بيدي طاسه نحاسية شرب بها الأرباب والفلاحون كلاهما.شرب بها أبي وشربت بها أنا نفسي هذه جره من صلصال صنع منه الحائط كذلك والفم الشهواني, الجرزن والفرن المنتصبان في عين المكان بيدي أمسك بهذا المكان, بأسناني أعضه, بذراعي أدور بهوائه كالبهلوان. بيدي أمسك بزيت المنفيين وأغسل به شعري وشعر حبيبتي سأشم رائحة الزمان في الساعات الماضية دورة دورة علي معصمي سأبتسم أخيرا بينما اسقط وفمي علي البلاط بلعابه الصافي: للانهائي الذي تراه حدقتي السائلة علي الأرض للطائر الناهض للتو من عشه مرفرفا في هواء المكان لفخامة السقوط علي الأرض وجلالته أنتصر لعزلتي الطريق طريا ينحدر للبستان الي الجانبين أسمع ثغاء وهريرا, وبعد الواحه ثمة البيوتات ناصعه البياض مضروبة بالقيظ كما لو أنها خرجت للتو من أحياء الكتاب المقدس. وفي أطرافها خمارة الحي لانسمع هنا سوي الثغاء والهرير المختلطين بتصدعات حجارة بدء الخليقة.. الحانة طرية أيضا بدبابة فضية كبيرة لاتنفك وحدها عن الدوران من كرسي لكأس أنظر مليا حولي وأنتصر لعزلتي أنتصر علي برجي, وأتخلي عن القش شبيه التبر الذي طالما غمست وجهي به: العدالة لأنها عجوز عمياء يقودها الخارجون من الحانة والكبرياء الذي يجعل الفم الجلاتيني مدعاة للسخرية والوجد المطلي بطبقات كثيفة من مساحيق الموت أنتصر علي نفسي أفتح النافذة فتدخل رائحة الزعرور المخلوطة برائحة روث الماعز, ومن بعيد شريط البحر في الأفق بخترقه خيط فضي أفتح النافذة هذا الصباح,فأشعر بأنني انتصرت علي الطيف الذي رسخ طويلا في نافذتي لا تاج علي رأسي, لاشوك, ولا غصن زيتون لا مظلة حمتني طيلة خمسين دورة من دورات الأفلاك كلبي أكثر وفاء من شهوات نديمي أفتح النافذة فأشعر بأنني منتصر علي نفسي أعدائي يتقاتلون تحت ظل كلامي هذه الرائحة تتغلغل عميقا في رئتي الهرة والناقد والحاسد ينسلون من تحت الكرسي الذي أرمي إلية بثقلي: الهرة بخفتها الهوائية وبعينيها المرتابتين الناقد بأقلامه المبرية للتو ورائحة القراطيس والحاسد بجراثيم قلبه المتكاثرة للأبد أنتصر علي هشاشتي حذائي فاغر الفم بعدما حللت خيطه محض معزي مدبوغة في الركن الأقصي من الغرفة المفتوحة النوافذ علي المطلق الخيط البني يبدو وكأنه قد لجم اللحظة شهوته للالتصاف بسلاميات أصابع قدمي أصغيت مليا للطقطقات الصاعدة من موضع العرقوب الحذاء يطوي خطوتي ويدوس العشب المتوج بالوريدات الأصغر ويخيف الحشرة المختبئة فيه سوي صريرها الذي اخترق النافذة وانسل الي الحديقة معلنا العلامات الكبري: للحياة الطازجة بقاع البزاق الثابت علي الشجرة للمعاد, وللمكرر ذي البريق الزائف في الأوراق الخضر ثم للحاضر الشاخص بعينيه المصوبتين بثبات إلي عيني عبر الأغصان قيامة لعيبي بعثرك الموت خيطا في الذكري مثلما بعثرت الريح الصراخ في الحروب. خد بيد اليعازر ياأبي لداره, وقم لتنظر ماذا صنعنا من بعد اسمك الذي ظل يرن ويرن في أحشاء التفاحة الساقطة عرضا من الجنة للصحراء لهاتك مبحوحة يا أبي بعد هذا الموت كله, ولعاب الأفاكين مازال سيالا علي كتبات أوليائنا الزمردية لعاب القادة وسائسي الفيلة وتجار القيصريات وأرباب المعادن وكتبة الرسائل السرية وعسس الخرائب ممن لم ير تلك اللمعة الفريدة في ريفك الريفي يا أبي: تلك العزلة اللائقة بالأبراج الترابية وحدها ذاك الماء المفضض الذي لم يشرب منه قط فم تلك السعادة المائية في التيار الذي ينقل القشة اليتيمة أنتصر للأرض دم الأخوين مسفوح في البلاد التي أحببتها دم الآدمي السائل علي جلد الإجاصة المخلوطان كلاهما برماد خفيف هنا نسجت الكائنات أقمشتها المزركشة ليسقط بعضها البعض في الفخ الأكبردم لن يسقي شجرة الخليقة, مسفوح من التلة حتي الوادي المضاء بأحجاره الصوانية, كأنه أضحية لاحدود لها مرمية في مذبح حجري لا حدود له أيضا دم العروس المتفتحة في بتلات فستانها ودم الشجر الذابل تحت شمس الخريف أليس مايلمع علي أطراف الشوكة الثلاثية العاملة في مستنقعات الريف: جرحا علي معصم العاشقة شديد البياض؟ أليس مذنبا يجرح هواء الصيف؟ أليس سائلا طازجا علي فم الطفل حديث الولادة؟ أنتصر للشعر هذه الورقة المكتوبة بخط المحتضر منتزعة من روحي حبرها من كحل الغواني وقصبتها تشهق في الريح هذه الصحيفة وجهي ومدادها الأحمر شفقي هذه الورقة شفتي الملبلولة بلعاب شمسي هذا الحرف الأعرج هو سراطي, وهذا الصدي المنبثق من بين السطور هو بازي انقص علي قلبي هذا الكتاب ليس كتابي بل كتاب الآخرين الذين تمتموا علي غلافه قبل أن يمحوا هذه الريسة منزوعة من جناح ملاكي الحارس وهذا السمت دوار للكلام ها هي أرضي تلوح في المدي: هناك تحجل القافية مثل فرخ القطا وهنا يساقط المصر علي قرميد البيت هناك ينط الوزن, مثل صبية ربعة, علي الحبل. أنتصر للعرس لن أغلق النافذة فمازالت أغاني العرس تتسرب في العتمة من أفواه السيدات المطيبات بالرياحين, مازال الصوت مقداما لكي يصل مثل ساقية إلي مصبها, لم نبرح العاشرة بعد من الليلة التي تزوغ عن حساب الليالي, اتمسك بقامتي علي الشرفة لأن قطرات العرق كانت تنصب من جسد علي جسد, ولأن الرائحة كانت تتقلب علي الرائحة, أعاود الاقتراب من المصراع الخشبي لأشم بقايا الحمي في الهواء, هل كانت الشموع تنحني لتري وجهها في البركة عندما كانت السكاكين تهبط إلي القاع؟ لابد أن: المغنيات قد لوثن الفساتين البيض بأحمر شفاههن ان العروس قد فتحت اخيرا, مثلي, النافذة علي مصراعها لتملأ رئتيها ببعض الملوحة من المتوسط القريب. قطار الضواحي من مكاني, في الدرجة الأولي, رأيت البقرات المقدسات, كان القطار يضيع في البرية فيتنفس الركاب الصعداء, أشجار الزيتون تنحني علي الهاوية, وينبح كلب القرية علي الكتلة الحديد المارة امامة, فتختلط ضجة المعدن بخبط الأجنحة علي النافذة, هللويا محشرجة كانت تنبعث من ركن قصبي, هللويا اشر أبت نحو مصدرها الرقاب القصار الحمر, هللويا تتردد في الممر بين الصفين, لقد اطلق صيحات النشوة أخيرا, مصعدا الدم في العروق مكتفيا بفراره: نحو مراع يجهل الجميع ألوان عجولها. نحو عشق لن يحصي أحد ارتعاشاته نحو اخوة لا يتقاتلون تحت شجرة التفاح. القطار الواصل بين المدن الكبيرة بقعة البهلوان الحمراء علي شفة السيدة المسافرة في قطار الضواحي لن تدوم طويلا في قيظ آب, عجيزتها لن تسلم من مضايقات فستانها المشجر بالغصينات, يتجعد فمها وفستانها ويساقطان علي الكرسي, شعرها الكستنائي يتعامد مع دوران الهواء, عندما صرت العجلات علي السكة الحديد بكت لأن قطرات العرق كانت تنزلق في حفرة ظهرها العاجي, القاطرة الأم تصرخ بفم مكظوم في الأرجاء وتضرب بقدم حرة: في الصلصال الحر المعجون بالحقول لكي يرتج الدم علي شفة الشاعر المبللة باللعاب لترج الهواء المرتد في أغنية السكير المترنج بين الفصوف. أيتها الأمة البتول في غرفتي نبته دائمة الخضرة, زواري يتفحصون الفارق بين البتلة والزهرة, بين هيبه الساق وتفتق الكئوس الوردية, بين الجمال والهشاشة, بين المرارة والأخضرار, غرفتي محتشدة بالخوارق النباتية التي لم استطع بعد تذوق فظاعاتها, زواري لا يذرفون الدموع إلا علي ذكريات الماضي, في غرفتي النبته تعلن القانون الاعلي, وتنحني منتشية أمام جسارة الخارج من الحرب منهم, نبتتي قد تموت قريبا في احضان خزافي الهواء وجصاصي حيطان الأبدية. كهنة العدم القابع في الطهارة قديسي قرطاسها البتول معوذي الحصي لكي ينهض مع الطيور عن خصوبة الوداع عالم الفلك أخذ بيدي ليطمئني اني مازلت في مداري, ها هو الشمال الافريقي امامي يلعب النرد مع مراكب المتوسط, ها هي اضواء صقلية منعكسة علي سريري, ها هو حرير العاهرة ملقي سعلي جذعي, ها هي النخلة, عينها, مخدشة, منعزلة, يسقط ظلها علي شرفتي, ها هم ارباب قرطاجنة امامي يأكلون الثرائد تحت القناطر الخالدة, ها هي اهراءات الحنطة, ها هو زيت الزيتون المعطر يفوح علي مفارق الفلاحين, ها هنا الجارات بسلال من الفضة في سوق تلتمع سقوفة بالذهب: الجميع يمشي الهويني نحو النحلة الهاربة في الأفق نحو الصرير العالي للزيزان الضائع في العشب مع فراشات لا أثر لألوانها بعد في العيون عندما سقطت علي وجهي عندما سقطت علي وجهي في حقل الفواكة الصيفية, كان لساني يتذوق فورا ملوحة التراب, كان النعناع حامضا وجذور الزمان مبقعة بالجص والبطاطا تتقلب في الظلمات كان القثاء ينام علي القثاء بسيقان طوال, عندما سقطت صريعا شممت, للحظة خاطفة, الأغصان وهي تتنفس تلك الرطوبة المنبعثة من مركز الأرض ملتمة علي نفسها في ذلك الاخضرار المنعش للحظة حاولت التبسم من دون قناع, للحظة سعيت ان ادرك قوانين الكينونة: عبثا, لم امتلك الزمن الكافي لم أكن الكائن الكامل ولم امتلك ما يكفي من حذر الحيوان أنتصر للمرضعات كشفت الفلاحات جيوبهن في مشفي القرية, ومنحن الطاهر لأفواه اكثر طهرا, الحليب يرضع الحليب, الحلمة البنية في الفم القاني, رأيت الربات العتيقات يتحفين بين الأروقة الفواحة بالمعقمات وهن يظهرن الثديين البيضاوين من فتحة الثوب المزروع بالورود, شاهدت الكواكب السيارة في عيونهن, تقلب الرضع علي سحونة الجسد, فلم يتزحزحن قط عن عتمة المربع السحري, لم اتململ انا يضا انملة في الحيز الذي اثبتني الأرباب فيه: منتصرا للأنثوي وللقمري في تكرارهما للشلال الضوئي الساقط فوق جذوعهن وللعيون المغمضة نصف إغماض وهي تسبح بالنعمة. عمارة الخراب بين آثار بابل تدحرج الجندي ببزة الأفعي, منتعشا بفوحان الماضي مرت العصافير فوقه لتذرق علي الآجر المزججة هبطت الريح لتتحسر في شعره, بينما انحدر الفرات حاملا جواهره في السهل الذي دارت به الحرب يا لوحشة الأبراج المعلقة التي تنحني إلي الأرض لتقبل الأرض وقع جزمته السوداء رن علي التراب البرتقالي سقط ظل الجدار المتداعي علي وجهه الوقت مضي, الوقت يمضي في ميناء الساعة علي معصمه دون أن يجري في شريان يده. مرت الغمامة ومرت الحمامة مر صدي زقزقة العصافير في المدي ومر ظل الشبح علي صف الحجارة برج العقرب تقبلنا في برج العقرب بين النجيمات والمذنبات خطفت الصبيات المعتسلات عند النهير قلوبنا بأقدامهن الناصعة خطفنا نحن أرواحهن بمجساتنا العقربية أسفل البطن, بنقيع السم الخارج من أفواهنا مع الأشعار اشتبكنا معا بقوادمنا ووبرنا وإبرنا, وتقلبنا علي بعضنا قبل لسعة الموت الأخيرة, ونحن ننظر في أحداق بعضنا الزجاجية اثناء المعركة اقدامهن تلتمع بشدة علي الصخرة الملساء عند النهير وأرواحنا جميعا, رجالا ونساء, تنسل بين الإبر السامة نحو: برج آخر اكثر احتمالا لهدوء المعجزات نحو عبث آخر نحو العبث الآخر برج العرب ندخن الشيشة في قارب الصيد الذي يميل ثم يغرق, لكننا في الأعماق, نستمر في تذوق التبغ اللاذع الفقاعات تخرج من صدورنا فتصير بيوتا علي الشواطئ المزروعة بالمظلات والأبابيل تفرد اجنحتها ملقية بظلالها علي وجوه أحفادنا الراكضين علي الرمل, حيث السويعات حلقوما لذيذا وثقيلا, وحيث الأبراج تنبثق فجأة كالكم المسموم, وحيث عطور النساء نفاذة وهي تعلن للغريب عن مواطن اللذة: المتلألئة فوق الحجول ذات الرنين خلف القماش المتقلب علي الثدي الأبيض وفوق الخاصرة المخدشة بأصابع طوال هذه السعادة, هذه السعادة طالما انتظرنا هذه البذرة التي زرعناها طالما انشرحنا لسعادة الجري وراء أطفال محجلين بألق الحياة هذه القبلة الطويلة وضعناها علي جبهة الأخت ثم نقلناها إلي فم الحبيبة هذه المدية قطعنا بها الخبز ثم حاربنا بشبيهها هذه الريح تجلس علي أكتافنا هذا الأمل لا يخاف الأماكن العالية بطن المرأة الوردي ينبض بحمل وردي هذه السعادة القروسطية تجلس علي مصطبة خشبية بثوب عريضك. مطرقة الباب هذه مصنوعة من الضوء الشجرة تلك مخصبة بظل القمر وهذه السعادة هذه السعادة تشابه اليأس أمسكني ابن خلدون أمسكني ابن خلدون من ياقتي المنشأة وقال لي: انحن في هذه الدائرة سوف تري العقل يخلع نعليه والمنطق بحزام ناسف والشجرة محض لمعة مزدهرة بالعصي قال لي: يا فتي تنح بعيدا عن خليج الدموع واقلع بشراع كتاني, ولا تبك في مزرعة الأشباح أسفا علي ما مضي: فقد سالت القرون علي عتبة المدينة وانحدرت قبراتها إلي وادي الظلام وانحل النظام علي حجر الرحي قال لي ابن خلدون قال لي ابن خلدون: استمع لصوت النار تحت الحصي حيث يعد البربر الذبائح بقدورهم الحجرية ما زال يعلق شيء من حيوية الحي في نذورهم ذات العيون الواسعة التي تنظر إلي السماء لو نظرت إلي البرية سوف تري قبور الجبانة المسواة مع الأرض وهي تنافس بهجة الأفق استمع إذن جيدا: إلي البحة التي تشوب الأصوات بعد صراخ العرس. إلي ريح المدقات التي تطحن العطر وإلي الحشرجة الباقية علي السرير قال لي عبدالرحمن قال ابن خلدون لي: بقلتنا ذات الفلقتين تنام في آنية الخزف, نحن العلوج المنسيين بعد غزوات الروم, نحن بناة المدينة الفضلي التي زرعت حقولها ببذور مجلوبة من الريف عذراواتنا, نحن, مكومات مع حزمات القش في هواء الحقل قال لي عبدالرحمن: اعلم ان فصولنا طشت بقع الملح جدرانه واعلم ان حكمتنا محض ورقة مبقعة بالرطوبة في السرداب.. اعلم يا فتي ان رايتنا نجمة, وهلالنا نجم ناقص, وطالعنا كوكب مرح بغمازتيه المصنوعتين من زبدة الظلام: كوكب ساقط في بؤبؤ الهدهد الذي يراقب المجرة كومب ساقط علي البلاطة الملتمعة التي ندوس عليها كوكب ساقط. * شاعر وكاتب ومترجم ومحقق عراقي, صدرت له دراسات منها( الفن الإسلامي والمسيحية العربية) و( العمارة الذكورية: فن العمارة والمعايير الاجتماعية والأخلاقية في العالم العربي) و( خرافة الخصوصية في التشميل العربي المعاصر) و(لغة الشعر: دراسات في الشعرية والشعراء) ودواوين شعرية منها( أصابع الحجر) و(استغاثات) و عقيق مصري) والنصوص الجديدة من ديوان بالعنوان نفسه يصدر قريبا.عن دار المدي