سعر الدولار اليوم يقفز عالميًا بعد الهجوم الإيراني الجديد (قائمة أسعاره الجديدة)    أسعار الخضروات والأسماك والدواجن اليوم 16 يونيو بسوق العبور للجملة    بعد عمله اليومى.. محافظ قنا يتجول بدراجة فى شوارع المحافظة    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الاثنين 16-6-2025.. هبوط كبير تجاوز 900 جنيه    رئيس جهاز حماية المستهلك يلتقي وزير الطيران المدني لبحث سُبل التعاون بين الجانبين    إعلام عبري: مقتل 4 إسرائيليين جراء إصابة مباشرة بصاروخ إيراني في بيتح تكفا    وصول بعثة الأهلى لفندق الإقامة فى نيوجيرسى.. صور    ليس تريزيجيه.. ميدو يحمل هذا اللاعب مسؤولية إهدار ركلة جزاء الأهلي ضد إنتر ميامي    وزير الثقافة يشهد العرض المسرحي «كارمن» بمسرح الطليعة ويشيد بصناعه | بالصور    منتخب السعودية يستهل مشواره في الكأس الذهبية بالفوز على هاييتي بهدف    ميدو يتحدث عن أمنيته ل الأهلي في كأس العالم.. ويوجه رسالة بشأن زيزو (فيديو)    مدرب بالميراس: مباراة بورتو ستساعدنا على التحضير لمواجهة الأهلي    قوات الحرس الثورى الإيرانى تُسقط 3 طائرات إسرائيلية فى زنجان وسنندج    ترامب: بوتين مستعد للوساطة.. واتفقنا على إنهاء التصعيد في الشرق الأوسط    الضربة الاستباقية الإسرائيلية ضد إيران بين الفشل والنجاح    عادل عقل: تعادل بالميراس وبورتو يشعل مجموعة الأهلى.. وفوز كبير للبايرن بمونديال الأندية    وسائل إعلام إسرائيلية: عدة مواقع في تل أبيب تعرضت لدمار كبير    إيران تشن أوسع هجوم صاروخي على إسرائيل حتى الآن    أحمد السقا يرد على تهنئة نجله بعيد الأب.. ماذا قال؟    ارتفاع قتلى الهجوم الإيراني على إسرائيل إلى 16 قتيلا    3 أيام متواصلة.. موعد إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والبنوك والمدارس (تفاصيل)    مراجعة اللغة الفرنسية الصف الثالث الثانوي 2025 الجزء الثاني «PDF»    انكسار حدة الموجة شديدة الحرارة.. الأرصاد تعلن مفاجأة بشأن طقس الساعات المقبلة    فيديو.. الأمن الإيراني يطارد شاحنة تابعة للموساد    مجموعة الأهلي.. نتيجة مباراة بالميراس وبورتو في كأس العالم للأندية    نجوى كرم تطلق ألبوم «حالة طوارئ» وسط تفاعل واسع وجمهور مترقب    بعد تعرضها لوعكة صحية.. كريم الحسيني يطلب الدعاء لزوجته    أحمد سعد يشعل حفل الجامعة الأمريكية، ويحيي الأوائل    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأثنين 16 يونيو 2025    إمام عاشور: أشكر الخطيب.. ما فعله ليس غريبا على الأهلي    وفاة تلميذ متأثرًا بإصابته بلدغة ثعبان في قنا    صرف الخبز البلدي المدعم للمصطافين في عدد من المحافظات    حريق داخل مدينة البعوث الإسلامية بالدراسة    مصرع طفلتين في حريق بمنزل أسرتهما بالزقازيق    ضبط موظف تحرش براقصة أرجنتينية في العجوزة والأمن يفحص    تنسيق الجامعات 2025.. تفاصيل الدراسة في فارم دي صيدلة إكلينيكية حلوان    شركة مياه الشرب بكفر الشيخ تُصلح كسرين في خط مياه الشرب    ختام فعاليات اليوم الأول من برنامج "المرأة تقود" بكفر الشيخ    بى إس جى ضد أتلتيكو مدريد.. إنريكى: نسير على الطريق الصحيح    ليلى عز العرب: كل عائلتى وأصحابهم واللى بعرفهم أشادوا بحلقات "نوستالجيا"    لا تسمح لطرف خارجي بالتأثير عليك سلبًا.. توقعات برج الجدي اليوم 16 يونيو    حدث بالفن | وفاة نجل صلاح الشرنوبي وموقف محرج ل باسكال مشعلاني والفنانين في مباراة الأهلي    رصاص في قلب الليل.. أسرار مأمورية أمنية تحولت لمعركة في أطفيح    أمين الفتوى: الله يغفر الذنوب شرط الاخلاص في التوبة وعدم الشرك    هل الزيادة في البيع بالتقسيط ربا؟.. أمين الفتوى يرد (فيديو)    عانى من أضرار صحية وتسبب في تغيير سياسة «جينيس».. قصة مراهق ظل 11 يوما دون نوم    سبب رئيسي في آلام الظهر والرقبة.. أبرز علامات الانزلاق الغضروفي    لدغة نحلة تُنهي حياة ملياردير هندي خلال مباراة "بولو"    صحة الفيوم تعلن إجراء 4،441 جلسة غسيل كلوي خلال أيام عيد الأضحى المبارك    الثلاثاء.. تشييع جثمان شقيق الفنانة لطيفة    عميدة إعلام عين شمس: النماذج العربية الداعمة لتطوير التعليم تجارب ملهمة    "نقل النواب" تناقش طلبات إحاطة بشأن تأخر مشروعات بالمحافظات    3 طرق شهيرة لإعداد صوص الشيكولاتة في المنزل    وزير الشئون النيابية يحضر جلسة النواب بشأن قانون تنظيم بعض الأحكام المتعلقة بملكية الدولة في الشركات المملوكة لها    بوستات تهنئة برأس السنة الهجرية للفيس بوك    تنسيقية شباب الأحزاب تحتفل بمرور 7 سنوات على تأسيسها.. وتؤكد: مستمرين كركيزة سياسية في الجمهورية الجديدة    جبل القلالي يحتفل بتجليس الأنبا باخوميوس أسقفًا ورئيسًا للدير (صور)    بمناسبة العام الهجري الجديد 1447.. عبارات تعليمية وإيمانية بسيطة للأطفال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ارهابي .. قصة قصيرة
نشر في شموس يوم 22 - 04 - 2014

بمجرد ان يكبس طرف اصبعي زر الرقم الاخير للهاتف المحمول المتصل بالقنبلة المزروعة في غصن الشجرة سوف تتحول هذه المنطقة الى خراب ، وسوف يقتل ويصاب العشرات من ضباط وعسكر الاعداء ، واكون قد انجزت مهمتي التي تم تكليفي بها منذ ايام ، ويصبح رمادي المتبقي من جثماني شاهدا على اني جاهدت من اجل الجماعة والفكرة حتى هذه اللحظة .
لا اذكر على وجه الدقة متى ضاقت الفضاءات في رأسي ؟ ، ولا كيف تحولت الي شخص مختلف ، صموت ، انعزالي ، احاول بقدر الامكان تجنب الضوضاء والناس . امي كانت تقول لي قبل ان تموت ان طفولتي كانت صاخبة ، مزدحمة بالإثارة والاحداث ، وكنت في غاية الشقاوة والتمرد ، كنت عنيفا مع الاطفال نظرائي ، والاطفال الاصغر لدرجة ان المكان الذي كنت اتواجد فيه يتحول بسرعة الى مسرح للفوضى ، والضوضاء ، والعراك ، وبكاء الاطفال المصاحبين لأقربائهم بسبب اعتدائي عليهم . وكانوا يسمونني في محيط العائلة " توفيق التريمنيتور " نظرا لقوتي وقدرتي على سحق جميع الاطفال الذين التقيهم في المناسبات العائلية . ظل هذا الأمر عبارة عن مجرد كلمات كنت اسمعها من والدتي بعدما استطالت قامتي واشتد عودي واصبحت اخجل من مجرد تواجدي بين الناس أو التحدث اليهم . واذا شاءت الصدف ان يحاول احدهم من اقاربي بالطبع فتح حوار معي ، ارتبك ، ويتغير لون وجهي حسبما يقولون ، و أفر من امامه من دون ان يتمكن لساني من فك الجمود الذي اصابه . لكني استطيع تذكر ما لحق من احداث بعدما استطالة قامتي وخط الشارب بنيا خفيفا مع القليل من الخصلات المناظرة من الشعر الخفيف والمتناثرة من غير عناية على جانبي وجهي ، وتظل الكتلة الأكبر متجمعة تحت ذقني ناعمة الملس . كأني لم اعد اكترث بشيء ، افرغ جل طاقتي في مذاكرة دروسي والاحتفاظ بتفوقي على نظرائي ، وكأنه قدري ان اظل في حالة عراك دائم مع الآخر . ادرك بوضوح ان داخلي يكاد يحترق وربما هذا ما كان يدفعني لمصارعة الاطفال في الصغر ، ولمنافسة الصبيان والشباب وحتمية التفوق عليهم في الكبر . الافكار في رأسي جامحة ، متداخلة ، غير واضحة المعالم . تدفعني بقوة نحو التشكك في الآخرين ومحاولة تجنبهم ، والتركيز على التهام كتب المدرسة والتفوق عليهم بأي شكل . لم اكن متأكدا من رغبتي في دخول كلية الهندسة ، كما ان تركيبة عقلي ليست رياضية أو تخييليه بالقدر الكاف لمنحي شرف الاصطفاف بجانب المهندسين العباقرة الذين غيروا شكل العالم . لكنه نهم العراك والصراع وربما الصدام ، ذلك الذي جعلني اركض في سباق لم اشعر في داخلي انني انتمي اليه . اتخذت من العزلة والابتسامة الخجولة وسيلة دفاعية براقة لمنحى اوسمة " الطيبة ، والجنتلمان ، والكيوت ، وبتاع ربنا " عن استحقاق وجدارة . تفوقي الدراسي المذهل ذهب بي الى كلية الهندسة الحكومية من غير معاناة ، والاوسمة التي حصلت عليها من اقاربي ومعارفي وجيراني رشحتني من دون تردد عضوا بارزا في جماعة المترددين على مسجد الكلية بانتظام . لم اكن متيقنا من ان جميعهم على شاكلتي ، لكن اغلبهم على الاقل يظهر ذلك ، أو هكذا ادركه انا على الأقل . لاحظت انه كلما اتسعت الحلقات بيننا في مسجد الكلية وغيره ، وتنوعت الدروس والمشايخ اتسعت حلقة الممنوعات والمحظورات والمحرمات داخل رأسي حتى اصبحت ارقب ذلك الكون الهائل من خلال ثقب الابرة .لكن لا استطيع ان ازعم ان ذلك حدث بالتحديد منذ ان وطأة قدماي مسجد الكلية الصغير المنزوي في احد الاركان البعيدة داخل كليتنا المترامية الاطراف . كانت ارهاصات ذلك بادية على تصرفاتي منذ التحقت بالمدرسة الثانوية بعد انجازي المدهش وحصولي على المركز الاول على محافظتي الاقليمية غرب القاهرة في الشهادة الاعدادية . لاحظت عزوفي عن قراءة الشعر وبالتالي كتابته على الرغم من شغفي بذلك في طفولتي وبواكير صباي . ايضا كنت مدمنا للاستماع لأغاني عبد الحليم حافظ القديمة حيث تتراقص على ايقاعاتها وموسيقاها القلوب المتوثبة للعشق والحنان والخيال . وكان في احلامي وخيالاتي ايضا متسع لاحتواء ذلك الكون الكبير المتقلب ، والمتناقض والذي يبدو في احيان كثيرة مثل حيوان شرس من الصعب ترويضه . لكني كنت على قناعة من امكانية عمل ذلك بقوة الصراع التي تستعر داخلي ولا ادري لها سببا واضحا سوى رغبتي وعشقي للحياة . لكن في المدرسة الثانوية حسبما اتذكر وبالتحديد في منتصفها عانيت كثيرا من الحرمان العاطفي والجنسي . خجلي اللافت اعاق بقوة دخولي في تجربة عاطفية مع ابنة الجيران كنت في اشد الحاجة اليها ، خاصة بعد ان تعمق شعوري بالرغبة في التحوصل داخل عالم الثانوية العامة المرهق . كنت التقيها في الدرس ، والمحت لي بصريح العبارة ان نخرج سويا بعد الدرس ، بل حاولت لمس يدي ذات مرة بينما كنا ندخل القاعة سويا ، لكني هلعت ، ارتبكت ، فررت بعيدا داخل نفسي ، واهتاجت في رأسي كافة انواع الهواجس ، وتداخلت . بالأمس كنت اتخيلني اسير معها ، اقبض على يدها ثم اقترب منها أكثر واضعها في حضني ، واعتصرها بيدي ، وعندما انام اراني وهي نائمين في فراش واحد عاريين تماما وكنت كثير التفكير فيها باشتهاء . لكن وسواس اخرى غريبة دخلت على الخط لم تكن في الحسبان وجدتها مبررا رائعا منقذا لكي استعيد حالة التوازن التي اختلت بفعل انجذابي الشديد لابنة الجيران وعجزي عن اقامة علاقة عاطفية أو غير عاطفية معها . تشكلت الافكار داخل رأسي في صورة شيطان محرض على الفتنة والحرام . وكنت كلما امعنت النظر اجدها امامي ترتدي قناع ذلك الشيطان وتدفع بي من الخلف بكامل قوتها الى داخل هوة النار المستعرة . في هذا الوقت تيقنت من ان تلك الصراعات داخلي ليس لها من حل سوى بالاقتراب من آخر ، ولكن لأني انسان عاجز ، ضائع ، عديم الحيلة ، قررت الاندماج أكثر مع كتب المدرسة ، وابتعد عن الناس وعن تلك الاحلام العاجزة التي كشفت مبلغ هواني مع ذلك الشيطان الذي يسكن داخلي . وكنت كلما شعرت بالوحدة والخواء يزداد نهمي للاعتكاف دخل غرفتي والاستغراق في " حفظ " معادلات ومسائل الفيزياء والكيمياء والرياضيات . فتشت عن " الله " داخلي ، ادركته بعيون الشخص العاجز قليل الحيلة ، ويطلب المساندة والستر . تحرك كلي في هذا الاتجاه ، اصبحت محاصرا بإحكام بين المذاكرة والدروس من ناحية ، وقضاء اوقات طويلة داخل الزاوية الصغيرة تحت منزلنا في الصلاة وقراءة القرآن ، والاستماع لزمرة من المشايخ الجدد الذين يتواترون على هذه الزاوية من الناحية الأخرى ، والأهم من كل ذلك تلك الصحبة من اصدقاء تلك الزاوية التي بدأت تتشكل وكان مجرد لقائي بهم في اوقات الصلاة يخفف عني الكثير من التوترات الداخلية . اصبحت في هذه الايام لا اتردد في اعلان ضيقي وتبرمي من ضيق ملابس اختي الوحيدة ، أو تصرفاتها وطريقة ضحكها ، وكذلك نوعية البرامج التي يشاهدونها في المنزل ، بل كنت اتمنى بشدة لو يغلقون جهاز التلفاز للابد ، واتخيل نفسي احيانا احمله بين يدي والقيه من شرفة شقتنا بالطابق السابع . اتسعت دائرة صراعاتي الشخصية لتضم داخلها ابي وامي ومسلكهم من الصلاة والدين وكيف انهم بعيدين بآلاف الاميال عن " الله " الذي اعرفه . وجاء الصيف وسط هذا الزخم من التصارع وقلق امي ، ودعاء ابي لي بالهداية في صلواته التي لم تكن تقنعني . جاء الصيف وترتيبي في امتحان المرحلة الاولي للثانوية العامة الاول بامتياز على مدرستي . تأكدت ان الله منحني هبة من عنده ولا يجب ان افرط فيها . ازددت اقترابا من اصدقاء الزاوية الصغيرة ، وازداد احتياجي لهم ، شدة التصارع داخلي خفت وتيرتها ، لم تعد مزعجة مثل زمان ، لكنها كافية لمنحي الطاقة اللازمة للحسم والسحق مثل العادة . علاقتي بعائلتي بهتت ، لم اعد ابالي بجدوى أو اهمية وجودي في المنزل بنفس القدر الذي يحدث مع جماعة اصدقاء الزاوية ، حيث تحررت من اعباء اية قرارات تتطلب إنتاج افكار ، أو مناقشة آراء ، أو مجرد اختيار اشخاص تقرأ لهم او تنصت اليهم . كل شيء اصبح يصلني جاهزا من مشايخي أو حتى اصدقائي الاقدم . سعدت جدا بهذا الامر ، فمجرد عملية التفكير واعمال الدماغ والانشغال بالمشكلات البشرية الصغيرة يؤجج الصراع داخلي بشدة ، لكني اشعر بتحرري الآن . مضت السنة التالية بسرعة واحتفظت بتفوقي ، ولم القى بالا بفرحة امي ، ولا شعور والدي بالزهو والفخار وهو يتحدث مع اصدقائه على المقهى الشعبي حيث كان منزلنا القديم ، وكان لوالدي اصدقاء هناك . اسرعت للزاوية وقت صلاة العصر وهناك التقيتهم ، والتقيت نفسي ، كانت فرحتي بينهم طاغية ، عظيمة ، واستشعرتها أكثر عندما قدم شيخي للتهنئة ، وابلاغي بضرورة التقدم لكلية الهندسة لانهم يعدونني لأمر كبير . رقص قلبي من الفرحة ، كياني كله اصبح ممتلئا بالبشرى والروعة والتشوق لخدمة الجماعة . في هذه المرحلة بدا لي ان صياغة جديدة لحياتي تتشكل ، وان هناك صراعا جديدا ينمو داخلي يختلف عن صراعاتي مع الاطفال ايام زمان ، أو مع اقراني في المدرسة أو حتى في مرحلة الثانوية العامة . لم اعد مهتم بالتفوق الدراسي قدر اهتمامي بأمور الجماعة التنظيمية ، وانتخابات اتحاد الطلاب ، والحرص على تنفيذ اوامر رؤسائي بمنتهى الدقة . اصبح المنزل بالنسبة لي مجرد فندق آوي اليه في آخر الليل ، وقد اظل بالأيام لا يقع بصري على امي او ابي أو اختى الصغرى بسبب شدة انشغالي سواء في الجامعة أو انشطة الجماعة التي تتواصل وتتمدد حتى الى داخل البيوت . تقديراتي في الكلية تمحورت بين المقبول والجيد ليس اكثر ، تقلدت مناصب في اتحاد الطلاب ، وكنت احلم بسحب فكرة الجماعة لتغطي جميع الطلاب ، لكن بدا الامر شبه مستحيل فهؤلاء الاغبياء لا يدركون مدى أهمية الانتماء للجماعة ، ولم يستشعروا حلاوة مذاق كونك منتمي الى اشخاص رائعين يظللهم حلم السيطرة وانجاز الفكرة المثالية للواقع والحياة كما اخبرهم بها مشايخهم . كل يوم كان يمر يزداد هوسي بفكرة الجماعة وانتمائي اليها ، وكيف اعمل بجد واخلاص من اجل ارضاء مشايخي ورؤسائي رموز الجماعة . وجدتني انسلخ من ذاتي ، هويتي ، حتى جسدي ، واتوحد بذلك الكيان الافتراضي المسمى " الجماعة" الذي يضم المئات من الشبان غيري ممن هم على شاكلتي . حياتي الشخصية اصبحت ملكا للجماعة ، يتصرفون فيها كيفما يشاؤون . عقب التخرج مباشرة وجدتني مرتبطا بزميلتي ابنة استاذي في الجامعة وشيخي في نفس الوقت ، فتاة جميلة ، بسيطة ، هادئة الطبع ، تتحدث في الدين أكثر من اي شيء آخر . تزوجنا في منزل والدها في احدى المدن الجديدة شرق القاهرة ، حيث انتقلت هناك للعيش مع زوجتي والعمل في احدى الشركات الكبرى الخاصة بأحد اقطاب الجماعة الكبار . اتسع البون كثيرا مع اسرتي مكانيا ، وعاطفيا ، لم اعد اشعر بانتمائي لهذه الاسرة البائسة مصدر الآمي وتوتراتي في السابق ، والدي اشاح عني وجهه الذي كساه الكرب وانسحب من امامي في هدوء حينما اخبرته بأمر زواجي واستقراري في القاهرة ، بينما جزعت والدتي وضربت صدرها بكفها بقوة من فرط الدهشة والاحتجاج ، ومفترض انهم اعتادوا على هذه التصرفات منذ فترة طويلة . اما اختى الاصغر فلم تنبس ، قالت لي من طرف لسانها وهي ترقب والديها " الف مبروك يا توفيق ربنا يهدي لك الحال " . لم اجزع من ردة الفعل تلك لسبب بسيط وهو انني لم اعد اشعر بانتماء عاطفي ، وجداني تجاه تلك الاسرة الضالة ، بل ويعلم الله اني كنت ادعوا لهم بالهداية والدخول في عباءة الجماعة مثلما نصحني شيخي . ونحن في الجماعة يتملكنا جميعا شعور جارف بالفخر والعظمة والعزة لأننا الفئة التي وضعها " الله " على طريقه المستقيم والصحيح . واما بالنسبة للأخرين فإما انهم مشاريع لقوم قد يهتدون ويصبحون معنا ، وتتعزز قوتنا وقدرتنا على تحقيق حلم السيطرة والتمكين وانجاز مدينتنا الفاضلة . واما انهم اعداءنا وبالتالي يحق لنا التصارع معهم وفق مقتضيات المرحلة ومصلحة الجماعة . مع مرور الايام ، وتواتر الصحبة ، وتآلف القلوب وجدتني اسبح مع اصدقائي وزملائي في الجماعة في نهر من الحب الرائق ، استمتع بعذوبة صحبتهم ، وروعة انسجامنا في العلاقات الانسانية ، والتفكير ، ولهفة بعضنا لبعض ، وقدرنا ومصيرنا المشترك الذي يجمعنا في حب الجماعة والتفاني فيها ، ومن اجلها . ارتبط كياني وهويتي ، بل وحياتي بوجود الجماعة ، ووجودي في الجماعة . انها مشيئة الله ومشيئة الجماعة حيث ولدت ، وحيث نشأت ، وحيث انتميت الى هؤلاء القوم المدهشون الذين بفضلهم بعثت من جديد في هذا العالم . لكن مجريات الاحداث لا تستقر بحال ، ويتعرض البشر في الكثير من الأحيان للمحن والشدائد المهددة للأحلام والكيان ، وكذلك حدث معي بعد ان تمكن الاعداء من ذبحنا والاستيلاء على هويتنا واحلامنا . لا استطيع احتمال فكرة ان تتعرض الجماعة
للتصفية او الزوال ، ذلك معناه انني ايضا الى زوال انها فكرة سخيفة ومزعجة وسوف نقاومها ، هكذا اخبرونا القادة والمشايخ ، حياتنا مرهونة بحياة الجماعة ، وبقاءنا على قيد الحياة مرتبط ببقاء الجماعة ، فكرة ، وهدف ، وبشر ، وقادة . وان جهاد الاعداء واجب مقدس لحماية الجماعة . اشتد الكرب ، وتوالت المحن . تعرضت للاعتقال عدة مرات وخرجت بسبب نجاح والدي ، والمحامي الذي احضره في اقناعهم باني خارج حدود الدائرة . عاد الصراع الى داخلي أكثر قوة وضراوة . وجدتني انفث حقدا بغير حدود على كل الذين تسببوا في هذا الامر من الاعداء ، خاصة ضباط وعساكر الشرطة والجيش . اعتبرتهم المفتاح الذي ساعد جموع الضالين على تبديد حلمنا وشتاتنا . جاءت التعليمات والقرارات عبر الهواتف المحمولة وشبكات التواصل الاجتماعي بعدم الهدوء حتى استعادة كل ما فقدته الجماعة . شاركت في احداث المقاومة الكبرى واقمت واسرتي في معسكرات الاعتصام اياما طويلة ، كما شاركت في عشرات المسيرات المحتجة بخشونة على الاستيلاء على سلطتنا واحلامنا . واليوم موعدي الهام لإنجاز مهمة كبيرة سوف يكون لها صدى لدى الاعداء والضالين وكذلك لدى اصدقاءنا في الخارج . تسلمت الرسالة الأمر ، وكذلك القنبلة ، تسللت الى الحديقة بعد منتصف الليل بساعتين . اعمدة الانارة الحكومية كانت معطلة ، وكان الظلام الدامس يلف المكان ، وكنت متلبسا في هيئة المشردين الذين التقيهم عادة في الشوارع بملابس قديمة ، رثة ، حافي القدمين ، ووجه طمرته القاذورات وشحم الاسفلت الاسود . اطمأننت الى الظلام ، والفراغ ، وغفلة العيون . ربطت القنبلة بحبل على شكل حلقة علقته في رقبتي بحيث تتدلى القنبلة من ظهري ، تسلقت شجرة الكازورينا التي تتمدد اغصانها لتتجاوز رصيف الشارع ، نفس الموقع الذي تقف تحته مباشرة احدى سيارات الشرطة المعبأة بالضباط والعساكر حيث يقفون في مواجهة بوابة الجامعة الرئيسية لمنع اصدقاءنا المحتجين من الخروج من بوابة الجامعة ، وحبسهم داخلها . كان المطلوب قتل أكبر عدد ممكن من هؤلاء الاعداء بتلك القنبلة ، واصلت تسلقي ، اخترت غصنا عفيا قادرا على احتمال وزني الذي نقص في الآونة الأخيرة ، سحبت القنبلة بهدوء ، اخفيتها في كتلة كثيفة من الاوراق الابرية للشجرة ، ثبتها جيدا وكنت قد جهزت كل شيء يتعلق بإمكانية تفجيرها عبر الهاتف المحمول المثبت داخلها في لحظة وصول ارتال قوات الاعداء وتمركزهم في هذه المنطقة . قضيت الليل في هذا المكان ، ومع بزوغ اضواء الفجر تسللت الى مكان متفق عليه ، استحممت وتهندمت ، وتمركزت في مكان قريب من القنبلة ارقب مسرح العملية ، وبمجرد ان انبجست اقوال السيارات في التوافد من بعيد ، حتى شعرت باستعادة روحي وحياتي ، شعور غريب من السرور سرى في كياني ربما لأني اقوم بعمل جليل حسبما اخبروني . وبمجرد ان استقرت احدي السيارات بجوار الرصيف تحت الغصن بالضبط الذي يحمل القنبلة أدرت هاتفي المحمول بسرعة ، بعدها سمع دوي انفجار هائل كالزلزال ، ارتجت الارض بالبشر والشجر ،سمع صراخ واهن لأصوات بشرية تستغيث ، ولم يعد شيء في المكان على حاله .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.