رئيس جامعة بني سويف يتفقد أعمال امتحانات الفصل الدراسي الثاني بكلية التجارة    وزير التعليم العالي ومحافظ القليوبية يفتتحان مشروعات تعليمية وصحية ب جامعة بنها    محمود فوزي: الحكومة أوفت بالنسب الدستورية المقررة للقطاعات ذات الأولوية في الموازنة    المشاط ترد على استفسارات النواب بشأن مشروع خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية    وزيرة البيئة: لأول مرة 600 مليون جنيه إيرادات المحميات.. وتطويرها بالتمويل الذاتي    شملت افتتاح نافورة ميدان بيرتي.. جولة ميدانية لمحافظ القاهرة لمتابعة أعمال تطوير حى السلام أول    الكونجرس يتصدى لجنون ترامب.. وتحركات لمنعه من توريط الولايات المتحدة في حرب إيران    التصعيد بين إسرائيل وإيران يُنذر بانفجار إقليمي وحرب نووية في الشرق الأوسط    السفارة الصينية في إيران تحث رعاياها على مغادرة البلاد في أسرع وقت ممكن    القنوات الناقلة لمباراة الأهلي وبالميراس في كأس العالم للأندية    التحقيقات تكشف اعترافات عامل دافع عن ابنته من التحرش بالمطرية    السجن المشدد 3 سنوات لمتهم لحيازته وتعاطيه المخدرات بالسلام    اليوم.. عزاء نجل صلاح الشرنوبي بمسجد الشرطة فى الشيخ زايد    محافظ المنوفية يفتتح وحدة الأشعة المقطعية الجديدة بمستشفى زاوية الناعورة    ننشر أسماء أوائل طلاب الشهادة الإعدادية ببنى سويف 2025    «برج العرب التكنولوجية» تفتتح ثالث فروع جامعة الطفل بالشراكة مع نادي سموحة (صورة)    الدفاع الروسية تعلن إسقاط 198 طائرة مسيرة أوكرانية    الحكومة تتقدم بقانون جديد للإيجار القديم.. الإخلاء بعد 7سنوات بدلا من 5.. ألف جنيه زيادة فى الأجرة للأماكن الراقيه و250 للاقتصادية و15% زيادة سنويا.. وغلق الوحدة لمدة عام أو امتلاك أخرى يُجيز الإخلاء الفوري    جدول مباريات اليوم: مواجهات نارية في كأس العالم للأندية ومنافسات حاسمة في الكونكاكاف    وزير الرياضة يرد على الانتقادات: دعم الأهلي والزمالك واجب وطني.. ولا تفرقة بين الأندية    اتحاد الكرة يبحث عن وديتين قويتين لمنتخب مصر قبل أمم أفريقيا    ارتفاع معظم مؤشرات البورصة بمستهل تعاملات الثلاثاء    محافظ المنوفية والسفيرة نبيلة مكرم يتفقدان قافلة ايد واحدة.. مباشر    مصرع 3 عمال زراعيين وإصابة 15 في حادث على الطريق الصحراوي بالبحيرة    المرور تحرر 47 ألف مخالفة متنوعة خلال 24 ساعة    تأييد عقوبة السجن المؤبد ل قاتل «عامل بني مزار» في المنيا    محافظ المنيا: استمرار أعمال توريد القمح بتوريد 509آلاف طن منذ بدء موسم 2025    من مؤتمر نسائي إلى أجواء حرب.. إلهام شاهين تحكي لحظات الرعب في رحلة العراق    فيلم سيكو سيكو يحقق 186 مليون جنيه في 11 أسبوعا    بينها «شمس الزناتي».. أول تعليق من عادل إمام على إعادة تقديم أفلامه    برفقة صديقها.. نور عمرو دياب تدعم شيرين رضا في العرض الخاص ل «في عز الضهر»    محافظ أسيوط يستقبل سفير الهند بمصر لبحث سبل التعاون المشترك    إقبال كبير على عروض مسرح الطفل المجانية    هشام ماجد يسترجع ذكريات المقالب.. وعلاقته ب أحمد فهمي ومعتز التوني    البحوث الفلكية: الخميس 26 يونيو غرة شهر المحرم وبداية العام الهجرى الجديد    دار الإفتاء: الصلاة بالقراءات الشاذة تبطلها لمخالفتها الرسم العثماني    الجامع الأزهر: حب الوطن غريزة متأصلة والدفاع عن قضايا الأمة يجسد منهج النبوة    رئيس جامعة الدلتا التكنولوجية يتابع اختبارات الدراسات العليا ويشيد بسير العملية الإمتحانية    نصائح لطلاب الثانوية العامة لحماية انفسهم من التعرض للإجهاد الحراري    رئيس جامعة المنوفية يستقبل فريق تقييم الاعتماد المؤسسي للمستشفيات الجامعية    طريقة عمل البيتزا بعحينة هشة وطرية وسهلة التحضير    ترامب: دعوت لإخلاء طهران حفاظا على سلامة مواطنيها    مستشفيات الدقهلية تتوسع في الخدمات وتستقبل 328 ألف مواطن خلال شهر    أسعار الخضروات والفاكهة في سوق العبور اليوم    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 17-6-2025 في محافظة قنا    تنسيق الجامعات.. برنامج هندسة الاتصالات والمعلومات بجامعة حلوان    جامعة قناة السويس: تأهيل طبيب المستقبل يبدأ من الفهم الإنساني والتاريخي للمهنة    تعليمات مشددة بلجان الدقي لمنع الغش قبل بدء امتحان اللغة الأجنبية الثانية للثانوية العامة    "فقرات استشفائية".. الأهلي يواصل تدريباته استعداداته لمواجهة بالميراس    «أمطار في عز الحر».. الأرصاد عن حالة الطقس اليوم الثلاثاء: «احذروا الشبورة»    تغييران منتظران في تشكيل الأهلي أمام بالميراس    التصعيد مستمر.. إيران تضرب «حيفا» بموجة صواريخ جديدة    «غاضب ولا يبتسم».. أول ظهور ل تريزيجيه بعد عقوبة الأهلي القاسية (صور)    وزير الدفاع الأمريكي يوجه البنتاجون بنشر قدرات إضافية في الشرق الأوسط    بعد تصريحات نتنياهو.. هل يتم استهداف خامنئي الليلة؟ (مصادر تجيب)    «لازم تتحرك وتغير نبرة صوتك».. سيد عبدالحفيظ ينتقد ريبيرو بتصريحات قوية    ما هي علامات قبول فريضة الحج؟    مصرع شاب غرقا فى مياه البحر المتوسط بكفر الشيخ وإنقاذ اثنين آخرين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صرخات ممتدة عبر الزمن
نشر في أخبار الأدب يوم 11 - 12 - 2010

» الصبايا الحور ذوات اللون الأسمر المعجون بطين النهر، واللون القمحي الملفوح بوهج الشمس. تشكلن منذ فجر التاريخ من تراب الأرض ومياه النيل وأشعة الشمس، وتراهم يسعين في الوادي يبنين الحضارة. تراهن علي حوائط المعابد وفي تماثيل مختار بأجسادهن البضة الواشية بالعطاء وخير الأرض«
شكلن خيالي منذ طفولتي المبكرة من خلال ما تيسر من الحكايات والحوادث المتوارثة، والآن وقد دخلت العقد السابع مازال عبق هذه الأيام ينعش ذاكرتي ويدغدغ حواسي ويلهمني الدافع إلي الجلوس أمام حامل الرسم.
النص للفنان سمير فؤاد ... الذي يؤكد علي استغراقه في المحلية بكل مضامينها برغم ولعه الشديد بالثقافة الأوروبية، والتي بلغت غايتها لديه في كل أوجه الفنون، والموسيقي الكلاسيكية نموذجا.
ولد سمير فؤاد بضاحية مصر الجديدة، والتي كانت تنعم بتخطيط منظم لشوارعها وميادينها ومبانيها الفارهة وقصورها ذات الطراز الأوروبي والإسلامي، وبواكيها بأشجارها التي تتنوع بين الاكاسيا والموريسيا. وغيرهما بألوانها الزاهية وتفردها بالإضافة إلي ملاعب الجولف ومضامير سباق الخيول، بالإضافة لمترو مصر الجديدة، والذي اكتسب اسمه من شهرة المكان، يخترق شوارعها في مشهد رائع لمن تسني له أن يشهد بعضا من تلك الصور، وحتي شكل الكنائس وتنوع أشكالها (القوطي غالبا ) أضفي علي الضاحية جماليات لا تخطئها العين. كذلك مجتمع مصر الجديدة كان به عدد وفير من الأجانب المتمصرين، وكان تأثيرهم علي المكان إيجابياً كما هو في باقي أحياء القاهرة وبلدات أخري مثل بورسعيد والإسكندرية. وكان لنزوحهم الأثر السلبي علي الحياة بمصر شئنا أم أبينا. عاش سمير فؤاد في كنف كل هذا مما جعله ينفتح مبكراً علي الغرب والذي تشرب منه حيث أفاد كثيراً وتشكلت ثقافته الفنية، وسافر أيام كان شاباً يافعاً لإنجلترا، وشاهد عدة معارض كان لها الأثر الأكبر علي تطوره الفكري والفني خاصة، ولأن جيناته فنية خالصة أدرك بسرعة وبدون افتعال أهمية أن يكون مستمعاً علي درجة ممتازة للموسيقي الكلاسيكية، ويحدثك عنها كالعالم بكل مفرداتها مثلما فعل من قبله علي نفس الدرجة الممتازاً حسين فوزي وفؤاد زكريا و لويس عوض ويحيي حقي وغيرهم.
ولأن للموسيقي الكلاسيكية الأثر الكبير فتراه في لوحاته وكأنه غمس فرشاته في نوتة موسيقية لا بالت رسم، فهذا الفنان والذي تراه من بعيد تحسبه وكأنه خواجة، كما كان يقول المصريون علي الأجانب المتمصرين. فهو كما أسلفنا كان متأثرا بالثقافة الغربية فقد أتقن الانجليزية مبكراً، بل وتزوج من سيدة انجليزية فاضلة، متمنياً لهما العمر المديد وبالرغم من كل هذا فهو مصري خالص ( ابن بلد ) يملك المقدرة علي الإدهاش والجاذبية والإثارة. استمد هذه الروح المصرية من إحساسه بالثقافة المحلية وارتباطه بها ارتباطا عضويا وفكرياً، مهموماً ببلده، ويحب أن يراها ولو بالصورة التي اعتادها لبلده أيام كان صغيراً، أيام كانت مصر التي شغف بها جميلة خاصة القاهرة التي كانت؟!
ولمصريته المفرطة تجده وقد استلهم كل التراكم الكمي لثقافة مصر وفنونها، بداية من الحقبة الفرعونية وهي الأهم في حياة المصريين المستنيرين، مروراً بكل الحقب منها القبطي والإسلامي مما كان لهما الأثر الكبير علي فنه وصولا للشكل أو الفورم لأغلبية نسائه والتي من فرط مصريتها يخال لك انك التقيتهما في مكان ما أو رأيتها عن كثب.
أذكر أنني التقيت بأحد أعمال الفنان علي ما أذكر كانت منشورة بأخبار الأدب، منذ عدة سنوات وكانت عبارة عن مائيات أطلق عليها الفنان باذنجان ابيض باذنجان اسود، ولجمال ما رأيت، فكان أن التفت إليها بشدة وكانت من التأثير بحيث أفسحت مكانا لها بذاكرتي وهي بعد لم تبرحه كالأشياء الجميلة دائما لا تغادر مخيلتنا فنستدعيها كلما حاصرنا القبح من كل مكان وما أكثره تلك الأيام. وكان لغرابة الموضوع وهي مجموعة مائيات أنجزها الفنان منذ سنوات، ولعدم إدراكي أن هناك من يجدون لمثل تلك الأشياء أهمية بحيث تم تخليق موضوع فلسفي لأشياء لم توجد إلا لأسباب أخري..؟!
ولأنني ممن كانوا يتوقعون أن يطلق (الصرخة) اسما علي معرضه إلا أنه اختار "لحم" وقد فعل ذلك بتناسق وحيوية يقنعانك وإن مؤقتاً علي الأقل بأن شيئاً آخر لا يمكن أن يكون أكثر إثارة أو أكثر أهمية من رؤيته تلك.
أقصد معرضه المقام حالياً بجاليري بيكاسو بحي الزمالك وكان من المفترض أن أبدأ به فهو صاحب المقال، ولكن كان لابد من تلك الافتتاحية والتي فرضها شخص الفنان والذي تعرفت إليه عن كثب فوجدته موسوعة لكل أنواع الفنون تقريبا. وهذه أشياء باتت من الصعب أن تجدها في أغلبية فناني هذا الزمن .. و"لحم" تسمية أطلقها الفنان علي معرضه لتكون شاهداً علي حيرة وغربة الإنسان، فكان لتسييس المعرض ضرورة للتعبير عن موقف الفنان المناهض للانحطاط الأخلاقي تجاه الفرد الإنسان في كل مكان علي المعمورة وتناول عذابات المواطن العراقي بسجن أبو غريب، ولتناوله جرأة تحسب له. فضرب سمير فؤاد عرض الحائط بعدة مفاهيم فنية، وخرج عن عوالم الفنان التقليدية والمكررة والتي تخضعه لآليات سوق الفن والتي لشراستها تخضع الفنان لأن يقول ما لا يحب. لا أن يقول ما يود هو قوله. وسمير فؤاد غني بالأساس بعوالمه الداخلية دون الالتفات للمؤثرات البيئية والثقافية والمناخ القائم علي احتياجات السوق والتقبل الاجتماعي للعملية الإبداعية لحين يتوافر شرط تمرير الأعمال بسهولة وهو رأي قال به الناقد الفني كليمنت جرينيج ..أن الفن ينبغي أن يلبي الاحتياجات الثقافية مع التقبل الاجتماعي للعمل الفني.
قليلون هم من تناولوا ما جري وما حدث بسجن أبو غريب لعل أشهرهم العالمي الكولمبيي فرناندو بيتيرو fernando botero الموزعة أعماله ومنحوتاته علي عدة عواصم عالمية، وهو من الشهرة بحيث يعد الأغلي سعراً بين كل الرسامين المعاصرين. وفي تناوله لما جري وما حدث بأبي غريب كانت رؤيته تفتقر لأهمية الحدث، فأخضعهما لأسلوبه دون أن يعمل فكره في
الفورم "الشكل" والتكوين اللازمين لمثل هذه الأعمال فكان سمير فؤاد أن عمل فكرة فجاءت لوحاته موحية ومؤثرة وصادمة ومباشرة ففاقت أعمال بيتيرو بكثير. ولعله الإحساس بفداحة ما حدث وما جري بأبو غريب القريبة منا، ولاشتراكنا في مصير واحد أوغل في صدر الفنان أن يبدع وان يتأثر وأن يحس ولك عزيزي القارئ أن تدخل علي الويب وتتأكد بنفسك وتقارن بين فناننا وبيتيرو العالمي.
وأقول وكلي ثقة أن سمير فؤاد كان الأعمق من مجايليه، حيث العملية الفنية برمتها تشكل له هاجسا مؤرقا ولكنه موحي كما لوحاته بالمعرض، ومنها الصرخات التي تدوي في أرجاء الأتيلييه وان أصغيت لابد وأن تصم آذانك من فرط الدهشة، معلنه استياءها واشمئٍزازها وضجرها وكأنها نائحات علي زمن هو الأوقح في تاريخ مصر المعاصرة.
فالصرخات مكبوتة لدي الكثرة من معذبينا في الأرض. والذين ينشدون الانسلاخ مما هم فيه؟؟ والترتيب المنهجي للوحات قياساً علي ما نحياه لكم هي معبرة. فبعد الصرخات المدوية نجد اللحم موزعا علي عدد من اللوحات بضربات فرشاة قوية ومؤثرة. ومضجرة عن عمد، واللون الأحمر بكل درجاته، لا ليلهينا ولكن ليحدث فينا صدعاً بعد ما بات اللحم عزيز المنال علي شرائح اجتماعية كبيرة في بلدنا.. كل اللحم، البض المستعر شبقا.. والمعلق علي خطاطيف في فعل سادي لا يقترفه إلا المصريون.
وللصرخة تاريخ في عمر الفن منها صرخة مونش الشهيرة وصرخة جيرونيكا بيكاسو.. لصرخات فرنسيس بيكون المتنوعة وأشهرها دراسة انطلاقا من لوحة البابا أينوتشنتيي العاشر لبيلا سكوين 1953.. لصرخات سمير فؤاد الدالة المؤثرة.. وتذكرني أعمال الفنان بما قاله فرنسيس بيكون (الفنان الأثير لديه في أسلوبه اختراق لأماكن شعور جديدة بدلاً من أن يكون مجرد تصوير لشيء ما فأنا، في الحقيقة أحب لرسومي أن تبدو وكأن كائناً بشرياً مر بينها كما يمر شيء ما تحت مطرقة، ما يدل صورة ما لحضور هذا الكائن، وذاكرة تبقي لأحداث مرت تحت تلك المطرقة ويمكني التوقف هنا لأستدعي بيتهوفن في سيمفونيته الخامسة والتاسعة في استعارة من الموسيقي حيث الإيقاع بقوة يماثل ضربات الفرشاة بقوة وتفرد وبقسوة أحياناً) وهنا يحضرني الفنان سمير فؤاد الذي أحب بيتهوفن لدرجة أنه من السهولة بمكان أن يحاضر فيه لعدة ساعات متواصلة دون كلل، وإنا لمنتظرون أن يحاضر في الموسيقي لتمكنه مثلما يمتلك أدواته عندما يشرع في رسم لوحة.
لم يتبق سوي أن أقول إن معرض الفنان القدير سمير فؤاد جدير بالمشاهدة لما يحتويه من أعمال تعد علامة فارقه في تاريخ الفنون المصرية فإيقاع اللوحة حداثي دونما انفلات ففي لوحات أخري تجده وقد استلهم الفن الفرعوني لنساء من العوام واللائي نلاقيهم في أزقة وحواري مصر ولكن بتناول حداثي .. الفرشاة تحدث فوارق في الفورم فتجعله ثابتاً ومتحولا في آن واحد، وهذه مفردات جديدة علي العملية الفنية في مصر.
كذلك الراقصة التي تزمع أن تحيي جمهورها وكأنك ضمن جمهورها تحييها لولا وجودك الواقعي أمام اللوحة بالمعرض!
هي أعمال في مجملها متفردة وحلق بها لآفاق بعيدة وتميز عن مجا يليه لأسباب أولها عدم انتسابه لأي من مدارس الفنون المنتشرة بمصر، كذلك عدم اشتغاله بالصحافة التي توقع الفنان في أسر آليات الحفظ فتتشابه الأعمال، وتكبله داخل الفورم مما يؤثر علي عملية الإبداع فيما لو قرر رسم لوحة .. ليختلط عليه الأمر ..؟
وظني أن سمير فؤاد عمل في هندسة الكمبيوتر واتخذ من الفن حرفة عندما أشار عليه الفنان حسن سليمان أن يقيم معرضاً بعد ما وجد فيه نبوغاً مفرطاً يؤهله لأن يكون الأول .. وبغياب حسن سليمان أتجرأ وأقول أن سمير فؤاد بات الأهم، وقد كان لصداقة الفنان به التأثير الكبير، ليس من حيث الأسلوب أو الإيقاع، أو اللون أو الفورم ولكن لتوجيهاته والتي أخذها سمير فؤاد علي محمل الجد فسعي من خلال منظور مستقبلي للفن يحاول أن يحتفظ ببساطته كمعيار لأصالته وحيث يعيد التحوير والتشويه وتقطيع الأشكال ضرورة لشكل تعبيري أكثر إثارة وإيحاء.
ولم يتهاون مع نفسه في بناء لوحته بناء عفوياً بل كان يدقق في تفاصيلها ويوازن بين أحجام الشكل فيها شملت رؤية متكاملة لأسلوبه في المنظورة والإضاءة وتوزيع الظلال حينا وتكثيفها حيناً آخر ولكنه لم يعمل ذلك إلا من أجل تعزيز مداليله المعنوية ضمن وحدات منفردة متواصلة في آن واحد.
ولخلق التوتر داخل اللوحة بملمسها الخشن باستخدام القشط بالسكين ليحقق الجدل بين الكتلة والفراغ وبين الظل والنور بألوان صحيحة ولكنها قوية ومؤثرة وفاعلة وكأنها تتحرك تارة إلي الأمام وتارة إلي الخلف وتارة إلي الوراء وتارة إلي أحد الجانبين ويتلاعب بأدواته وكأنه عازف بيانو أو فيولينة ماهر.
مما ينطبق عليه قول كاندينسكي (( بأن عدم التزام الفنان بالمحاكاة للمرئيات يوسع في مجال التعبير النفسي ويفتح المجال لإبراز الانفعالات الغامضة التي يعيش الإنسان في مناخاتها علي كثير من عدم الوضوح المرئي لها وقد يحاول أن يبرز تلك المشاعر من خلال الانسجام والتصارع اللوني وتحركهما داخل اللوحة ما تحمله الموسيقي إلي المجتمع« بيتهوفن السيمفونية التاسعة الحركة الأخيرة في حالة سمير فؤاد كنموذج.
وأيضاً ينطبق عليه قول " مايك سادلر" في كتابة فن التوافق الروحي .. من أنه راسم أنغام وقد حطم الحواجز الفاصلة بين الموسيقي والتصوير، لذا أري في لوحات الفنان تجاوزا لما هو معروف وسائد حيث استشراف أفق حديث ومتطور وسابق لهو في حقيقة الأمر نتاج ثقافة غنية يتحلي بها سمير فؤاد وأن كان عمادها الموسيقي الكلاسيكية بيتهوفن برامز ماهلر وغيرهما وأن كنت حقيقا بمعرفة أعماله فلن أبالغ أن قلت أن سماع أعمالهم »بيتهوفن وماهلر علي الخصوص « تعد مدخلاً لقراءة أعمال سمير فؤاد دون أن يتخلي علي الإطلاق عن كونه مصرياً حتي النخاع واصلاً بين الأصالة والمعاصرة بخفة ورشاقة، فالمرأة عنده فرعونية أحياناً، سوقية مبتذلة بأنف مفلطح وشفاه غليظة، راقصة درجة ثالثة بكرش وإلية مكتنزة!
وهكذا كما نراهن بشكل حقيقي دون تزويق كما يفعلها بعض الرسامين لذا لم يكن أبداً كاللاهث وراء بيع لوحاته، ولا حتي يحاول استرضاء القائمين علي سوق الفن بعمل مبتذل ومقتلع تماماً عن بيئته كفناني الصالونات المنتهية أزمانهم ومنهم قله تعرض حتي وقتنا هذا مع أن زمنهم انتهت صلاحيته، وللأسف يروجون لأعمالهم بإلحاح ويجدون في مقنيهم مرتعا للشراء دونما معرفة بقيمة اللوحة؟
وكل ما أوردته عن سمير فؤاد هي، انطباعات فأنا لم أشتغل بالنقد الفني ولم أتطرق إليه إلا مرة واحدة عندما كنت أعمل بأبوظبي رساماً ومؤسساً لمجلة ماجد الأسبوعية. ففي صبيحة أحد الأيام وأنا بمكتبي أطالع الصحيفة التي تصدر عن نفس الدار التي أعمل بها فهالني ما رأيت؟ المجمع الثقافي يعلن عن قدوم رسام لبناني للعرض بالمجمع، ومرفق عدة لوحات للرسام وكم خيب ظني فاللوحات هي ومن فرط التشابه الذي يقترب من النسخ وكأنها للفنان العالمي الشهير خوان ميرو ووجدتني منفعلاً ومندهشاً في نفس الوقت. فذهبت بعد الافتتاح بعدة أيام . فذهلت مدهوشاً مرة أخري .. الأسباني خوان ميرو موزع علي عدد كبير من اللوحات ولكن بتوقيع الفنان اللبناني وقفت وعلي رأسي الطير مبحلقاً في اللوحات ...؟؟ فسألت عن الفنان. فدلوني عليه فوجدته من الصلف واقفاً في استعلاء وغرور كبيرين، لا يليقان إلا بفنان علي وعي كبير بفنه، فغاظني أن اكتشفت انه حصل علي شهادة الفنون من مدريد باسبانيا موطن الفنان في العام 1957 م فوجدتني أكتب موضحاً كم السرقات التي أباحها لنفسه دون أن تتوافر لديه حمرة الخجل من فعلته تلك ورثيت له مما هو فيه وبالرغم من احتفاء بعض صحف الأبواب الفنية من نفس جنسية الرسام إلا أن الكثرة أدانوا ذلك الفعل . وفوجئت وقتها بالكاتب خلدون الشمعة يكتب في الشرق الأوسط اللندنية بالضبط كما كتبت أنا فأيقنت عندها كم كان نظري ثاقبا وأصلح لأن أكتب في النقد الفني فيما لو توافرت الأسباب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.