(صفحة من كتابي عن النوبة الجديدة ..اقوم بتجهيزه للطبع) (11) نعم كانت مقصودة حرمان النوبة الغريقة من كل وسائل التقدم ..فهل يعقل ان نقطع ثلاثمائة وخمسون كيلو مترا في ثلاثة ايام ؟.. ولكن ومع هذا كنا نستمتع بتلك الرحلة ..كنا نعيش الامان المطلق في بلادنا ..كنا نعيش التكافل الكامل ..كلنا كنا سواسية ..كلنا كنا نأكل من طبق واحد ..اذا فرح احدنا فرحت القرية كلها وكذلك اذا حزن ..وانا افكر في كل ما سبق انتبهت علي صوت امي تقول ياللا العشا..ما هذا يا امي ..جبنة وعسل ؟ فردت قائلة (ان اركير ادامري شونغركايم اغ كابنا) أي في هذه البلاد الناس بتأكل فلوس !!..في البداية لم انتبه لعمق وفلسفة المعني ..ولكن لفت نظري انها قالت (ان اركير) أي في هذه البلاد .. ولم تقل في بلادنا ..ففي النوبة الغريقة كنا نقول (اركوني) أي بلادنا !!..اذن احساسنا بأننا مثل الغرباء في هذه المنطقة كانت مؤلمة ..ثم تتبعت بقية كلامها حيث انها ذكرت اننا نأكل في هذه البلاد بالمقابل المادي .. وهذا يدل علي اننا في النوبة الغريقة لم نأكل بالمقابل المادي .. اي لم نكن ندفع مبالغ مقابل الأكل ..لم نكن نشتري اكلنا الا في النادر القليل ..فصوامعنا ملأي بالغلال والبقول .. وزرائبنا تعج بالمواشي والطيور ..واذكر وانا صغير كنت ادخل الزريبة كي احلب المعزة اذا اردت عمل كوب شاي .. وكذلك كنت اقوم بحلب البقرة التي حليبها كان يكفينا وأقاربنا من الجيرة .. مواشينا وطيورنا كانت تعلف من مزارعنا ..اما هنا فاننا نعلفها بالمقابل المادي ..اذن كل شئ كما قالت والدتي بالفلوس . طرق خفيف علي الباب .. حيث وجدت عمي محي الدين كاشف يقول لي قول لامك تيجي عشان فتحية (زوجته ) لدغها عقرب .. امي ذهبت مسرعة ومعها الموسي كي تقوم بتشريط مكان اللدغة ..قولت هو في عقارب هنا ؟.. هي العقارب عرفت عنوان النوبة الجديدة ازاي ؟..هنا رد عمي كل يوم نقتل اكثر من خمس ست عقارب ..موش منطقة صحراوية ..الخوف ان يكون في ثعبان الطريشة كمان ..وثعبان الطريشة ذو قرنين ولدغته تعني الموت .. الجيران كلهم ملأوا بيت عمي الملاصق لبيتنا ..وهي تصرخ وترتعش وامي تقوم بتشريط المكان .. في اخر الشارع يسكن عمنا واستاذنا عبدالله عابدين احضر المصل الواقي وحقنها به .. عمنا واستاذنا عبدالله عابدين كان يفعل ذلك في النوبة الغريقة حيث انه يقوم متبرعا باحضار كمية من تلك الامصال لعلاج اهل القرية .. فهو لايزال محتفظ بكمية من تلك الأمصال .. الحمدلله تعافت زوجة عمي وانصرف من كانوا حولها ورجعت الوالدة الي المنزل حيث وجدت خالي في