(سُبْحَانَ مَنْ سَتَرَ سِرَّ الخُصُوصِيَّةَ، بِظُهُورِ وَصْفِ البَشرِيَّةِ، وظَهَرَ بِعَظَمةِ الرُبُوبيَّةِ في إظهار العبودية). الخصوصية: هي نور الحق يشرقه الله في قلوب خواص عباده المقربين بعد تطهيرها من الأكدار، وتنزيهها عن المساوي والأغيار، يغيبون به عن شهود أنفسهم بشهود محبوبهم، وسرها: هو ما احتوى عليه ذلك النور من الكمالات العلية، والنعوت القدسية، والصفات السنية، التي تليق بالمتحلى به: كالكبرياء والعز والقوة والعظمة والإجلال، وكالاتصاف بالقدرة التامة، والعلم المحيط، وسائر أوصاف الكمال. ثم إن الحق سبحانه من عظيم حكمته وباهر قدرته، أن ستر تلك الأوصاف اللازمة لذلك النور بظهور أضدادها التي هي أوصاف العبودية، فستر كبرياءه وعظمته بظهور الذل والفقر والضعف على العبد، وستر قدرته وإرادته بظهور العجز والقهرية عليه، وستر علمه المحيط بظهور الجهل والسهو، إلى غير ذلك من أوصاف العبودية المقابلة لأوصاف الربوبية. فسبحان من جعل الأشياء كامنة في أضدادها، ستر كمالات الربوبية بنقائص العبودية، ولولا ذلك لكان السر غير مصون، والكنز غير مدفون. واعلم أن سر الخصوصية الذي جعله الله في بواطن أوليائه، وستره بظهور وصف بشريتهم قد يظهره عليهم على وجه خرق العادة، فقد يظهر على وليه من قدرته وعلمه وسائر كمالاته ما تحار فيه العقول وتذهل فيه الأذهان، لكن لا يدوم ذلك لهم بل يكون على سبيل الكرامات وخرق العادات، يشرق عليهم شموس أوصافه فيتصفون بصفاته، ثم يقبض ذلك عنهم فيردهم إلى حدودهم، فنور الخصوصية وهي المعرفة ثابت لا يزول، ساكن لا يحول، وسرها وهو كمالاته تعالى تارة يشرق على أفق بشريتهم فيستنير بأوصاف الربوبية، وتارة ينقبض عنهم فيردون إلى حدودهم وشهود عبوديتهم فالمعرفة ثابتة والواردات مختلفة والله تعالى أعلم. واعلم أيضاً أن أوصاف البشرية التي ستر الله بها سر الخصوصية إنما هي الأوصاف الذاتية اللازمة للبشر، كالأكل والشرب والنوم والنكاح لا الأوصاف المذمومة المناقضة للعبودية، كالكبر والعجب والحسد والغضب وغير ذلك ، فإن تلك أوصاف ذهبت بظهور نور العناية وسابق الهداية، إذ لا تثبت الخصوصية إلا بعد محوها بخلاف الأوصاف الذاتية فإنها تجامع الخصوصية بل هي حجابها وصوانها، وبوجودها وقع الستر والخفاء لأولياء الله تعالى غيرة عليهم أن يعرفهم من لا يعرف قدرهم. قال في لطائف المنن فأولياء الله أهل كهف الإيواء فقليل من يعرفهم.