معلقة من قدم واحدة فى سماء الغرفة.. هكذا استدركت الوضع بعد أن أفقت من نوم عميق وطويل استغرق آلاف السنين.. بصعوبة أستطيع أن أحدد قوائم هذا المكان المظلم القاتم الخانق.. رأيتهم ثلاثة فى فراغ الغرفة.. يحدقون فى بشدة.. يتبادلون الهمس والنظرات.. وجوههم بدت لى مألوفة فى زمن ما.. بمكان ما.. بقصة ما.. اقترب منى أقصرهم .. وغرس يده كالمسمار فى عنقى وصرخ فى وجهى.. "هتطلعيها ولا...." ثم صفعنى بقوة.. اهتز لها كيانى.. مازلت حتى هذه اللحظة اشعر بملمس يده الخشنة القاسية على وجهى.. مازال صوت ارتطام يده بخدى يفزعنى.. كنت أدور كأوراق الزينة التى نعلقها فى الحفلات وأعياد الميلاد. يبدو أنهم يبحثون عن شىء ابتلعته.. لأنى أشعر بشىء ثقيل بمعدتى .. أود من أعماقى لو ألفظه.. مللت هذا الوضع وشعرت بالغثيان.. كما أن قدمى لن تتحمل... مازالوا كالتماثيل يحدقون بى.. وانا كبندول ساعة قديمة أروح وأجىء.. وأفرد يدى كالبهلوان.. وأصرخ فيهم "أنا ألقى كل شئ" لوحة جرنيكا لبيكاسو ... وتليفونى القديم .. وصورتى الممزقه .. وأقلامى الفارغة ... والكتب التى لم أقرأها ولكن جاء أحدهم ونظر لى بخبث وقال مازال بجعبتك الكثير .. ثم دفعنى بقوة نحو الحائط المقابل وكأنه يدفع طفلا صغيرا يركب أرجوحة متينة الصنع.. لا أعرف ماذا يريدون هؤلاء المرضى.. ولكن ما أعرفه انى يجب أن استيقظ من هذا الكابوس بأى ثمن... امتدت يدى إلى أسفل السرير تبحث عن زجاجة المياه فى عنف لعل قطراتها الباردة تنتشلنى.. ولكن فى غفلة منى التصقت يد أخرى بيدى وقيدتها بأحبال نحاسية الملمس.. اصطدمت مرة أخرى بالحائط.. واقتربت منى شمطاء عجوز طوقت وجهى بيديها.. كدت أختنق من رائحتها الكحولية.. همست فى أذنى "أخرجيها الآن وإلا دفنوك فى الهواء وحنطوكِ بالصمغ " وفجأة تذكرت.. هل تقصد تلك الوريقات الصغيرة التى قمت بابتلاعها؟ وما شأنها.. فى تلك الليلة الصيفية المليئة بالناموس المزعج .. كنت أقرأها ولم تعجبنى النهاية .. مزقت الصفحات الأخيرة وابتلعتها كى أعطيهم فرصه ولكى يجد البطل حلا لتلك المشكلة فلا حبيبته تنتحر ولا هو يذهب إلى الجحيم .. رأيتها تقف على قضبان القطار ، وها هى تستعد ولكنى أنقذتها.. لقد أنقذت البشرية كلها.. أيكون هذا جزائى... غرست أظافرها الملونة فى عنقى وصرخت لماذا لم تتركيها لتموت.. رأيت دموعها كانت خطوطا من الثلج .. اختفى الجميع وفقدت الأمل فى النجاة من ذلك الثقب الذى يسمونه نافذة . سمعته يصرخ فيها "مش عاجبك بالسلامة ..كنتِ جاية نافخة ريشك ..على إيه .. مش عاجبك الباب يفوت جمل.. مع السلامة". كانت ترد عليه بطريقة آلية أصابتنى بالصداع .. ولكن تلاحقت أنفاسها بعد كلماته الأخيرة.. فقد هرولت لتقفز من الشرفة.. ولكنها ظلت مجمدة بين السماء والأرض فقد التصقت قدمها بحافة الشرفة. قهقه بجنون "كان غيرك أشطر" أغمضت عينيى ثم فتحتها مرة أخرى بحركة سريعة.. يبدو أنى أهلوس.. ليتنى ما قمت ببتر النهاية .. أشعر بألم شديد فى قدمى.. التى تجمدت فيها الدماء وغلب عليها اللون الأزرق نعم سأموت من الخوف.. قبل أن أستيقظ من هذا الكابوس اللعين.. شعرت بنفسى شعاعا خفيفا ورأيت ذلك الدهليز .. سلمت عينيى للظلام لا مفر.. فأنا لن أعود للحياة مرة اخرى.. ولكن فجاة أحسست بيد دافئة .. تمتد لعينيى وكأنها تمنعها من الاستسلام .. كان شابا وسيما يشبه ذلك البطل فى ذلك الفيلم فى تللك الرواية ... خفق قلبى بعنف .. تحدث برقة وكانه يعانق الكلمات .. " أنا مقدر تعبك معانا.. متشكرين قوى" لم أعرف بماذا أرد ..ابتسمت فى بلاهة "قصدك إيه؟" وفى حركة بهلوانية وقف على الكرسى الخشبى المتهالك الوحيد فى الغرفة .. وأخرج سكينا من جيبه ومزق الحبل .. فارتطمت بالأرض الصلبة الخشبية .. وكانى حجر ألقى من أعلى قمة الهرم .. أمسك بيدى وساعدنى على النهوض .. وربت على كتفى ثم قال "حمد الله ع السلامة" ثم سحبنى إلى النافذة .. كانت لاتزال مجمدة فى مكانها .. طوقنى بذراعيه وأعطانى قبلة ذابلة ثم فجاة دفعنى بقوة .. نظرت إلى عينيه بدهشة.. قال بألم "أنا آسف المخرج عايز كده" تشبثت بيده ..أرجوك لاتتركنى انفصلت عنه وصرخت صرخة مكتومة .. وسقطنا جميعا .. من بعيد شعرت بدموعه الحارة تغرق وجهى .. وسمعته يغلق النافذة بعنف.