«المركبات»: إنتاج أول مدرعة مصرية «التمساح 1» كان نقلة نوعية للقوات المسلحة    باسم الجمل: من يملك قوت يومه يملك قراره.. ومشاريع قومية ضخمة لتأمين المخزون الاستراتيجي    اللواء محمد عبد الفتاح: الصناعات الدفاعية المصرية وصلت للاكتفاء الذاتي    موقف صلاح من المرشحين لجائزة لاعب الشهر بالدوري الإنجليزي    أحمد محمود يحصد ذهبية بطولة أبطال الجمهورية في الووشو كونغ فو    حبس شخص وسيدة بتهمة ممارسة الأعمال المنافية للآداب بالجيزة    «آيشواريا راي» بإطلالة ساحرة في افتتاح مهرجان البحر الأحمر السينمائي 2025 | صور وفيديو    مراسلة إكسترا نيوز: اشتعال المنافسة في الإسكندرية بين 16 مرشحا على 3 مقاعد    الأقصر تشهد أضخم احتفالية لتكريم 1500 حافظ لكتاب الله بجنوب الصعيد    الوطنية للانتخابات: تسليم الحصر العددي لمن يطلب من المرشحين أو الوكلاء وليس للمندوب    "المصل واللقاح" يكشف حقائق صادمة حول سوء استخدام المضادات الحيوية    بعد غد.. فصل التيار الكهربائي عن مناطق وقرى بالرياض في كفر الشيخ لمدة 5 ساعات    الإدارية العليا تتلقى 298 طعناً على نتائج المرحلة الثانية من انتخابات النواب    البورصة تسجل قفزة في سوق الصفقات بقيادة شارم والخليج الإنجليزية    ننشر الجدول الزمنى للإجراءات الانتخابية بالدوائر الملغاة بانتخابات النواب    سوريا ضد قطر.. التعادل السلبي ينهى الشوط الأول بكأس العرب 2025    تحولات الدور التركى فى الساحل الإفريقى    دار الإفتاء: البشعة ممارسة محرمة شرعا ومنافية لمقاصد الشريعة    محافظ قنا ل إكسترا نيوز: غرفة عمليات لمتابعة الانتخابات على مدار الساعة    فوز قطاع الطب الوقائى والصحة العامة بالمركز الأول بجائزة التميز الحكومي العربى    حفل جوائز التميز الصحفى الإثنين |تكريم «الأخبار» عن تغطية افتتاح المتحف الكبير    هنو يكرم خالد جلال «صانع النجوم»    توقيع بروتوكول تعاون مشترك بين وزارة الخارجية ومحافظة كفرالشيخ لإتاحة خدمات التصديقات داخل المحافظة| صور    بانوراما مصغرة ل«المتحف المصري الكبير» بإحدى مدارس كفر الزيات    الأزهر للفتوى يوضح: اللجوء إلى البشعة لإثبات الاتهام أو نفيه ممارسة جاهلية    خالد الجندي يكشف الحكمة من تناثر القصص القرآني داخل السور وعدم جمعها في موضع واحد(فيديو)    تغيير ملاعب مباريات الأهلي والزمالك في كأس عاصمة مصر    محافظ الدقهلية يقدم العزاء في وفاة الحاجة «سبيلة» بميت العامل بمركز أجا| صور    جولة تفقدية لوكيل صحة القليوبية بمراكز شبين القناطر الطبية ويوجه برفع كفاءة الأداء    دير شبيجل: ماكرون حذر زيلينسكي وميرتس من خيانة أمريكية    إجراءات التقديم لامتحان الشهادة الإعدادية 2026    بيان من نادي كهرباء الإسماعيلية بسبب الشائعات بين المرشحين على مواقع التواصل    ياسمين الخيام تكشف التفاصيل الكاملة لوصية والدها بشأن أعمال الخير    الكرملين: الهند شريك رئيسي لروسيا.. والعلاقات بين البلدين متعددة الأوجه    وفاة معلم أثناء طابور الصباح في القاهرة    تحويلات مرورية في القاهرة.. تعرف عليها    نائب رئيس الوزراء: القيادة السياسية تضع الملف الصحي على رأس الأولويات الوطنية    «التجاري الدولي» يحصد جائزة بنك العام في مصر من مؤسسة The Banker    السفيرة الأمريكية بالقاهرة: نسعى لدعم وتوسيع الشراكة الاستراتيجية مع مصر    كرة طائرة - تواجد الصفقات الجديدة وغياب مريم مصطفى في قائمة سيدات الزمالك بمونديال الأندية    ثقافة الغربية تناقش كتابات نجيب محفوظ احتفالا بذكرى ميلاده    العمل" تُوفر 10 وظائف للشباب في" الصناعات البلاستيكية الدقيقة بالجيزة    الداخلية تضبط شخصا يوزع أموالا على الناخبين بطهطا    الاحتلال الإسرائيلي يعلن مقتل ياسر أبو شباب على يد مسلحين فى غزة    لجان لفحص شكوى أهالي قرية بالشرقية من وجود تماسيح    في غياب الدوليين.. الأهلي يبدأ استعداداته لمواجهة إنبي بكأس العاصمة    رئيس الوزراء يصدر 10 قرارات جديدة اليوم    غدا.. متحف نجيب محفوظ يطلق ورشة السينما والأدب احتفالا بذكرى ميلاده ال114    أبو الغيط: جائزة التميز الحكومي رافعة أساسية للتطوير وتحسين جودة حياة المواطن العربي    الطقس غدا.. تغيرات مفاجئة وتحذير من شبورة كثيفة وأمطار ونشاط رياح وأتربة    ضبط شخص بحوزته عددا من بطاقات الرقم القومي للناخبين في قنا    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى أوسيم دون إصابات    «الأوقاف»: تعديل القيمة الايجارية لأملاك الوقف    موعد صلاة الظهر..... مواقيت الصلاه اليوم الخميس 4ديسمبر 2025 فى المنيا    الحقيقة الكاملة حول واقعة وفاة لاعب الزهور| واتحاد السباحة يعلن تحمل المسئولية    الصحة: مباحثات مصرية عراقية لتعزيز التعاون في مبادرة الألف يوم الذهبية وتطوير الرعاية الأولية    استقرار أسعار الذهب اليوم الخميس.. والجنيه يسجل 45440 جنيهًا    كأس إيطاليا – إنتر ونابولي وأتالانتا إلى ربع النهائي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بلفور .. قصة قصيرة .. الأجزاء 1، 2، 3
نشر في شموس يوم 29 - 07 - 2013

" مستر بلفور هل نفهم من ذلك أنك تود التقدم ببلاغ عن اختفاء زوجتك ؟! "
" لا .. بل أود أن أطلب منكم مساعدتي في العثور على جثتها !"
هب مفتش الشرطة واقفا وهتف باستنكار :
" هل تعتقد أن زوجتك ميتة .. هل أنت تعتقد أنها قًتلت ؟! "
فابتسم مستر بلفور وأجاب دون ظهور أي انزعاج على وجهه :
" نعم أنا على ثقة من أنها ميتة الآن في مكان ما ! "
" هل تتهم أحدا بقتلها .. كيف تكون متأكدا من وفاتها ؟! "
فاتسعت ابتسامة مستر " بلفور " ورد بثقة :
" أنا متأكد من وفاتها .. لأنني يا سيدي قمت بقتلها بنفسي .. المشكلة فقط أنني لم أعد أعرف أين يمكن أن تكون الجثة الآن .. ولم يعد بإمكاني العثور عليها ثانية ! "
حدق مفتش الشرطة منكود الحظ في وجه المبلغ غريب الأطوار .. وقد أدرك حقيقة الأمر بسرعة .. إنه في حضرة مخبول خطير !
..........................................
ولكن لم يكن هناك بد من السير في الإجراءات المعتادة .. تم حجز مستر " بلفور " في المخفر وجري معه تحقيق طويل بغية التوصل لحقيقة الأمر .. إنه يدعي إنه قتل زوجته لذلك كان من الواجب إجراء تحقيق دقيق جدا .. يلي ذلك القيام بالخطوة الأهم .. تفتيش المنزل والعثور على وسيلة إثبات تدين الرجل وتؤيد اعترافه .. ولا يوجد دليل أهم من جثة زوجته المدعاة !
ولكن أي تحقيق مع معتوه ؟!
لقد فشل المحقق المتمرس مستر " ستانديل " في التوصل إلى أية معلومة مفيدة من هذا المخبول الذي كان يردد نفس الجملة دون توقف ودون أي توضيح :
" لقد قتلت زوجتي بنفسي .. لكنني لم أعد أعرف أين ذهبت جثتها ! "
حتى ضج منه " ستانديل " فتنحي عن المتابعة واضطرت الشرطة للاستعانة بطبيب نفسي يدعي " لوكرون " ، لم يكن حظه أفضل من حظ المحقق الأول ، وفي النهاية وجدت الشرطة نفسها مضطرة للاستعانة بواحد من أكبر محققي جرائم القتل في البلاد كلها وهو " موس " ..
" جريش موس " الذي كان لطريقة استجوابه الفريدة المهلكة لأعصاب اعتي المجرمين في الدفع بسفاح النساء الضاري " وليم روبسارت " إلى الانهيار والاعتراف بكل ما اقترفته يداه .. وجاء " موس " وجلس لمدة خمسة وثلاثين دقيقة على إنفراد في غرفة التحقيق برفقة مستر " بلفور " فشل خلالها في الحصول على أي معلومة مفيدة منه أو معرفة حقيقة الأمر .. ثم خرج المحقق الكبير من الغرفة وهو يزفر ضيقا ومللا وهتف في سخط في وجه " ستانديل " :
" دعنا من مسألة الاستجواب مؤقتا .. لنفتش المنزل ونعثر على أدلة تدينه بقتل زوجته ثم نعاود استجوابه ! "
وبالفعل تم تشكيل قوة تحركت إلى منزل السيد " بلفور " مصطحبة إياه معها .. ووصلت القوة إلى الحي الهادئ المنعزل الذي يقع فيه منزل الرجل لتفاجئ بشيء غريب .. إن منزل الرجل من الخارج يدل على ثراء مبالغ فيه وثروة مكينة تقدر بالملايين ربما ، لكن المفاجأة الأكبر كانت تنتظرهم بالداخل .. كان المنزل بالداخل كتلة من الفوضى العارمة .. ففي المدخل المطلي بلون ذهبي يخطف الأبصار كانت هناك أعقاب سجائر ملقاة على الأرض حول المكان بطريقة شوهت منظره وأفسدت رقة ألوان الطلاء والأثاث الراقي الفخم ..
وبمجرد عبور المدخل أصابت قوة الشرطة صدمة هائلة إذ كانت تنتظرهم على منضدة ضخمة مفاجأة مرعبة .. جثة فتاة !
فقد كانت هناك منضدة تتوسط قاعة لامعة براقة في وسط المنزل ، بعد المدخل مباشرة ، وفوقها تتمدد جثة لفتاة يافعة .. أصاب الرعب رجال الشرطة الذين لم يتوقعوا شيء كهذا أصلا !
نظر رجال الشرطة بحذر إلى السيد " بلفور " وسأله أحدهم وهو يدنوا من الجثة الساكنة فوق المنضدة بصمت :
" أليست هذه زوجتك يا مستر " بلفور " ! "
ابتسم " بلفور " وأجاب بسخرية غير مبررة :
" لا بالطبع .. ليست زوجتي ولا زوجة أي رجل آخر ! "
نظر له أقرب رجال الشرطة إلى المنضدة ثم أقترب أكثر ناظرا بعمق إلى وجه الجثة المثير للشفقة .. كانت فتاة في بداية العشرينيات ، جميلة للغاية وذات ملامح بالغة الرقة والأناقة ، بيضاء ذات ملامح قوقازية لا تخطئها العين ، ولها جسد ممشوق طويل متناسق يتلفع بملاءة سرير متسخة ممزقة الأطراف ، ولا أثر لوجود ثياب عليها .. تملي رجل الشرطة قليلا في ملامحها الجميلة الناضرة ، رغم الموت ، بأسي ، ثم نظر لبلفور الواقف أمامه وقال له رغما عنها :
" أيها الوغد اللعين .. من تلك الفتاة المسكينة ؟! "
فر عليه رئيس قوة الشرطة وأكبر الضباط رتبة وسنا بحزن وغيظ :
" لابد إنها أحدي ضحاياه .. يبدو أنه ليست زوجته فقط التي قتلها ! "
عند سماعه لهذه الكلمات أنطلق مستر " بلفور " يضحك ، كان يضحك كالمجنون وعلت ضحكاته الساخرة اللامبالية بشكل سبب غيظا دفينا لرجال الشرطة الواقفين حوله .. فجأة هدأ " بلفور " وبدأ يخطو متوجها نحو موضع المنضدة .. كان بعضهم على وشك منعه عندما نظر لهم كبيرهم بنظرة آمرة تعني بوضوح : " دعوه "
فتركوه يتقدم .. وعندما أصبح على قيد خطوات من موضع الجثة ابتسم " بلفور " بجزل ومد يده بحركة فجائية وأمسك بيد رجل الشرطة القريب منها ، توتر الباقون لتلك الحركة وكادوا يستلون أسلحتهم ، ولكن الرجل لم يقم بأية بادرة خطرة بل أكتفي بإمساك يد رجل الشرطة ووضعها على وجه الجثة ، أرتعش الضابط لتلك الحركة ولكنه تماسك بينما مضي " بلفور " يمرر يد رجل الشرطة على وجه الجثة ثم على رقبتها وذراعيها وهو يكرر بنوع من الفخر الغريب :
" أنظر إلي وجهها أليست فائقة الجمال ؟! تحسس جلدها أليس ناعما نضرا كأنه جلد وليد خرج لتوه إلى النور .. ألم أبدع في خلقها ؟! "
هتف الرجل المخبول ثم بدأ يضحك ثانية وقال من بين ضحكاته :
" لابد وأنك حزين على ما جري لتلك الفتاة الفاتنة .. لكن لا تحزن كثيرا فهي لا تستحق ! "
بغيظ نظر رجال الشرطة لذلك المجرد من معاني الرحمة واللياقة ، بل وتمني بعضهم أن يخلي بينهم وبينه ليطلقوا النار على رأسه ويريحوا المجتمع من تلك النماذج المريضة ، لكن بدا على النموذج المريض أنه لا يبالي أصل بتلك النظرات بل أنه أقدم فورا على عمل يؤكد خباله المنقطع النظير .. فقد أستل سكينا من درج بالمنضدة الراقدة عليها الجثة ، وطبعا تصرف رجال الشرطة المحيطين به واستلوا أسحلتهم فورا ووجهوها إليه وصرخوا فيه آمرين إياه بإلقاء السكين من يده ، لكنه كان أسرع منهم فامسك بالسكين بإحكام ووجه ضربة قاصمة لذراع الجثة الظاهر من الغطاء المحيط بها فأنفصل الذراع عن الجثة فورا .. انهالت اللعنات من الرجال على " بلفور " وغطي أقرب الرجال إليه وجهه تحسبا لطرطشة الدم على وجهه .. ولكن الغريب إنه لم تسقط نقطة دم واحدة من موضع الذراع المبتور ... لكن الأغرب أن انفصال الذراع أدي لظهور الحشوة الداخلية للجثة .. وكانت من القطن !
نظر رجال الشرطة غير مصدقين وهتف أحدهم بذعر :
" أيها المسيح .. ماذا يكون ذلك الشيء ؟! "
ابتسم " بلفور " بسعادة بالغة وقال بفخر شديد :
" أنها ليست جثة حقيقية بل هي نموذج من صنعي .. أنا أصنع أفضل نماذج بشرية في الكون .. يوجد في هذا البيت خمسة آلاف نموذج من تلك النوعية وكلها لزوجتي الحبيبة .. وتلك هي المشكلة ! "
نظر رجال الشرطة لبعضهم في فزع وقد بدأوا يفهمون مشكلة هذا الرجل المختل بينما واصل " بلفور " كلامه متحدثا بهدوء وكأنه يتحدث عن البحث عن صابونه الحمام الخاصة به :
" لقد قتلت زوجتي ولكنها فيما يبدو لم تمت .. لكنها هنا الآن وتتخفي وسط تلك النماذج الجميلة .. نماذجي الجميلة ! إنها تعتقد أنني لن أستطيع العثور عليها وسطهم .. لكنها واهمة ! لذلك طلبت مساعدتكم للعثور عليها .. من فضلكم ساعدوني في إيجادها حتى لا أضطر لتحطيم كل نماذجي الجميلة من أجل ذلك ! "
...................................
كان موقفا مثيرا للعجب ذلك الذي مر به رجال شرطة المدينة في ذلك النهار الصافي .. في منزل مخبول يصنع نماذج بشرية فريدة من نوعها ، وكلها تحمل ذات الشكل وذات الملامح ، تتخفي وسطها ، كما يدعي ، زوجته الحقيقية مختبئة منه خشية أن يقتلها ، أو لعلها ماتت فعلا وملقاة في أي موضع من ذلك البيت العجيب .. وهم رجال الشرطة ، ومنفذو القانون الصارمين ، مطلوب منهم أن يساعدوا ذلك الشيء المختل في العثور على جثة زوجته أو عليها حية إن أمكن .. ولكن هناك عشرات الأسئلة المهمة لم تسئل بعد وهي التي ستحدد نهاية تلك اللعبة السخيفة :
" مستر " بلفور " هل بوسعك أن تخبرنا كيف حاولت قتل زوجتك ؟! "
بدا للحظة على " بلفور " إنه لم يفهم السؤال ، أو ربما كان يتغابي متعمدا ، ولكنه أجاب في النهاية ببرود :
" لقد طعنتها في بطنها بسكين مطبخ ! "
بصق أحد رجال الشرطة بقوة ليظهر له اشمئزازه منه ولكن مستر " بلفور " أكمل دون أدني تأثر بتلك الإهانة الواضحة :
" ميتة تقليدية جدا .. أليس كذلك ؟! لكنها لم تمت في النهاية فيما يبدو ! "
عاد رجل الشرطة يسأله مكذبا :
" كيف تدعي أنك طعنتها في بطنها بسكين ومع ذلك تقول أنها لم تمت وتتخفي وسط نماذجك .. لابد أنها ملقاة جثة هامدة هنا أو هناك ! "
ابتسم " بلفور " مستهينا وهتف بهدوء :
" لم تكن الطعنة نافذة كما تتخيل .. بل كانت مجرد مزحة عابرة ! "
" مزحة عابرة بسكين مطبخ ؟! "
سأل أحد رجال القوة من بين أسنانه فرد " بلفور " ببرود :
" نعم مزحة .. يبدو إنها كانت تعتقد إنني انوي قتلها فهربت من وجهي بعد أن طعنتها بالسكين .. ناديتها مرارا طالبا منها العودة لأنظف لها جرحها وأضمده لكنها لم تستجب .. أعتقد أنها صدقت إنني أريد إيذائها أو لعلي بالغت في مزاحي قليلا ! "
" مزاح سخيف يدل على أنك مجرد مختل ! "
سمع " بلفور " العبارة ببروده المعتاد فلم يعلق بل اتسعت ابتسامته أكثر ومضي أمام عدد من رجال الشرطة صاعدين إلى الدور الأعلى من المنزل ليفتشوه بحثا عن زوجته أو جثتها المفقودة .. في الحقيقة كان رجال الشرطة لا يهتمون كثيرا بأيهما سوف يتم العثور عليه ..المهم أن يعثروا على أي شيء ينهي هذه المهمة السخيفة !
.................................
" حبيبي " توبي " هل انتهيت ؟! "
سألت السيدة الرقيقة الجميلة ذات الثمانية والعشرين ، السيدة " بلفور " ، موجهة سؤالها لزوجها القابع على الأرض في ورشته خلف منزلهما الفخم ، كان السيد " توبياس بلفور " الزوج معتكفا في ورشته وعاكفا على صنع نموذج جديد من نماذجه البشرية المكررة .. لم يكن المستر " بلفور " يعمل ، لم يكن في حاجة إلى العمل أصلا ، فهي ثري جدا ومن سلالة توارثت الثراء والغني الفاحش منذ يوم نزوح جدهم الأكبر " جوناثان بلفور " من ( رامس جيت ) إلى العالم الجديد مباشرة حاملا معه عقليته التجارية البارعة وحبه المجنون للفنون ، ذلك الحب المشبوب الذي توارثته عائلته وأحفاده على مدي أجيالا طويلة .. لكن مهما كانت درجة الولع بالفن في عائلة " بلفور " قوية إلا أن أحدا من أفراد العائلة لم يصل لتلك الدرجة من الهوس إلى وصل إليها " توبياس بلفور " .. فقد جن جنون " توبياس " الصغير حينما زار حديقة مزينة بالتوباري ( فن تجميل الحدائق ) في أحدي رحلات الأسرة الترفيهية ، فأصابه ما يشبه الصدمة السعيدة التي غيرت مسار حياته للأبد .. أولع بالفن وجماله ثم جرب مواهبه الدفينة فإذ به فنان لا يشق له غبار في الرسم ونحات بارع ومصمم ومنفذ نماذج مبهر بحق ، مبهر لدرجة أن الفتي المراهق قرر أن يدخل الجامعة ليدرس الفن ، ولم يمانع الوالدين .. ولكن بعدها بدأ يترك كل شيء ويفرغ نفسه لصنع النماذج .. نماذج حيوانية وبشرية تنطق بالروعة والجمال والفن الأصيلة .. كل ذلك وقع قبل أن يلتقي " توبياس " بزوجته " جيسيكا " ، فقد تغير فجأة وحول مساره بطريقة تدعوا للدهشة .. ترك الرسم والنحت وصنع النماذج المختلفة وتوفر فقط على صنع نماذج لحبيبته فقط .. ولذلك لم يكن من المستغرب أنه ، ومنذ يوم أن وقع في حبها ، وحتى تزوجها ومضت تسع سنوات على زواجهما كان عدد النماذج التي صنعها لجيسيكا قد بلغ خمسة آلاف نموذج بالتمام والكمال !
جنون وعته هذا ..لكن أية امرأة في الكون تعترض على عشق زوجها لها حتى وإن كان عشقا مبالغا فيه كثيرا !
وعلي ذلك ولأنه ليس لديه ما يشغله ، وزوجه المتيمة به لا تعي مدي الخطر الذي ينزلق إليه لا تبالي ، فإن مستر " بلفور " استمر بصنع نماذجه الجميلة المكررة حتى صار عددها بالآلاف ومع كل نموذج جديد يصنعه لها كان ولعه وعشقه لزوجته يزيد وتزيد معها درجة خطورته !
فلم يكن إذن من المستغرب أن يقدم على طعنها بسكين لمجرد أنه رأي صورة شبيهة لها بلباس البحر على أحد الشواطئ برفقة شاب وسيم في مجلة صفراء .. لقد حاولت أن تقنعه أنها ليست هي من بالصورة ، وأقسمت له بكل المقدسات وغير المقدسات دون جدوى ، فقد كانت غيرته نوع من عشق التملك المجنون ، ووسط توسلاتها وتأكيداتها على إخلاصها ووفائها لها فاجأها بطعنة سكين في بطنها .. لم يكن يرغب في قتلها في الحقيقة بل كان فقد يود تأديبها وتحذيرها من الإقدام على خيانته .. لكنها ماتت فيما يبدو !
الطعنة كانت نافذة أكثر مما يجب لذلك لم تتحملها " جيسيكا " وسقطت أرضا قاطعة النفس أمامه .. جن جنونه وتحير وفكر في إخفاء الجثة فذهب لإحضار كيس بلاستيكي لوضعها فيه ، لم يفكر بخباله حتى في استدعاء الطبيب لإنقاذ ما يمكن إنقاذه .. لكنها عندما عاد إلى حيث سجي جسدها البارد لم يجدها !
لابد أنها لم تمت بل تظاهرت بذلك .. وحينما غادرها هرولت لتختبئ منه في أنحاء البيت الشاسعة !
" لقد ظللت تسع ساعات كاملة وأنا أبحث عنها وأناديها دون جدوى ! "
" تسع ساعات ؟! لابد أنها لفظت أنفاسها وترقد الآن ميتة في مكان ما أيها الأحمق المعتوه ! "
لم يظهر على " بلفور " أي تأثر بالإهانة بل رد بثقة :
" لا لم تمت ! لو ماتت لكنت قد عثرت عليها هنا أو هناك .. أنا أعرف أنها لا زالت حية لكنها تختبئ وسط النماذج معتقدة أنني سأجهز عليها الحمقاء ! "
" هي الحمقاء يا مستر " بلفور " ؟! "
سأل أحد رجال الشرطة مستنكراً في غيظ ثم تبع الركب إلى أعلي .. بحثا عن تلك المرأة الميتة أو النموذج الحي لها أيهما أقرب أيها المحظوظ !
.......................................
ذات ليلة دار بين " توبياس بلفور " وزوجته " جيسيكا " حوار قصير لا معني لكنه يحمل دلالات مخيفة :
" حبيبي " توبياس " هناك شخص ما على الهاتف يطلبك ! "
قالت " جيسيكا " وهي تداعب شعر زوجها المنحني على نموذج جديد لها يصنعها برقة .. فقطب الزوج وسألها مستنكرا :
" شخص ما .. من هو ؟! "
فأجابت " جيسيكا " بسرعة :
" لا أعرفه يا عزيزي .. قال اسما بصوت منخفض أعتقد أنه " بيرت " أو " بيرتا " ربما ! "
" أهو رجل أم امرأة ؟! "
ابتسمت الزوجة وهتفت ساخرة :
" يصعب تحديد ذلك ! فصوته الرفيع يجعله قابلا للتشكل في أية صورة حتى في صورتي أنا ! "
لم يضحك " توبياس " وإنما ترك أدواته التي كان يعبث بها وهب واقفا وأمسك بكتفي زوجه وقال لها بغل مكبوت :
" أليس " برت " هذا هو اسم صديقك السابق ؟! "
بهتت " جيسيكا " من الدهشة وهتفت متعجبة :
" ألا زلت تذكر هذا الأمر يا عزيزي .. لقد مضي عشر سنوات على آخر مرة رأيت فيها وجه " بيرت " ! "
لم يسعد " توبياس " لسماع تلك الحقيقة التي يعرفها جيدا بل أغمقت ملامحه وقال لزوجته من بين أسنانه بصوت مخيف :
" من الخير لك أن يكون ذلك صحيحا .. تماما ! "
ترك " توبياس " زوجته واقفة شاحبة وأتجه نحو حجرة الاستقبال ، حيث يوجد الهاتف الثابت ، وتناول السماعة ووضعها على أذنه للحظات وأخذ يردد بصبر :
" نعم .. نعم .. هنا " توبياس بلفور " من هناك ؟! "
.. ولسوء الحظ لم يكن هناك أية إجابة على نداءاته المتكررة .. فلم يكن هناك سوي نقيق مزعج متصل !
تصبر الزوج للحظات حتى صار مؤكدا أن تلك المكالمة لم تكن سوي معابثة سمجة .. أو كذبة أكثر سماجة !
وضع " توبياس " السماعة في مكانها .. ثم ألتفت ببطء نحو زوجته الواقفة عند الجدار صامتة تماما .. نظر لها بضع لحظات بصمت ، ثم ابتسم ابتسامة مخيفة وهتف قائلا لها بصوت ثلجي مخيف :
" يبدو يا عزيزتي أن ذكري صديقك السابق تراودك كثيرا هذه الأيام ! "
صمتت " جيسيكا " تماما ولم تجب .. بل ابتلعت ريقها بصعوبة ودق قلبها خوفا وريبة !
.........................................
الطابق الأول لم يكن يقل فخامة وجمالا عن الطابق الأرضي .. نفس الأثاث الفخيم والذوق الراقي المعدني الطابع .. لكن كان هناك شيء غريب ها هنا .. فبالإضافة إلى اللمعان المؤذي للعينين كان تصميم المكان نفسه غريبا للغاية .. فلم يكن هناك أبواب حجرات أو مرافق عادية ، بل كانت هناك أبواب ضخمة مصقولة ، تدل على أن خلفها ، غالبا ، قاعات كبيرة متسعة .. الأغرب أن كافة أبواب تلك القاعات كانت مواربة مما يدل على أن هذا المخبول لا يخشي السرقة .. وطبعا لم يكن هناك أثر للخدم هنا كذلك .. أين ذهب الخدم ؟!
أيعقل أن بيت بهذا الضخامة ، لرجل بكل هذا الثراء الفاحش ، بلا خدم !
انفصلت قوة الشرطة ، التي لم يكن قوامها يتعدي الستة أشخاص ، وذهب كل فرد ليستكشف جزء ما من تلك المتاهة .. أقصد بيت " توبياس بلفور " العجيب !
وكان أول من تحرك مبتعدا هو " وينفري " ضابط الشرطة الحديث الصغير السن الأسمر .. تحرك بشجاعة ، ولكن بتردد ، نحو أحد أبواب القاعات المعدنية اللامعة وهتف لأقرب زميل بجواره وهو " جيم " قائلا :
" سأتفقد تلك الحجرة يا " جيمي " .. هل يمكنك تفقد تلك التي في الناحية الأخرى ! "
هز " جيم " رأسه موافقا ثم نظر بتردد للناحية الأخرى وهتف متراجعا :
" لم لا نبقي معا يا " وينفري " .. لنتفقد القاعة الأولي معا ثم سأصطحبك لتفتيش الثانية "
هز " وينفري " رأسه وضحك قائلا :
" نحن هنا في منزل " بلفور " ومنزل " بلفور " ليس منزل ماما " جاجا " ! "
ابتسم " جيم " بدوره وأجاب وقد فهمها بذكاء :
" قلعة الكونت دراكولا ! "
ابتسم كلاهما للحظة قبل أن يحدث شيء غير محبب .. أنقطع التيار الكهربي فجأة وغرق المنزل في ظلام حالك مخيف !
أبتلع " وينفري " ريقه بخوف ومد يده يتحسس ما بجواره حتى اصطدمت بكتف " جيم " وهتف فيه بصوت مذعور :
" ماذا حدث ؟! "
أجاب " جيم على الفور :
" لقد أنقطع التيار الكهربي ! "
عاد " وينفري " يسأل بخوف متزايد :
" لماذا غرق المنزل في كل هذا الظلام .. إننا لا نزال في الظهيرة ! "
وأشفع " وينفري " تساؤله باتجاهه نحو رأس السلم ليتفقد من في الأسفل وهتف مناديا :
" هل الجميع بخير هناك ؟! "
ولكن لم يأتيه أي رد .. فصرخ " جيم " بفزع :
" لنهبط ونتأكد مما يحدث بأنفسنا .. اللعنة أليس لدي هذا الثري المخبول مولد كهربائي لتلك الحالات الطارئة ! "
وهنا وفجأة كذلك عاد التيار الكهربي .. وشهق الشرطيان بفزع عندما وجدا امرأة واقفة أمامهما ..
كانت امرأة شقراء بالغة الجمال لكنها شاحبة شحوب الموت .. كانت تقف وهي ترتعش وبيدها تضغط على جرح عميق في بطنها تتناثر منه الدماء وتسيل على يديها وعلى ملابسها .. هتفت لهما بتوسل :
" ساعدوني .. أرجوكم ساعدوني ! "
فرد " وينفري " الذي لم يفق من صدمة رؤيتها المباغتة بعد :
" السيدة " بلفور " .. " جيسكيا " ؟! "
فأشارت لهما برأسها بنعم .. ثم سقطت على الأرض مغشي عليها .. صرخ " جيم " بصوته الجهوري منبها من بالأسفل :
" لقد عثرنا عليها .. إنها هنا ! "
وهنا أنقطع التيار الكهربي مرة أخري فأصابه رعب شديد لكنه أطمأن لسماعه أصوات أقدام مسرعة تصعد السلم .. بعد دقيقة وصل عند الضابطين بقية الرفاق من زملائهما ومعهم السيد " بلفور " حاملا كشافا بالغ السطوع وقال بلهفة :
" أين هي .. أين هي ؟! "
فأشار لهم " وينفري " نحو الأسفل وأجاب بسرعة :
" هنا .. فوق الأرض لقد سقطت مغشي عليها ! "
بسرعة وجه " بلفور " كشافه إلى أسفل وأخذ يمسح الأرضية كلها من أقصي اليمين وحتى أقصي اليسار بلهفة شديدة .. ولكن لم يكن هناك أي شيء على الأرضية اللامعة !
سأل قائد القوة بانزعاج وغضب :
" أين هي ؟! "
فأجاب " جيم " برعب :
" كانت هنا ... اللعنة لقد رأينها بأعيننا .. رأينها بأعيننا قبل أن ينقطع التيار الكهربي .. أليس كذلك يا " وينفري " ! "
لم يجب " وينفري " بينما ارتسمت نظرة غامضة غريبة في عيني السيد " بلفور " وسأل بمنتهي الهدوء :
" كيف كانت تبدو ؟! "
فأجاب " جيم " على الفور :
" شقراء وجميلة وشاحبة وتنزف دما بغزارة ! "
اتسعت ابتسامة " بلفور " ورد بمنتهي الهدوء :
" حاول مرة أخري يا سيدي الضابط .. زوجتي ليست شقراء على الإطلاق ! "
................................


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.