"أنا واخويا على ابن عمي، وانا وابن عمي على الغريب"، هذا هو ميثاق [القبلية]، فإذا كنت عضوا في قبيلة، كَبُرَت أو صَغَرَت، شَرُفَت أو وَضُعَت فأنت مرتبط بهذا الميثاق، إذا ما سمعت أن ابن عمك – سواء كان عصب أو فوقاني [من الدرجة الرابعة]، فمطلوب منك أن تسحب أقرب أداة قتال تتوفر لك – شوم، سنج، جنزير، سلاح أي شيء، وتخرج على فورك لكي تشاركه عركته، سواء كان على حق أو باطل، سواء كان من يتعارك معه صديقك أو نسيبك أو غير ذلك. وعليك أن تحرص على أمرين: الأول: أن تخرج منها بسلام، والآخر: أن تلحق أكبر قدر من الأذى بالخصم ذلك الذي كان بالأمس صديقا أو خالا لأولادك، وقد تكون متعقلا ومتعلما تعليما حقيقيا وثقافة حقيقية ولك خلق ودين حقيقيين وتقرر ألا تخرج في هذا الأمر، فتتوارى وتصطنع أنك لم تكن موجودا وقت العركة، لكن هذا لن يعفيك من الآثار المترتبة، قد تضمن ساعتها سلامتك الشخصية وبقائك سالما لفترة بتجاهلك خصومة لا ناقة لك فيها ولا جمل، لكن غالبا سينظر لك من قبيلتك على أنك «جبان»، وفي كل الأحوال قرار القبيلة سيسري عليك، فلو انتهت هذه الخصومة بقتل أحد من الطرف الآخر، فقد تكون أنت أول الموضوعين على قوائم الانتقام من القبيلة الثانية، وعليك ساعتها أن تتخذ تدابير لازمة لحماية نفسك ولإطعام أولادك في ظل عدم قدرتك لممارسة عملك، ولو حدث العكس، انته الأمر بأن عدد القتلى من القبيلة التي تنتمي إليها أكثر، عليك أن تشارك القبيلة في الأخذ بثأرها، وعلى الأفراد الالتزام التام بقرارات القبيلة التي قد تصل أحيانا للحكم ببيع بعض المنازل لبعض الأفراد ويقيموا معا في منزل أخر لفرد آخر، حتى تتمكن القبيلة من شراء السلاح والذخيرة اللازمين لحماية انفسهم وللرد على الاخر في نوبات اطلاق الرصاص العشوائي التي ستحدث من فوق أسطح المنازل إلى أن يتم مساواة عدد القتلى من هنا قدر هناك، ودائما ستفرق على «رقبة» من هنا أو هناك، لتستمر الدائرة مفتوحة ترفض الانغلاق، وما عاد احد يستمع لقضاة الدم الذين فقدوا الكثير من هيبتهم في الفترة الأخيرة، أما العُرّف الاخر الذي يجمع بين القبيلتين المتناحرتين فهو: في اثناء صراعهما معا إذا حضرت الشرطة، فسيتحول القبيلتين معا ككتلة واحدة لمواجهة الشرطة حتى لا تفكر في أن تتدخل بينهما ثانية، وحتى لا تفكر في جمع السلاح منهما، ودائما في القبيلتين هناك أناس جاهزون للتضحية بهم، لكي يحملوا أية قضية يأمرهم زعيم القبيلة بأن يعترفوا بها على أنفسهم حتى تمتلئ دفاتر المحاضر الرسمية بأي كلام عن أي أحداث، بما يضمن تماما تعطيل مسيرة العدالة، وايجاد واقع اخر تدور فيه الدوائر الرسمية بغير الواقع الحقيقي. هذه هي الصورة القاتمة للصراع القبلي في جنوب مصر، الصورة التي ستدهش عندما ترى أساتذة جامعة وأطباء من بعض القبائل يشاركون في هذا «العراك»، ويحملون في سياراتهم الشوم والأسلحة تحسبا لأي شيء، واستعدادا لمشاركة ابناء عمومتهم في «عراكهم»، ورغم أنه في كل قرية الآن في الجنوب توجد مدرسة، وفي كل محافظة توجد جامعة، إلا أن هذه المدارس والجامعات صارت ترسخ للقبلية وليست تحاربها، فمن منظوري التعليم هو المسئول الأول عن محاربة هذا التخلف، فماذا عندما يكون مدير مدرسة من القبيلة الفلانية ضد القبيلة العلانية؟ هل تعلم أن الأطفال إذا ما كانوا ينتمون لقبيلة تبرع أحد أفرادها بأرض المدرسة وسميت على اسمه يعامل مدرسيها على أنهم يعملون عنده لأنها على اسم جده؟ فما بالك بنظرة أطفال هذه القبيلة لباقي الأطفال زملائهم؟ هل لك أن تتخيل مثلا خطورة الأمر عندما يكون رئيس جامعة من قبيلة معينة وهي في خصومة مع قبيلة أخرى في واقع ليست فيه الآليات الكافية لضمان الحصول على الحقوق في حال أي تجاوز؟ هل تعلم أن الفرد عندما ينشأ في القبيلة سيجد نفسه بين أبناء عمومته حتى في الجامعة التي لن تعطيه أية قيم جديدة، وإنما ستكرس مفهوم «عركة القبيلة» بوجود روابط أبناء مدينة كذا وأبناء عائلة كذا داخل الجامعات الاقليمية؟ هل تعلم أن اللامركزية ما هي الا توسع في سيادة القبلية واتاحة فرص تسيد البعض على الاخر في مجتمع ملتهب متوتر ينتظر أقرب فرصة حتى يبدأ النزاع؟ وهل تعلم أن بعض القبائل اختصت بوظائف ومناصب بعينها دون أخرى، وتستغل ذلك في تعاليها على باقي القبائل. إن تغيير ادارات الجامعات والاتيان بمديرين لها من وجه بحري يحملون قيم المعرفة والعلم والخلق وليس قيم القبلية للجامعات الاقليمية في الصعيد، ووقف التوسع في نظام اللامركزية، وتغيير الكوادر التي يثبت عليها التعصب القبلي في التعليم، وتحقيق العدالة والشفافية في المناصب القيادية كالمناصب الشرطية والقضائية والخارجية والجيش بحيث يكون عامل الكفاءة وحسن السمعة وليس الوزن القبلي هو الأساس للاختيار، تلك هي الخطوات الأولى لمحاربة القبلية من وجهة نظري، حتى لا نصحوا يوما على عشرات القتلى الذين سقطوا من هنا أو هناك في عركة بين ابن عم هذا ضد ابن عم ذاك