أتانى صوته صباحا يطلب لقائى ، كان مختلفا عن كل مره . أدركت أنه اتخذ قراره ، واعتزم الذهاب . أيقنت فى قراره نفسى انها ستكون االمره الاخيره حتما , انتظرته ، وأنا اقضم اظافرى قلقا وتوقعا وتوترا ... وأخيرا وصل ، جلس رمقنى بنصف نظره . نظرت اليه ، وكأنى المحه لأول مره . كانت دهشتى كبيره عندما اكتشفت إن هناك دمعات فى عينيه ، وقد تغير لونهما ، انتابنى القلق ، وحدقت طويلا ، ولكنه افلتهما ، واشاح بوجهه بعيدا فى الاتجاه الاخر . أدركت ساعتها أن توقعى فى محله . نظرت انا الأخرى فى الاتجاه المعاكس . سكت طويلا بانتظار كلمه منه ، يبدو اننى انتظرت طويلا بلا فائده ، فقد احتنقت الكلمات وولت ، فما يدور بيننا الان لا يشبه الكلمات ، بل تلال من الصمت الرهيب . رمقته خلسة ... مطرقا واجما ، يائسا ، اختفت الابتسامه عن وجهه تماما ، غادرته منذ زمن بعيد ، رحلت بلا عنوان ، أخذت معها كل شيء . لا أتذكر اخر مره سكنت وجهه العابس ، كل ما اعرفه أن لقاءاتنا اصبحت ضربنا من الجنون ، والغضب ، وتبادل الاتهامات بلا سبب واضح ، آآآه كم افتقده ، كل مافيه ، ضحكاته ، كلماته ، انطلاقه ، عفويته ، تأنقه حين يأتى ل لقائى ، عطوره تسابقه لتقبيل وجنتاى وجبهتى ,, تلاحق انفاسه ، واضطرابه حين يحادثنى أو ينظر فى عينى ، نبره صوته الحنونه ، وارتباك كفيه حين يضم يداى . كم من وقت مر بنا استحالت فيه حياتى لمعزوفهة موسيقيه ناعمه لا تنتهى أبدا بانتهاء تتابعها . أيمكن لهذا كله أن ينتهى هكذا !!! .. بمنتهى البسآطه ، وللأبد !!! حين افكر بهذا الوقت ، ادرك ان ساعاته قد ولت ولن تعود ولو ان بإمكانى امساك اللحظه لفعلت ... لكن هيهات . أدرك الآن أنه جاء يودعنى كما اعتزم ، وأنه لن يجدى نفعا أن أتشبث به كطفله صغيره تخشى الفقد ، أو أن اطلب منه المزيد من الوقت والمزيد من الانتظار ، فقد مل الانتظار . لا ألومه صراحة ،يقول اننى استحق " الأفضل " وأدرك ان انهزامه امامى وأمام نفسه لأننى استحق هذا الأفضل وكأننى ارى مشهدا سينيمائيا مكررا ، حفظت شخوصه وأحداثه عن ظهر قلب ، تسمرت بمكانى ، وكنت قد قضمت معظم اظاهرى فى محاوله يائسه منى لإلهاء نفسى وكبت مشاعرى . أخيرا انتهى المشهد .. قام بهدوء ، ونظر الى مودعاً .. بنصف انبتسامه ، ونصف نظره ، ونصف كل شيء ..... ابتعد راقبته مبتعدا .. بقيت وحدى أفكر فى هذا الأفضل الذى يمكن أن اكون بانتظاره !