اجتاحت مصر فرحة عارمة الأسبوع الماضى بتحرير الجنود السبعة المخطوفين . هلل الجميع طرباً وفخراً للمجهود الكبير الذى بذلته مؤسسة الرئاسة وقيادات القوات المسلحة ورجال الشرطة والمخابرات الحربية ومشايخ وعواقل سيناء فى عودة هؤلاء الجنود المخطوفين دون إراقة قطرة دم واحدة . ولكن رغم ذلك ظل هناك جرحاً هائماً فى النفوس وأنيناً مكتوماً فى الكرامة المصرية سببه أن الجنود قد تم عودتهم دون إطلاق رصاصة واحدة ودون القبض على أحد الخاطفين . انعكس ذلك الجرح الهائم والأنين المكتوم فى أسئلة تدور حول من خطف هؤلاء الجنود ؟ ومن الذى يصر على إذلال مصر وطعنها فى عزتها وكرامتها عبر خطف هؤلاء الجنود؟ وما هو الثمن الخفى المقابل فى (الصفقة) التى روجت لها وسائل الإعلام الذى سيتم دفعه فى مقابل إطلاق سراح هؤلاء الجنود ؟ . انحسرت الإتهامات كالعادة فى جهات ثلاث : أولاً – اتهام بالتقصير والتهاون فى حق قواتنا المسلحة عن حماية الأفراد وفرض الأمن والأمان فى سيناء بصفة عامة (لا ننسي أن هذا اتهام ممتد من أيام حادثة اغتيال الستة عشر جندياً لحظة إفطارهم من صيام رمضان فى أغسطس من العام الماضى) . ثانياً – اتهام موجه إلى تيار الإسلام السياسي فى مصر بصفة عامة (وعلى قمته جماعة الإخوان المسلمون) بأنه ضالع فى عملية توطين أهالى غزة فى القسم الشمالى من أرض سيناء الحبيبة وأن هذا هو الثمن الذى يدفعه نظير تسليم السلطة له فى مصر بمساعدة الأمريكان بعد سقوط نظام مبارك فى ثورة يناير 2011 . الثاً - الإتهام الجاهز دائماً ضد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بأنها هى الجهة المدبرة وراء حادث اختطاف الجنود .. والآن إلى تفنيد كل من هذه الإتهامات الكاذبة على حدة .. أولاً – الإتهام الموجه إلى القوات المسلحة بالتهاون فى أمن الأفراد وفى فرض الأمن والأمان بصفة عامة فى سيناء هو إتهام غير صحيح .. فقواتنا المسلحة الباسلة كانت هى التى استعادت سيناء الحبيبة منذ البداية فى معركة العزة والكرامة (معركة العبور سنة 1973) ، وقد ضحت فى سبيل ذلك بعشرة آلاف شهيد استشهدوا فى الأيام الأولى لعملية العبور العظيم ، هذا عدا الآلاف المؤلفة من الشهداء والجرحى والمصابين جعل الله ذلك فى ميزان حسناتهم . فكيف بمن استشهد وضحى وقاوم وانتصر منذ أربعين عاماً (فى سنة العبور العظيم 1973) أن يعجز الآن ويضعف ويقصر فى حماية سيناء الحبيبة . يقولون لك وأين حق الستة عشر شهيداً الذين قتلوا غيلةً فى رمضان الماضى وهم يفطرون ، فأقول لهم لم يأت الجيش بحقهم لأن من قتلهم فروا من خلال الأنفاق إلى خارج الحدود . إلى حيث من أرسلهم وآواهم وحماهم ومولهم وأمّن لهم الدخول والخروج منذ البداية .. من هو الذى فعل ذلك ، هذا هو ما سيأتى شرحه بالتفصيل .. ثانياً – الإتهام الموجه إلى التيار الإسلامى (وعلى رأسه جماعة الإخوان المسلمين) بأنهم دبروا الحادث رغبة فى توطين أهالى غزة بشمال سيناء ثمناً للسلطة التى قبضوها بعد ثورة يناير 2011 .. وهذا الإتهام مردود عليه بأن جماعة الإخوان المسلمين كانت دائماً طوال عمرها ومنذ تاريخ تأسيسها تجعل قضية فلسطين وعودة الأقصى هى القضية المحورية فى سياستها الخارجية .. فإذا كانت قد فعلت ذلك وهى فى المعارضة فى كامل بطش وجبروت عبد الناصر والسادات ومبارك بها فما الذى يجبرها على تغيير مبادئها والتنازل عن سياستها وقد أصبحت فى السلطة ؟ .. لقد كان المقبول عقلاً أن تبيع فلسطين والأقصى وهى فى مراحل الضعف والاستضعاف تخفيفاً للتعذيب والحصار عليهم ومن حولهم .. ومن لم يفعل ذلك وهو فى الضعف والحصار يستحيل عليه أن يفعلها وهو فى القوة والتمكين .. هذه واحدة .. أما الثانية فإننى أدعوكم أن تراجعوا تاريخ العمليات الإرهابية الحديثة فى سيناء فى العشر سنوات الأخيرة .. حادث طابا ( 6 أكتوبر 2004) ، حادث شرم الشيخ ( 23 يوليو 2005) ، إعتداء دهب (25 أبريل 2006 – ذكرى تحرير سيناء ) .. لنجد أنه حتى نظام مبارك (أعدى أعداء الإخوان المسلمون وحماس) لم يجرؤ على إتهام جماعة الإخوان المسلمون أو حركة حماس القيام بأى من هذه العمليات الإرهابية .. فإذا كان أياً من الإخوان المسلمون أوحماس لم يرتكب الإرهاب فى سيناء لا فى 2004 ولا فى 2005 ولا فى 2006 ، فما الذى يدعوهم لإرتكابه الآن فى 2012 – 2013 ، وقد زال الضغط والتعذيب عن الإخوان وأصبحوا فى السلطة ، وخف الحصار نسبياً عن حركة حماس بعد أن أصبح حلفائهم الإخوان فى السلطة وذلك على إعتبار أن حركة حماس جزء من التنظيم الدولى للإخوان المسلمون .. ثالثاً – الإتهام الموجه إلى حركة حماس بأنهم هم وراء كافة الأعمال الإرهابية التى وقعت فى مصر بداية من ثورة يناير 2011 وحتى الآن (خطف ثلاثة ضباط وأمين شرطة – قتل الستة عشر جندياً على الحدود فى إفطار رمضان الماضى – تهريب السلاح والملابس العسكرية عبر الأنفاق فى سيناء). ولنناقش كل هذه الإتهامات ونفندها . أولاً – إن أرض فلسطين بالنسبة لأهلها هى الأرض المباركة التى بارك الله سبحانه حولها كما أنها أرض المحشر ، وبالتالى فالفلسيطينيون والغزاويون يعشقون أرضهم لا يطيقون استبدالها أو التنازل عنها لا بسيناء ولا بغيرها .. وثانيا ً – أن حركة حماس لم يثبت قبل ذلك أبداً أنها قامت بأى أعمال إرهابية ضد الأنظمة السياسية التى تستضيفها أو تتحالف معها .. فقد عاش خالد مشعل (الزعيم السياسي لحركة حماس) فى كنف الملك حسين ملك الأردن الراحل .. وقد سممه الإسرئيليون وقتها (سنة 1994) وأحضر له الترياق الملك حسين رحمه الله .. فإذا كان الرجل إرهابياً غادراً لكان الملك حسين تركه يموت على أثر إغتيال الاسرائيليين له ولم يحاول إنقاذه .. ثم انتقل الرجل بعد ذلك ليعيش فى سوريا فى ظل نظام الأسد لمدة سبعة عشر عاماً (1994 – 2011) لم يعرف عنه وقتها أنه قد نفذ أى عملية إرهابية فى سوريا أو ضد نظام الأسد الأب أو الإبن .. فما الذى يدعو حماس للقيام بعمليات إرهابية ضد مصر؟ .. لماذا يعادون الجيش المصرى فيقتلون ستة عشر جندياً من جنوده ثم يخطفون سبعة آخرين بعد ذلك ؟ لماذا يكسرون ظهر الجيش المصرى وهم يعلمون أن الجيش المصرى هو العمود الفقرى الذى يؤمن ظهرهم فى حالة حدوث أى مواجهة عسكرية جديدة فلسطينية - إسرائيلية ؟ .. ثانياً .. إذا كان الغزاوية قد قبلوا بمبدأ بيع فلسطينهم والمقايضة عليها - وهذا غير صحيح على الإطلاق – فاشمعنى مصر ؟ أو ليس من الأسهل عليهم أن يشترطوا على إسرائيل أن يتم نقلهم أو إقامتهم فى الإمارات أو قطر (وهى دول بترولية تعانى أصلاً من قلة السكان الأصليين) أو العراق (وهو تحت الإحتلال الأمريكى مما سيسهل الأمور) أو حتى إلى الأردن (وأكثر من ثلثى شعبه من أصول فلسطينية) ؟ أوليس من الأسهل أن يتم استيعابهم فى أمريكا ويعطوهم الجنسية والإقامة وفرص عمل فورية ، علما أن أمريكا أساساً دولة قائمة على المهاجرين يصل إليها نصف مليون مهاجر سنوياً (بالمناسبة هذا السيناريو سبق تجريبه بعد هزيمة 1967 ، وكان الوعد أيامها بجنسية أمريكية فورية وثروة تصل إلى نصف مليون دولار ، ورغم هذا لم يفلح الحل فى زحزحة 100 فلسطيني أو أقل إلى خارج فلسطين ) ؟ بل ما الذى يدعو الفلسطينيين إلى الخروج أساساً إلى خارج فلسطين ؟ هناك ما هو أسهل – الإعتراف بإسرائيل والتنازل عن حل الدولتين وقبول الدخول فى دولة إسرائيلية واحدة بمواطنة وجنسية إسرلئيلية كاملة وفورية – فإذا كان ذلك فى أيديهم ، فما الذى يدعوهم إلى إهمال ذلك الحل ، والدخول بديلاً عن ذلك فى استفزاز للجيش والشعب المصريين قد يتطور فى النهاية إلى حرب ضروس يعلم الله وحده نهايتها ؟ .. اذن من هو العدو الذى يصر على إذلال مصر وطعنها فى عزتها وكرامتها عبر خطف هؤلاء الجنود وكسر إرادة القوات المسلحة المصرية – وهو السؤال الذى بدأنا به هذا المقال ؟ إنها إسرائيل ولا شك فى هذا .. ولكى أدلل على صدق ما أقول فسوف أستعرض معكم مجموعة من الحقائق والأدلة والبراهين التى لا سبيل إلى إنكارها أو الشك فيها كى نصل بعد استعراض هذه الحقائق والأدلة المؤكدة إلى أن إسرائيل هى المسئولة عن كل هذه الحوادث المتتالية سواء فى ذلك خطف الثلاثة ضباط وأمين شرطة أو قتل الستة عشر جندياً على الحدود فى إفطار رمضان الماضى أو تهريب السلاح والملابس العسكرية عبلر الأنفاق فى سيناء : أولاً – أن العقيدة العسكرية الإستراتيجية للقوات المسلحة المصرية تقوم أساساً على أن العدو الرئيسي للأمن القومى المصري هى إسرائيل .. ليست حماس ولا قطر ولا السودان ولا تركيا ولا أى دولة أخرى أو نظام سياسي آخر فى المنطقة .. العدو الرئيسي والأساسي للأمن القومى المصرى كان وما زال وسيظل هو إسرائيل .. وإسرائيل بالطبع تريد تغيير أو طمس هذه الحقيقة لأنها ليست فى صالحها .. ثانياً – الجيش الوحيد الذى ما زال باقياً وصامداً فى المنطقة هو الجيش المصرى وهو العقبة الأخيرة والوحيدة والمؤكدة فى وجه الحلم الإسرائيلى البشع المتمثل فى إقامة الدولة الصهيونية (من النيل إلى الفرات) .. هذا هو ما صرح به وأكد عليه السيد الرئيس / محمد مرسي فى لقائه بأعضاء الجالية المصرية بالسفارة المصرية بأثيوبيا فى مساء السبت (25 مايو 2013) .. ثالثاً – يريد الإسرائيليون هز ثقة المصريون فى قواتهم المسلحة الباسلة عبر سلسلة من العمليات الإرهابية البشعة القذرة فى سيناء والمجهولة المصدر حتى يظن المصريون أن جيشهم أصبح غير قادر على حمايتهم وأنهم أصبحوا مستباحون حتى فى داخل بلادهم وبالتالى لا يقفون خلف جيشهم صفاً واحدا ً متراصاً متماسكا فى أى معركة قد تقع فى أى وقت ضد عدونا الأكيد إسرائيل .. ولمن لا يصدقنى أذكره بالتاريخ القريب فى حرب الإستنزاف قبل حرب أكتوبر المجيدة ، فهل تظنون أن من قتل الأطفال فى بحر البقر وقصف محطة كهرباء نجع حمادى بل وأراد يوماً ما قصف وتدمير السد العالى وإغراق مصر إلى الأبد يمكن له أن يتورع عن هذه الأعمال الإرهابية البشعة ؟ .. رابعاً – صرح كلاً من شارون ونتنياهو فى تصريح مشترك مشهور منشور فى العام (2006) بأنهم يريدون دفن القضية الفلسطينية إلى الأبد .. ومامن عاقل يظن أن الحل يكمن فى نقل أهالى غزة إلى داخل حدود سيناء الشمالية لأن هذا معناه إعادة إنتاج تجربة (حزب الله) فى جنوب لبنان حيث يعيش المقاومون على مقربة من أراضيهم يرونها ويحلمون بتحريرها يومياً وهذا لن يحقق الإستقرار لإسرائيل أبداً .. خامساً – فى وصف الحادثة الأخيرة لإختطاف الجنود المصريون السبعة صدرت إفتتاحية جريدة النيويورك تايمز لتصف الحادث بأنه "سلَط الضوء على استمرار حالة الفراغ الأمنى فى سيناء التى تهملها الحكومة رغم أهمية موقعها على الحدود مع قطاع غزة الذى أصبح ملاذاً للجهاديين ومفترق طرق للأسلحة والمخدرات والاتجار بالبشر" .. وهنا يتضح لنا المخطط الإسرائيلى تماماً .. فإسرائيل تريد تصوير وتصدير الوضع فى سيناء للعالم – عبر وسائل الإعلام العالمية التى تملكها وتديرها أيادى صهيونية بالأساس – بأن سيناء قد أهملتها الحكومة المصرية تماماً بحيث أصبح الفراغ الأمنى فيها كاملاً فأصبحت مرتعاً للإرهابيين ومفترق طرق للأسلحة والمخدرات والإتجار بالبشر .. يرتبط هذا بالشائعات التى أصبحت تملأ أذهان كثير من المصريين بأن الإخوان المسلمون قد وصلوا إلى الحكم عبر صفقة أميركية ثمنها توطين أهالى غزة وقيادة حماس فى النصف الشمالى من سيناء .. وهى إشاعات كاذبة بيقين ليس لها أى دليل من الصحة أو الحقيقة كما أننى لا أشك لحظة فى أن الإسرائيليين أنفسهم هم من أطلقوا هذه الشائعات .. يتكامل مع هذا عمليات إرهابية تخويفية مستمرة مجهولة المصدر فى سيناء العزيزة – تقودها المخابرات الإسرائيلية (الموساد) ولا شك عندى فى هذا – فيرسخ فى أذهان المصريين عبر التراكم الذهنى المعرفى المزيف (Stereotype ) بأن حركة حماس هى من وراء هذه العمليات الإرهابية لأنها تريد إحتلال سيناء وتوطين فلسطينييغزة فيها ، ودليلي على صحة كلامى هذا هو عدم القبض على القتلة فى العملية الأولى (قتل 16 جندياً عند الإفطار فى رمضان الماضى) وكذلك عدم القبض على الخاطفين فى العملية الثانية (خطف سبعة جنود فى الأسبوع الماضى) .. فأين القتلة والخاطفون فى كلتا العمليتين إن لم يكونوا قد فروا عبر الأنفاق إلى إسرائيل .. وبناء على كل ما سبق من ضغوط إعلامية وعاطفية وإرهابية ، يندفع الجيش المصرى إلى غزة فى النهاية دفاعاً عن سيناء الحبيبة فتقع الحرب المحتومة بين القوات المسلحة المصرية وأهالى غزة فيضرب الإسرائيليون بذلك حجرين بعصفور واحد : القضاء على أهالى غزة وإقامة مذبحة تاريخية لهم على يد الجيش المصرى فيتم دفن القضية الفلسطينية – بالضبط كما صرح إريل شارون وبنيامين نتنياهو عام 2006 – وكذلك يتم الإيقاع بالقوات المسلحة المصرية فى فخ غزة فينفتح الطريق أمام الإسرائيليين إلى إقامة دولتهم النكدة العفنة من النيل إلى الفرات .. بالمناسبة : هذه هى نفس الخطة التى اصطادوا بها الرئيس جمال عبد الناصر فى حرب 1967 ، مع استبدال (سوريا) بقطاع غزة فى كل ما سبق أن ذكرت وقد كانوا يعلمون أن عبد الناصر – رحمه الله – به ضعف تاريخى تجاه سوريا من وقت الإنفصال عن الوحدة ، ولمن يريد الإستزادة من (خطة إصطياد الديك الرومى) عليه العودة إلى كتاب (الإنفجار) للأستاذ / محمد حسنين هيكل . انتبهوا أيها المصريون .. صحيح أن عدوكم الإسرائيلي خبيث لكنه أغبى كثيراً من أن يلدغ أبناء حضارة السبعة آلاف سنة من ذات الجحر مرتين .. فالحديث النبوى الشريف يقول: (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين) .. اللهم هل بلغت اللهم فاشهد .. _____________________________ المستشار / أحمد محروس – أمين الإتصال السياسي بلجنة العلاقات العامة بحزب الحرية والعدالة