(مَنْ عَبَدَه لشِيء يرجوه منه، أو ليدفَعَ بطاعته ورود العقوبة عنه، فما قام بحق أوْصافه). الناس في عبادة الله باعتبار إخلاصهم على ثلاثة أقسام: فمنهم من يعبد الله خوفاً من عقوبته معجلة أو مؤجلة، أو طمعاً في رحمته وحفظه عاجلاً وآجلاً وهم عوام المسلمين. ومنهم من يعبد الله محبة في ذاته وشوقاً إلى لقائه، لا طمعاً في جنته وحفظه، ولا خوفاً من ناره ونكاله، وهم المحبون العاشقون من السائرين. ومنهم من يعبد الله قياماً بوظائف العبودية، وأدباً مع عظمة الربوبية. أو تقول: صدقاً في العبودية وقياماً بوظائف الربوبية، وهم المحبون العارفون، فالقسم الأول عبادته بنفسه لنفسه، والثاني عبادته بنفسه لله، والثالث عبادته بالله لله، ومن الله إلى الله. فمن عبد الله تعالى لشيء يرجوه منه في الدنيا أو في الآخرة، أو ليدفع عنه بطاعته ورود العقوبة في الدنيا أو في الآخرة، فما قام بحق أوصاف الربوبية التي هي العظمة والكبرياء، والعزة والغني، وجميع أوصاف الكمال ونعوت الجلال والجمال، إذ نعوت الربوبية من العظمة والجلال تقتضي خضوع العبودية بالانكسار والإذلال.