كنت قد وعدت الصديقات والأصدقاء الذين أرسلوا منذ أسبوع يطلبون منى نشر مقاطع أخرى من الديوان الفلسفى (شىء عبر لا شىء).. أن ألبى طلبهم فى أقرب فرصة.. غير أن آثار نزلة البرد لا تزال تفعل فعلها ولم يجد معها المضاد الحيوى الذى تعودت عليه: (تارجو).. حتى أشار الدكتور ماجد هارون حفظه الله إلى ضرورة إحضار مضاد جديد أنجع وأقوى: (Xithrone) وقد بدأت تناوله من أمس.. لعل وعسى! وأعتذر عن التأخير – يا صاحبى: أحسنتَ لو أدركْتَ أنْ الشىءَ مُختَلِفٌ تَمامًا عن يَقينِكِ حولَهُ هو مُسْتقِلٌ عنْكَ.. لكنْ أنتَ لسْتَ بمسْتَقلٍّ عنْهُ كاسْتقلالِهِ عنكَ .. ……………. اقتربْ لِتراهُ مُنْبَتَّ الأواصِرِ عن فُضولِكَ .. وانفعالِكَ فى مُناسبةٍ بِهِ وعن انْطباعِكَ عنهُ ليس الشىءُ ما تحتاجُ منْهُ .. فأنتَ نفسُكَ- شئتَ أو إنْ لم تشَأ- مشروعُ شىءٍ! ………………. قلْ لى بربِّكَ .. دونَ سَفْسطةٍ: هل الإنسانُ إلا محضُ شىءٍ؟! نَظرةُ الرَّائِى تُحوِّلُهُ إلى شىءٍ كذلكَ مِبْضعُ الجَرَّاحِ يجعلُهُ جراثيمُ المنيَّةِ سوف تدخلُهُ فَمُ الزمنِ النَّهيمُ- ودورةُ المَلَوَيْنِ- يأكُلهُ رياحُ الكونِ تحمِلُهُ! ……………. تأمَّلْ يا صديقى: اللفظُ- حين يُقالُ- شىءٌ! واللسانُ- يقولُهُ- شىءٌ! كَذا شَعْرُ الصَّبيَّةِ: شَأنُهُ بالضَّبْطِ كالمُشطِ الذى يتخلَّلُ الخُصلاتِ: شىءٌ وَجْنَتاها .. نَهدُها لمَّا تُمسِّدُهُ الأصابعُ .. والأصابعُ نفسُها: شىءٌ! (أَلا أجمِلْ بشىءٍ ناعمٍ بضٍّ تُمسِّدُهُ بشهْوةِ وامِقٍ: أطرافُ شىءٍ!) …………… نحن فِعلًا يا صديقُ أنا .. وأنتَ .. وهؤلاءِ: مصانعُ الأشياءِ .. كلاَّ .. لا تجادِلْ هل سِوى- إن قُلْتَ- قد أخرجْتَ حين لَفَظْتَ: شيئًا؟! أو أكلتَ: ملأتَ شيئًا خاوِيًا بِرُكامِ شىءٍ؟! أو بكيْتَ: شرعْتَ فى إفرازِ شىءٍ؟! أو رفَثْتَ: ولجْتَ فى شىءٍ بشىءٍ؟! …………….. كلُّ شىءٍ يا صديقى فهو شىءٌ فَلْتجتَهدْ شيئًا لتكشِفَ- إن أردْتَ- عَلاقةَ النَّسَبِ الحميمةَ بين جنسِ الإِنسِ .. والأشياءِ .. حتى لا تظلَّ تقولُ لِى: يا سيِّدى: لا شىءَ يبدُو لى هُنا يا سيدى: لا شىءَ يحدثُ ها هنا *** *** *** – أنا لمْ أقلْ إلاّ لأنى قد رأيْتُ .. ولا أزالُ هنا أَرى: أشياءَ تنقُصُ أو على العَقِبيْنِ تنكُصُ نَحنُ فى وطنٍ يَسيرُ القهْقَرى! …………….. لا شىءَ يحدثُ .. كلُّ شىءٍ يحدثُ .. الأحداثُ تَتْرَى: وردةٌ فاحتْ عفونَتُها! أُناسٌ هاجَرَتْ عنها مدينتُها! ……………… نعم .. لا شىءَ يحدثُ بلْ ولائمُ يرتَعُ الذِّبَّانُ وهو يحكُّ طرْفَ ذراعِهِ بذراعِهِ فِيها! وأَعْراسٌ يَنوحُ المُعْرِسانِ .. ويَنْدُبُ الجُمهورُ فيها! …………… ها هنا لا شىءَ يحدثُ أو سيحدثُ .. بل مآتمُ يرقصُ الحُكّامُ فيها يضحكُونَ إذا بكيْنَا! يَعْبثونَ بكلِّ شىءٍ! ……………….. ليسَ من شىءٍ هنا لا .. ليسَ من معْنَى! وهذِى رَوْضةُ الحُرِّيةِ الأُنُفُ البهيَّةُ لستُ أدرِى ما عَراها! أصبَحتْ صحراءَ مُجدِبةً وصارَ الناسُ مثلَ جماعةِ النَّملِ التى خرِبَتْ قُراها فاتَّقاهَا النملُ .. إلا نملةً ثكْلَى أرَاها وحدَها تَبكى الدِّمَنْ! ………….. لو أنَّها نطقَتْ لقالتْ: ها هُنا: لا شعْبَ.. لا قانُونَ .. لا أفرادَ تُولَدُ .. لا حُكومةَ .. لا وَطنْ! ********************* من ديوان تحت الطبع بعنوان: (شىء عبر لا شىء)، واللوحة المصاحبة إهداء من الفنان الصديق عمر جهان، لتكون غلافا للديوان.