حلقة جديدة مساء كل سبت سطعت الأضواء الكهربائية مرة أخري وعادت بقية القوة إلى أسفل ، بينما أنضم ضابط ثالث ل" جيم " و" وينفري " في عملية تفتيش الطابق الأول .. وبعد تفاهم قصير بالعيون أتجه كل منهم صوب باب من أبواب القاعات العملاقة اللامعة عازما على تفتيش ما ورائه ! أتجه " وينفري " بتردد نحو قاعة قابعة على الجهة اليسري وكأنها تنتظره .. مد يدا مترددة وفتح بابها بعد أن ألقي نظرة وجلة على زميليه اللذين بادلاه النظرات في خوف قبل أن يتجه كلا منهما بدوره إلى جهة مختلفة .. فتح " وينفري " الباب ليجد ظلمة أولي غير قابلة للكسر تحيط بالمكان .. أضطرب باطنه للحظة ومد يده يعبث بالحائط القريب منه فربما يعثر على مفاتيح الإضاءة .. وبالفعل لم يكد يفعل حتى سطعت الأضواء المبهرة في القاعة رغم أنه لا يذكر أن يده قد لامست أي نوع من المفاتيح بعد ! أضاءت القاعة إذن وعلى وقع الأضواء المبهرة رأي " وينفري " الكثير .. قاعة هائلة الاتساع ذات جدران هائلة وسقف مرتفع مخيف وكلها تلمع كالمرايا .. ومن السقف تدلت خيوط لامعة كثيرة لا يعرف فيم تستخدم بالضبط .. ولكن لم يكن هذا هو المخيف في المكان المخيف حقا هو تلك النماذج الغريبة المثبتة على جدران القاعة في كل اتجاه .. وكلها تحمل نفس الملامح المتشابهة .. شهق " وينفري " فزعا وهو يتأمل تلك النسخ المتطابقة بملامحها الجميلة المثيرة للشفقة .. فجأة أحس بشيء بارد يلمس ذراعه فأنتفض ونظر حوله مرتعبا ولكن لم يكن ثمة شيء بالقرب منه .. عاد " وينفري " لتأمل النماذج وهو يسأل نفسه : " أيعقل أن تكون الزوجة مختبئة هنا وسط تلك النماذج التي لا حصر لها ! " " ولكن مستحيل فالنماذج كلها مثبتة ومعلقة على الجدران .. كيف إذن ؟! " تقدم الضابط نحو أحد الجدران التي تغطيها النماذج البشرية بالغة الإتقان وهو يلهث .. لا يعرف ماذا بالضبط يجعله يلهث إلا أن صوت أنفاسه المتقطعة كان يتردد في أذنيه بصورة غريبة .. على الجدار اللامع المصقول ، وبينها فراغات ضئيلة ، اصطفت نحو تسعة نماذج متقنة الصنعة لزوجة مستر " بلفور " السعيدة .. رغم جمال ملامحها وتناسقها إلا أن مسحة حزن ، وربما ذعر ، أيضا كانت مرتسمة على أوجه تلك النماذج جميعها .. تري هل كان لصاحبة الملامح الحقيقية تلك المسحة من الحزن كذلك ؟! لم يجد " وينفري " الوقت الكافي ليفكر في إجابة لذلك السؤال الغامض لأن شيء غريب قد حدث أمام عينيه .. كان واقفا يتأمل الحائط بما عليه من نماذج وخلفه على الناحية الأخرى حائط مماثل تماما للجدار الذي أمامه .. وبينما كان يتأمل ما هو أمامه وعلي مساحة مصقولة خالية بين نموذجين رأي أحد النماذج الواقعة خلفه .. رآه يحرك عينيه ! أجفل " وينفري " وسارع يلتفت خلفه لكن النماذج الأخرى كلها كانت ساكنة صامتة .. ألتقط أنفاسه ثم نظر أمامه ثانية ليفاجأ بأحد النماذج المعلقة أمامه وقد أختفي ! لا سبيل للشك في ذلك فقد كانت هناك مساحة كبيرة خالية على الجدار الأول بين نموذجين معلقين وقد تحددت حولها خطوط ومنحنيات تشبه شكل جسد بشري بالضبط ! تملك " وينفري " الخوف الشديد وأستل سلاحه بحركة آلية وجف ريقه تماما وقرر بغتة أن يغادر القاعة لينضم إلى زملائه في الخارج .. مشي ببطء وحذر نحو باب القاعة الذي تركه من قبل مواربا وخطا إلى الخارج وهو يحاول مسح نقطة عرق كبيرة نبتت فوق حاجبه الأيمن رغم البرودة التي تلف كافة أركان البيت .. وبمجرد خروجه من تلك القاعة المخيفة حتى هرع " وينفري " باحثا عن زميليه اللذين تركهما هنا قبل أن يدخل بمفرده إلى تلك القاعة الملعونة .. مسح الطابق كله بنظره دون أن يعثر على أثر لأي منهما .. أجفل قليلا ثم قرر أن يبحث عنهما وسط تلك القاعات الكثيرة فقد يكونا قد حذيا حذوه وأخذا في تفقدها .. وبالفعل وجد بابا لأحد القاعات الأخرى مفتوحا فأتجه نحوه ببطء .. كان الباب نصف مفتوح فدفعه بيده بحذر وهو يهمس مناديا : " جيم .. أأنت هنا ؟! " وبالفعل كان " جيم " هنا ! دفع " وينفري " الباب تماما ليري زميله " جيم باتون " في القاعة .. ولكنه لم يكن واقفا .. بل كان ممددا على الأرضية اللامعة فاقدا الوعي .. والدم ينزف بغزارة من رأسه ويسيل على وجهه ! ....................................... في الأسفل كان بقية ضباط الفرقة يواجهون مأزقا حقيقيا مع ذلك المختل " توبياس بلفور " لقد قادهم إلى قاعة ممتلئة عن آخرها بالنماذج المتشابهة .. والكارثة أن كل تلك النماذج كانت ممددة على الأرضية وعلى المقاعد وحتى على الفراش الكبير الموجود بوسط القاعة بمختلف أنواع الأوضاع والأشكال ، وبعضها للداهية كان منحنيا على نفسه بطريقة تجعل من المستحيل معرفة أي منها يمكن أن يكون زوجة المختل المختبئة بدون ملامسة كل تلك النماذج وتحريكها واحدا واحدا .. تعجب قائد الضباط من وجود نماذج منحنية على نفسها وسأل مستر " بلفور " بحيرة : " لم صنعت هذه ؟! " فابتسم " بلفور " وقال بفخر شديد : " لقد صنعت نماذج للعزيزة " جيسيكا " في كل وضع ممكن .. لأتذكرها دائما بكل وضع ممكن كانت تأخذه أو تتواجد فيه ! " قطب الضابط الكبير جبينه عند سماعه لهذه الكلمات وسأل بحذر : " تتذكرها ؟! هل كنت تنوي التخلص منها جديا ؟! " فرد " بلفور " على الفور مصححا : " لا تسيء فهمي يا سيدي ! إنني أحب زوجتي بجنون .. ولكن أي منا يعرف ميعاد موته على أية حال ! " صمت الضابط ولم يجب وكاد يأمر ضباطه بالاتجاه نحو كل تلك النماذج لفحصها عندما باغتهم نموذج قريب وهو يتحرك .. كان النموذج ممددا على الفراش بوضعية غريبة وساقاه متدليتان على الأرض وعيناه مغمضتين ، إنه نموذج للزوجة وهي نائمة بلا شك .. لكنه بدأ يتحرك ! أجفل الضباط الثلاثة وتراجعوا مذعورين بينما فتح النموذج عينيه وظهرت ملامح الحياة في بريق عيني النموذج المخيفتين رغم جمالهما الأخاذ .. نهض النموذج ببطء من فوق الفراش .. كان مرتديا منامة حريرية مزخرفة هفهافة بلون ازرق سماوي .. مشي النموذج ببطء وخيلاء وهو يبتسم نحو مستر " بلفور " متجاهلا الضباط المرتعبين الواقفين حوله ومد يده الرقيقة ولمس كف السيد وهتف بدلال : " هل انتهت نوبتي يا سيدي ؟! هل بوسعي المغادرة ؟! " هتف مستر " بلفور " مجيبا بامتنان : " نعم يا " ريهانا " يمكنك المغادرة بالطبع ! " ثم مد يده في جيبه وأخرج كومة من أوراق النقد وقدمها لها بأريحية دون أن يهتم حتى بعدها .. تناولت الفتاة ، التي تبين الآن فقط أنها فتاة حقيقية من لحم ودم وليست نموذج ، معطفا جميلا معلقا على مشجب في أحد أركان القاعة ، لم ينتبه له أحد من الضباط من قبل ، وارتدته بأناقة ثم غادرت دون أن تعر أحدا منهم اهتماما ! أبتلع كبير الضباط ريقه بصعوبة وسأل السيد " بلفور " : " من تلك يا سيد " بلفور " .. أهي زوجتك ؟! " " لا لا إنها فتاة وضيعة تعمل في ملهي ليلي وهي تشبه زوجتي تماما وهي نائمة .. لذلك فقد اتفقت معها على أن تأتي إلى هنا وتظل مستلقية على السرير بنفس طريقة زوجتي .. إنها تأخذ أجرا سخيا على ذلك يا سيدي ! " نظر الضباط للسيد " بلفور " نظرتهم إلى مجنون وحادثه أحدهم بلطف سائلا إياه : " ولكن لم تفعل ذلك ؟! أليست زوجتك تقضي اليوم كله برفقتك ؟! ما حاجتك إلى شبيهة لها ؟! " جمد وجه " بلفور " ورد بعنف مفاجئ : " هل يحرمني القانون من حقي في استئجار من أريد للقيام بأي عمل طالما أنه لا يخالف القانون ؟! " أبتلع السائل ريقه بخوف وأجاب مترددا : " لا طبعا .. ولكن .. " ولكن " بلفور " لم يمهله بل حدجه بنظرة مخيفة جعلته يطبق فمه على الفور .. وهو كان سيطبقه على أية حال ، حتى دون نظرة " بلفور " المخيفة .. لأن صراخ الضابط " وينفري " جاء من أعلي مالئا المكان في كل الاتجاهات ! رابط الأجزاء الثلاثة الأولي على جريدة شموس نيوز الإليكترونية http://www.shomosnews.com/portal/arts/6888-------1-2-3