ذكريات رمضانية من قلب النوبة الغريقة

الجو الحار نسبيا كان سببا في عدم صوم البعض ..وحينما كنت صغيرا واردت ان اصوم قالت لي والدة جدتي لامي (زينب سبتي) (ايللوكومو il okomo) اي انني غير مكلف للصيام
وحينما اصررت ان اخوض التجربة واصوم قالت لي (اوكيكول اسكا اغ انمونا okikol eskka agh enemonh) اي ان المكلفين لايطيقونه .. وقال احد اقاربنا قبل دخول رمضان معلقا علي حرارة الجو ( انغم شيخ امامغولوغون اوللا دافي enghem shekh emamgholghon owolla daffy) اي هذا العام حتي الشيخ امام (جدي رحمه الله ) الذي كان يضرب به المثل في التقوي والورع والايمان لن يستطيع تحمل حرارة الجو فصيامه لن يكون مؤكدا !!..
واذكر ان احدي قريباتي وكانت قادمة من قرية الجنينة والشباك التي تبعد عن قريتنا حوالي 13 كيلو وكانت صائمة وحينما اشتد عليها التعب والنصب والعطش نزلت النهر وشربت وقالت جملة شهيرة كانت تتردد الي ما قبل الهجرة دائما حيث قالت (ميسي ولا ابويا ولا انينا يومو messeh walla aboyayemo walla anenayemo) اي رمضان ليس في مكانة ابيها او امها كي تعمل له حساب رحمها الله
التجاوز كان موجودا في بعض الاحيان ليس عن قلة ايمان ولكن عن جهلويبدو انها كانت تعتقد ان رمضان اسم احدهم !!…وأيضا قال احدهم ( سلاغون انبي كيرا سوكا همسينتون ديجيل اورو ميسوغون تكا بنجيكا ماروو sallaghon aneby kerra sokka hamesenton dejel awrro meseghon takka banjokka marro ) أي ان الرسول الكريم توسط صعودا ونزولا في الصلاة وجعلها خمسة بدلا من خمسين اما الصيام فلم يجد من يتوسط فيه !!
يبدو انه كان يريد ان يكون الصيام ثلاثة ايام فقط بدلا من ثلاثين !!..رحمهم الله كانوا ينفعلون بعفوية حسب الظروف !!…
وهربا من حرارة الجو كان الاهالي ينزلون الي جرف النيل ..الشباب ينزلون النهر ..والكبار يستظلون تحت الاشجار وحتي قرب الغروب ..
والنساء في النوبة الغريقة كن الاكثر عملا وبذلا للجهد ..يملأن الازيار بالماء ..يعلفن المواشي ..يغسلن الملابس بأيديهن..يجلسن بجوار (الدوكة) لعمل الخبز ..
ثم يجلسن بجوار (الدورا) عبارة عن قرص دائري بقطر متر تقريبا مرتفع الحواف بحوالي عشرين سنتيميتر مفتوح من ناحية واحدة مصنوع من الطين اللبن المخلوط بمخلفات المواشي يوضع داخله مع يعرف ب(اوغري) اي القواعد التي تحمل الطواجن او الحلل النحاسية للطبخ حيث كان يوقد الحطب وتجلس المرأة النوبية تنفخ حتي يشتغل النار في الحطب وتنفخ حتي تستعر وتنفخ حتي ينضج الطبيخ..والرجال هناك جالسون بجوار النهر يشتكون من توقف الشمس في كبد السماء وعدم تحركها …كانت اياما صعبة علي النساء كثيرا وعلي الرجال قليلا..
#يحيي_صابر