المغامرة الجماليّة للنص الروائيّ السيرذاتي النسويّ بين الإبداع والخصوصية بقلم: صبرينة جعفر/ الجزائر الملخص: تعتبر الرواية من أكثر الفنون الإبداعية استجابة للتشكيل السيرذاتي وذلك لوجود تقارب كبير بينهما من حيث التشكيل، فنجد الروائيّ يمرر الكثير من سيرته الذاتية ليبني عالمه الروائي المتخيل. المرأة الأديبة المبدعة حاضرة وبقوة في هذا المجال ولها مايميزها عن كتابات غيرها، الروائيّة المتألقة " سناء الشعلان " في روايتيها " السقوط في الشمس " و "أعشقني " تبرز لنا الجانب السيرذاتي لها موظفة كل الأدوات الإجرائيّة الكفيلة لضمان ظهور عالمها الخاص بأحلى حلة. وجاء بحثي هذا بعنوان المغامرة الجمالية للنص الروائيّ السيرذاتي النسويّ بين الابداع والخصوصية. "السقوط في الشمس/ أعشقني " سناء الشعلان أنموذجا . الكلمات المفتاحية: الرواية ، المغامرة الجمالية، السيرذاتي، النسويّ ،السقوط في الشمس، أعشقني، سناء الشعلان. المداخلة: تُعد الرواية عالما رحبا شاسعا، زئبقي الماهية يتسع فضاؤه للبوح اللامحدود، "وتعد مقولة روبير بشأن جوهرية هذا الفن (الرواية جنس لا قانون له). واحدة من أفضل المقولات المتصلة بحقيقة هذا الفن وأخطرها، إذ هي تقوض الكثير من المقولات النظرية التي تضع حدودا كثيرة تضيق على حرية الجنس القائم أساسا على تحطيم فكرة القوانين والقواعد والمواضعات إذ لا قانون يجعل الرواية عملا قابلا للتعلم لمن يسعه التعرف الجيد عليها وضبط حدودها و التفقه في قانونها...حيث قطعت الرواية أشواطا هائلة من التطور والنضج والتحول والتمرد في القرن الأخير.. وأصبح الروائي حُرا في انتخاب الطريق التي يجدها مناسبة وضرورية تستجيب بقوة ورحابة وتمثيل لتجربته من دون التقيد بهيمنة العناصر السردية وضرورة وجودها المتناسب في نسيج العمل"1. والحديث عن الإبداع الأدبي عند المرأة العربية ينحو منحنا مغايرا خاصا "لأن النص الإبداعي الذي يصدر عن المرأة يأخذ طابعا خاصا ومتميزا ويصبح ذا نكهة إذا كانت صاحبته لا يحرجها لتفضح العالم النسائي المتكتم والذي تسعى المرأة أن تجعله كذلك حتى يحافظ على جاذبيته وسحره وذلك العالم الحضري الذي تنزع المرأة فيه أقنعتها التي فرضها عليها نمط علائقي مجتمعي وثقافي تحكما في عقليتها وعقلية الرجل"2. والسؤال المطروح هنا، لماذا تكتب المرأة؟ هل من أجل الكتابة فقط أو كفعل تمارسه كباقي الأفعال؟ أم لهدف آخر؟. وأنا عن رأيي المرأة تكتب وتبدع فهي قارئة لذاتها حيث تسعى إلى تحقيق مشروع بداخلها، "إن المشروع الذي تطلق منه المرأة المبدعة ليس إعادة كتابة الذات التي ما تزال مطروحة للسؤال والتداول ولكن قراءتها في أفق البحث عن إمكانية عودتها إلى وضعها البشري الطبيعي الذي يسمح لها بممارسة التفكير والاختيار والقرار بدون وسط أو شطر"3. إذا فالدوافع التي جعلت المرأة تنفض الغبار عنها، لتلفت الانتباه إليها بأنها كائن حي فعّال، أرى أن أساسه الردع والمنع والتهميش جعلتها تثور معلنة تمردها. حيث نجد تمرد الأنثى ليس بالأمر السهل ففعل التمرد في "علم الإجماع هو محاولة فردية لتغيير الواقع الاجتماعي غير أن هذه المحاولة وبسبب فرديتها محكوم عليها بالفشل ذلك لأن تغير الواقع يحتاج إلى ثورة اجتماعية أو إلى مدى تاريخي، أما التمرد بالمعنى الفلسفي فهو فعل التحدي الذي يمارسه الفرد ضد قوى عاتية لا يستطيع إلحاق الهزيمة بها"4. وأنا لا أوافق هذا الكلام من حيث حكمه على فعل المرأة المبدعة بالفشل. لماذا ؟ففي الآونة الأخيرة ظهرت أقلام نسائية مبدعة تحمل معها ذاتها وأحلامها وكيانها وتمردها ولكنها قليلة، لأن "الكتابة عن الذات كتابة عن سفر من رحلة قد تعرف بدايتها دون النهاية وتحتاج إلى أكثر من المغامر ويجد المبدع نفسه أمام مجموعة من الأحداث والوقائع التي عليه أن يختار منها ما يشكل حالة إبداعية تثير في المتلقي شعورا بالجمال والمتعة وتتحول إلى واقع فني"5. والشيء الذي جعلها قليلة من جهة أخرى اصطدامها بفعل المنع وقمع البوح فتمردت لتكشف الستار وتعلن المستور. والمحظور وهذا لا بالأمر السهل يستدعي من المبدعة-المرأة التسلح بأدواتها الفنية لتخلق عالمها في أبهى حلته حيث نجد " الكتابة القصصية هي مثل جبل الثلج لا يظهر منه إلا جزء بسيط، أما الجزء الأعظم فيظل غير ظاهر ومغمورا في الماء، فإن الجزء الغاطس أو المغيب في الخطاب الروائي يمثل نصا غائبا موازيا للنص الظاهر لا يقل أهمية عن النص المكتوب وهو ما يدفع بالناقد الحديث للبحث عن استراتيجية لاكتناه المسكوت عنه أو المغيب في الخطاب الروائي وإعادة إنتاجه وتأويله اعتمادا على فاعلية القراءة المنتجة"6. ورقتي البحثية هذه، تسعى إلى اكتشاف بعض العناصر الجمالية في الرواية السيرذاتية النسويّة، السقوط في الشمس/ أعشقي سناء الشعلان. وعند قولي النسويّة فأعني به أدب المرأة المبدعة وليس لتميز جنسها عن الرجل، فكلاهما في كفة واحدة عند الإبداع الأدبي وقد تعلو كفة المرأة عن الرجل ورأيي هذا أجد أديبتنا سناء الشعلان تجيب عنه عندما سُئلت، "هل تؤمنين بتجنسي الأدب، نسوي ورجالي؟ وهل توافقين أن تكتب المرأة عن المرأة والرجل عن الرجل؟ "أنا أرفض تماما مصطلح الأدب النسوي، فما هو إلا مؤامرة ذكورية بهدف تبخيس الأدب الذي تنتجه المرأة، ووصفه بالدونية، ومن ثم فرض الوصاية الذكورية عليه، فهو أدب نسوي ناقص وينظر إليه نظرة تعاطف، لأنه يصدر عن امرأة أقل إبداعا من الرجل الذي يشكل أدبه المثال المقدس والتكامل، في موازاة أدب نسوي غرٍ وضعيف، ويعجز عن أن ينافس إبداع الرجل وإنتاجه، أنا أؤمن بأنني أديبة أنثى تنتج أدبا لا يقل عن الرجل، وأرفض تسميته بأدب نسوي جملة وتفصيلا ولنترك المنتج الإبداعي نفسه فهو من يقدم المبدع، ويقيمه بعيدا عن التقسيمات الجذرية المتحيزة للرجل ولما ينتج ضد المرأة"7. إذا فالعمل الأدبي المنتج هو الذي يحدد قيمته ومكانته، وليس من يكتبه (مرأة، رجل) وتضيف قائلة "الإبداع يستدعي أن يكتب الإنسان عن تجربة الإنسان بعيدا عن الجندر فالمبدع يكتب عن إنسانيته وعن تجربة أخيه الإنسان دون أن يؤثر جنس المبدع على ما ينتج، أما فكرة أن يكتب الرجل عن الرجل، والمرأة عن المرأة هي فكرة سخيفة ولا تستحق حتى النقاش"8. حقا، ما قالت الأديبة، البعد الإنساني النبيل سر الإبداع واستمراريته والهدف السامي المرجو من الإبداع. وكانت إجابتها عن ما تحتاجه المرأة الأديبة كي تحقق خطوات متقدمة في مجال الكتابة "تحتاج إلى أن تخلص لموهبتها، فتؤمن بنفسها ابتداء وتحدد أولوياتها ورسالتها من الكتابة وتطلع على كل جديد. وتسلح نفسها بالثقافة والعلم والإيمان والقيم كي تكون حلقة جديدة في حلقات البناء والإعمار، لا مجرد عزف منفرد نشاز خارج الجوقة أو جوق مقلد أو عصا من عصي الشيطان، وثغرة من الثغرات التي يلج منها العدد من أجل الفتك بهذه الأمة المستهدفة في الوقت الحاضر من قوى الظلام والظلال"9. والسمة التي طبعت الرواية الحديثة انفتاحها على معظم الفنون الأدبية الأخرى وبحثي هذا يعكس جانبا منها "السيرة الذاتية" في هذا يصح هذا القول: "إن الرواية غدت اليوم فنا مفتوحا يأبى الانغلاق، لأنها تتعامل مع العناصر تعاملا اختياريا وتنفتح على جميع الفنون القولية وغير قولية وتسخر الفن التشكيلي، والشعر والمسرح والسينما داخل النص الروائي الواحد مسايرة بذلك إيقاع العصر ومتوجهة نحو تداخل الأجناس"10. أ-المغامرة الجمالية للرواية السيرذاتية "العتبات": 1-العنوان: العناوين مفاتيح النصوص وسر جمالها، وإن اختيارها لا يتم عن قصد ووعي من طرف صاحبها، "ومما لا شك فيه أن اختيار العناوين عملية لا تخلو من قصدية كيفما كان الوضع الأجناسي للنص، إنها قصدية تنفي معيار الاعتباطية في اختيار التسمية ليصبح العنوان هو المحور الذي يتوالد ويتنامى ويعيد إنتاج نفسه وفق تمثلات وسياقات نصية تؤكد طبيعة التعالقات التي تربط العنوان بنصه والنص بعنوانه"11. أ-رواية (السقوط في الشمس): من خلال العنوان يتضح لنا ماهية السقوط فهو ليس بالمادي ولكن على الجانب الروحي الشعوري أكثر، يعكس لنا حالة شعورية وجدانية عاشتها صاحبة الرواية كان من المفروض السقوط على شيء ما أي من الأعلى إلى الأسفل، ولكن السقوط هنا كان مخالفا لفعل السقوط العادي حيث نرى الشمس هي التي يقع عليها فعل سقوط وبهذا تتحول العملية من الأسفل إلى الأعلى. العنوان في ظاهره يعمل معنى السقوط ولكن في باطنه يعني الصعود والارتقاء والعلو وهذه مفارقة حيث أن هناك شيئا يريد أن يرتفع ويغادر مكانه إلى أحضان الشمس ويغوص فيها أي حالة اندماج وتمازج. العنوان يعكس طابعا صوفيا فالسقوط وجداني روحي يسعى إلى فعل التطهير، الكاتبة اختارت (الشمس) حيث وجدت فيها ما فقدته في واقعها، فالشمس مصدر إنارة الكواكب الأخرى لها من الدفء ما يشبع رغبات الإنسان واحتياجاته فهي الأم الحاضنة الحنونة، وجدتها الكاتبة ملاذا لها وهروبا من واقع استحال أن يفهمها وقسى عليها. العنوان هنا يحمل طابعا شعوريا روحيا وجدانيا بسمة صوفية وتصور فلسفي ميتافيزيقي يشكل حالة من المناجاة الروحية. "العنوان سمة العمل الفني أو الأدبي الأول من حيث هو يضم النص الواسع في حالة اختزال وكمون كبيرين، ويختزن في بنيته أو دلالته أو كليهما في آن واحد وقد يضم العنوان الهدف من العمل ذاته أو خاتمة القصة وحل العقدة فيها"12. وهذا الاختيار جعله يحظى بشعرية خاصة حيث يرى "أندريه مارتنيه أن العنوان يشكل مرتكزا دلاليا يجب أن ينتبه عليه فعل التلقي بوصفه أعلى سلطة تلقٍ ممكنة، وبتميزه بأعلى اقتصاد لغوي ممكن ولاكتنازه بعلاقات إحالة مقصدية حرة إلى العالم، وإلى النص وإلى المرسل"13. فالطابع السيميائي للعنوان وبراعة اختيار الكاتبة لكلماته جعلته يحظى بشعرية خاصة مما زاد العمل المنتج جمالا وإشعاعا وإشراقا. ف"شعرية العنوان تُفد من سمات الشعرية في الرواية الحديثة وقد يوظف المبدع كل تقنيات التعبير وجمالية اللغة المعبر بها في سبيل ربط النص وعنوانه، وقد يرتقي العنوان جماليا ليصبح هو نفسه نصا يتشكل مع النص المتن، ويتعامل معه وقد ينافسه في إحداث الأثر المناسب باعتماده على الاقتصاد في اللفظ والتوسع في الدلالة وقدرته على توظيف الرمز والإيحاء والإشارة بالقوة نفسها التي يوظفها النص على الرغم من قصر العنوان وتكثيفه قياسا إلى المتن، وكأن العنوان يعتصر التجربة الإبداعية في كلمة أو مجموعة كلمات"14. وهذا ما وجده عنوان رواية (السقوط في الشمس). ب-الإهداء: كان حضور الإهداء في الروايتين (السقوط في الشمس وأعشُقني) حضورا خاصا، فكان إهداء خاصا وهذا النوع من الإهداء يختلف عن الإهداء العام يستدعي منا الدقة في التعامل معه لأنه يحظى بحساسية كبيرة وشفافية عارمة، حيث "يأتي الإهداء الخاص حاملا بدوره العديد من الأسئلة الموازية لتلك التي يعرض لها الإهداء العام...ومن ثم يستدعي الإهداء قارئا مشاركا قادرا على بناء عالم التخييل انطلاقا من الإشارات التي تقدم له والتي تعمل على برمجة محكي الرواية وفي سياقات ومستويات دلالية تختلف من قارئ لآخر"15. *الإهداء في رواية (السقوط في الشمس): "لأن قلبك أهداني إليك، لأن روحك تسكن جسدي، لأن طيفك يلازمني أبدا، لأن كل ما صنعت يداي يحاكي رسم عينيك، أقول لك وأستثني كل البشر: إليكَ"16. فكلمات الإهداء تحدد المهدى إليه في هذا العمل، فاستخدامها لضمير المخاطب (أنت) حدد جنسه (ذكر) وتخصه هو دون غيره في قولها "أستثني كل البشر، وتؤكد مرة أخرى بقولها (إليك). فحوى الإهداء قصة حب وعشق وبوح مباشر لامرأة باتت مخلصة لحبها. فالإهداء الخاص هنا يعكس منزلة وقمة المهدى إليه ومكانته لدى الكاتبة، ومن أجله كان هذا العمل. نستشف منه إعلان الكاتبة وبوحها عن خصوصياتها (الجانب الشخصي لها). ويلي هذا الإهداء، إهداء آخر (استهلال) يأتي شارحا للأول، طغى عليه الطابع السردي (مشهد حواري سردي) يصور لنا علاقة الحب القوية التي كانت تجمع بطلة الرواية وهذا الرجل. "روحي؟!. أنت روحي....ماذا تقول؟!. مجنون، أشرق الأرواح؟! اتهمن كما تشاء؟! ماذا؟ ماذا تقول؟! من أين سرقت روحي. لا أعرف، أتعرف أنت؟........ سأعترف، لن أصمت بعد الآن. أنا عشق نساء الأرض كله، أنا شوق نساء الأرض كله، أنا رغبة نساء الأرض كلها. تحاصر رجلا واحدا،....نعم أنت"17. فهي تعلن حبها الجارف وتتحدى العالم من أجله وتناضل للفوز به فالإهداء هنا يضعنا في الجو العام للرواية. فالقارئ لأول وهلة يتخيل الموضوع العام لها (الحب والعشق). الهوامش: 1 محمد صابر عبيد، التنوير الروائي، استراتيجية العلامة فضاء التأويل، علم الكتب الحديث، أربد-الأردن، الطبعة الأولى، ص75-76. 2 محمد معتصم، المرأة والسرد، دار الثقافة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 2004، ص119. 3 د.ة. زهور كرام، السرد النسائي العربي، مقاربة في المفهوم والخطاب، المدارس للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1424-2004، ص167. 4 نزيه أو نضال، تمرد الأنثى، في رواية المرأة العربية وبيبلوغرافيا الرواية النسوية العربية (1885-2003)، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الأردن، الطبعة 01-2004، ص25. 5 محمد تحريشي، في الرواية والقصة والمسرح، قراءة في المكونات الفنية والجمالية السردية، دار النشر، حلب، 2007، ص121. 6 فضل ثامر، المقموع والمسكوت عنه في السرد العربي، المدى للثقافة والنشر، سوريا، ط1، 2004، ص09. 7 سر دار زنكنة، لقاءات تحت أشعة الحروف المشرقة، دار زينفوت للنشر وصناعة الكتاب، مطبوعات إتحاد الكورد، كركوت، مطبعة كارو، السمائية، الطبعة الأولى، 2011، ص130. 8 سر دار زنكنة، المرجع نفسه ص130. 9 سر دار زنكنة، المرجع نفسه ص132. 10 بسام قطوس، سيمياء العنوان، دائرة المكتبة الوطنية، وزارة الثقافة، عمان، الأردن، ط1، 2001، ص154. 11 عبد الفتاح الحجمري، عتبات النص، البنية والدلالة، شركة الرابطة، الدار البيضاء، ط01، 1996، ص19. 12 بسام قطوس، سيمياء العنوان، ص39. 13 بسام قطوس، ص39. 14 محمد تحريشي، ص138-139. 15 عبد الفتاح الحجمري، عتبات النص، ص29. 16 سناء كامل الشعلان، السقوط في الشمس، الوارق للنشر والتوزيع، عمان، ط1، 2006، ص03. 17 سناء الشعلان، السقوط في الشمس، ص05.