زرت أول أمس (17 مايو 2014) معرض " مقامات " لصديقي المهندس الفنان سمير فؤاد، بجاليري بيكاسو بالزمالك، وبمناسبة هذه الزيارة كانت لي ملاحظات، أري من المناسب تشاركها مع قرائي الاعزاء: عادة لا أكتب عن كل المعارض التي أزورها، أكتب فقط عن تلك التي تجتذب انتباهي، وأجد فيها جديدا، يستحق الحديث عنه. أتشوق دائما لزيارة معارض الفنان سمير فؤاد، والتي يداوم علي اقامتها سنويا، ولأنه فنان مجدد، فكل معرض يقدمه يتميز بطابع ومذاق يختلف عن معارضه السابقة، بل وأضيف أنه حتي لو كان هناك قاسم مشترك يجمع لوحات كل معرض، الا أن كل لوحة تنفرد بشخصية مستقلة عن باقي اللوحات، لذا يجد المشاهد نفسه مدفوعا للوقوف أمام كل لوحة، ويعطي لنفسه وقت كاف ليتمتع بها و ليتأملها بامعان............قصدت قول تلك الملاحظة، لأنه في معارض لعديد من الفنانين، وآخرها معرض لفنانة شابة عرضت لوحات جمعت في آن واحد بين التجريد الهندسي والتجريدالتعبيري، وكانت النتيجة اشكالا تشبه الخرائط، يتضح منها امتلاكها قدرا طيبا من المهارات الفنية، مكنتها من انتاج لوحات مميزة.......ولكني، أكتفيت بتأمل أول لوحة صادفتني في العرض، ثم تنبهت بعد ذلك الي أن باقي اللوحات تأتي علي نفس المنوال، دون اختلاف من حيث التشكيل، والتكوين، بل والألوان أيضا، وهذا مؤشر ينبئ باحتمال اتجاه الفنانة الي النمطية وحبس نفسها في اطار يصعب عليها الخروج منه مستقبلا، وقد ترك عرض تلك الفنانة الشابة لدي انطباعا ( ارجو أن أكون مخطئا بصدده) عن محدودية افقها الثقافي، وضيق خيالها، وافتقارها للقدرة الابتكارية، ناهيك عن اختفاء أيه مظاهر للصلة بينها وبين المجتمع الذي تعيش فيه.........أقول ذلك القول وأطلت الحديث حوله، لأن الأمر علي النقيض تماما عندما تقف أمام لوحات فنان قدير مثل سمير فؤاد، فأعماله تشعرك بما يتحلي به من عمق ثقافي، ووجداني، وفكري، وامتلاكه القدرة علي التجديد والابتكار، ومعالجة أمور مجتمعية نعايشها، نتفاعل معها عندما نشاهدها. ان الجعبة المعرفية للفنان سمير فؤاد لا تقتصر فقط علي تقنيات التصوير، فهو الي جانب كونه مصورا ورساما بارعا, فانه مستمع جيد للموسيقى العالمية, وقارئ للنوتة الموسيقية، تدرب علي عزف الكمان، إذا زرت مرسمه بضاحية مصر الجديدة, ستفاجأ بامتلاكه مكتبة ضخمة تضم تسجيلات لكافة المقطوعات الموسيقية, الكلاسيكية منها والحديثة. إنه ليس بمستمع عادي, وإنما هو خبير ومرجع لا يستهان به, يوزع وقته بين الاستغراق في سماع الموسيقى, و الانهماك في التصوير, وفى غالب الأحيان يجمع بينهما، وفي معرضه الحالي " مقامات " يقدم لنا لوحات صور فيها عازفي الالات الموسيقيه الشرقية والغربية ( العود، الناي، الدربكة، البوق، الترمبون...الخ) كما صور لوحات حملت ملامح من راقصات شهيرات مثل تحية كاريوكا، وسامية جمال، ونعيمة عاكف. يردد الفنان سمير فؤاد أنه تتلمذ علي يد الفنان القدير الراحل حسن سليمان، وحسب ما أعرف فان حب الاستماع الي الموسيقي كان هو السبب الذي أقنع الفنان حسن سليمان بقبول انضمام الفنان سمير فؤاد لمرسمه، ورغم تواجد سمير فؤاد في محيط هذه المرسم، واكتسابه لكثير من المهارات والتقنيات، بالاضافة الي اعجابه بشخصية حسن سليمان، الا أنه احتفظ لنفسه بسمات فنية مستقلة، لا تحمل أية تأثيرات لاسلوب حسن سليمان عليه. منذ فترة يتبع الفنان سمير فؤاد اسلوب إعتمد فيه علي تصوير الحركة والاهتزاز, محاولا الإمساك باللحظات على حد قوله, فهو بطبعه لا يحب السكون, ويري أن كل شيء متحرك, وله بعد زمني, كالموسيقى التي يعشقها, ولهذا وجدنا الراقصات في لوحاته يشوبها تشويه مقصود، مهتزة ملامحهن وأطرافهن, فيصبح للراقصة أكثر من ذراعيين, وأرداف متعددة, وأرجل كثيرة مثلا، وتذكرني تلك اللوحات المهتزة، باعمال الفنان البريطاني المعاصر فرانسيس بيكون، صحيح أن شخوص لوحات سمير فؤاد ليست ممسوخة علي غرار لوحات بيكون، لكن من الواضح أن كلاهما يستقي استلهامه من ذات المصادر، مع احتفاظ كل منهما ببصماته الشخصية. اختيار الوان كل لوحة من لوحات معرض (مقامات) لم يجئ اعتباطا، بل كان اختيارا دقيقا للتعبير عن التأثيرالنفسي - سواء المبهج أو الحزين - لما تحدثه نغمات كل آلة موسيقية، كما راعي الفنان رسم خطوط افقية موحية في خلفيات اللوحات تستدعي للذاكرة شيئ يشابه صفحات النوت الموسيقية، وايضا نلاحظ تكراره لتلك الخطوط في نمط ايقاعي يضبط الاشكال. أخيرا أرجوا الا أكون قد أطلت علي قرائي بملاحظاتي وتعليقاتي، لكني وجدت أن معرض ( مقامات) يستحق لفت الانتباه اليه والاهتمام به، وتأمل لوحاته، وهو ما ادعو كل اصدقائي اليه. السفير / يسري القويضي القاهرة في 19 مايو 2014