عبر الفيديو كونفرانس.. الرئيس السيسي ونظيره الروسي يشهدان حدثًا تاريخيًا بمشروع الضبعة النووى اليوم    نادي القضاة: انتخابات النواب 2025 لم يشرف عليها القضاة وأعضاء النيابة العامة    بعد انسحاب "قنديل" بالثالثة.. انسحاب "مهدي" من السباق الانتخابي في قوص بقنا    أخبار مصر: حدث عالمي يشهده السيسي وبوتين اليوم، حفل جوائز الكاف، "مجلس دولي" غير مسبوق لغزة، هل يهدد "ماربورج" مصر    جبران يلتقي مدير «العمل الدولية» بجنيف ويؤكد التزام مصر بالتعاون    أسعار الفاكهة اليوم الاربعاء 19-11-2025 في قنا    طن عز بكام.... اسعار الحديد اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025 فى المنيا    وزير الزراعة: حماية الرقعة الزراعية أولوية قصوى.. ولا تهاون في مواجهة التعديات    مع جورجينا وإيلون ماسك.. رونالدو يلتقط سيلفى فى البيت الأبيض    الضفة.. جيش الاحتلال الإسرائيلي يعتقل 100 فلسطيني شمالي الخليل    المنتخبات المتأهلة إلى كأس العالم 2026 بعد صعود ثلاثي أمريكا الشمالية    أبرزها دولة فازت باللقب 4 مرات، المنتخبات المتأهلة إلى الملحق الأوروبي لكأس العالم 2026    طقس مستقر ومشمس في المنيا اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025 وارتفاع تدريجي في درجات الحرارة    محكمة الاتحاد الأوروبي تعتزم إصدار حكمها بشأن وضع أمازون كمنصة كبيرة جدا    اليوم.. العرض الأول لفيلم "اليعسوب" بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا ضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    خبراء: الأغذية فائقة المعالجة تعزز جائحة الأمراض المزمنة    طريقة عمل كيكة البرتقال الهشة بدون مضرب، وصفة سهلة ونتيجة مضمونة    زيلينسكي يزور تركيا لإحياء مساعي السلام في أوكرانيا    برنامج فعاليات وعروض أفلام مهرجان القاهرة السينمائي الدولي اليوم    الاتصالات: الأكاديمية العسكرية توفر سبل الإقامة ل 30095 طالب بمبادرة الرواد الرقمين    شهر جمادي الثاني وسر تسميته بهذا الاسم.. تعرف عليه    أسعار الذهب اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025    أكثر من 30 إصابة في هجوم روسي بطائرات مسيرة على مدينة خاركيف شرق أوكرانيا    ارتفاع أسعار الذهب في بداية تعاملات البورصة.. الأربعاء 19 نوفمبر    إسعاد يونس ومحمد إمام ومى عز الدين يوجهون رسائل دعم لتامر حسنى: الله يشفيك ويعافيك    بشري سارة للمعلمين والمديرين| 2000 جنيه حافز تدريس من أكتوبر 2026 وفق شروط    البيت الأبيض: اتفاقية المعادن مع السعودية مماثلة لما أبرمناه مع الشركاء التجاريين الآخرين    حقيقة ظهور فيروس ماربورج في مصر وهل الوضع أمن؟ متحدث الصحة يكشف    ترتيب الدوري الإيطالي قبل انطلاق الجولة القادمة    شبانة: الأهلي أغلق باب العودة أمام كهربا نهائيًا    أوكرانيا تطالب روسيا بتعويضات مناخية بقيمة 43 مليار دولار في كوب 30    "النواب" و"الشيوخ" الأمريكي يصوتان لصالح الإفراج عن ملفات إبستين    النيابة العامة تُحوِّل المضبوطات الذهبية إلى احتياطي إستراتيجي للدولة    نشأت الديهي: لا تختاروا مرشحي الانتخابات على أساس المال    انقلاب جرار صيانة في محطة التوفيقية بالبحيرة.. وتوقف حركة القطارات    مصرع شاب وإصابة اثنين آخرين في انقلاب سيارتي تريلا بصحراوي الأقصر    ما هي أكثر الأمراض النفسية انتشارًا بين الأطفال في مصر؟.. التفاصيل الكاملة عن الاضطرابات النفسية داخل مستشفيات الصحة النفسية    مصرع شاب وإصابة اثنين في انقلاب سيارتي تريلا بالأقصر    النائب العام يؤكد قدرة مؤسسات الدولة على تحويل الأصول الراكدة لقيمة اقتصادية فاعلة.. فيديو    أبرزهم أحمد مجدي ومريم الخشت.. نجوم الفن يتألقون في العرض العالمي لفيلم «بنات الباشا»    في ذكرى رحيله.. أبرز أعمال مارسيل بروست التي استكشفت الزمن والذاكرة والهوية وطبيعة الإنسان    أحمد الشناوي: الفار أنقذ الحكام    سويسرا تلحق بركب المتأهلين لكأس العالم 2026    حبس المتهمين في واقعة إصابة طبيب بطلق ناري في قنا    آسر نجل الراحل محمد صبري: أعشق الزمالك.. وأتمنى أن أرى شقيقتي رولا أفضل مذيعة    أسامة كمال: الجلوس دون تطوير لم يعد مقبولًا في زمن التكنولوجيا المتسارعة    دينا محمد صبري: كنت أريد لعب كرة القدم منذ صغري.. وكان حلم والدي أن أكون مهندسة    أحمد فؤاد ل مصطفى محمد: عُد للدورى المصرى قبل أن يتجاوزك الزمن    جامعة طيبة التكنولوجية بالأقصر تطلق مؤتمرها الرابع لشباب التكنولوجيين منتصف ديسمبر    تحريات لكشف ملابسات العثور على جثة شخص في الطالبية    زيورخ السويسري يرد على المفاوضات مع لاعب الزمالك    مشروبات طبيعية تساعد على النوم العميق للأطفال    فيلم وهم ل سميرة غزال وفرح طارق ضمن قائمة أفلام الطلبة فى مهرجان الفيوم    طيران الإمارات يطلب 65 طائرة إضافية من بوينغ 777X بقيمة 38 مليار دولار خلال معرض دبي للطيران 2025    داعية: حديث "اغتنم خمسًا قبل خمس" رسالة ربانية لإدارة العمر والوقت(فيديو)    هل يجوز أداء العشاء قبل الفجر لمن ينام مبكرًا؟.. أمين الفتوى يجيب    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18نوفمبر 2025 فى المنيا....اعرف صلاتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صرخات ممتدة عبر الزمن
نشر في أخبار الأدب يوم 11 - 12 - 2010

» الصبايا الحور ذوات اللون الأسمر المعجون بطين النهر، واللون القمحي الملفوح بوهج الشمس. تشكلن منذ فجر التاريخ من تراب الأرض ومياه النيل وأشعة الشمس، وتراهم يسعين في الوادي يبنين الحضارة. تراهن علي حوائط المعابد وفي تماثيل مختار بأجسادهن البضة الواشية بالعطاء وخير الأرض«
شكلن خيالي منذ طفولتي المبكرة من خلال ما تيسر من الحكايات والحوادث المتوارثة، والآن وقد دخلت العقد السابع مازال عبق هذه الأيام ينعش ذاكرتي ويدغدغ حواسي ويلهمني الدافع إلي الجلوس أمام حامل الرسم.
النص للفنان سمير فؤاد ... الذي يؤكد علي استغراقه في المحلية بكل مضامينها برغم ولعه الشديد بالثقافة الأوروبية، والتي بلغت غايتها لديه في كل أوجه الفنون، والموسيقي الكلاسيكية نموذجا.
ولد سمير فؤاد بضاحية مصر الجديدة، والتي كانت تنعم بتخطيط منظم لشوارعها وميادينها ومبانيها الفارهة وقصورها ذات الطراز الأوروبي والإسلامي، وبواكيها بأشجارها التي تتنوع بين الاكاسيا والموريسيا. وغيرهما بألوانها الزاهية وتفردها بالإضافة إلي ملاعب الجولف ومضامير سباق الخيول، بالإضافة لمترو مصر الجديدة، والذي اكتسب اسمه من شهرة المكان، يخترق شوارعها في مشهد رائع لمن تسني له أن يشهد بعضا من تلك الصور، وحتي شكل الكنائس وتنوع أشكالها (القوطي غالبا ) أضفي علي الضاحية جماليات لا تخطئها العين. كذلك مجتمع مصر الجديدة كان به عدد وفير من الأجانب المتمصرين، وكان تأثيرهم علي المكان إيجابياً كما هو في باقي أحياء القاهرة وبلدات أخري مثل بورسعيد والإسكندرية. وكان لنزوحهم الأثر السلبي علي الحياة بمصر شئنا أم أبينا. عاش سمير فؤاد في كنف كل هذا مما جعله ينفتح مبكراً علي الغرب والذي تشرب منه حيث أفاد كثيراً وتشكلت ثقافته الفنية، وسافر أيام كان شاباً يافعاً لإنجلترا، وشاهد عدة معارض كان لها الأثر الأكبر علي تطوره الفكري والفني خاصة، ولأن جيناته فنية خالصة أدرك بسرعة وبدون افتعال أهمية أن يكون مستمعاً علي درجة ممتازة للموسيقي الكلاسيكية، ويحدثك عنها كالعالم بكل مفرداتها مثلما فعل من قبله علي نفس الدرجة الممتازاً حسين فوزي وفؤاد زكريا و لويس عوض ويحيي حقي وغيرهم.
ولأن للموسيقي الكلاسيكية الأثر الكبير فتراه في لوحاته وكأنه غمس فرشاته في نوتة موسيقية لا بالت رسم، فهذا الفنان والذي تراه من بعيد تحسبه وكأنه خواجة، كما كان يقول المصريون علي الأجانب المتمصرين. فهو كما أسلفنا كان متأثرا بالثقافة الغربية فقد أتقن الانجليزية مبكراً، بل وتزوج من سيدة انجليزية فاضلة، متمنياً لهما العمر المديد وبالرغم من كل هذا فهو مصري خالص ( ابن بلد ) يملك المقدرة علي الإدهاش والجاذبية والإثارة. استمد هذه الروح المصرية من إحساسه بالثقافة المحلية وارتباطه بها ارتباطا عضويا وفكرياً، مهموماً ببلده، ويحب أن يراها ولو بالصورة التي اعتادها لبلده أيام كان صغيراً، أيام كانت مصر التي شغف بها جميلة خاصة القاهرة التي كانت؟!
ولمصريته المفرطة تجده وقد استلهم كل التراكم الكمي لثقافة مصر وفنونها، بداية من الحقبة الفرعونية وهي الأهم في حياة المصريين المستنيرين، مروراً بكل الحقب منها القبطي والإسلامي مما كان لهما الأثر الكبير علي فنه وصولا للشكل أو الفورم لأغلبية نسائه والتي من فرط مصريتها يخال لك انك التقيتهما في مكان ما أو رأيتها عن كثب.
أذكر أنني التقيت بأحد أعمال الفنان علي ما أذكر كانت منشورة بأخبار الأدب، منذ عدة سنوات وكانت عبارة عن مائيات أطلق عليها الفنان باذنجان ابيض باذنجان اسود، ولجمال ما رأيت، فكان أن التفت إليها بشدة وكانت من التأثير بحيث أفسحت مكانا لها بذاكرتي وهي بعد لم تبرحه كالأشياء الجميلة دائما لا تغادر مخيلتنا فنستدعيها كلما حاصرنا القبح من كل مكان وما أكثره تلك الأيام. وكان لغرابة الموضوع وهي مجموعة مائيات أنجزها الفنان منذ سنوات، ولعدم إدراكي أن هناك من يجدون لمثل تلك الأشياء أهمية بحيث تم تخليق موضوع فلسفي لأشياء لم توجد إلا لأسباب أخري..؟!
ولأنني ممن كانوا يتوقعون أن يطلق (الصرخة) اسما علي معرضه إلا أنه اختار "لحم" وقد فعل ذلك بتناسق وحيوية يقنعانك وإن مؤقتاً علي الأقل بأن شيئاً آخر لا يمكن أن يكون أكثر إثارة أو أكثر أهمية من رؤيته تلك.
أقصد معرضه المقام حالياً بجاليري بيكاسو بحي الزمالك وكان من المفترض أن أبدأ به فهو صاحب المقال، ولكن كان لابد من تلك الافتتاحية والتي فرضها شخص الفنان والذي تعرفت إليه عن كثب فوجدته موسوعة لكل أنواع الفنون تقريبا. وهذه أشياء باتت من الصعب أن تجدها في أغلبية فناني هذا الزمن .. و"لحم" تسمية أطلقها الفنان علي معرضه لتكون شاهداً علي حيرة وغربة الإنسان، فكان لتسييس المعرض ضرورة للتعبير عن موقف الفنان المناهض للانحطاط الأخلاقي تجاه الفرد الإنسان في كل مكان علي المعمورة وتناول عذابات المواطن العراقي بسجن أبو غريب، ولتناوله جرأة تحسب له. فضرب سمير فؤاد عرض الحائط بعدة مفاهيم فنية، وخرج عن عوالم الفنان التقليدية والمكررة والتي تخضعه لآليات سوق الفن والتي لشراستها تخضع الفنان لأن يقول ما لا يحب. لا أن يقول ما يود هو قوله. وسمير فؤاد غني بالأساس بعوالمه الداخلية دون الالتفات للمؤثرات البيئية والثقافية والمناخ القائم علي احتياجات السوق والتقبل الاجتماعي للعملية الإبداعية لحين يتوافر شرط تمرير الأعمال بسهولة وهو رأي قال به الناقد الفني كليمنت جرينيج ..أن الفن ينبغي أن يلبي الاحتياجات الثقافية مع التقبل الاجتماعي للعمل الفني.
قليلون هم من تناولوا ما جري وما حدث بسجن أبو غريب لعل أشهرهم العالمي الكولمبيي فرناندو بيتيرو fernando botero الموزعة أعماله ومنحوتاته علي عدة عواصم عالمية، وهو من الشهرة بحيث يعد الأغلي سعراً بين كل الرسامين المعاصرين. وفي تناوله لما جري وما حدث بأبي غريب كانت رؤيته تفتقر لأهمية الحدث، فأخضعهما لأسلوبه دون أن يعمل فكره في
الفورم "الشكل" والتكوين اللازمين لمثل هذه الأعمال فكان سمير فؤاد أن عمل فكرة فجاءت لوحاته موحية ومؤثرة وصادمة ومباشرة ففاقت أعمال بيتيرو بكثير. ولعله الإحساس بفداحة ما حدث وما جري بأبو غريب القريبة منا، ولاشتراكنا في مصير واحد أوغل في صدر الفنان أن يبدع وان يتأثر وأن يحس ولك عزيزي القارئ أن تدخل علي الويب وتتأكد بنفسك وتقارن بين فناننا وبيتيرو العالمي.
وأقول وكلي ثقة أن سمير فؤاد كان الأعمق من مجايليه، حيث العملية الفنية برمتها تشكل له هاجسا مؤرقا ولكنه موحي كما لوحاته بالمعرض، ومنها الصرخات التي تدوي في أرجاء الأتيلييه وان أصغيت لابد وأن تصم آذانك من فرط الدهشة، معلنه استياءها واشمئٍزازها وضجرها وكأنها نائحات علي زمن هو الأوقح في تاريخ مصر المعاصرة.
فالصرخات مكبوتة لدي الكثرة من معذبينا في الأرض. والذين ينشدون الانسلاخ مما هم فيه؟؟ والترتيب المنهجي للوحات قياساً علي ما نحياه لكم هي معبرة. فبعد الصرخات المدوية نجد اللحم موزعا علي عدد من اللوحات بضربات فرشاة قوية ومؤثرة. ومضجرة عن عمد، واللون الأحمر بكل درجاته، لا ليلهينا ولكن ليحدث فينا صدعاً بعد ما بات اللحم عزيز المنال علي شرائح اجتماعية كبيرة في بلدنا.. كل اللحم، البض المستعر شبقا.. والمعلق علي خطاطيف في فعل سادي لا يقترفه إلا المصريون.
وللصرخة تاريخ في عمر الفن منها صرخة مونش الشهيرة وصرخة جيرونيكا بيكاسو.. لصرخات فرنسيس بيكون المتنوعة وأشهرها دراسة انطلاقا من لوحة البابا أينوتشنتيي العاشر لبيلا سكوين 1953.. لصرخات سمير فؤاد الدالة المؤثرة.. وتذكرني أعمال الفنان بما قاله فرنسيس بيكون (الفنان الأثير لديه في أسلوبه اختراق لأماكن شعور جديدة بدلاً من أن يكون مجرد تصوير لشيء ما فأنا، في الحقيقة أحب لرسومي أن تبدو وكأن كائناً بشرياً مر بينها كما يمر شيء ما تحت مطرقة، ما يدل صورة ما لحضور هذا الكائن، وذاكرة تبقي لأحداث مرت تحت تلك المطرقة ويمكني التوقف هنا لأستدعي بيتهوفن في سيمفونيته الخامسة والتاسعة في استعارة من الموسيقي حيث الإيقاع بقوة يماثل ضربات الفرشاة بقوة وتفرد وبقسوة أحياناً) وهنا يحضرني الفنان سمير فؤاد الذي أحب بيتهوفن لدرجة أنه من السهولة بمكان أن يحاضر فيه لعدة ساعات متواصلة دون كلل، وإنا لمنتظرون أن يحاضر في الموسيقي لتمكنه مثلما يمتلك أدواته عندما يشرع في رسم لوحة.
لم يتبق سوي أن أقول إن معرض الفنان القدير سمير فؤاد جدير بالمشاهدة لما يحتويه من أعمال تعد علامة فارقه في تاريخ الفنون المصرية فإيقاع اللوحة حداثي دونما انفلات ففي لوحات أخري تجده وقد استلهم الفن الفرعوني لنساء من العوام واللائي نلاقيهم في أزقة وحواري مصر ولكن بتناول حداثي .. الفرشاة تحدث فوارق في الفورم فتجعله ثابتاً ومتحولا في آن واحد، وهذه مفردات جديدة علي العملية الفنية في مصر.
كذلك الراقصة التي تزمع أن تحيي جمهورها وكأنك ضمن جمهورها تحييها لولا وجودك الواقعي أمام اللوحة بالمعرض!
هي أعمال في مجملها متفردة وحلق بها لآفاق بعيدة وتميز عن مجا يليه لأسباب أولها عدم انتسابه لأي من مدارس الفنون المنتشرة بمصر، كذلك عدم اشتغاله بالصحافة التي توقع الفنان في أسر آليات الحفظ فتتشابه الأعمال، وتكبله داخل الفورم مما يؤثر علي عملية الإبداع فيما لو قرر رسم لوحة .. ليختلط عليه الأمر ..؟
وظني أن سمير فؤاد عمل في هندسة الكمبيوتر واتخذ من الفن حرفة عندما أشار عليه الفنان حسن سليمان أن يقيم معرضاً بعد ما وجد فيه نبوغاً مفرطاً يؤهله لأن يكون الأول .. وبغياب حسن سليمان أتجرأ وأقول أن سمير فؤاد بات الأهم، وقد كان لصداقة الفنان به التأثير الكبير، ليس من حيث الأسلوب أو الإيقاع، أو اللون أو الفورم ولكن لتوجيهاته والتي أخذها سمير فؤاد علي محمل الجد فسعي من خلال منظور مستقبلي للفن يحاول أن يحتفظ ببساطته كمعيار لأصالته وحيث يعيد التحوير والتشويه وتقطيع الأشكال ضرورة لشكل تعبيري أكثر إثارة وإيحاء.
ولم يتهاون مع نفسه في بناء لوحته بناء عفوياً بل كان يدقق في تفاصيلها ويوازن بين أحجام الشكل فيها شملت رؤية متكاملة لأسلوبه في المنظورة والإضاءة وتوزيع الظلال حينا وتكثيفها حيناً آخر ولكنه لم يعمل ذلك إلا من أجل تعزيز مداليله المعنوية ضمن وحدات منفردة متواصلة في آن واحد.
ولخلق التوتر داخل اللوحة بملمسها الخشن باستخدام القشط بالسكين ليحقق الجدل بين الكتلة والفراغ وبين الظل والنور بألوان صحيحة ولكنها قوية ومؤثرة وفاعلة وكأنها تتحرك تارة إلي الأمام وتارة إلي الخلف وتارة إلي الوراء وتارة إلي أحد الجانبين ويتلاعب بأدواته وكأنه عازف بيانو أو فيولينة ماهر.
مما ينطبق عليه قول كاندينسكي (( بأن عدم التزام الفنان بالمحاكاة للمرئيات يوسع في مجال التعبير النفسي ويفتح المجال لإبراز الانفعالات الغامضة التي يعيش الإنسان في مناخاتها علي كثير من عدم الوضوح المرئي لها وقد يحاول أن يبرز تلك المشاعر من خلال الانسجام والتصارع اللوني وتحركهما داخل اللوحة ما تحمله الموسيقي إلي المجتمع« بيتهوفن السيمفونية التاسعة الحركة الأخيرة في حالة سمير فؤاد كنموذج.
وأيضاً ينطبق عليه قول " مايك سادلر" في كتابة فن التوافق الروحي .. من أنه راسم أنغام وقد حطم الحواجز الفاصلة بين الموسيقي والتصوير، لذا أري في لوحات الفنان تجاوزا لما هو معروف وسائد حيث استشراف أفق حديث ومتطور وسابق لهو في حقيقة الأمر نتاج ثقافة غنية يتحلي بها سمير فؤاد وأن كان عمادها الموسيقي الكلاسيكية بيتهوفن برامز ماهلر وغيرهما وأن كنت حقيقا بمعرفة أعماله فلن أبالغ أن قلت أن سماع أعمالهم »بيتهوفن وماهلر علي الخصوص « تعد مدخلاً لقراءة أعمال سمير فؤاد دون أن يتخلي علي الإطلاق عن كونه مصرياً حتي النخاع واصلاً بين الأصالة والمعاصرة بخفة ورشاقة، فالمرأة عنده فرعونية أحياناً، سوقية مبتذلة بأنف مفلطح وشفاه غليظة، راقصة درجة ثالثة بكرش وإلية مكتنزة!
وهكذا كما نراهن بشكل حقيقي دون تزويق كما يفعلها بعض الرسامين لذا لم يكن أبداً كاللاهث وراء بيع لوحاته، ولا حتي يحاول استرضاء القائمين علي سوق الفن بعمل مبتذل ومقتلع تماماً عن بيئته كفناني الصالونات المنتهية أزمانهم ومنهم قله تعرض حتي وقتنا هذا مع أن زمنهم انتهت صلاحيته، وللأسف يروجون لأعمالهم بإلحاح ويجدون في مقنيهم مرتعا للشراء دونما معرفة بقيمة اللوحة؟
وكل ما أوردته عن سمير فؤاد هي، انطباعات فأنا لم أشتغل بالنقد الفني ولم أتطرق إليه إلا مرة واحدة عندما كنت أعمل بأبوظبي رساماً ومؤسساً لمجلة ماجد الأسبوعية. ففي صبيحة أحد الأيام وأنا بمكتبي أطالع الصحيفة التي تصدر عن نفس الدار التي أعمل بها فهالني ما رأيت؟ المجمع الثقافي يعلن عن قدوم رسام لبناني للعرض بالمجمع، ومرفق عدة لوحات للرسام وكم خيب ظني فاللوحات هي ومن فرط التشابه الذي يقترب من النسخ وكأنها للفنان العالمي الشهير خوان ميرو ووجدتني منفعلاً ومندهشاً في نفس الوقت. فذهبت بعد الافتتاح بعدة أيام . فذهلت مدهوشاً مرة أخري .. الأسباني خوان ميرو موزع علي عدد كبير من اللوحات ولكن بتوقيع الفنان اللبناني وقفت وعلي رأسي الطير مبحلقاً في اللوحات ...؟؟ فسألت عن الفنان. فدلوني عليه فوجدته من الصلف واقفاً في استعلاء وغرور كبيرين، لا يليقان إلا بفنان علي وعي كبير بفنه، فغاظني أن اكتشفت انه حصل علي شهادة الفنون من مدريد باسبانيا موطن الفنان في العام 1957 م فوجدتني أكتب موضحاً كم السرقات التي أباحها لنفسه دون أن تتوافر لديه حمرة الخجل من فعلته تلك ورثيت له مما هو فيه وبالرغم من احتفاء بعض صحف الأبواب الفنية من نفس جنسية الرسام إلا أن الكثرة أدانوا ذلك الفعل . وفوجئت وقتها بالكاتب خلدون الشمعة يكتب في الشرق الأوسط اللندنية بالضبط كما كتبت أنا فأيقنت عندها كم كان نظري ثاقبا وأصلح لأن أكتب في النقد الفني فيما لو توافرت الأسباب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.