وكيل كلية الهندسة للدراسات العليا والبحوث – جامعة بنها – نائب رئيس المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا لقد أدى انتشار وباء الكورونا إلى غلق الاقتصادات في جميع أنحاء العالم لفترة ليست بالقصيرة، وهذا سوف يؤدي إلى ضرب في أنظمة التعليم خاصة في البلدان النامية، لذلك يجب على أنظمة التعليم أن تتوقع من الحكومات في معظم الدول العربية فرض تدابير تقشفية الفترة القادمة، وعليها اتخاذ التدابير اللازمة لذلك التقشف وما يعنيه من نقص في التمويل. أيضا سوف تواجه تلك المؤسسات تحديات أخري، فمثلا نتيجة أنه لم يعد حوالي 1.5 مليار طالب في العالم قادرين على الذهاب إلى المدرسة جسديًا، سعى المعلمون جاهدين لوضع حلول عملية قصيرة المدى – نستطيع القول إن المعلمون عملوا "الإسعافات الأولية" في محاولة منهم للتحول من التعليم العادي إلى التعليم عن بُعد في وقت قصير- وهي خطوة فرضت عليهم بسبب الإغلاق المفاجئ في المؤسسات التعليمية. إن الوباء جعلهم يدركون أن التعلم عن بُعد هو مجرد تجربة خطوة صغيرة في الرحلة الطويلة لتقديم التعليم عبر الإنترنت وتحقيق التحول الرقمي وليس رقمنه المحتوي (لأن وضع شرائح المحاضرات على منصة التعلم أو تحويل المستندات إلى ملفات PDF هو رقمنه، وليس تحويل رقمي). ونتيجة لهذا التحول السريع -الذي لم يكن متوقع- عانا أيضا بعض الطلاب الذي ينتمون الي الاسر منخفضة الدخل، فمثلا واجه بعضهم بسبب نقص او عدم وجود المساحة الهادئة للدراسة في المنزل، أيضًا واجة الكثير منهم صعوبة الوصول إلى التقنيات المطلوبة لتلقي الدروس او المحاضرات في ميعادها، اما بسبب عدم وجود الانترنت او لقلة كفاءته او عدم مقدرته على شراء جهاز حاسوب او تابلت، وهذا أيضا كان تأثيره دراماتيكيًا على كل من الحكومات والمؤسسات التعليمية والطلاب وأولياء الأمور. وأيضا من التحديات التي تواجهها أنظمة التعليم ويجب ان تضعها في الحسبان هو انه من المرجح أن تنمو شهية بعض الطلاب للتعليم عبر الإنترنت، لأنهم وجدوا أنفسهم قادرين أن يدرسوا من قبل أفضل هيئة تدريس بغض النظر عن مكان وجودهم في العالم، وأنهم لم يعدوا ملزمين بالفصول الدراسية التقليدية، أو الساعات المعتمدة، أو الاضطرار إلى قضاء ساعات في السفر او المواصلات للوصول إلى الفصول الدراسية وإضاعة الوقت. وأيضا من التحديات التي تواجه أنظمة التعليم، هو أنه يمكن أن تكون الامتحانات عبر الإنترنت أكثر عرضة للاحتيال، حيث يمكن للطلاب الوصول الكامل إلى مواد الدورة التدريبية بأكملها أو أن يقوم شخص اخر غير الطالب بتقديم الامتحان! لكن مهما كان هذا كله مؤلمًا ومجهدًا، فقد يكون ذلك بمثابة إعادة ميلاد طال انتظارها لأنظمة التعليم في منطقتنا بل في العالم أجمع. لقد أعطى الوباء جميع أصحاب المصلحة (المعلمين والمتعلمين وصانعي السياسات والمجتمع ككل) فهماً أفضل لنقاط الضعف وأوجه القصور في أنظمتنا التعليمية الحالية. لقد تسبب انتشار الوباء في تحدي المفاهيم المتجذرة حول متى وأين وكيف نقدم التعليم، ودور الكليات والجامعات والمدارس، وأهمية التعلم مدى الحياة. أن هذه الازمة سوف تعمل على تغيير الطريقة التي يعمل بها المعلمون ويتعلم بها الطلاب، مما يساعد على تحقيق أقصى قدر من نجاح الطلاب وإعدادهم للمستقبل، والذي سوف يكون للتكنولوجيا دورا فعالا فيه. فمثلا ستكون أدوات الذكاء الجماعي متاحة وممكن أن توفر وقت المعلمين في مهام مثل تصحيح الامتحانات او تقيم الطلاب في أمور كثيرة، ايضا يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في تحديد الطلاب الذين يعانون من خلال الإشارات السلوكية ومنحهم دفعة في الاتجاه الصحيح. ويمكن حتى استخدام الذكاء الاصطناعي لتقديم تجربة تعليمية شخصية، بمعني ان يكون لكل طالب مواده التعليمية التي تناسب قدراته ومواهبة -وهكذا سنتغلب على واحدة من أكبر قيود نموذج التعليم الحالي- مثل منصة Century Tech في التي استخدمتها دولة الامارات ومنصة Gooru في الولاياتالمتحدة، وكلاهما يستخدم الذكاء الاصطناعي لمطابقة وحدات التعلم مع احتياجات الطلاب الفردية. كما يمكن استخدام blockchain لإصدار شهادات الطلاب أو حتى متابعة ملفات الطلاب بطريقة آمنه ومقاومة للعبث، وأيضا يمكن مشاركة بيانات اعتماد الطلاب مع أصحاب العمل في ثوانٍ بدلاً من الاضطرار إلى البحث في أكوام من الملفات والأوراق واضاعة الوقت. هذا هو التحول رقمي، أما ما يحدث الان هو رقمنه. إن الازمة التي نمر بها هي فرصة للتفكير في التحديات الحقيقية التي نواجهها في أنظمة التعليم، وكيف يمكن للتكنولوجيات أن تساعد في حلها بدلاً من العكس. أعرف أن هناك بعض الجامعات ستعمل بنفس الطريقة التي كانت تعمل بها قبل انتشار الوباء، لكن لابد ان يعلم الجميع أن الذي سوف ينجح ويبقي الفترة القادمة هي تلك المؤسسات ذات الطموحات الجريئة التي يمكنها اغتنام هذه الفرصة الذهبية لخلق تحول زلزالي في أنظمتها التعليمية مبني على التكنولوجيات الحديثة. لقد علمتنا هذه الأزمة ما عرفناه دائمًا وربما نسيناه لفترة ليست بالقلية، أنه لا يوجد بديل عن المعلم الجيد الذي يطور نفسه باستمرار ليقدم العلم بأفضل الطرق التي تؤهل الطلاب ليكونوا مبتكرين ولا عن المؤسسات العلمية الحية التي تتفاعل مع الاحداث من حولها لتقديم أفضل البحوث والمعرفة والخريجين للمجتمع!