قبل التسفير بأيام قليلة وصلتنا أخبار الحملة الصدامية والتي بدأت في شارع المختار في مديتنا (الحرية) كنت في السابعة عشر من عمري في الصف الثالث متوسط عندما دخل أبي يحمل عدة حقائب كبيرة. من الجلد الاحمر ،لم افهم لماذا وأستغربت الموضوع،بدت تصرفات الجميع غريبة جدا وخاصة والدتي ،كانت تخرج ملابسنا من الخزائن والدولايب وتضعها في أكياس كبيرة وتوزعها على الجيران وتضع في أحد.الحقائب بعضها لكل واحد منا،وجهها بلاملامح كما هو وجه أبي ،قانطا حزينا ،لايتوقف عن المشي داخل البيت ذهابا وأيابا والحيرة تملئ وجهه ،يتمتم مقتربا من أمي ببعض كلمات لم تفهمها غير أنها كانت تعنيني ،كانا يتبادلان النظر إلي بين اللحظة واللحظة. فقررت أن أسأل عن سبب كل مايحدث والحقائب والهمس المريب عندما شاهدت جارتنا ام وليد وهي تخرج رأسها من خلف الحائط وتطلب من أمي أن ترمي لها جهاز الهاتف وأسلاكه،حينها سمعت أمي ولأول مرة تجببها بلهجة غاضبة(سأترك الهاتف للأمن)علمت أن جارتنا نهبت اغلب اثاث بيتنا وهاتفنا بعد التسفير ،بدل أن تأسف لفراقنا ولعدة أعوام مديدة تجاوزت الربع قرن بل وأكثر ،كان أبي متيقنا أن دورنا قد حان للتسفير ،عندما أقتحم رحال الأمن بيتنا ،كانت الساعة قد جاوزت الثانية بعد منتصف الليل ،منظرهم كان مخيفا جدا ببدلاتهم السفاري البشعة التي بقيت في ذاكرتي ووجوههم الكالحة الميته وهم يقتحمون البيت بكل وقاحة ويدخلون غرف نومنا ويقفون على أسرتنا طالبين منا التوجه إلى السيارات،أبي أصيب بصدمة رغم علمه المسبق بمجيئهم،لم يتكلم بل كانت دموعه تحكي ونظراته الأخيرة إلى الجدران كانت تحكي ،ووجه أمي واخوتي ،لحظات مريرة عندما طلبت أمي أن اغير ملابسي في الطابق الأعلى في غرفتي ،علمت حينها أنهم سيأخذون بيتنا فذهبت إلى مكان المفتاح ووضعته في جيبي وصعدت لارتدي ملابسي ،فصعد.معي أحدهم،حينها تغير وجه أبي وهرعت أمي إلى الصعود معي وساد صمت مريب ذالك المشهد المتوتر ،علمت مافكر به أبي ومادفع أمي إلى الصعود فأبدلت ملابسي وطلبت من هذا المرافق البشع أن يمنحني خلوتي فوافق على مضض ،ونزلت بسرعة فأطفأووا أضواء بيتنا وختموا بابه بالشمع الأحمر وطلبوا من أبي وأخي صفاء التوجه إلى السيارة الأولى بستائرها المغلقة وماان تبعناهم للركوب حتى صاح أحدهم بصوته الخشن المبحوح(البنية وامهه في السيارة الثانية،)فركضت صوب أبي وأحتضنته هو وصفاء بكل ماأوتيت من عزيمة ،فدفعني أحدهم وانا أشير لابي بالصمود وبأنني سأكون رجلا فأبتسم وقد ملأت عينيه الدموع .أغلقت الأبواب واتجهت السيارتين كل إلى وجهة غير معلومة ،تشابكت يدي ويد أمي وكانتا تتكلمان وتبكيان ،وبعد نصف ساعة توقفت السيارة التي كانت تقلنا أمام قصرمنيف ،امرونا بالنزول وكنا نسير في ممر حديقة غناء والنوافير تهزج بخرير الماء على غير المتوقع ،وكان هناك العديد من المصابيح الملونة وبدانا بسماع أصوات مختلفه لنساء واطفال تكتظ بهم غرف ذلك القصر المطل على النهر ،لم نكن نعرف موقعنا حينها لكن قرب المسافة أوحى لنا انها الكاظمية ،ادخلونا الى غرفة صغيرة ضمت قرابة ثلاثين أمرأة في حالة مزرية مع أطفالهن وبعضهن حوامل ومرضعات ونساء مسنات ومن مختلف الفئات العمرية أغلقت الأبواب بالمفاتيح وجلسنا في أحد زوايا الغرفة متلاصقين مع نساء 0خريات حتى امرونا بالنوم.كان هذا في أحد أيام شهر أغسطس سنه 1981 وللحكاية تتمة طويلة.