في كتاب «تشريح الفيلم» يقول المؤلف: «يعتبر الزمن السينمائي زمنا كيفيا، فإنه بمقدور صناع الأفلام ضغط يوم بأكمله في دقائق قليلة أو في امكانهم تطويل دقائق قليلة إلي ما قد يبدو يوما بأكمله، ففي مشهد سلالم الأدويسة المشهور في فيلم «بوتمكين» 1925 يطمس المخرج الروسي سيرجي ايزنشين معالم الزمن الحقيقي: فهو يجعل المذبحة علي السلالم تبدو أطول مما لو كانت في المعتاد لأنه يريد التأكيد علي الأعمال الوحشية التي ارتكبها جنود القيصر ضد أهل الأوديسة». الحركة المنطقية ويبرز الزمن من خلال تنظيم الأحداث بحيث تتتابع في سيولة منطقية متحركة إلي الأمام، فالحركة المبررة أو الحركة المنطقية وفق فكر معين هي التي تبرز سير الزمن حتي ولو سارآلاف السنين، فقد يحدث في بعض الأحيان أن يفشل صانع الفيلم في التعبير عن مرور الزمن مهما أتي من المشاهد أو اللقطات ولا يقتنع المتفرج بأن ما حدث يكفي للتبرير بمرور الفترة التي يريد المخرج أن ينوه عنها،فالعبرة هنا في البلاغة السينمائية واختيار نوع المشهد أو اللقطة وقد لا يستخدم في الدلالة علي مرور الزمن مكياج أي شخصية من الشخصيات أو حتي جملة حوارية بل يعتمد علي الطبيعة مثل لقطات الأرض الفاحلة التي تتحول إلي أرض خضراء أو العكس صحيح أو مثل الانتقال من الشتاء إلي الصيف عن طريق لقطات المناطق المغطاة بالثلوج. سينما الشيطان يقول إبشتين في كتابه «سينما الشيطان» عندما يتحدث عن الزمن: «والحق أن الزمن قوة لا تقاوم ولا رجوع فيها، علي الأقل الزمن الموضوعي والعلمي، فلا عودة من الدخان إلي النار ولا من الرصاص إلي الراديوم «أمابرجسون فإنه يري بأن السينما في الواقع عندما تعيد تقديم الحركة من مقاطع ساكنة فإنها لا تفعل إلا ما فعله الفكر البالغ القدم (مفارقات زينون)، أو ما يقوم به الإدراك الحسي الطبيعي»، وبهذا يؤكد برجسون بأن السينما هي آلة معرفتنا الطبيعية، أما أرتو فإنه يري أن السينما عبارة عن اهتزازات أو ذبذبات عصبية ولذلك فإن الصورة يجب أن تسبب صدمة أو موجة عصبية ينتج عنها الفكر، لأن الفكر في حاجة علي الدوام إلي ما يولده بشكل متكرر وأن الصورة تتخذ نشاط الفكر موضوعا لها ويقودنا نشاط الفكر هذا إلي الذات الحقيقية التي تقودنا إلي الصورة، أما موقف الزمان من كل هذا فإنه يسقط بين الصور ليحركها من خلال هذه الحركة يربط بينهما ويحيلها في النهاية إلي معني، وهذا لا يعني أن هذا الزمن هو الزمن الطبيعي ولكن من خلال السيطرة عليه وتركيزه وإيجازه فعندئذ يتحول الزمن الطبيعي إلي زمن فني أو زمن تأثيري وذلك حسب قول آلات كاسبيار في كتابه «التذوق السينمائي»، فهو يري بأن الحدث لا يمر بالسرعة التي نراها في الفيلم ولكن «هذه السرعة ضرورية للتأثير علي عواطف المتفرج»، ويقسم كاسبيار الزمن السينمائي إلي ثلاثة أنواع: «زمن درامي، زمن طبيعي ثم زمن تأثيري»، أما الزمن الدرامي يؤسس مقتضيات الحبكة ورسم الشخصيات والموضوع وملامح التطور الروائي، ويمكن للأحداث الضخمة الواسعة المجال مثل حروب نابليون مع روسيا أن يتم تصويرها من خلال الزمن الدرامي في ساعات قليلة - وذلك كما نري في المعالجات السينمائية المختلفة لرواية «الحرب والسلام»، ومن المعتاد عندما يجري تصوير أي حادثة بلغة الزمن الدرامي أن يحذف الكثير منها، فليس المشاهد مضطرا لأن يشاهد مراحل الحدث كله من أجل الوقوف عليه. الزمن المتخيل وعندما يحاول أحد الأفلام أن يعرض تطور الحدث كاملا فعندئذ يتدخل زمن آخر والمقصود هنا هو الزمن الطبيعي، وقليل جدا من الأفلام السينمائية تم بناؤها وفقا للزمن الطبيعي والمثل الواضح لذلك فهو فيلم «كيلو من الساعة الخامسة إلي الساعة السابعة» إخراج أنييس فاردا 1962 فهو يعرض في خلال ساعتين حكاية عن حياة امرأة في يوم معين تستغرق أحداثها الحقيقية ساعتين من دون أكثر أو أقل، أي أن الزمن الطبيعي يتضمن بناء سينمائياً للأحداث بنفس المعدل الزمني الذي كانت تستغرقه في الواقع الحقيقي خارج نطاق الفيلم السينمائي». أما أندريه بازان الباحث عن واقعية الزمن فإنه ينادي بلقطة طويلة ذات عمق بؤري وذلك لتحقيق تكامل زمني ومكاني، ولذلك فإنه يفضل أن يقوم المخرج بتصوير المشهد في لقطة واحدة تعتمد علي الميزانسين دون قطع وذلك لتكون أقرب إلي الحدث الطبيعي «حياة الناس». العين السينمائية ويبحث السينمائي الروسي دذيجا فيرتوف أحد أصحاب النظريات السينمائية عن ما يسميه «العين السينمائية» وهي في نظرة السينما الخالصة أو السينما الحقيقية التي لا تشوبها شائبة الموسيقي أو الأدب أو المسرح فهو يبحث عن فكر سينمائي خالص، يقول فيرتوف من ترجمة عدنان مدانات: «إننا نطهر اتجاه «العين السينمائية» من المتطفلين: الموسيقي والمسرح والأدب ونحن نبحث عن إيقاعنا الخاص، ايقاع ما لم نسرقه من غيرنا، ونجده في حركات الأشياء» ، فهو يري أن الشاعرية تفوح من حركة الآلة وهي تؤثر فينا لأنها معصومة من الخطأ، وبالطبع فإن هذا التصور يثير المناقشة والجدل لأنه يخرج عن وظيفة الفن وطبيعته خاصة وأن الإنسان هو محور الوجود وليس الآلة مهما بلغت من اتقان وسيطرة علي حياتنا، وقد نؤيده عندما ينادي باستقلالية السينما عن غيرها من الفنون ولكن يجب أن تبحث لنفسها عن الشكل الفني الذي يمتعنا ولا يحيل الفيلم السينمائي إلي مجرد نسخة من الواقع خاصة وأن السينما كما سبق وأن ذكرنا بأنه فن يقوم أصلا علي تصوير الواقع لأنه يصور أشياء حقيقية ملموسة وأن الواقع برمته يتسم بالفوضي وعدم التناسق والبعد عن الجماليات أحيانا وعلي الفن أن يقوم بتقنينه وإعادة بنائه حتي يصبح له معني معين يهدف إليه الفنان، إن ما ينادي به فيرتوف من فكر سينمائي إنما يصلح أو يناسب بشكل متكامل الجرائد السينمائية وبعض الأفلام التسجيلية. إقحام الفنون ويبرر فيرتوف نفوره من اقحام الفنون الأخري مثل الموسيقي والأدب والمسرح بأن هذه الفنون تقوم بتزييف الواقع السينمائي وقد تدفع المخرج إلي بناء الديكورات التي تزيد الفن السينمائية حسب رأي فيرتوف زيفا وبعدا عن الواقعية، ولكننا نقول بأن الديكورات والإكسسوارات قد لا نجد مثيلا دقيقا لها في الواقع وأنها تتيح للمخرج فرصا للإبداع السينمائي لسهولة التحكم فيها وهذا ما سوف نتحدث عنه عندما يأتي ذكر المكان وأهميته في الفكر السينمائي، كما أن الديكورات والإكسسوارات علي سبيل المثال تكشف عن معلومات في البناء الفيلمي لا غني عنها إذ في الإمكان أن نري هذه العناصر بطرق إضاءة مختلفة، وكما يقول يوجين قال في كتابه «فن كتابة السيناريو» من ترجمتنا: «وتوجد نفس العناصر في الرواية وفي المسرحية علي المسرح (ويعني هنا الديكورات والإكسسوارات) ولكن ليس في تصورها هناك الكشف عن المعلومات الكافية، ويرجع التفسير إلي أنه لا يمكن تقديم الرواية بشكل مرئي، أما في المسرح فإن كمية هذه العناصر أقل منها في الفيلم السينمائي».