بداياتي في القاهرة لم تقف حائلا دون الانصهار في مجتمع القرية في النوبة الغريقة فالطفل عادة يحب الانطلاق وعدم التقيد وكان ذلك دافعا قويا لذلك حيث البيوت الكبيرة الواسعة والمزارع والنيل والنخيل والاشجار ثم الوديان والجبال الشاهقة حيث في المدينة كنت مقيدا في شقة صغيرة بالاضافة الي انه لم يكن يسمح لي بالنزول في الشارع بمفردي خاصة بعد تعرض ابنة بلدياتي واستاذنا المناضل النوبي الشهير وجارنا ابراهيم عبدالرسول لحادث ترام كادت تودي بحياتها حيث كان الترام في ذلك الوقت يمر بشارع الساحة الذي يقع فيه محكمة عابدين الشهيرة . ولكن في القرية وجدت الانطلاق وتصادقت مع اقاربي اولاد النجع وبسرعة اتقنت اللغة النوبية وحبي للفن النوبي ساعدني علي ذلك وتمرست في الاعمال التي يقوم بها اقراني من الاطفال مثل الذهاب بالبقرة الي الترعة كي تشرب او ربطها في مكان المرعي وكذلك حماري العزيز ونقل الاعلاف الخضراء من المزارع الي الحظيرة او الزريبة الملحقة بالبيت ولاحظوا ان الزرايب كانت خارج البيوت وليس داخل البيوت كما اراد مسئولي الدولة ان يفرضوها علينا في النوبة المستنسخة . والمدهش اننا في القرية لم نكن نبيع الحليب الناتج من البقرة ولكن كانت توزع علي الذين ليس أبقار!!.. فقد كانت هناك حياة تكافلية حقيقية وللعلم البقرة الواحدة ممكن ان تفي بمتطلبات اسرة كاملة وعندما عملت في الخاريج سألت صديق هندي هندوسي العقيدة (لماذا تعبدون البقرة؟) فرد قائلا اننا لانعبد البقرة ولكننا نقدسها لانها تهب الحياة.! ..واردف اننا نقدس كل شئ يهب لنا الحياة وذكر اشياء اخري منها شئ مخجل لم اكن اعرفه ولا استطيع ذكره !!.. وكنا في قريتنا في النوبة الغريقة نذهب ببقرتنا بصحبة خالي ابراهيم رحمه الله الي افريقي كان يدعي عبدالسلام يملك ثور (غوروندي ) حيث كان الوحيد الذي كان يملك ثورا في القرية لو تطلب تزويجها بمقابل عشرة قروش وأتذكر انني قلت لخالي عشرة قروش كتير !!.. فرد قائلا العشرة قروش حيعطينا عجل ولبن لأكثر من ستة اشهر .. ولكن يبدو ان الغيرة علي بقرتنا الوديعة تملكتني من ذلك الثور الهائج !!. لذا تعجبت ممن نادوا بتدريس الجنس في المدارس لرفع الحرج عن الاباء الذين يتعرضون للسؤال من اولادهم كيف جاءوا حيث الطفل الذي تربي وعاش في القرية او في الريف لا يمكن ان يسأل مثل هذا السؤال وليس عيبا ان نتعلم من الحيوانات فقابيل تعلم كيف يواري سوءة اخيه من غراب ...#يحيي_صابر