تتسلل أشعة الشمس؛ تمارس تعريتها لسوءات تختبئ بين طيات الليل ، الظلام يشرع مخالب دونها ضعفنا وانهار من دموع. أفيق من غفوتى، أفتح عينيَّ بصعوبة، وقد غمر الضوء سريري؛ فتتبدد أحلامي المتزاحمة فى رأسى، دوما تبقى بلا تفسير، حاولت إسكات الصداع بفنجان من قهوة مرة مع بعض الأقراص المسكنة، علها ترد عني وجعاً حبسني لأيام، أنهض متثاقلة، أخطو نحو الباب المُطِل على الحديقة، فإذا بالخضرة تعم المشهد، ولحن شجي من زقزقة عصافير الربيع؛ تأسرني زرقة السماء وغيمات بيضاء تزينها. أنتبه على صوت حفيدي المقرب لقلبى يحمل إلى الهاتف الذى يواصل رناته، أقبله و أرد، أعتذرعن التأخير، أطلب مهلة أخرى، أشكره وأغلق الخط . أدخل غرفة مكتبى، أنتقى من بين أرفف المكتبة بعض الكتب، أضعها على المكتب فى انتظام، أفتح أحدها، أحس بالملل، أتناول قلمى الفضى، وأحاول كتابة بعض اللقطات، فالمخرج يتعجل القصة، استدعي الشخصيات والأحداث دون جدوى، استجدى المشاهد والمؤثرات، للمرة الألف تفشل محاولاتي لاستكمال الرواية، والتى تفرغت لكتابتها منذ زمن . جلست إلى مكتبى كصبارة فى صحراء بالظهيرة تصلى للمطر، رأسى تكاد تنفجر، أنبش فى عقلى فلا أجد سوى الخواء الموحش، وكومة من حروف مهملة، أحاول ترتيبها، تهذيبها ... لاجدوى من ذلك. يتهامس الأبناء خلف النافذة، يروننى سجينة الحرف، يحاولون فك وثاقى، يعرضون الخروج إلى أحد المطاعم الفاخرة أو السينما، يحاول حفيدى التملص من حضن أمه ليأتيني، تنهره و تذهب به إلى الحديقة، أتذكر أيام الإبداع الخوالى، ما بال سنواتي العجاف طالت دون بارقة أمل في عام للغوث؟ ترى هل أجدبت أرض الحرف ؟ هل أصابها ما أصاب كل شىء من البوار ؟ تمر الساعات الثِقال دونما حرف سوى بعض الشخبطات التى لا تنم عن شىء سوى الفشل. ما أقسى الإحساس بالعجز، أغمض عينيَّ، يأتينى صوت سندباد يحكى عن مغامراته، وصوت شهرزاد تنسج عالماً سحرياً بلياليها الألف لمليكها العاشق العابث، تتراقص أمامى على المكتب جوارى شهريار الفاتنات على إنغام عود يسلب العقل. حفيدى المشاكس يغافل أمه ويأتيني مهرولاً ضاحكاً فرحاً بانتصاره؛ أحمله،أحتضنه، أجلسه أمامي على المكتب، يخطف قلمي الفضي فى سعادة يخلع عنى النظارات، و يضعها على عينيه، يرسم على الأوراق خطوطا متعرجة، و أخرى مستقيمة، ينثر الأوراق على الأرض، يحاول القفز خلف الأوراق، أساعده فيهبط على الأرض، سرعان ما يندفع نحو صورهم جميعاً، يجمعها من على أرفف مكتبتي، يمسك كل واحدة ومعها ورقة من على الأرض، يناغي وهو يعرضهما معاً: - علاء... موة(مروة)... بابا...أبدو(عبده)...ناااء (هناء) يصرّ على أن يرفع ورقة بيضاء أو بها بعض الخطوط التي خطها مع كل صورة وهو ينادي باسم صاحبها؛ تبرق عينايا مدهوشة تتسلل الكلمات على شفتي : - حقاً كيف لم أكتبهم من قبل ؟!!! أفيق علي صوته وقد راح يلقي بعض الأوراق الخالية من النافذة؛ تعلو ضحكاته وهو يراها تتهاوى فى بطء.