خرَجْتُ إلى المَدْرَسة في خُطَى ثابتة وئيدة لا تُلَوى عَلى شئٍ ، عَينَاهَا لا تَرجِفَان شَاردَةُ اللُب تَنْتَظرُ النُور الذي يُضئِ ويُضفْى عَليهَا سَعَادَة يَومِهَا وكَأَنَهُ آتٍ مِنْ الأُفُقِ البعيد . رأته ، أشرق وجهها والتمست منه دفء كأنها التمست دفء من إشراقه الشمس في صباح يوم بارد كان طويل القامة عريض الكتفين واسع العينين كأنهما يتحدثان حديثا شجيا يبهج القلوب وهى توازى صدره بيضاء ملفوفة القوام عيناها بلون الفيروز شعرها بنى مسترسل إلى خصرها ثغرها صغير فتان تستمد إشراقه وجهها من عينيه .. ودنا منها ورنا إليها في حب . _ أزيك يا نبيلة _ بخير يا حسن _ لم أرك منذ ثلاثة أيام كل يوم انتظر لقاءك . آلم تذهبي إلى المدرسة ؟. _ نعم والدتي كانت مريضة . _ شفاها الله ودنا منها وراح يهمس إليها : _ أريد لقاءك فنظرت إيه نظرة في استحياء التقى خلالها عينه بعينها ، وهو لا يشبع من إجلاله عينيه بوجهها الجميل وكأنه يراودها مغازلا ويشجو لها عن وطأة بعدها عنه فغصت من بصرها حياء ، وانطلقت في خطى ثابتة وانطلق في آثرها يرصد قوامها البديع وعينه تتجولان في نهم ساقيها وأردافها ، وبلغ منها خطوة ووقف أمامها ونظر إليها نظرة أرهقت حواسها ودق قلبها ، ورآهم ولد حسن في طريقه توقف برهة ورمقها بنظرة بوجه متجهم فيها شيء من الازدراء والإعجاب ، وانطلقت في خطى سريعة حتى بلغت باص المدرسة ورمقته بنظرة من النافذة . روته حنانا وكأنه طفل ارتوى من ثدى أمه .. وبلغت المدرسة ونادتها صديقتها نورا : _ كيف حالك يا نبيلة ؟. _ بخير _ سوف تأتى معنا إلى الفريق المكلف من الهلال الأحمر للذهاب لتقديم المساعدة لإخواننا في فلسطين _ نعم هذا رائع سوف نبدأ بجمع التبرعات . وتقدمت نبيلة من خطها .. انتظري يا نبيلة . _ لم تحدثيني عن حسن : رأيته ؟ نعم ماذا قال لك ؟ قالت بصوت متهدج يلوح فيه شرود. _ قال لي كلمات مليئة بالمشاعر الرقيقة نبض لها فؤادي وتفتح إليها قلبي علمني كيف أحبه. كان يراودني غزلا . ويشغفني حبا ، لم ينبس منه بكلمة واحدة _ نعم ! _ إنه كلام العيون .( يا عبيطة ) _ نبيلة حسن مداعبا لكل الفتيات قالت في ثقة : _ ولكنى بالنسبة له شيء آخر يمكن أن يشترك في التبرعات . _ ها هو عيبه أنه لا يهتم غير بأمرين ، كيف يجذب الفتيات إليه وكيف يقضى وقته أمام النت _ لماذا هل هذا غرور بمظهره وتلهف الفتيات حوله؟ _ نورا الجمال ، جمال الجوهر وأنا أرى في أغواره جمالا روحيا ولكن دنيانا هي التي تؤثر على كل الشباب ليس حسن وحده .. الثرى يعيش واقع يتخيل أنه الحقيقة ويرضها .. والفقير مغلوب على أمره يدرك الحقيقة ولا يستطيع تغيرها . _ ولكن نبيلة ما هي الحقيقة ؟. _ تريها في عيون الشباب الضائع في عيون أولاد الشوارع في عيون أم مات طفلها في يد عدو جشع . قهقهت نورا قهقهة عالية وقالت : _ هذا كلام أكبر منى ومنك ، أشوفك على خير يا مصلحة المجتمع بلغت المنزل وجدت والدها عائدا من العمل مرهقا يغوص في المقعد ، دنت منه في خطى رشيقة طبعت قبلة على جبهته وبدت تداعبه في حنان ، فأشرق وجهه وقال : _ أنسيتيني متاعب يومي يا نبيلة ونظر إليها نظرة فيها ابتسامة هادئة يلوح من ورائها تساؤل . _ هل تريدين شيئاً يا نبيلة ؟! _ نعم يا بابا المدرسة مشتركة مع الفرقة المكلفة من الهلال الأحمر للذهاب لتقديم المعاونة لإخواننا في فلسطين وأنا أريد أن تسمح لى بالذهاب معهم وأريد التبرعات . _ أعطيك التبرعات ولكن تذهبي لا. لا أتحمل بعدك عنى وعن والدتك . الشكوك سوف تملأ رأسي. _ باب ملايين من الأطفال يقتلون في الحصار والقتال شهداء وأنا ذاهبة لتقديم معونة في آمان إذا مت سوف أموت شهيدة وإذا عشت سوف أعيش فخورة عظيمة . جلسوا يتناولون الطعام قالت الأم _ أنا لا أوافق على هذا الأمر يا نبيلة عقلي يتشتت لو غبت عنى يوما .. ووقفت نبيلة ودنت من والدتها وناولتها قطعة من البفتيك في فمها _ بابا لم يعطى قرار يا ماما لا تعقدي الموضوع دخلت نبيلة غرفتها واسترخت على السرير واضعة رأسها على الوسادة ، وإذا بصورة حسن تلحقها في كل مكان ، عن اليمين واليسار في كل مكان في كل صورة ، وظلت شاردة اللب أصابعها في فمها حتى دخلت عليها والدتها وقالت : _ أريدك تشترى بن من البقال يا نبيلة وقفت نبيلة مسرعة يلوح فوق وجنتيها بهجة فيها براءة الأطفال وطافت حول والدتها في رشاقة أصابعها في فمها رافعة ثيابها بيدها تكشف ساقيها تتأمل جمالها في المرآة وتأهبت الخروج في أحسن مظهر، ارتدت فستانا سماويا وحذاء سماويا وانطلقت إلى الدرج مهرولة وبلغت المحل وكأن حسن ينتظر لقاءها . أطلت عليه وكأنها هالة من النور خفق قلبه ودنت منه . _ أريد بن يا حسن وأسرع حسن واحضر لبن _ ما هذا يا حسن أريد بن _ ماذا قالت في دلال : _ بن يا حسن _ صوتك هذا أم صوت كروان ورنا إليها رنوه طويلة ، اجتذب فيها كل خيالها . قالت في استحياء : _ لماذا تنظر لي هكذا ؟ _ لا أستطيع أن أغض بصري عن هذا الجمال _ أنت مغازلاً لكل الفتيات يا حسن . _ لسن في جمالك _ سمعت أن كلية الآداب سوف تشترك مع الفريق المكلف من الهلال الأحمر للذهاب إلى فلسطين . _ نعم _ هل أنت مشترك ؟ _ لم يطرأ على بالى هذا الأمر ورمقته بنظرة فيها شيء من التعجب والسخرية وقالت : _ لم يطرأ على بالك مسلمين أوروبا والأجانب سارعوا بالتبرع بعد متابعتهم للصور الوحشية من العدو إلا تتابع أخبار ، إلا ترى نزيف الدماء كالأنهار ! . _ نعم أنت ملاك يا نبيلة لا تتحملين وطأة وعذاب والآخرين قلبك بستان من الحب شفتاك تقتر أعذب الكلمات عيناك تروى شعبا بالحنان نعم أنت ملاك لست مثل كل الفتيات . فأشرق وجه نبيلة وكأنها زهرة تتفتح من تلاقى قطرات الندى وغادرت المحل وعلى وجهها ابتسامة هادئة وكأن معين من الهوى قد نبض في فؤادها وبلغت البيت وانطلقت إلى والدتها متمهلة الأسارير ولمست ذراعيها وطبعت قبلة على جبهتها فانشرح صدر الأم وضمتها في حنان .. ودخلت نبيلة غرفتها تروح وتغدو والسعادة ترقص فوق وجنتيها وكل خلجة ترجف بحبه وكل حاسة من حواسها تنطق باسمه وقلبها يرقص على دقات قلبه حتى ارتمت على السرير شاردة اللب في كلماته التي شغفتها حبا . ولم تغفل عيناها ولا عيناه في هذه الليلة وظل حسن طوال هذه الليلة لم يعرف ذهنه الهدوء حتى أرسل إليها رسالة " نبيلة إن حبك ملأ شعاب قلبي حتى أن جفوني لم تعد تغفل لحظة واحدة أنا سوف أفاتح والدي في أمر زواجنا في الصباح " . عزم حسن على أن يفاتح والده في أمر زواجه كان والد حسن جالسا يتناول الإفطار ، ودنا منه في خطى وئيدة عيناه فيها جرأة وقلبه خافق مرتجف . قال في صوت متهدج : _ أريد أن أحدثك في موضوع يا بابا . نظر إليه وعلى وجهه ابتسامة هادئة : _ ماذا تريد يا حسن ؟ حسن : _ أريد أن أتزوج . نظر إليه بوجه مشرق : _ ومين سعيدة الحظ حسن : _ بنت الأستاذ عمر جارنا . نظر إليه الأب بوجه مكفهر وقال في عظمة وكبرياء: _ أنا أريدك تتزوج فتاة ذات حسب ومال سأزوجك منى بنت الحاج صلاح تاجر الأقمشة لدية سبع عمارات وهى طالبة في كلية الطب . حسن : _ ولكنى يا بابا أريد أن أتزوج نبيلة الأستاذ عمر رجل فاضل وسيرة حسنة وابنته أفضل الفتيات خلقا وجمالا أنا أحبها . الأب : _ لسنا في زمن الحب .. أنا أريد مصلحتك . حسن : _ لا يا بابا لا أريد غير نبيلة . تركه الأب عابس متجهم الوجه وقال : _ لا تحدثني في هذا الأمر مرة أخرى. وأحس حسن بصدره يضيق وأنفاسه تخمد وكأن دهاء أمتعض في قلبه وبعد ثلاثة أيام من حديث حسن مع والده بعث والد حسن إلى الأستاذ عمر يطلب منه ميعاد للقائه . وحدد الأستاذ عمر ميعاد ، وعندما علمت نبيلة بمجيء والد حسن أرسلت إلى نورا كي تأتى إليها ،لا وأعلمتها بمجيء والد حسن ليفاتح والدها . جاء والد حسن في أحسن مظهر على وجهه ابتسامة هادئة وطرق الباب ، فتحت له نبيلة وقلبها يرقص طربا . نبيلة : _ يا بابا الحاج مصطفى والد نبيلة : _ تفضل يا حاج وصافحه في حرارة وجلسا في غرفة الاستقبال وجاءت الأم تحمل صنيه عليها مشروب وإذا بجرس الباب يرن . ذهبت الأم تفتح الباب وقالت : _ نورا .. نورا : _ أزيك يا طنط كيف حال نبيلة الأم : _ تنتظرك في غرفتها فاتجهت نورا نحو غرفة نبيلة في خطى وئيدة عيناها تلوى على والد حسن ودخلت الغرفة وأغلقت الباب وقالت : _ نبيلة هل سمعت شيئا . نبيلة : _ لا . ووقفتا خلف الباب يستمعا لحديثهم وبدا والد حسن يقول : _ بصراحة يا أستاذ عمر أنا أريد مصاهرتك ، وأنت تعلم أملاكي ، فأنا لدى 50 فدان ، وعشر عمارات ، غير محلات البقالة . الأستاذ عمر : _ وأنا يشرفني يا حاج مصطفى ابنك شاب فاضل. الحاج مصطفى : _ لا أنت لا تفهمني يا أستاذ عمر ، أنا أريد أن أتزوجها . الأستاذ عمر : تتزوجها !! اربد وجه الأب وهب واقفاً وقال : _ هل تريد تأخذ زمنك وزمن غيرك أغرب عن وجهي أحست الأم بيد قوية تصهر قلبها ، سمعتا نورا ونبيلة حديثهما ، فأحست نبيلة بشرايينها تتمزق ونارا تتأجج في قلبها وقعت مغشيا عليها فأسرعت الأم وضمتها لحضنها والنار تتوهج في قلبها ... وضعتها والدتها ونورا على السرير .. وبدأ نورا تلمس شعرها بأناملها وتمسح على شعرها بالماء حتى بدت نبيلة تفق والأم غامرة بالبكاء نظرت نبيلة إلى والدتها _ تبكى يا أمي لا تحزني يا أمي .. دموعك هذه قطرة من دموع تفيض كالأنهار من حسرة أم فقدت أطفالها من قهر عدو جشع