بلوجر سيارات: تراجع القوة الشرائية بنسبة 15% وتوقف سوق المستعمل لهذا السبب    عاجل| السيسي: العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي ممتدة وليست وليدة اليوم    23 نقطة، نص البيان المشترك لقمة مصر والاتحاد الأوروبي    عاجل- البيان المشترك لقمة مصر والاتحاد الأوروبي يؤكد الشراكة الاستراتيجية وتعميق التعاون في مجالات السلام والطاقة والاقتصاد والهجرة    السيسي يدعو للبدء في جهود إعادة إعمار غزة بمشاركة الدول الأوروبية    السيسي: القمة المصرية الأوروبية تمثل أهمية بالغة في تعميق العلاقات بين الجانبين    السيسي: بحثنا مع الشركاء الأوروبيين جهود التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    ليفربول يستعيد بريقه والريال ينجو من الفخ، نتائج مباريات اليوم في دوري أبطال أوروبا    تشيلسي يكتسح أياكس بخماسية في دوري أبطال أوروبا    دوري أبطال أوروبا، سبورتنج لشبونة يحقق ريمونتادا مثيرة ويفوز 2-1 أمام مارسيليا    انهيار شرفتين بعقار سكني بشكل مفاجئ على المارة في فاقوس (صور)    د.حماد عبدالله يكتب: " للخصام " فوائد !!    دوللي شاهين تحقق أول مليون مشاهدة على «يوتيوب» بكليب «ترند»    ماشوفناش بعض من ساعة، علي الحجار يمازح المايسترو أحمد عاطف بمهرجان الموسيقى العربية (فيديو وصور)    نجيب ساويرس: مهرجان الجونة أصبح كلمة كبيرة في عالم المهرجانات السينمائية (فيديو)    أسباب الكحة الليلية عند الأطفال وطرق علاجها    ضياء رشوان: مصر أصبحت من شركاء الاتحاد الأوروبي.. والأوروبيون لا يجاملون أحدا    جامعة فرجينيا تتوصل إلى اتفاق لوقف التحقيقات التي تجريها إدارة ترامب    الرئيس السيسي: عازمون على مواصلة جهود وقف إطلاق النار في السودان وإعلان هدنة إنسانية فورية    علي أبو جريشة: إدارات الإسماعيلي تعمل لمصالحها.. والنادي يدفع الثمن    أحمد ساري: الاتحاد يستحق الفوز على الأهلي.. و«جنش» تعرض لظلم كبير    عضو الإسماعيلي السابق: نصر أبو الحسن أدخل أموال لحساب النادي دون قرار إداري    توزيع مستلزمات مدرسية على الطلاب الأكثر احتياجا في دمياط    انضمام 12 عالمًا من جامعة المنصورة إلى عضوية اللجان الوطنية بأكاديمية البحث العلمي    توجيهات بإنشاء صالة لياقة بدنية متكاملة لخدمة طلاب جامعة المنيا    «معاهم الفانوس السحري».. 3 أبراج لديها دائمًا حل لكل مشكلة    مواقيت الصلاة في أسيوط غدا الخميس 23102025    داعية إسلامي: زيارة مقامات آل البيت عبادة تذكّر بالآخرة وتحتاج إلى أدب ووقار    محافظ البحر الأحمر: 75% من إنتاج بترول مصر يخرج من رأس غارب    رئيس جامعة بنها يطمئن على طلاب كلية الفنون التطبيقية المصابين في حادث أسوان    الدوري المصري - تأكد غياب صلاح محسن عن مواجهة الأهلي بسبب الإيقاف    صندوق استصلاح الأراضى بالوادى الجديد يوافق على جدولة ديون المشروعات الزراعية    إيناس جوهر رئيسًا لجنة إعلام الخدمة العامة.. وعمرو خفاجي مقررًا    المتروبوليتان يحتفى ب «آلهة مصر القديمة»    طرح البوستر الرسمي لفيلم "قصر الباشا" بطولة أحمد حاتم    أكرم القصاص: مصر الحليف الأنسب والقوى للاتحاد الأوروبى ولا بديل لها    مصرع رسام الشارع الاخرس صدمه قطار بالمنيا    تجديد حبس صاحب محل موبايلات في «جريمة المنشار بالإسماعيلية» 15 يوما    هل القرآن الكريم شرع ضرب الزوجة؟.. خالد الجندي يجيب    هل يجوز احتساب جزء من الإيجار من زكاة المال؟.. أمين الفتوى يجيب    صور| مصرع شابين سقط بهما مصعد كهربائي بطنطا    نائب رئيس الوزراء ووزير التعليم العالى يشهدان افتتاح مؤتمر الجمعية المصرية للصدر    "وان أوف وان" تطلق مشروعين جديدين في الشيخ زايد والتجمع السادس    «الساعة 12 تصبح 11» موعد تطبيق التوقيت الشتوي في مصر 2025    ميلاد هلال شهر رجب 2025.. موعد غرة الشهر الكريم وأحكام الرؤية الشرعية    مصر تستضيف تنصيب الرئيس الجديد لبنك التصدير الأفريقي «أفريكسيم بنك»    «التنظيم والإدارة»: «الوزراء» وافق على تخصيص جلسة مسائية للمتخلفين عن اختبارات التعيين    «جهار»: 26 منشأة صحية حصلت على الاعتماد الكامل أو المبدئي    تجديد حبس والد المتهم بقتل زميله وتقطيع جثته بمنشار فى الإسماعيلية 15 يوما    انطلاق دوري الأنشطة الرياضية لتلاميذ المدارس بالمحافظات الحدودية بجنوب سيناء    فى ذكرى تدمير المدمرة ايلات ..اسرائيل : "ضربة موجعة" لإسرائيل في أعقاب حرب 1967    تكريم خالد جلال بختام ملتقى شباب المخرجين بمسرح السامر.. الليلة    تعليم قنا: انتهاء عصر الانتقال الآلي من صف إلى آخر    مرور القاهرة يعلن إغلاق كوبري الأزهر السفلي لإجراء أعمال الصيانة    محافظ المنيا يتابع مستوى الخدمات بوحدة طب الأسرة بنزلة بني خلف بمغاغة    مرض الجدري المائي.. الأعراض وطرق الوقاية    الرقابة المالية تمد وقف تلقي طلبات التأسيس لنشاطي التمويل الاستهلاكي ومتناهي الصغر بالطرق التقليدية لمدة عام    محافظ أسيوط: غدا فتح باب التقديم لحج الجمعيات الأهلية لموسم 1447ه – 2026م وحتى 6 نوفمبر المقبل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من آلام بيوت "الروضة".. كيف أصبح محمد المنجد "رجل البيت" فجأة؟
نشر في مصراوي يوم 28 - 11 - 2017

حين قاربت الساعة على الواحدة ظهر الجمعة الماضية، عادت فايزة محمد لقرية الروضة بالعريش، بعد قضاء عدة ليالي مع أهل زوجها في كفر شكر بمحافظة القليوبية.
ما إن وضعت السيدة الأربعينية قدمها على الأرض، حتى دبّ فيها الفزع؛ رأت أدخنة متصاعدة، النساء تركض في اتجاه المسجد، فيما تعلو أصوات صراخهن. اضطرب قلبها؛ علمت أن زوجها وابنها في خطر.
كان الرابع والعشرين من نوفمبر الجاري يومًا معتادًا. استيقظ سعيد المنجد من النوم باكرًا، أيقظ ولده محمد وتوضأ حتى يلحق بصلاة الجمعة في مسجد الروضة "أبويا راح الجامع بدري، وأنا قولتله هستحمى واجي وراك".. يقولها الابن محمد سعيد.
داخل المنزل، سمع محمد صوت طلقات الرصاص بالخارج "أعتقدت أن الجيش بيضرب نار في الهوا.. وأحنا متعودين على ده في العريش"، ارتفع الصوت وزادت حدته؛ فهرول للمسجد ليعرف ما يحدث.
على بعد أمتار من مسجد الروضة "لقيت ناس بتضرب نار.. شوفت ناس بتجري وسمعت صوت الرصاص". لم يستوعب الأمر. خُيل له أن المسلحون حضروا لتنفيذ تهديدهم للقرية، بنسف زاوية- مسجد صغير- يتواجد فيها الصوفيون. اقتربت الطلقات من جسد صاحب ال19 عاما، مما اضطره للفرار في طريق العودة إلى منزله.
في تلك اللحظة وبينما يركض محمد، عاودته سيرة القرية "اللي طول عمرها هادية". انتقلت إليها عائلة سعيد المنجد منذ 9 سنوات، بعدما اُنتدبت الأم للعمل كممرضة في الوحدة الصحية هُناك، ولأن الأب ذو ال48 عامًا أراد لمّ الشمل، فكان المكوث ونقل مدارس الأبناء محمد، نوال، وضحى، هو الحل، لكن النهاية المأساوية تركت سؤالا في عقل محمد "ليه؟.. أبويا عمل إيه وحش؟.. دة مكانش عايز ييسيب أمي لوحدها".
عندما وصل الشاب للمنزل الذي يبعد دقائق عن الجامع، كانت المذبحة مازالت تدور. سألت أخته ضحى عما يحدث بالقرية فطمأنها، فيما تملك الذعر منه خوفًا على حياة والده. 15 دقيقة هي المدة التي انتظرها "لحد الوقت دة كنت بقول بيفجروا الزاوية.. أكيد مش هيقتلوا اللي بيصلوا". فجأة عاد الهدوء. اندفع الشاب مرة أخرى إلى المسجد، وهناك هاله المنظر البشع.
جثث تكومت. دماء لونت الأرض. طلقات اخترقت جدران المسجد الإسمنتية. الرجال مقهورون من الصدمة والنسوة تأتين من كل مكان. بحث محمد عن والده "كنت بعدي من فوق الجثث من كترها". تأكد من وفاته "حسيت إني في حلم". لم يعِ الشاب ما يجري "الدم كان مغرقه من كل حتة"، أخرج هاتفه وأبلغ أعمامه بكفر شكر بالواقعة.
لم تفهم الزوجة فايزة الفاجعة حتى دخلت المسجد؛ استقبلها الابن "قالت لي أبوك فين.. قولتلها توفى"، جذبها بعيدا عن المشهد، بدا الأمر كالكابوس "أخويا أخد رصاصة في مؤخرة الرأس وشظايا مختلفة في جسمه".. يحكي عوني المنجد.
خلال هذه الساعة بكفر شكر، أنهى عوني صلاة الجمعة، متوجها إلى منزل العائلة ليقابل أشقائه، أيمن وخالد ومحمد. دقائق ورنّ الهاتف ليأتي صوت ابن الأخ "ألحقوني أبويا مات"، أراد عوني أن يفهم، سأل في ذهول "مات إزاي يابني؟"، وقبل أن يستفسر عن مزيد من التفاصيل "قولتله مسافة السكة وأبقى عندك".
أحضر عوني وأشقاؤه سيارتين ملاكي، انطلقوا إلى مدينة العريش، وفي الطريق اتضحت ملامح الحدث، سمع عوني "واحد راكب عربية ملاكي، بيتكلم في التليفون وبيقول جماعات تكفيرية الله ينتقم منهم موتوا أكتر من 300 واحد"، وصل الأشقاء إلى مستشفى بئر العبد بعد أكثر من 4 ساعات، فيما سهلت لهم قوات الأمن المتمركز بالطريق الدولي العريش- القنطرة عبورهم إلى سيناء.
انتقل محمد مع جثة والده بعربة الإسعاف إلى المستشفى، أنجز تصريح الدفن، وانتظر قدوم أعمامه حتى ينقل المتوفى إلى بلدته كفر شكر التي ولد وعاش فيها.
بعد ساعات من استشهاد رفيق الروح وعائل المنزل "روحنا البيت لمينا الحاجة ومشينا"، تزوغ عينا الابن كلما يستعيد التفاصيل "أمي لمّت شهادات الميلاد وجرينا"، حين وصلت فايزة للقرية وقت الحادث كان بحوزتها حقيبة ملابسها التي أخذتها من كفر شكر، فعادت بها مرة أخرى.
صباح السبت التالي، وقبل أن يدفن الأخوة شقيقهم، أشارت النيابة العامة، في بيان رسمي، إلى بلوغ عدد الضحايا 305 شخص وجرح 128 آخرين، وقالت إن مرتكبي الحادثة أتوا على متن خمس سيارات رباعية الدفع، وعددهم يتراوح ما بين 25 إلى 30 مسلح.
وفسر البيان أن المسلحين اتخذوا مواقعهم أمام باب المسجد ونوافذه وعددها 12 نافذة وأطلقوا الأعيرة النارية على المصلين، وأضرموا النار في سياراتهم، وعددها سبع سيارات حتى لا يتمكن الناجون من إسعاف الجرحى.
صلى أهل كفر شكر على "شهيدهم" في جامع كبير بالمدينة، كانت جنازة مهيبة، شارك بها الآلاف من أقاربه وجيرانه، وكذلك قيادات المحافظة.
3 أيام مرت على ما حدث، لكن مقاعد العزاء تراصت أمام منزل عائلة المنجد. صوت القرءان صدح من الداخل منخفضًا، لا يحتاج الذاهب للبحث كثيرًا، يكفي سؤال "فين بيت سعيد المنجد؟"، لتأتي الإجابة متبوعة بوصف المكان ثم القول بنبرة حزينة "هو ذنبه إيه بس منهم لله". في داخل البيت عاش الراحل قبل زواجه، وبجانب الباب جلس الأخوة الثلاثة، بينما كانت نسوة الكفر تصعدن الدرج المؤدي لغرفة زوجته لتقديم الواجب، وتكتم بعضهن أنين بكائها.
لم تنقطع قدم سعيد عن بيت العائلة. خاصة أن والده تُوفي منذ شهر واحد "وجه قعد معانا أسبوعين ساعتها"، كانت حياة الراحل بسيطة. حصل على دبلوم تجارة، ثم استمر في صنعة والده "التنجيد والأثاث"، وعندما انتقل للروضة حافظ عليها، وبجانبها عمل في مصانع الملاحات لتحسين الدخل. زار الأخوة شقيقهم في منزله بالعريش مرارا، استقبلتهم الطمأنينة دائما "المكان هناك آمن للدرجة إني لو أخاف أتسرق في كفر شكر مخافش هناك" يقول الشقيق أيمن، قبل أن يقاطعه الابن "الناس كانت بتنام وبيوتها مفتوحة محدش يستجري يدخل".
منذ الانتقال لم يشعر محمد بالغربة، صار له عُزوة في قرية الروضة، حتى حين التحاقه بالجامعة العام الماضي، قرر اختيار الموجودة في العريش. ظلت الأسرة على عهدها بحب المكان، لكن تهديدات الأشهر الأخيرة جعلتهم يقررون الرحيل "قلنا لما تخلص أختي ضحى 3 إعدادي هننقل السنة الجاية كفر شكر تاني وأمي هترجع التمريض هنا"، يخفض محمد بصره للأرض، ثم يستطرد "بس قدر ربنا نافذ".
حتى الآن لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الحادث الدموي، فيما تُشير أصابع الاتهام إلى تنظيم ولاية سيناء، المبايع لتنظيم الدولة الإسلامية عام 2014. وفي العام الماضي خرج أحد قيادات تنظيم "داعش" في حوار نشرته مجلة "النبأ" التابعة لهم متوعدا صوفي سيناء، قائلا: "أعلموا أنكم عندنا مشركون كفار، وأن دماءكم عندنا مهدرة، ونقول لكم أننا لن نسمح بوجود زوايا لكم في سيناء". كما ذبح التنظيم، الشيخ سليمان أبو حراز، أحد كبار مشايخ الصوفية في شبه جزيرة سيناء.
مازال مستقبل الأبناء غامضا. ما عاد والدهم موجودا ليخططه معهم، تمنّى دوما التحاق ابنه بكلية الطب، غير أن تغير الدفّة لكلية التربية لم يُزعجه، كان يدعم ويؤازر ويقوي ظهر محمد. والآن وبعد موته طلب الأعمام من المحافظ نقل الطالب من جامعة العريش إلى بنها، وكذلك الأخت الصغيرة، والأم إلى مستشفى كفر شكر. لم يعد الابن راغبًا بالعيش في الروضة ولا أخذ متعلقاته، لم يبكِ والده، روحه مُتشبّعة بالصدمة، يشرد كثيرًا، ينظر إلى أمه وأختيه، ولا يدري كيف أصبح فجأة "راجل البيت".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.