هل أتاك حديث الأوطان المعتلة ؟ ! تحاول الكاتبة زينب حفنى فى روايتها الرابعة " هل أتاك حديثى ؟ " أن تكشف ماهو مسكوت عنه فى الثقافة العربية ولكن من خلال تقنية روائية تتسم بالبساطة والجرأة من خلال فضاء روائى واسع يعطى الحرية بعيدا فيه الكاتبة تصوير العالم على طريقتها الخاصة بتعرية الذات واستيعاب التفاصيل الصغيرة وحاولت أيضا تذويت اللغة أى تصبح اللغة مرادفة لذات الكاتبة تشكل علاقة الرجل بالمرأة المحور الأساسي فى هذه الرواية. ومع ذلك فقد انتقلت من الهم الخاص إلى الهم العام، ومن ثم حققت فضاءً إنسانيا واسعا كما عالجت الكاتبة هذه العلاقة بوعي شديد وجرأة كاشفة لكثير من المسكوت عنه فى حياتنا , اعتلال الوطن ومن ثم اعتلال الكيان الإنساني لكل من الرجل والمرأة، ومع أن الفن لا يقدم علاجا جاهزا لمظاهر اعتلالنا إلا أن إثارة الأسئلة يمكن أن تكشف لنا هذا الواقع المريض، ومن خلال القراءة المتأنية لهذه الرواية نستطيع أن نرصد مظاهر هذا الاعتلال، و ما يثيرني بشدة في تلك الرواية .. وهو الطريقة التي يتم بها استكشاف مناطق الألم الإنساني والتعامل معه بكل التناقضات البشرية التي نراها في حياتنا ، هنا شخصيات تحاول الهروب من تلك الآلام لأن مواجهتها صعبة بالفعل .. تتشكك حيناً في بعض مبادئها الحياتية .. وتسخر حيناً آخر مما تؤمن به .. ولكن في النهاية تصل أغلب الشخصيات لحتمية المواجهة تبدأ الرواية قبل انطلاق ثورة الخامس والعشرين من يناير بأيام معدودات كما جاء على لسان الراوية " تقلبت فى فراشى . سرت رعشة برد فى أوصالى . نظرت إلى ساعة يدى الملقاة على " الكوميدينو" بجوارى كانت تشير إلى العاشرة والنصف صباحا . فى العادة طقس القاهرة فى شهر يناير شديد البرودة" فائزة هى الراوية الحاضرة المشاركة فى الأحداث وهى أيضا راوية عليمة ببواطن أمور الشخصيات الأخرى أى أنها مركز الدائرة السردية مجموعة من الأسئلة الجمالية والمعرفية تثيرها الكاتبة زينب حفنى بداية من عنوان الرواية "هل أتاك حديثى " ومرورا بهذا البناء الذى لا يعتمد على تكوين الحبكة ذات التراتب الرأسي. إنما جاءت الرواية مرتكزة على شخصية رئيسة ومحورية هى "فائزة" التى شكلت قطباً مغناطيسياً جاذباً لكل الشخصيات الأخرى، متأثراً بها ومؤثراً فيها. فهي تلعب دور الراوية المشاركة في الأحداث التى تعلق عليها أيضاً، بل وتفلسفها من وجهة نظرها الرواية هى فن الشخصية . تتعدد الشخصيات وتتنوع من حيث تكوينها وسماتها وأبعادها . فلكل شخصية ظرفها الخاص بها من حيث التكوين الإجتماعى والثقافى والنفسى . وقد نجحت الكاتبة فى تقديم هذه الشخصيات من خلال سرد بسيط ولغة واضحة . وطن فاطمة وجعفر : لم تسلم المرأة العربية من نيران القهر بكل أنواعه . القهر النفسى والجسدى والجنسى والثقافى والسياسى . سجنت وتعذبت وتم اغتصابها : كيف يتحقق الإنسان في مجتمع لا يمارس فيه حريته ؟ ! ، من هنا نستطيع مناقشة هذه المأساة التى حدثت نتيجة لزواج فاطمة وهى سنية المذهب من جعفر وهو شيعى المذهب لقد تعرضا لأ بشع أنواع الذل والمهانة وأقصى درجات الانتقام . بداية من الأخ المتعنت المتعصب مرورا بهذا القاضى الذى حكم بتفريق الزوجين بل والحكم بسجن فاطمة . جريمة بشعة دفعت فاطمة حياتها ثمنا لها بعد أن أجبروها على إدمان الهيروين وأصبحت تمارس المثلية الجنسية بعد أن قادوها إلى ذلك ألا يمثل ذلك أقصى درجة من درجات اعتلال الوطن ؟ ! نحاول دفن عيوبنا تحت التراب ونظن بذلك أننا قضينا عليها ونكتشف بعد ذلك أنها مازالت موجودة وقائمة ولاتعدو المحاولة عن مجرد الإخفاء ويصبح الجلاء هو الكفيل الذى يخلصنا من التناقضات التى تنخر فى واقعنا وفقت الكاتبة فى اختيار الإطار الزمنى لأحداث الرواية التى بدأت مع بداية الثورة المصرية وانتهت والثورة لم تحقق الأهداف التى قامت من أجلها سوى كسر حاجز الخوف . وكأن لسان حال الكاتبة يقول إذا أردنا أن نعالج هذه الأوطان العربية العليلة فلابد أن تكون البداية من مصر. .ثمة انكسارات عديدة قد حدثت للأوطان . يدفع ثمنها غالبا الشعب مأساة صافى . ابنة خالة الراوية وهى تتمتع بجمال وأنوثة غير عادية منذ الصغر ومع ذلك فقد خاب حظها فى الزواج والعاطفة فى البداية تزوجت من هشام وهو شاب متعلم ومثقف ومهذب ومن أسرة مستواها الاجتماعى مرتفع ولكن تفاجأ صافى أن زوجها شاذ جنسيا فيتم طلاقها خلال ستة أشهر ثم تصبر ثم يزوجها والدها لرجل يكبرها بعشرين عاما وتكتشف أنه عاجز جنسيا . تفقد الأمل تماما فى مجال الحب والزواج حتى تقابل رأفت بطريقة غير متوقعة فقد تعرف عليها وهى فى مول تجارى وطلب منها أن يجلسا معا فوافقت وبهرها بشخصيته التى تتسم بالصدق والنقء واستمرت العلاقة بينهما وشربا من نبع الحب كثيرا إلا أنها قالت له أنها لاتوافق على العلاقة الكاملة خارج الإطار الشرعى فوافق على الزواج وأخذا يستعدان لهذا اليوم فقد أحبته حبا جارفا وأحست معه بأنوثتها الكاملة . وفى احدى المرات وهى تتصل به تليفونيا وجدت صوت نسائى يرد عليها ليقول لها : البقية فى حياتك ثم عرفت أن أخته هى التى ردت عليها وعلمت منها أنه كان مريضا بالقلب ومنعه الطبيب المعالج من التدخين إلا أن حبه للحياة تفوق على كل المحازير فأصيب بنوبة قلبية مفاجئة مات على أثرها هكذا وقفت الظروف فى وجه صافى الأنثى الجميلة والانسانة المرحة . اتجهت إلى كتب التصوف تلتهمها التهاما وبدأت تساعد الثوار فى ميدان التحرير وشاركتها فى هذا فائزة . ونحن بدورنا نتساءل : هل كان التصوف هو الملاذ الأمن والأخير لصافى بعد ان أخفقت فى كل تجارب الزواج والحب التى مرت بها ؟ فائزة وتهانى .جاء الاختلاف بين طبيعة الشخصيتين فى صالح البناء الدرامى للعمل . ثمة تناقض فى مواقف كثيرة بين فائزة الراوية الحاضرة المشاركة فى الأحداث وبين شخصية تهانى أختها التى تتسم بالعملية والقدرة على تحديد الهدف وتحقيقه فقد لامت على فائزة أنها لم تستطع أن تحتفظ بزوجها طبيب التجميل بعد أن تزوج من المضيفة التونسية وكانت تعلم بتعدد علاقاته النسائية. لكن الراوية قد علقت على هذه الأحداث فى إطار من التامل والفلسفة حين شبهت الحياة بلعبة الشطرنج وحركة الانسان فيها تتماثل مع حركة العساكر فوق هذه الرقعة . التغير يحكم قانون اللعبة فلا غالب يستمر فى انتصاره ولا مهزوم باق فى هزيمته إلى الأبد . ورغم سعادة تهانى مع زوجها الذى أصبح سفيرا . فى لحظة ما ينتهى كل شىء فيصاب بجلطة دماغية ينتج عنها شلل نصفى فى الجانب الأيسر ويفقد القدرة على الحركة والكلام ويتعامل مع الحياة من خلال مقعد متحرك . ورغم التجربتين المريرتين للراوية . الأولى بانفصالها عن زوجها طبيب التجميل المشهور ووالد ابنيها أحمد ومحمد والثانية حين أحبت جعفر ولم يستجب لهذا الحب لأن قضيةالنضال ضد المذهبية كانت الاهم من وجهة نظره من أى ارتباط عاطفى .إلا أنها فائزة فى النهاية . أقصد اسم الراوية كان موفقا . لأنها لم تستسلم لأى إخفاق أو فشل . وقد استفادت من كل تجربة مرت بها وخاصة .أما تصريح صافى ابنة خالتها لها بأنها لم تحب جعفر حبا حقيقيا لكنها أحبت قيمة الوفاء فيه لزوجته فاطمة التى راحت ضحية لوطن معتل . تلك الصفة التى افتقدتها فى زوجها السابق . كان من الأفضل أن تترك الكاتبة للقارىء حقه فى التأويل ولاتصادر عليه .خاصة أن فائزة كانت مفتونة برجولته وبعض سماته الجسدية إلا أنها اختارت فى النهاية أن تتبنى قضية جعفر ضد المذهبية وأن تكون قريبة منه ومن ابنه على وهذا التسامى من قبل الراوية انتقل بالحدث من الخاص إلى العام لقد جاء البناء الروائى متوازيا مع هذه التساؤلات لذا فقد جاء السرد بسيطا بعيدا عن المغامرة وكانت اللغة مطواعة ومناسبة للمواقف والأحداث والشخصيات وقد نجحت الكاتبة فى رسم معظم الشخصيات اما الحوار فقد شكل أهم عناصر البناء الروائى وعبر عن الخصائص النفسية والاجتماعية والثقافية للشخصية كما أنه عمل على تطور الأحداث وقد استطاعت الكاتبة انجاز ذلك فقد وصل إلى درجة عالية من التكثيف والشعرية وقد تميزت الرواية به وكشفت من خلاله الكاتبة عن مكنونات النفس العربية فى جميع أحوالها . كما جاء فى صفحة 127 : سألت تهانى : " لماذا يتجاهل إعلامنا المحلى . تغطية هذه المناسبات الجميلة . " تقصد احتفالات المولد النبوى التى حرمها الوهابيون " كما يجرى فى كافة دول العالم ؟ " " أشياء كثيرة فى بلادنا بحاجة إلى إيضاح ! يكفى أن تلاحظى سحب المناخ الدينى المتشدد العائمة فى سمائنا حتى تكفى عن طرح أسئلتك الساذجة اللغة فى الرواية : إن قدرة الكاتبة على المزج بين ماهو عاطفى وماهو سياسى وبين الخاص والعام والقدرة على التصوير من زوايا رؤية متعددة ومن خلال لغة واصفة ورامزة منحت السرد الروائي رشاقة متفردة وبعدت به عن منطقة الترهل والثرثرة . كما جاء فى صفحة 141 " كانت أغنية الربيع لفريد الأطرش تنبعث من جهازالإستريو. أثنى على اختيارى . سرحت مع كلمات الأغنية . اهتاجت أحاسيسى . دبت فى أطرافى حرارة مفاجئة . قمت من مكانى . حشرت جسدى بجانبه على الأريكة . تشبست بعنقه قائلة بعينين يشع منهما بريق الوجد وبصوت تفوح منه لوعة الهيام : " جعفر أنا أحبك وأنت تعلم ذلك جيدا " وتوجد نماذج كثيرة لحيوية اللغة وتدفقها فى صفحة 100 " اكتشفت أن أخوتنا قد بدأت تنبت فى أرضية الاحتياج والوجع " صفحة 111 تصف الراوية بيت جعفر بعد وفاة زوجته فاطمة " صمت الوحدة ينز من جدران بيته الباردة " لغة مشحونة وملغمة جماليا كما أن توظيف الأفعال المضارعة أضفى على البناء الروائى نوعا من الحركية والدينامية وقد جعل ذلك ايقاع الرواية ايقاعا سريعا ورغم أن عدد صفحاتها 185 صفحة إلا أنها فى ظنى أقرب إلى الرواية القصيرة بسبب إيقاعها