(العارفُ لا يزولُ اضْطِراره ولا يكونُ مع غيرِ اللّه قرارهُ). أما وجه كونه لا يزول اضطراره فلتحقق قيومية الحق به إذ الحس لا يقوم إلا بالمعنى، فحس العبودية لا يقوم إلا بمعنى الربوبية، فبقدر تحقق العبد بقيومية الربوبية يشتد اضطراره في ظاهر العبودية، وأيضاً العارف لا يزال في الترقي فهو متعطش للزيادة على الدوام. وأما وجه كونه لا يكون مع غير الله قراره، فلأن قلب العارف رحل إلى الله من الكون بأسره، فلم تبق له حاجة إلى غيره، فقراره إنما هو شهود الذات الأقدس، فإن نزل إلى سماء الحقوق أو أرض الحظوظ فبالإذن والتمكن والرسوخ في اليقين، فالعارف ليس له عن نفسه إخبار، ولا مع غير الله قرار. وأيضاً سابق العناية لا يتركه يركن إلى غير مولاه، فمهما ركن قلبه إلى شيء شوشته عليه العناية، واكتنفته الرعاية، فهو محفوظ من الأغيار، محفوف من كل جهة بمدد الأنوار، إذا كان الله حرس السماء من استراق السمع، فكيف لا يحرس قلوب أوليائه من الأغيار، وما تولاهم بمحبته حتى حفظهم من شهود غيره ، فكيف بالركون؟ فكيف بالسكون؟ هيهات هيهات. هذا لا يكون من كان ظاهره محفوفاً بالأنوار، وباطنه محشواً بالأسرار، فكيف يركن إلى شهود الأغيار؟