«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صرخات ممتدة عبر الزمن
نشر في أخبار الأدب يوم 11 - 12 - 2010

» الصبايا الحور ذوات اللون الأسمر المعجون بطين النهر، واللون القمحي الملفوح بوهج الشمس. تشكلن منذ فجر التاريخ من تراب الأرض ومياه النيل وأشعة الشمس، وتراهم يسعين في الوادي يبنين الحضارة. تراهن علي حوائط المعابد وفي تماثيل مختار بأجسادهن البضة الواشية بالعطاء وخير الأرض«
شكلن خيالي منذ طفولتي المبكرة من خلال ما تيسر من الحكايات والحوادث المتوارثة، والآن وقد دخلت العقد السابع مازال عبق هذه الأيام ينعش ذاكرتي ويدغدغ حواسي ويلهمني الدافع إلي الجلوس أمام حامل الرسم.
النص للفنان سمير فؤاد ... الذي يؤكد علي استغراقه في المحلية بكل مضامينها برغم ولعه الشديد بالثقافة الأوروبية، والتي بلغت غايتها لديه في كل أوجه الفنون، والموسيقي الكلاسيكية نموذجا.
ولد سمير فؤاد بضاحية مصر الجديدة، والتي كانت تنعم بتخطيط منظم لشوارعها وميادينها ومبانيها الفارهة وقصورها ذات الطراز الأوروبي والإسلامي، وبواكيها بأشجارها التي تتنوع بين الاكاسيا والموريسيا. وغيرهما بألوانها الزاهية وتفردها بالإضافة إلي ملاعب الجولف ومضامير سباق الخيول، بالإضافة لمترو مصر الجديدة، والذي اكتسب اسمه من شهرة المكان، يخترق شوارعها في مشهد رائع لمن تسني له أن يشهد بعضا من تلك الصور، وحتي شكل الكنائس وتنوع أشكالها (القوطي غالبا ) أضفي علي الضاحية جماليات لا تخطئها العين. كذلك مجتمع مصر الجديدة كان به عدد وفير من الأجانب المتمصرين، وكان تأثيرهم علي المكان إيجابياً كما هو في باقي أحياء القاهرة وبلدات أخري مثل بورسعيد والإسكندرية. وكان لنزوحهم الأثر السلبي علي الحياة بمصر شئنا أم أبينا. عاش سمير فؤاد في كنف كل هذا مما جعله ينفتح مبكراً علي الغرب والذي تشرب منه حيث أفاد كثيراً وتشكلت ثقافته الفنية، وسافر أيام كان شاباً يافعاً لإنجلترا، وشاهد عدة معارض كان لها الأثر الأكبر علي تطوره الفكري والفني خاصة، ولأن جيناته فنية خالصة أدرك بسرعة وبدون افتعال أهمية أن يكون مستمعاً علي درجة ممتازة للموسيقي الكلاسيكية، ويحدثك عنها كالعالم بكل مفرداتها مثلما فعل من قبله علي نفس الدرجة الممتازاً حسين فوزي وفؤاد زكريا و لويس عوض ويحيي حقي وغيرهم.
ولأن للموسيقي الكلاسيكية الأثر الكبير فتراه في لوحاته وكأنه غمس فرشاته في نوتة موسيقية لا بالت رسم، فهذا الفنان والذي تراه من بعيد تحسبه وكأنه خواجة، كما كان يقول المصريون علي الأجانب المتمصرين. فهو كما أسلفنا كان متأثرا بالثقافة الغربية فقد أتقن الانجليزية مبكراً، بل وتزوج من سيدة انجليزية فاضلة، متمنياً لهما العمر المديد وبالرغم من كل هذا فهو مصري خالص ( ابن بلد ) يملك المقدرة علي الإدهاش والجاذبية والإثارة. استمد هذه الروح المصرية من إحساسه بالثقافة المحلية وارتباطه بها ارتباطا عضويا وفكرياً، مهموماً ببلده، ويحب أن يراها ولو بالصورة التي اعتادها لبلده أيام كان صغيراً، أيام كانت مصر التي شغف بها جميلة خاصة القاهرة التي كانت؟!
ولمصريته المفرطة تجده وقد استلهم كل التراكم الكمي لثقافة مصر وفنونها، بداية من الحقبة الفرعونية وهي الأهم في حياة المصريين المستنيرين، مروراً بكل الحقب منها القبطي والإسلامي مما كان لهما الأثر الكبير علي فنه وصولا للشكل أو الفورم لأغلبية نسائه والتي من فرط مصريتها يخال لك انك التقيتهما في مكان ما أو رأيتها عن كثب.
أذكر أنني التقيت بأحد أعمال الفنان علي ما أذكر كانت منشورة بأخبار الأدب، منذ عدة سنوات وكانت عبارة عن مائيات أطلق عليها الفنان باذنجان ابيض باذنجان اسود، ولجمال ما رأيت، فكان أن التفت إليها بشدة وكانت من التأثير بحيث أفسحت مكانا لها بذاكرتي وهي بعد لم تبرحه كالأشياء الجميلة دائما لا تغادر مخيلتنا فنستدعيها كلما حاصرنا القبح من كل مكان وما أكثره تلك الأيام. وكان لغرابة الموضوع وهي مجموعة مائيات أنجزها الفنان منذ سنوات، ولعدم إدراكي أن هناك من يجدون لمثل تلك الأشياء أهمية بحيث تم تخليق موضوع فلسفي لأشياء لم توجد إلا لأسباب أخري..؟!
ولأنني ممن كانوا يتوقعون أن يطلق (الصرخة) اسما علي معرضه إلا أنه اختار "لحم" وقد فعل ذلك بتناسق وحيوية يقنعانك وإن مؤقتاً علي الأقل بأن شيئاً آخر لا يمكن أن يكون أكثر إثارة أو أكثر أهمية من رؤيته تلك.
أقصد معرضه المقام حالياً بجاليري بيكاسو بحي الزمالك وكان من المفترض أن أبدأ به فهو صاحب المقال، ولكن كان لابد من تلك الافتتاحية والتي فرضها شخص الفنان والذي تعرفت إليه عن كثب فوجدته موسوعة لكل أنواع الفنون تقريبا. وهذه أشياء باتت من الصعب أن تجدها في أغلبية فناني هذا الزمن .. و"لحم" تسمية أطلقها الفنان علي معرضه لتكون شاهداً علي حيرة وغربة الإنسان، فكان لتسييس المعرض ضرورة للتعبير عن موقف الفنان المناهض للانحطاط الأخلاقي تجاه الفرد الإنسان في كل مكان علي المعمورة وتناول عذابات المواطن العراقي بسجن أبو غريب، ولتناوله جرأة تحسب له. فضرب سمير فؤاد عرض الحائط بعدة مفاهيم فنية، وخرج عن عوالم الفنان التقليدية والمكررة والتي تخضعه لآليات سوق الفن والتي لشراستها تخضع الفنان لأن يقول ما لا يحب. لا أن يقول ما يود هو قوله. وسمير فؤاد غني بالأساس بعوالمه الداخلية دون الالتفات للمؤثرات البيئية والثقافية والمناخ القائم علي احتياجات السوق والتقبل الاجتماعي للعملية الإبداعية لحين يتوافر شرط تمرير الأعمال بسهولة وهو رأي قال به الناقد الفني كليمنت جرينيج ..أن الفن ينبغي أن يلبي الاحتياجات الثقافية مع التقبل الاجتماعي للعمل الفني.
قليلون هم من تناولوا ما جري وما حدث بسجن أبو غريب لعل أشهرهم العالمي الكولمبيي فرناندو بيتيرو fernando botero الموزعة أعماله ومنحوتاته علي عدة عواصم عالمية، وهو من الشهرة بحيث يعد الأغلي سعراً بين كل الرسامين المعاصرين. وفي تناوله لما جري وما حدث بأبي غريب كانت رؤيته تفتقر لأهمية الحدث، فأخضعهما لأسلوبه دون أن يعمل فكره في
الفورم "الشكل" والتكوين اللازمين لمثل هذه الأعمال فكان سمير فؤاد أن عمل فكرة فجاءت لوحاته موحية ومؤثرة وصادمة ومباشرة ففاقت أعمال بيتيرو بكثير. ولعله الإحساس بفداحة ما حدث وما جري بأبو غريب القريبة منا، ولاشتراكنا في مصير واحد أوغل في صدر الفنان أن يبدع وان يتأثر وأن يحس ولك عزيزي القارئ أن تدخل علي الويب وتتأكد بنفسك وتقارن بين فناننا وبيتيرو العالمي.
وأقول وكلي ثقة أن سمير فؤاد كان الأعمق من مجايليه، حيث العملية الفنية برمتها تشكل له هاجسا مؤرقا ولكنه موحي كما لوحاته بالمعرض، ومنها الصرخات التي تدوي في أرجاء الأتيلييه وان أصغيت لابد وأن تصم آذانك من فرط الدهشة، معلنه استياءها واشمئٍزازها وضجرها وكأنها نائحات علي زمن هو الأوقح في تاريخ مصر المعاصرة.
فالصرخات مكبوتة لدي الكثرة من معذبينا في الأرض. والذين ينشدون الانسلاخ مما هم فيه؟؟ والترتيب المنهجي للوحات قياساً علي ما نحياه لكم هي معبرة. فبعد الصرخات المدوية نجد اللحم موزعا علي عدد من اللوحات بضربات فرشاة قوية ومؤثرة. ومضجرة عن عمد، واللون الأحمر بكل درجاته، لا ليلهينا ولكن ليحدث فينا صدعاً بعد ما بات اللحم عزيز المنال علي شرائح اجتماعية كبيرة في بلدنا.. كل اللحم، البض المستعر شبقا.. والمعلق علي خطاطيف في فعل سادي لا يقترفه إلا المصريون.
وللصرخة تاريخ في عمر الفن منها صرخة مونش الشهيرة وصرخة جيرونيكا بيكاسو.. لصرخات فرنسيس بيكون المتنوعة وأشهرها دراسة انطلاقا من لوحة البابا أينوتشنتيي العاشر لبيلا سكوين 1953.. لصرخات سمير فؤاد الدالة المؤثرة.. وتذكرني أعمال الفنان بما قاله فرنسيس بيكون (الفنان الأثير لديه في أسلوبه اختراق لأماكن شعور جديدة بدلاً من أن يكون مجرد تصوير لشيء ما فأنا، في الحقيقة أحب لرسومي أن تبدو وكأن كائناً بشرياً مر بينها كما يمر شيء ما تحت مطرقة، ما يدل صورة ما لحضور هذا الكائن، وذاكرة تبقي لأحداث مرت تحت تلك المطرقة ويمكني التوقف هنا لأستدعي بيتهوفن في سيمفونيته الخامسة والتاسعة في استعارة من الموسيقي حيث الإيقاع بقوة يماثل ضربات الفرشاة بقوة وتفرد وبقسوة أحياناً) وهنا يحضرني الفنان سمير فؤاد الذي أحب بيتهوفن لدرجة أنه من السهولة بمكان أن يحاضر فيه لعدة ساعات متواصلة دون كلل، وإنا لمنتظرون أن يحاضر في الموسيقي لتمكنه مثلما يمتلك أدواته عندما يشرع في رسم لوحة.
لم يتبق سوي أن أقول إن معرض الفنان القدير سمير فؤاد جدير بالمشاهدة لما يحتويه من أعمال تعد علامة فارقه في تاريخ الفنون المصرية فإيقاع اللوحة حداثي دونما انفلات ففي لوحات أخري تجده وقد استلهم الفن الفرعوني لنساء من العوام واللائي نلاقيهم في أزقة وحواري مصر ولكن بتناول حداثي .. الفرشاة تحدث فوارق في الفورم فتجعله ثابتاً ومتحولا في آن واحد، وهذه مفردات جديدة علي العملية الفنية في مصر.
كذلك الراقصة التي تزمع أن تحيي جمهورها وكأنك ضمن جمهورها تحييها لولا وجودك الواقعي أمام اللوحة بالمعرض!
هي أعمال في مجملها متفردة وحلق بها لآفاق بعيدة وتميز عن مجا يليه لأسباب أولها عدم انتسابه لأي من مدارس الفنون المنتشرة بمصر، كذلك عدم اشتغاله بالصحافة التي توقع الفنان في أسر آليات الحفظ فتتشابه الأعمال، وتكبله داخل الفورم مما يؤثر علي عملية الإبداع فيما لو قرر رسم لوحة .. ليختلط عليه الأمر ..؟
وظني أن سمير فؤاد عمل في هندسة الكمبيوتر واتخذ من الفن حرفة عندما أشار عليه الفنان حسن سليمان أن يقيم معرضاً بعد ما وجد فيه نبوغاً مفرطاً يؤهله لأن يكون الأول .. وبغياب حسن سليمان أتجرأ وأقول أن سمير فؤاد بات الأهم، وقد كان لصداقة الفنان به التأثير الكبير، ليس من حيث الأسلوب أو الإيقاع، أو اللون أو الفورم ولكن لتوجيهاته والتي أخذها سمير فؤاد علي محمل الجد فسعي من خلال منظور مستقبلي للفن يحاول أن يحتفظ ببساطته كمعيار لأصالته وحيث يعيد التحوير والتشويه وتقطيع الأشكال ضرورة لشكل تعبيري أكثر إثارة وإيحاء.
ولم يتهاون مع نفسه في بناء لوحته بناء عفوياً بل كان يدقق في تفاصيلها ويوازن بين أحجام الشكل فيها شملت رؤية متكاملة لأسلوبه في المنظورة والإضاءة وتوزيع الظلال حينا وتكثيفها حيناً آخر ولكنه لم يعمل ذلك إلا من أجل تعزيز مداليله المعنوية ضمن وحدات منفردة متواصلة في آن واحد.
ولخلق التوتر داخل اللوحة بملمسها الخشن باستخدام القشط بالسكين ليحقق الجدل بين الكتلة والفراغ وبين الظل والنور بألوان صحيحة ولكنها قوية ومؤثرة وفاعلة وكأنها تتحرك تارة إلي الأمام وتارة إلي الخلف وتارة إلي الوراء وتارة إلي أحد الجانبين ويتلاعب بأدواته وكأنه عازف بيانو أو فيولينة ماهر.
مما ينطبق عليه قول كاندينسكي (( بأن عدم التزام الفنان بالمحاكاة للمرئيات يوسع في مجال التعبير النفسي ويفتح المجال لإبراز الانفعالات الغامضة التي يعيش الإنسان في مناخاتها علي كثير من عدم الوضوح المرئي لها وقد يحاول أن يبرز تلك المشاعر من خلال الانسجام والتصارع اللوني وتحركهما داخل اللوحة ما تحمله الموسيقي إلي المجتمع« بيتهوفن السيمفونية التاسعة الحركة الأخيرة في حالة سمير فؤاد كنموذج.
وأيضاً ينطبق عليه قول " مايك سادلر" في كتابة فن التوافق الروحي .. من أنه راسم أنغام وقد حطم الحواجز الفاصلة بين الموسيقي والتصوير، لذا أري في لوحات الفنان تجاوزا لما هو معروف وسائد حيث استشراف أفق حديث ومتطور وسابق لهو في حقيقة الأمر نتاج ثقافة غنية يتحلي بها سمير فؤاد وأن كان عمادها الموسيقي الكلاسيكية بيتهوفن برامز ماهلر وغيرهما وأن كنت حقيقا بمعرفة أعماله فلن أبالغ أن قلت أن سماع أعمالهم »بيتهوفن وماهلر علي الخصوص « تعد مدخلاً لقراءة أعمال سمير فؤاد دون أن يتخلي علي الإطلاق عن كونه مصرياً حتي النخاع واصلاً بين الأصالة والمعاصرة بخفة ورشاقة، فالمرأة عنده فرعونية أحياناً، سوقية مبتذلة بأنف مفلطح وشفاه غليظة، راقصة درجة ثالثة بكرش وإلية مكتنزة!
وهكذا كما نراهن بشكل حقيقي دون تزويق كما يفعلها بعض الرسامين لذا لم يكن أبداً كاللاهث وراء بيع لوحاته، ولا حتي يحاول استرضاء القائمين علي سوق الفن بعمل مبتذل ومقتلع تماماً عن بيئته كفناني الصالونات المنتهية أزمانهم ومنهم قله تعرض حتي وقتنا هذا مع أن زمنهم انتهت صلاحيته، وللأسف يروجون لأعمالهم بإلحاح ويجدون في مقنيهم مرتعا للشراء دونما معرفة بقيمة اللوحة؟
وكل ما أوردته عن سمير فؤاد هي، انطباعات فأنا لم أشتغل بالنقد الفني ولم أتطرق إليه إلا مرة واحدة عندما كنت أعمل بأبوظبي رساماً ومؤسساً لمجلة ماجد الأسبوعية. ففي صبيحة أحد الأيام وأنا بمكتبي أطالع الصحيفة التي تصدر عن نفس الدار التي أعمل بها فهالني ما رأيت؟ المجمع الثقافي يعلن عن قدوم رسام لبناني للعرض بالمجمع، ومرفق عدة لوحات للرسام وكم خيب ظني فاللوحات هي ومن فرط التشابه الذي يقترب من النسخ وكأنها للفنان العالمي الشهير خوان ميرو ووجدتني منفعلاً ومندهشاً في نفس الوقت. فذهبت بعد الافتتاح بعدة أيام . فذهلت مدهوشاً مرة أخري .. الأسباني خوان ميرو موزع علي عدد كبير من اللوحات ولكن بتوقيع الفنان اللبناني وقفت وعلي رأسي الطير مبحلقاً في اللوحات ...؟؟ فسألت عن الفنان. فدلوني عليه فوجدته من الصلف واقفاً في استعلاء وغرور كبيرين، لا يليقان إلا بفنان علي وعي كبير بفنه، فغاظني أن اكتشفت انه حصل علي شهادة الفنون من مدريد باسبانيا موطن الفنان في العام 1957 م فوجدتني أكتب موضحاً كم السرقات التي أباحها لنفسه دون أن تتوافر لديه حمرة الخجل من فعلته تلك ورثيت له مما هو فيه وبالرغم من احتفاء بعض صحف الأبواب الفنية من نفس جنسية الرسام إلا أن الكثرة أدانوا ذلك الفعل . وفوجئت وقتها بالكاتب خلدون الشمعة يكتب في الشرق الأوسط اللندنية بالضبط كما كتبت أنا فأيقنت عندها كم كان نظري ثاقبا وأصلح لأن أكتب في النقد الفني فيما لو توافرت الأسباب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.