اقتصاد نفسي بين عين الفنان وعدسة التلفزيون او السينما "خناقة سرية" واحيانا تكون الخناقة علنية ،فالعدسة السينمائية او التلفزيونية تحفظ حركة الانسان او المشهد في تتابعها امام العين وحركة عيون المصور الرسام تحاول اصطياد الزمن لتضعه علي القماش او الورق كي يصبح الزمن محصورا في مكان ومعلقا علي الجدران. ولعل تلك الخناقة هي ما لفتت انتباه الفلاسفة والاطباء والمؤرخين وكاتبي السير الذاتية التي تحكي عن البسطاء او العظماء او حتي كتاب تاريخ اي مدينة فالصور لنابليون بونابرت وهو ينتظر اخبار النصر في مصر تختلف عن اللوحة التي تراها وهو مغروس في ثلوج روسيا وكل ما فعله المصورون في تلك الايام هو محاولة تخليد اللحظة باللون والملامح ولم يكن هناك من هو قادر علي معرفة اجابة لسؤال كيف تري العين اي حركة او كيف يستقر في الذهن ملامح طفل تدور به مرجيحة؟ او تظهر دقة حذاء امرأة علي الارض اذا كانت تلك السيدة من حي شعبي وترتدي الملاية اللف؟ كل ذلك ظهر بوضوح في معرض الفنان سمير فؤاد المقام في جاليري بيكاسو بالزمالك وعلي الرغم من ان الفنان درس الهندسة الا انه استطاع ان يمد عيونه الي الفلسفة وكأنه ادرك منذ زمن علاقة الفلسفة بكل ما يتحرك او يختفي في كوكبنا التعس وهو قد تعرف ايضا علي اسرار الموسيقي من احوال تدور حول الاهوال التي تتفجر تحت وفوق اعماق الكائن البشري الذي يندهش ليسجل كل ما يمر به. ويبدو واضحا تأثير ما تعلمه سمير فؤاد من معلمه حسن سليمان لكنه لا يتماهي فيه ولاتذوب شخصيته شديدة الخصوصية. وانت امام لوحات سمير فؤاد يمكنك ان تري عذابه الشخصي في محاولة التقاط التتابع الزمني للشخصية او للمكان ويحرك فرشاته والوانه في اتجاهات موسيقية متعددة من اجل التعبيرعما يرغب في التعبير عنه ولولا درجة السرعة في الاداء وقدرة التعبير التي توحي بحكايات متعددة ومنوعة فيما سوف يأتي من لوحات لولا لقلت ان سمير فؤاد غلب بالمشاعر هذا التدفق الزمني الذي يسرق منا العمر وحوله الي موسقي واضحة في اللوحات. سألت نفسي ما الفارق بين العقل والجنون فيما يقدمه سمير فؤاد من لوحات؟ وجاءتني الاجابة من هزة وسط راقصة في حي شعبي تطل من احدي لوحاته وكأنها تقول لي لا فرق بين العقل والجنون في فن التصوير فكلاهما مجرد حالة تحكي ما تراه العين ويشعر به القلب. شكرا لصاحب المعرض ابراهيم بيكاسو فقد كان هو اول من اقام جسرا للحوار بيني وبين هذا الفنان الذي انجز ومازلت انتظر الفلسفة وهي تتحول الي ايقاع لوني يحاصر الزمان والمكان.