا كل فقراء مصر أهلا للجريمة أو الجهل، بل هناك الكثير من الأحياء البسيطة التي بالأساس تجد فيها سمة الانسان المصري الحقيقي، الشهامة، والنخوة، والجار لجاره، والصديق لصديقه، بل لولا هذا التكاتف الاجتماعي، في أكبر منظومة تكاتف اجتماعي شعبي في العالم يقوم بها الشعب المصري معا، لولا هذه المنظومة لربما كان الحال أسوأ بكثير. وبالنسبة لبرامج الطبخ؟ ما كل هذه اللحوم؟ ألا تعرفون شيئا اسمه المأكولات الشعبية؟ ألا تعرفون أن غالبية الشعب المصري بما في ذلك قطاع من طبقة متوسطي الأغنياء لا يأكلون اللحوم إلا مرة واحدة اسبوعيا؟ إذا كان هذا حال المواطن فعليكم أن تكونوا انعكاسا امينا له، أي عليكم بما انكم افردتم قنوات للطبخ، أن يكون يوما أو اثنين في الاسبوع هم المصحوبون بهذا الكم من اللحم، والباقي عليكم ان تتفنوا في تقديم المأكولات الشعبية التي يعيش بها الشعب المصري، التي يتم تحسين مذاقها، وتبقى تكلفتها في حدود الاستطاعة. إنكم لا تقدمون طبخا، بل تقدمون لحما محمرا بنار الغيرة يثير في الناس شعورهم بالمزيد من الحرمان ومزيد من الأسى، والفئة القادرة على تنفيذ ما تقومون به، أغلبها لا يطبخ بنفسه، بل يأكلها جاهزة (دليفري) فلمن تتوجهون؟ وإنكم لا تقدمون مشاكل الفقراء، بل تختزلونهم في صور نمطية للجريمة دون أن تشعروا حقيقة بمعاناتهم أو تكرموا النماذج العديدة التي تستحق الاشادة والتقدير، على برامج الطبخ والدراما الفضائية أن تتحمل مسئوليتها الاجتماعية والوطنية، وأن تهبط قليلا من فضاءات الثراء ومن المنظور الاسقاطي الأفقي، لتنظر للناس من على أرض الناس، وبمنظور رأسي.