من كان يصدق هذا الإنفجار العظيم من هذا الشباب المثقف المفعم بالطاقة والحيوية .. المتعلم الواعى و المدرك لمسئولياته الوطنية ؟ .. من كان يتخيل أن ينتفض هذا الشباب المتوقد العقل المتوهج العاطفة ليعلن للعالم كله أن شباب مصر ليس خانعا ولا خائفا ولا كسولا ولا يخشى مواجهة كل الأخطار وتحمل جميع المسئوليات ؟ .. لكني اؤكد أن هذه الإنتفاضة جاءت في إطار خطة خارجية محكمة يتم التخطيط لها منذ سنوات طويلة لضرب مصر واستقرارها وإحداث فتنة عارمة بها .. وظلت هذه القوى الخارجية تتربص وتراقب إلى أن تأكدت أن الفساد بلغ موضعاً فى النفوس لم تعد قادرة على الصمت عليه أو تجاهلة ومن بين ذلك الظروف الحياتية الخاصة للشباب المصرى الذي يعانى من كل شيئ .. وأدرك المخططون والمتربصون أن الفرصة أصبحت سانحة باستغلال واقعة انتحار الشاب التونسي محمد بوعزيزة فقامت بإشعال فتيل الأزمة العربية المخطط لها وبدء تنفيذها من تونس .. وبهدف إستنفار غضب الشباب المصرى الذي بلغت معاناته ذروتها وهو يرى ثروة البلاد تنعم بها قلة قليلة من أصحاب السلطة والثروة ومن يدورون في فلكهم .. بينما السواد الأعظم من الشعب لا يجدون مايضمن لهم الحد الأدنى لحياة حرة كريمة .. يعرف المدبرون أن الشباب سيسألون أنفسهم كيف يفعلها شباب تونس ولا يقدر عليها شباب مصر .. ويعلمون ايضاً أنهم بذلك سينجحون فى إستنهاض طاقات الشباب المصرى وغيرته على بلده وحياته.. وإستوعب الشباب الدرس وفعلوها .. ولكن الأيدي الخفية لها توجهات أخرى سأذكر موجزها بعد قليل .. نحن في الواقع أسرى الإنبهار والإندهاش بما فعله شباب مصر وأعلنوه وتمسكوا به .. من كان يتصور أن يقدم شباب مصر هذه الملحمة الوطنية الديمقراطية العالية فى النضال السياسي (السلمي) لكل القادة والساسة العرب الذين نسوا أنهم رعاة .. وان كل راع مسئول عن رعاياه أمام الله.. لقنوا الجميع درسا بالغ القيمة لا يقل عن درس اكتوبر المجيد ؟ .. إذنً فعلوها .. وأثبتوا انهم قادرون على قيادة سفينة بلدهم فى خِضَم الأمواج العالية و العاتية وأثبتوا للعالم كله أن شباب مصرقادر على التحدى والصمود تحت وطأة كل المشكلات والمحن .. ولكن تأتى الرياح (كما يقولون) بما لا تشتهي السفن .. فقط كنت أتمنى أن تنتهي الرسالة عند إعلان البيان الثاني للرئيس مبارك حقناً لدمائنا (وتفويتاً) للمتدخلين فى شئوننا .. الشامتين فيما آل اليه حالنا المتربصين بإستقرارنا .. كان هذا نصراً رائعاً ومكسباً كبيراً حققه الشباب المصري الذين أذهلوا العالم شرقه وغربه شماله وجنوبه .. كنت أتمنى أيضاً أن لا يتم تلويث هذه الانتفاضة بماشابها من تعبيرات غير مهذبة وهى تطالب بحقوق المصريين السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية المشروعة والتي تتنافى مع أخلاق المصريين المشهود لهم بالوسطية الدينية التى هى صلب الاسلام وجوهره .. ومن المؤكد أيضاً أن هذه التعبيرات واللافتات الخارجة عن حدود اللياقة والكياسة لم تكن من صانعي هذه الملحمة المبهرة وأنها جاءت من قصور ثقافي وسياسي في القدرة على التعبير عن الذات (كنتم أمة وسطا تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) صدق الله العظيم .. كان من الممكن أن يكون هذا مدخلا كبيرا لمكاسب اكثر .. حتى ندرأ عن أنفسنا تدخلات المتربصين بحياتنا .. الذين يخططون منذ زمن طويل لتفكيك رباطنا وسحقنا .. ونحن جميعاً نعرف من هم هؤلاء الذين يتصورون أن المجتمع المصرى ما زال قاصراً ويحتاج الى الوصاية .. كنت أتمنى أن لا تتجاوز الهتافات حدود الأدب كما قلت .. ومتأكد أن ذلك لم يكن من الشباب الذين يعرفون أهدافهم ويثقون فى قدراتهم على تحقيقها بالأدب والحوار ويعتمدون على الفكر الناضج والثقافة العالية .. وإنما قد يكون من (المندسين) الذين تم القبض على بعضهم أو من تم التغرير بهم إعتماداً على بساطتهم .. أو من الجنسيات الأخرى التي ثبت وجودها بين المتظاهرين .. من هنا أنبه وأصيح : (انتبهوا يا أولى الألباب) وهذا كلام موثق .. لقد وضعت بعض المنظمات الخارجية برنامجاً مدروساً وخطةً دقيقة منذ أكثر من عشر سنوات لتنفيذها ليس فى مصر وحدها – ولا أدري أين رد فعل الجهات الأمنية والرقابية على مثل هذه الخطة - إنما فى العالم العربي والإسلامي .. وذلك بدعوى السيطرة على هذا المجتمع الإسلامي المتخلف .. وتتلخص هذه الإستراتيجية التي خصوا بها مصر فيما يلى : الحكومة : يسيطر على الحكومة سياسيون غير شرفاء والفساد يبدأ دائماً من القمة (هم يقولون ذلك) وهذا يخدم اغراضنا جيداً . - هناك خمس عشرة مجموعة تتحكم فى الإقتصاد المصري ونحن اليوم ( ولست أدرى من هم) أكبر وأقدر مجموعة والباقين يتبعونا كالأغنام . - البنوك : في جميع الثمانية بنوك الكبرى .. على قدر الرشوة يكون حجم القرض الممنوح لك .. وهذا طيب لنا جداً وممتاز لأغراضنا . - الاقتصاد : يبدو في صورة جيدة .. وخطة إخواننا (ليس مقصوداً الاخوان المسلمين طبعاً) هى : أولا ً: تشجيع الحكومة على الخصخصة (وقد تمت) على قدر الإمكان حتى تكون أصول الأموال فى أيدينا . ثانياً : الإقتراض بأقصى ما يمكن من البنوك بإستخدام أقل الضمانات . ثالثاً : جمع الأموال بقدر المستطاع من سوق المال لكي نمتص كل المدخرات والأموال السائلة من السوق .. وهذا سهل تحقيقه ببيع أسهم من شركاتنا لعامة الشعب . رابعاً : إستخدام أقل القليل من رؤوس أموالنا وهكذا ستفقد البنوك أموال الودائع حيث ستكون قد إستخدمت فى القروض .. وبذلك تصبح مدخرات الناس إما مقيدة فى البنوك وإما فى سوق المال .. ولن يكون هناك أي سيولة في مصر .. ونحن واثقون أن هذا سيحدث إنهياراً سياسياً واقتصادياً فى مصر (وأحداث 25 يناير كما نرى شاهدة على ذلك) أكبر من الإنهيار الذي حدث فى أسيا . - خامساً : في هذا الوقت سنشترى أفضل الشركات ولأكبر المشروعات في مصرب 5% فقط من قيمتها .. وسنتحكم فى الإقتصاد عن طريق تملك أحسن وأكبر الأعمال فى مصر . - سادساً : وأخيراً لتحقيق سيطرتنا الكاملة على الإقتصاد نستطيع أن نستخدم المزيد من رؤوس الأموال من أصدقائنا فى الشمال (أمريكا .. اليهود طبعاً) وفى إسرائيل وتكون المهمة قد تحققت . ويستمر الكلام فتقول الخطة أو الإستراتيجية عن حزمة الأهداف والغايات مايلي : وغاية أهدافنا هي التحكم في البنوك المصرية وتخليصها من أيدي الحكومة بالخصخصة ورؤوس أموالنا وأموال أصدقائنا متاحةً لشرائها .. وصناع قرار خصخصة البنوك تحت سيطرتنا بالفعل .. ولايعنينا كم الأموال التي تربحها هذه البنوك .. فنحن فقط نريد السيطرة على ودائع الشعب فى أيدينا .. فإن هذه الودائع أموال سائلة سنستخدمها فى شراء كل ماتبقى فى مصر .. كما سنحول معظمها الى عملة صعبة فى الخارج حتى تختفي الأموال السائلة من السوق .. وعندما تصبح البنوك فارغة من النقد ستنهار وسينهار معها الجنيه المصري .. وسيصبح الإقتصاد كله رهينةً فى أيدينا .. وستكون الحكومة فى غاية الضعف ولن تقوى أبداً على أخذ الأصول من أيدينا .. وعندها سنملى شروطنا وشروط أصدقائنا المالية والسياسية على الحكومة .. ويتواصل عرض الخطة فتقول : إن رؤوس الأموال هى التى تحكم العالم الأن وليس السلاح .. وفي مصر نحن نخطط أن نتواجد فى جميع قطاعات الأعمال .. فاليهود يحكمون أمريكا عن طريق رؤوس أموالهم وسنفعل مثلهم بالضبط فى مصر .. ونحن الآن لدينا العديد من الأصول وإخترقنا معظم قطاعات الإقتصاد المصري .. وتتواصل الخطة فتقول : إن المال هو الذى يسيطرعلى كل شئ الآن ..ونحن نعد أن تكون القوة في مصر لنا ( لمن ؟ .. نحن نعرفهم ) عن طريق تملك قطاعات الإقتصاد على قدر الإمكان .. وعن طريق السيطرة على البنوك والإعلام .. وستكون الحكومة مجرد واجهة فقط لبعض الموظفين الذين نقوم بدفع رواتبهم .. وستنتهى معاناتنا التي استمرت 1400 سنة . وعندما تنهار مصر سينهار معها كل الشرق الأوسط (بدا هذا واضحاً الآن فيما رأيناه سابقاً ولاحقاً) حسب خطتنا وخطة أصدقائنا المحكمة (سوريا ولبنان تحت أرجل إسرائيل) .. (ليبيا وإيران مشلولتين بالمقاطعة) .. (العراق مقهورة بأمريكا) .. (السعودية والكويت وإمارات الخليج مستعمرة ومأمورة من أمريكا) .. ونحن سيكون لنا الأمر فى مصر . إذن لابد أن نعي جيداً أن هناك منظمات خارجية تتواصل مع عناصر داخلية تحاول تنفيذ أجندات خاصة ذات خلفيات دينية وسياسية وإقتصادية .. وتذكرنا بمنهج أمريكا فى الحرب الباردة عندما أرادت اسقاط النظام الشيوعي فى الإتحاد السوفيتي واختارت إستخدام نظام الحرب الباردة الثقافية لإسقاط وتفكيك الإتحاد السوفيتي .. يخطىء من يظن أن أمريكا ليس لها دور فيما يجرى فى مصر لصالح مصالحها السياسية والإقتصادية فى المنطقة ولصالح حليفتها إسرائيل (الإبن المدلل للنظام الأمريكي) .. فقد إنتهت أمريكا فى عهد بوش من العراق .. ويواصل أوباما فى فترة رئاسته تنفيذ باقي الأجندة الأمريكيه الأوروبية .. فينفصل السودان شمالاً وجنوباً ويلقي بالنظام التونسي في سلة مهملات التاريخ ثم ينتقل بعد ذلك الى النظام المصري حيث إنتهى دورهما ومايلى ذلك من أنظمة أخرى لها موعدها .. نعم نريد تجديد الدماء فى شرايين السياسة المصرية .. ولكن نرفضها من أي نظام أو دولة خارجية .. نثق أن أمريكا وإسرائيل وراء مايحدث ومعهما أيضاً بعض دول أوروبا .. لكن أيضاً نعرف أن حكامنا إستكانوا للدعة والإسترخاء وظنوا انهم مسيطرون علي الأوضاع في البلاد قابضون على زمام الامور .. ونسوا أن النار تحت الرماد تنتظر فقط من ينفخ فيها نفخة هينة فتشتعل لتمتد الى الجميع وتحرق الأخضر واليابس .. لا نريد ولا ننتظر من أحد – أياً كان هذا الأحد – أن يتدخل فى شئوننا الداخلية .. حتى ولوكان ذلك مقابل الرخاء والرفاهية .. وحتى لا نمكن إسرائيل من تنفيذ سياستها وأجندتها العسكرية بالعودة إلى سيناء التي نعرف أنها تتحين الفرصة للإنقضاض عليها .. وإذا لم تأتِ الفرصة فسوف تصنعها مع من يساندها .. وقد يكون ما حدث مقدمة لذلك لإحداث البلبلة والفراغ السياسي الذي يتمنون حدوثه للإنقضاض وفرض الهيمنة (العراق نموذجاً).. من ثم كنت أنتظر من الشباب المصري الذي أحدث حالة سياسية هزت وزلزلت أدمغة طواغيت السياسة أن تكون لديه الحاسة السياسية التي تجعله يقبض بقوة على ماحققه من إستجابة لمطالب التغيير .. وللتفاوض أصول علمية ينبغي أن يكون على علم بها كل من يحمل مطالب للتفاوض حولها .. أرجو أن نخرج سريعاً من هذه التجربة أكثر قوة وصلابة وبأساً وتماسكاً .. وأن نثبت للعالم أننا لسنا أصحاب حضارة عظيمة فقط .. ولسنا أصحاب حرب أكتوبر المجيدة فقط .. وإنما نحن المجتمع المصري الذى قدم للدول المتقدمة – ومايزال - عقولاً ساهمت إسهاماً كبيراً فى صنع تقدمهم العلمي الذى يفاخرون ويقودون به العالم الآن . أرجو فى النهاية أن يستوعب الساسة الدرس جيداً .. وأن ينفذوا المطالب التي طالب بها الشباب وكل المصريين معهم .. ولتحيا مصر حرة أبية .. حياة الإستقرار والحرية .....